سلمان... ماذا سيكتب التاريخ؟

الملك سلمان في مكتبه إبان توليه منصب وزير الدفاع السعودي (مؤسسة التراث)
الملك سلمان في مكتبه إبان توليه منصب وزير الدفاع السعودي (مؤسسة التراث)
TT

سلمان... ماذا سيكتب التاريخ؟

الملك سلمان في مكتبه إبان توليه منصب وزير الدفاع السعودي (مؤسسة التراث)
الملك سلمان في مكتبه إبان توليه منصب وزير الدفاع السعودي (مؤسسة التراث)

بنى الملك عبد العزيز مجداً لأمته بتوحيد أراضي جزيرة العرب وحماية محيطها، وتأسيس دولته الحديثة امتداداً لدولة أسلافه التي أعادت للعرب مكانتهم وهيبتهم بعد قرون من التفرق والشتات. كانت مهمته شاقة وعسيرة استلزمت تضحيات وواجهت تحديات، إلا أن المهمة الأصعب التي ورثها أبناء عبد العزيز حين توفي عام 1953 (1373هـ)، هي الحفاظ على استقرار البلاد.

كانت السنوات التي تلت وفاة الملك المؤسس مليئة بالتحديات والأزمات ومحاولات زعزعة استقرار المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من ذلك كانت أعوام بناء لكثير من مؤسسات الدولة ومرافقها، وتوسعات للحرمين الشريفين وعمران للمدن، وتطور للتعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، والطرق والمواصلات، وبناء الإنسان. كان الشغل الشاغل لقادة المملكة المحافظة على الأمن والاستقرار مع تنمية البلاد وتلبية حاجات إنسانها ونقلها إلى مصافِّ الدول المتقدمة، وكان لهم ذلك.

محاولات زعزعت الاستقرار خطَّطت لها حركات تحمل الآيديولوجيات اليسارية من ماركسية وشيوعية وبعثية وناصرية وقومية، لكنها تصف نفسها بالوطنية. كانت هناك عدة محاولات تستهدف نظام الحكم السعودي، جرى معظمها في الفترة ما بين 1954 و1969، ولنا أن نتخيل لو نجحت أي منها: كيف سيكون العالم اليوم من دون المملكة العربية السعودية؟ وكيف سيكون وضع الحرمين الشريفين؟ وما حال أسواق الطاقة وتأثير ذلك على الأمن والسلم العالميين؟ وماذا عن الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية والخليج؟ خصوصاً عندما نرى ما حلَّ ويحلّ بدول محيطة، وتتوالى الأسئلة: ماذا لو لم يوحِّد عبد العزيز (الكيان الكبير)، كما يحلو للمؤرخ الأستاذ محمد حسين زيدان أن يسميه؟ وماذا لو لم يحافظ على هذه الوحدة أبناء عبد العزيز؟

لقد كانت هذه التوطئة ضرورية لإدراك دور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، في خدمة الكيان الكبير لما يربو على سبعين عاماً، ومعاصرته ما مرَّت به البلاد من تحديات وتطورات، ومع ذلك لا يمكن لصفحات كهذه الإحاطة بسيرة ومسيرة الملك سلمان بن عبد العزيز، لكن التوقف عند بعض المحطات والمواقف قد يُلقي الضوء على جوانب من شخصيته ورؤيته، ويفسر ما وصلت إليه المملكة العربية السعودية تحت قيادته:شرف الخدمة.

خادم الحرمين الشريفين يرأس أعمال القمة الافتراضية لقادة دول مجموعة العشرين

لم تشر المصادر إلى تولي سلمان بن عبد العزيز أي منصب رسمي في عهد والده، وهو ينظر إلى الخدمة العامة على أنها واجب مَن تُسند إليه المسؤولية، «لأن الوطن أعطانا الكثير والكثير، لذا يجب ألا ننسى واجبه علينا». في حفل افتتاح مركز (الأمير) سلمان الاجتماعي في الرياض الذي أُقيم تحت رعاية الأمير سلطان بن عبد العزيز عام 1997 (1417هـ) ارتجل (الأمير) سلمان كلمة مؤثرة قال فيها:

«لم أسعَ في يوم من الأيام لأن أكون مكرما... لأنني أعتقد أن الإنسان عندما يتولى المسؤولية فهو يعمل واجباً عليه... أنا لم أقدم لهذه المنطقة أو لهذه البلاد شيئاً من عندي؛ بل كنت خادماً لملوك هذه البلاد، وكنت أتمنى أن أخدم والدي الملك عبد العزيز رحمه الله (قالها بتأثر واضح)، لكنني تمكنت من خدمة ديني وبلادي تحت إشراف الملك سعود والملك فيصل والملك خالد والملك فهد وولي عهده (الأمير) عبد الله، لذلك عندما طُرحت (الفكرة) وجاءني بعض الإخوة، رفضت فعلاً... وعندما جاءوني مرة أخرى وعرفت أن المشروع ليس تكريماً في مظهر؛ بل لإقامة عمل يخدم هذه المدينة وأبناءها المتكونين من كل أنحاء المملكة، وافقت، وهذا واجب عليّ...»، وهو هنا يشير إلى الفكرة التي جرى تداولها لتكريمه بمناسبة مرور 40 عاماً على توليه إمارة الرياض، وما تحقق من إنجازات. القصة طويلة وتفاصيلها كثيرة لكنَّ هذا الموقف يُظهر فلسفة خادم الحرمين الشريفين ونظرته إلى الخدمة العامة وأنها شرف للشخص المكلف بها، علاوة على كونها مسؤولية، وهو ما أظهره طوال خدمته المتصلة لدولته وقيادته من تفانٍ فيما أُوكل إليه من مهام وما تولاه من مناصب على مدى سبعة عقود. يقول شقيقه الأمير سلطان: «سلمان خير مَن حكم وجاهد وعمل في مدينة الرياض، لقد كان قوياً بحكمة، حازماً برحمة، وكان وفياً لخدمة دينه وولي أمره وما وُلِّي عليه من شعب، لذلك لا يُستكثر عليه أي أعمال يقوم بها أو قام بها فعلاً». هذا التفكير في الاستدامة والأثر الذي يبقى من خلال الاستفادة من المناسبات الاحتفائية أو التاريخية لم يكن الوحيد، فكثير من المشروعات القائمة اليوم في الرياض، مثل: مكتبة الملك فهد الوطنية، ومركز الملك عبد العزيز التاريخي، من ملامح الفكر السلماني التنموي الذي يستثمر الفرص والمناسبات التي تتوفر للمدينة ويحوِّلها إلى مشروعات مستدامة.

الأمير والإمارة

ارتبط سلمان (الأمير حينها) بالرياض وارتبطت به، فهي المدينة التي عاش بين جوانبها صباه وشبابه، وعاشت في داخله طوال حياته، تولى إمارتها ثلاث مرات: الأولى تكليفاً بالنيابة عن أخيه نايف بن عبد العزيز، أمير الرياض وقتذاك، حيث أصدر الملك سعود أمراً ملكياً في 16 مارس (آذار) 1953 (11 رجب 1373هـ)، بتوليه إمارة الرياض بالنيابة عن الأمير نايف الذي سافر في رحلة علاجية. والثانية بعد استقالة الأمير نايف بسبب ظروفه الصحية، حيث صدر المرسوم الملكي يوم 18 أبريل (نيسان) 1955 (25 شعبان 1374هـ)، بقبول استقالة الأمير نايف وتعيين (الأمير) سلمان أميراً للرياض، واستمر في المنصب حتى استقالته في 21 سبتمبر (أيلول) 1960 (30 ربيع الأول 1380هـ). وفي 4 فبراير (شباط) 1963 (10 رمضان 1382هـ) صدر الأمر الملكي بتعيينه أميراً لمنطقة الرياض للمرة الثانية التي استمرت لمدة 50 عاماً نقل الرياض خلالها نحو آفاق غير مسبوقة عمرانياً واقتصادياً وثقافياً.

خادم الحرمين الشريفين وولي العهد خلال حفل وضع حجر الأساس لمشروع بوابة الدرعية في نوفمبر 2019 (واس)

كانت إمارته للرياض تجربة فريدة في الحكم والإدارة والتنمية، فعلى مدى أكثر من نصف قرن ظل قريباً من قادة البلاد وشؤون الحكم، مطَّلعاً على الملفات ومشاركاً في اللقاءات ومبعوثاً للملوك، وتوسَّعت مهامه وازدادت وظائفه وكبرت مسؤولياته، وأصبح كبير مستشاري الملوك وعميد الأمراء وأمين سر الأسرة المالكة، يعرف أفرادها وتُحال إليه قضاياها ويحل مشكلاتها، وهذه في حد ذاتها مهمة ليست باليسيرة! وسأتوقف عند موقف رواه الدكتور عبد العزيز الثنيان الذي عمل عن قرب مع الملك سلمان عندما كان أميراً للرياض، يقول: «كنت ذات يوم في مكتب الأمير وأنا مدير تعليم الرياض، وكان في المكتب اثنان يعرضان للأمير المعاملات، وفجأة فتح الحارس باب المكتب ودخل أمير طويل القامة، حسن الصورة أحسبه في الـ40 من عمره، وحين رآه الأمير سلمان وقف على الفور ووقفنا وأنَّبه وقرَّعه ووبَّخه، واستمر في تأنيبه وتقريعه، ثم وضع الأمير سلمان يديه خلفه واستدار يمنةً ويسرةً، وعلا صوته، وقال: يا رجل أو تريد هدم المجد الذي بناه الملك عبد العزيز ورجاله؟! أو تريد تشويه الحكم والإمارة؟!

ووقف الرجل صامتاً فاغراً فاه مطأطئاً رأسه، والأمير سلمان يقرِّع ويؤدّب، ثم ختم الأمير سلمان حديثه بأن قال له: اخرج وأصلح ما خرّبت، وإياك أن تتصرف مثل هذا التصرف، واعلم أن خصمك ما تركك خوفاً منك، أو عجزاً عنك، ولكن تركك لأنه يعلم مكانتك ووجاهتك، ولكن اعلم أن مكانتك عندنا لا تسمح لك بالتعدي والتطاول. اخرج وأصلح ما أفسدت وإياك والعودة لمثل هذا التصرف، واعلم أن الشرع لأكبر رجل وأصغر مواطن، لا فرق بين هذا وذاك، ولا بين أمير وآخر، القضاء مطهرة، والقضاء للجميع. وخرج الرجل يندب حظه».

تلخص هذه القصة أسلوب سلمان في الحكم؛ فلا فرق عنده بين أمير وغيره، وأن الانتساب إلى الأسرة مسؤولية قبل أن يكون شرفاً.

خادم الحرمين الشريفين يزور منطقة قصر الحكم في مدينة الرياض 10 نوفمبر 2022 (واس)

كانت معرفة سلمان عميقة برجالات الدولة، وآليات عمل أجهزة الحكومة وبيروقراطيتها، إضافةً إلى تواصله مع مكونات المجتمع من العلماء والوجهاء والأعيان وشيوخ القبائل والمثقفين والأكاديميين والإعلاميين ورجال الأعمال وغيرهم. علاوة على سعة معرفته بالمسؤولين المدنيين منهم والعسكريين، على اختلاف مستوياتهم ومناصبهم ورتبهم ومراتبهم، ناهيك بدقته في معرفة الأسر والقبائل والأنساب والعلاقات الاجتماعية.

ذلك كله وغيره جعل تجربته في إمارة الرياض متفردة، وإنجازاته متميزة، مما جعل الملك فهد يختاره لرئاسة اللجنة التي أعدَّت مسوَّدة مشروع نظام المناطق الذي صدر عام 1992 (1412هـ)، وما مكَّنه، إضافةً إلى ما يتمتع به من بُعد نظر وعمق سياسي وفكر بنَّاء، من إدارة الكثير من الملفات والقضايا المهمة داخلياً وخارجياً، وكان بالنسبة لإخوته الملوك «رجل المهمات الصعبة». كأن نجاحاته في الرياض كانت مقدمة إلى ما حققه عند قيادته البلاد.

أروقة السياسة

مع كل المهام الموكلة إليه في الإمارة، لم يقتصر عمله على إدارته لعاصمة بلاده وشؤون أسرة الحكم والملفات الأخرى التي تتطلب جهداً استثنائياً وعملاً دؤوباً؛ بل كان سلمان حاضراً ومشاركاً في أدق المراحل السياسية التي مرت بها المنطقة.

عرف خلال رحلته الطويلة الأحزاب والحركات والتيارات السياسية في العالم العربي وغيره وتعرف إلى ارتباطاتها وخلفياتها وعقائدها وزعمائها، وتعمق في فهم الخريطة السياسية للدول وتوازنات القوى في العالم.

أعباء الحكم

انتقل من إمارة الرياض صاعداً في سلّم الحكم، فتولى ملف الدفاع عن البلاد في عام 2011 (1432هـ) خلفاً لشقيقه الأمير سلطان، وبدأ في إعادة تنظيم وهيكلة الوزارة والقوات المسلحة السعودية ووضع أسس استراتيجية الدفاع الوطني، وهو ما عُرف لاحقاً ببرنامج تطوير وزارة الدفاع.

ثم في عام 2012 (1433هـ) اختاره الملك عبد الله لولاية العهد خلفاً لشقيقه الأمير نايف، وعيَّنه نائباً لرئيس مجلس الوزراء مع احتفاظه بحقيبة «الدفاع»، فكان خير معين لمليكه، سانده في حماية مكتسبات البلاد وحفْظ أمنها واستقرارها في فترة التقلبات والقلاقل في المنطقة، وناب عنه في فترة مرضه متحملاً مسؤوليات الدولة وأعباء الحكم. وطوال مسيرته العملية رأس عدداً من الهيئات واللجان والجهات ونال كثيراً من الأوسمة.

خادم الحرمين الشريفين يزور منطقة قصر الحكم بالرياض في نوفمبر 2022 (واس)

 

 

كل هذه التجارب والخبرات زادت من معرفته بأبعاد الأمن الوطني السعودي ومهدداته، كما جعلته ينظر نظرةً مختلفة إلى أهمية تماسك الأسرة الملكية كونها الضامنة لاستقرار الحكم ووحدة البلاد وأمن الدولة، وأن أبناء عبد العزيز وبعد ذلك أحفاده هم الأمناء على العرش.

من هنا كان سلمان يعرف أسس استقرار البلاد وأهمها ترتيبات مؤسسة الحكم، والتحديات التي تواجه نقل السلطة إلى جيل أحفاد عبد العزيز، فقام فور مبايعته ملكاً إثر وفاة الملك عبد الله يوم 3 ربيع الآخر (1436هـ)، 23 يناير (كانون الثاني) 2015، بتهيئة ثم تمكين جيل من الأمراء الشباب لتحمل المسؤولية.

أما الأمر الثاني، فكان التحديث السعودي الشامل؛ مواكبةً لمتغيرات المرحلة ومواجهةً لتحديات العصر.

حمل سلمان رسالة عبد العزيز وتعمقت في نفسه، مستشعراً أن مهمته ليس المحافظة على كيان الدولة وحفظ مصالحها فحسب؛ بل توفير احتياجات المجتمع السعودي وخدمة الأمة، تلك هي رسالة عبد العزيز التي حملها أبناؤه من بعده، وكان هاجس كل منهم أن يؤدي الأمانة كاملة كما تسلَّمها، لكن المفارقة أن كل ملك من أبناء عبد العزيز لم يُسلّم البلاد لخلفه كما تسلمها؛ بل أفضل من ذلك!

ودائماً ما تتجلى حكمة وحنكة الملك سلمان في الأوقات العصيبة والأزمات الطارئة. يقول الدكتور توفيق الربيعة: «إنه في أثناء جائحة كورونا وحينما توالى صدور قرارات وقف العمرة ثم الصلاة في الحرمين الشريفين، وشاهد الملك عبر التلفزيون الحرم فارغاً من المصلين حزن وقال: يجب ألا توقَف الصلاة نهائياً في الحرم، يمكن للعاملين وموظفي شؤون الحرمين أن يجري فحصهم ويصلوا في الحرم، لكن يجب ألا توقَف الصلاة نهائياً. كان مهتماً جداً بمثل هذه التفاصيل، مهتماً بألا يُرى الحرمان فارغين وأبوابهما مغلقة بالكامل فأحبَّ أن يضع استثناءً للاستثناء».

لم أسعَ في يوم من الأيام لأن أكون مكرماً... الإنسان عندما يتولى المسؤولية فهو يعمل واجباً عليه

الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمة ارتجالية

إن سلمان هنا يستشعر مسؤوليته ليس بصفته ملكاً فحسب؛ بل بصفته إماماً للمسلمين أيضاً، لذا رأى العالم حرصه على إقامة شعائر الحج في بيئة منظمة وبأعداد محدودة خلال جائحة كورونا تعظيماً لشعائر الله واستشعاراً للمسؤولية والواجب الشرعي تجاه المسلمين من جهة، وتحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في حفظ النفس البشرية من جهة أخرى.

لقد عاش سلمان تاريخ بلاده وشارك في بنائها وأسهم في استقرارها، ووعى المخاطر المحيطة بها، وعاصر تحولاتها وانخرط في تنميتها، وكان أحد أركان الدولة وأعمدتها، كما كان صماماً من صمامات مؤسسة الحكم، وركناً من أركان الدولة لنصف قرن أو يزيد؛ خدم ملوك البلاد في عهود إخوته سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله، أميراً ووزيراً وولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، وفي كل هذه المراحل كان سلمان أكبر من المناصب وأفخم من الألقاب.

عهد ورؤية

وبعد فهذا قليل من كثير عن سلمان بن عبد العزيز الإنسان والمسؤول، ويبقى الأكثر ليُروَى ويدوَّن، لكن المهم أنه حين ينظر السعوديون إلى عهد الملك سلمان فسوف يجدون أنه ضخ تجديداً في شرايين الدولة جعلها أكثر قوة وأقدر على مواكبة العصر والانطلاق نحو المستقبل وفق رؤية واضحة ونهج إصلاحي شامل. لقد كانت خبرات سلمان وتجاربه على مدى سبعة عقود في دواوين الحكم وأروقة السياسة ودهاليز الحكومة وتوازنات الأسرة، علاوة على معرفته بفضاءات الثقافة وقنوات الإعلام ومؤسسات الصحافة، وقربه من جمعيات البر وهيئات الإغاثة والعمل الخيري مطَّلعاً على التفاصيل وملمّاً بالملفات وعارفاً بخلفيات الأشخاص وتوجهاتهم وانتماءاتهم، مدركاً للأخطار التي تحيط بالبلاد والتحديات التي تواجه الدولة والمجتمع... كانت عصارة 70 عاماً أثمرت خططاً ورؤىً مختلفة لمعالجة المشكلات المؤجلة وحلحلة القضايا المعلَّقة، فإذا أضفنا إليها قوة الشخصية ووضوح الرؤية وسرعة اتخاذ القرار أدركنا كيف تم كل ذلك التجديد والإصلاح في أعوام قلائل.

خادم الحرمين الشريفين لدى ترؤسه إحدى جلسات مجلس الوزراء في أكتوبر 2020 (واس)

لقد كان أحد أهم القرارات التي اتخذها الملك سلمان، إن لم يكن أهمها على الإطلاق، هو اختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، ضمن رؤية الملك الشاملة لتجديد الدولة ونقل الحكم إلى جيل الشباب، وهي الخطوة الأكثر جرأة وجسارة داخل مؤسسة الحكم منذ تأسيس المملكة العربية السعودية.

أتى هذا الاختيار الذي قُدمت فيه المصالح العليا للدولة على أي اعتبار آخر، ضمن رؤية الملك سلمان التجديدية الشاملة لمستقبل المملكة العربية السعودية، وستسطّر صفحات التاريخ أنه مَن قاد البلاد في هذه المرحلة السياسية بالغة الدقة والمنعطف التاريخي المهم، ونقل الحكم إلى جيل أحفاد عبد العزيز، وأعاد هيكلة الدولة وتجديد شبابها، مع المحافظة على النهج الذي قامت عليه البلاد. وحين تُذكر قائمة إنجازات سلمان ملكاً سيكون هذا الاختيار أولها إن لم يكن أبرزها، لذا نرى هذه العلاقة التكاملية بين الملك وولي عهده، وهذا الدور الكبير الذي قام به الأمير محمد بن سلمان بمتابعة وتوجيه من والده ومليكه سلمان بن عبد العزيز، الذي كأنما أراد أن يكون هو على ضفة العبور وولي عهده على الضفة الأخرى لتأمين انتقال البلاد إلى المستقبل. تصعب الإحاطة بجميع جوانب سيرة الملك سلمان، كما يتعذر حصر كل ما حققه من إنجازات طوال مسيرته؛ أما ما تحقق للبلاد والعباد منذ توليه مقاليد الحكم، فبدأت بإصلاحاته المؤسسية خلال الأسبوع الأول من حكمه بصدور عشرات الأوامر التي كانت مؤشراً وعنواناً للرؤية التجديدية للدولة، من خلال إعادة هيكلة الحكومة بإلغاء اللجان والهيئات والمجالس المتعددة وإنشاء مجلسين؛ أحدهما للشؤون السياسية والأمنية، والآخر للشؤون الاقتصادية والتنمية، وإدماج بعض الوزارات وضخ كفاءات شابة في شرايين الدولة.

خادم_الحرمين الشريفين لدى رعايته حفل وضع حجر الأساس لمشـروع القدية في أبريل 2018 (واس)

كانت تلك هي البداية التي استمرت لتطوير الأداء الحكومي وتسريع وتيرة العمل واستثمار الطاقات والكفاءات والرهان على الشباب. كان «الإصلاح الشامل» هو العنوان الأبرز لـ«الحكم السلماني» وجاء «التخطيط الاستراتيجي» سمةً فارقةً للمرحلة، إذ أعلن الملك سلمان أن هدفه الأول «أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على الأصعدة كافة، وسأعمل معكم على تحقيق ذلك». وبعد أن أدى المسؤولون الجُدد القَسَم أمامه قال إنه «يتمنى لهم التوفيق في أداء مهامهم لخدمة شعبنا الذي لن أقبل التقصير في خدمته».

المساءلة والشفافية ومكافحة الفساد برزت عناوين منذ البداية، ولو أردنا أن نلخص باقي العناوين العريضة للمرحلة لاحترنا؛ فمن تطوير القدرات العسكرية والدفاعية، إلى العناية بالأمن بمفهومه الشامل بما في ذلك الأمن الغذائي والسيبراني، ومكافحة التطرف والإرهاب، وتنظيم العمل الإغاثي والخيري، كما غدت الشراكات الاستراتيجية ملمحاً مهماً في السياسة الخارجية السعودية.

ثم أتى المشروع النهضوي الكبير (رؤية المملكة العربية السعودية 2030) ببرامجها ومبادراتها وحوكمتها ومستهدفاتها، فدخلت البلاد مرحلة التحول الكبرى اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، ومُكّنت المرأة كما مُكّن الشباب، وسجلت الصحة والتعليم قفزات نوعية وتقدمت المملكة العربية السعودية في التعليم الإلكتروني وفي مجال الابتكار والتطوير. وجاءت استجابة الحكومة للتعامل مع جائحة كورونا في المركز الأول عالمياً، وقدمت أنموذجاً متفرداً في إدارة الأزمات.

خادم الحرمين الشريفين يطلق 4 مشروعات نوعية كبرى لامست 23 مليار دولار (86 مليار ريال) في مدينة الرياض عام 2019 (واس)

ووصف البنك الدولي الإصلاحات السعودية «من بين أفضل 20 بلداً إصلاحياً في العالم، والثانية من بين أفضل البلدان ذات الدخل المرتفع ودول مجموعة العشرين من حيث تنفيذ إصلاحات تحسين مناخ الأعمال». كما تقدمت في سلم الترتيب العالمي لمؤشر البنية التحتية الرقمية للاتصالات وتقنية المعلومات، وصُنفت ضمن المراتب العشر الأولى عالمياً في سرعة الإنترنت. وحققت المركز الأول في التنافسية الرقمية على مستوى دول مجموعة العشرين. وفي المجال العدلي جرى تطوير الأنظمة والقوانين والبيئة التشريعية، حيث صدرت وعُدلت مئات الأنظمة واللوائح لمواكبة النهضة التشريعية التي تمر بها المملكة. كما حصلت وزارة العدل على جائزة «أفضل اتصال حكومي» على مستوى العالم العربي. وحُلحلت ملفات كان يُظَنّ فيما مضى أنه لا حل لها، كالبطالة والإسكان. أما القطاعات الأخرى: الطرق والنقل والصناعة والبيئة والثقافة والبلديات والتجارة والرياضة والسياحة والترفيه وغيرها، فحققت قفزات نوعية وإنجازات متعددة.

ونتيجة لكل ما تحقق من منجزات، حظيت المملكة بثقة عالمية جعلت منها إحدى الوجهات الأولى للمراكز العالمية والشركات الكبرى، ومراكز لنشاطات دولية متعددة في الرياضة والاستثمار والثقافة وبوابة تواصل حضاري، مما أسهم في اختيارها لاستضافة «إكسبو 2030»، وتنظيم كأس العالم عام 2034.

خادم الحرمين الشريفين يفتتح مشروع قطار الرياض في نوفمبر 2024 (واس)

لكن الثقة الأهم كانت ثقة الشعب السعودي بقيادته، وتقدُّم السعودية سنوياً في مؤشر السعادة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة، الذي يقيس مؤشرات السعادة والرفاهية وجودة الحياة.

لقد ترجم ولي العهد رؤى الملك وجعلها واقعاً معيشاً، وبطريقة مذهلة جعلت من سعودية اليوم شيئاً مختلفاً، ومع ذلك تظل امتداداً لما سبقتها من مراحل وليست منفصلةً عنها، يدل على ذلك الثبات على المبادئ والأسس التي قامت عليها الدولة والاتكاء على الإرث التاريخي والعمق الحضاري لها، كأن عهد سلمان هو المسار الذي ربط الماضي بالمستقبل والذي مزج بين مرحلتين تتمِّم إحداهما الأخرى وتكون امتداداً لها وتثبيتاً لدعائمها.

واليوم ونحن نكتب شيئاً من تاريخ سلمان، نقرأ في الوقت ذاته رؤيته وإنجازاته وهذه النهضة الكبرى التي يقودها للعبور إلى المستقبل، يقول الدكتور زين العابدين الركابي: حسب زعيمٍ من النجاح، أن يجتنب العواصف، ويغالب الأنواء وهو يقود سفينته إلى البر الآمن... أما أن يضيف إلى هذه المهمة الصعبة «رؤية تقدمية» في العمل والبناء فإن هذا هو النجاح «النادر» أو «الفريد».

وقبل الختام أود التأكيد أنني هنا قارئ لتاريخ ولست مدوناً لسيرة سلمان بن عبد العزيز، حرصت من خلال هذه القراءة على كتابة قبسات عن زوايا في حياته، وجوانب من مسيرته، وإضاءات عن بعض أدواره ومواقفه، أسطرها؛ وأتوجه من خلالها إلى الباحثين والمؤرخين أن ينقّبوا في ثنايا هذا التاريخ وأن يعتنوا بحثاً وتحليلاً بجوانب هذه السيرة، فسبعون عاماً في خدمة الدولة وفي أعلى المناصب ومن ثم قيادتها في واحدة من أدق المراحل ليست بالقصيرة ولا باليسيرة؛ بل تستحق أن يُحاط بها وأن تُتناول من جميع نواحيها.


مقالات ذات صلة

60 شاحنة إغاثية سعودية تتجه إلى سوريا

الخليج القوافل الإغاثية السعودية في اتجاهها إلى سوريا (مركز الملك سلمان للإغاثة)

60 شاحنة إغاثية سعودية تتجه إلى سوريا

واصلت السعودية عطاءها الإنساني اللامحدود للسوريين، حيث اتجهت من العاصمة الرياض، السبت، 60 شاحنة إغاثية تحمل على متنها مساعدات متنوعة إلى سوريا.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء (الشرق الأوسط) play-circle 00:54

السعودية تجهّز «مجمع الملك سلمان» ليصبح موطناً لتصنيع السيارات المستدامة عالمياً

جاء إعلان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، إطلاق تسمية «مجمّع الملك سلمان لصناعة السيارات» ليصبح موطناً لتصنيع المركبات.

بندر مسلم (الرياض)
الخليج أفراد من خدمات الطوارئ في موقع الحادثة الثلاثاء (أ.ف.ب)

خادم الحرمين وولي العهد يُعزيان في ضحايا إطلاق نار بالسويد

بعث خادم الحرمين الشريفين وولي العهد برقيتي عزاء ومواساة، لعاهل السويد إثر حادثة إطلاق نار بمدرسة في بلاده.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الهيئة دعت إلى الاستفادة من القواعد بصفتها إحدى صور العدالة الرضائية (الشرق الأوسط)

السعودية تقرّ قواعد إجراء التسويات مع مرتكبي جرائم الفساد

صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بالموافقة على قواعد إجراء التسويات المالية مع مرتكبي جرائم فساد من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)

خاص 10 سنوات من حُكم الملك سلمان تصعد بالسعودية إلى قمة العالم

أصبح عنوان السعودية بعد تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم «الابتكار والتمكين والنهضة الاقتصادية والاجتماعية».

غازي الحارثي (الرياض)

10 سنوات من حُكم الملك سلمان تصعد بالسعودية إلى قمة العالم

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)
TT

10 سنوات من حُكم الملك سلمان تصعد بالسعودية إلى قمة العالم

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز (واس)

«منّي عليكم يا هل العوجا سلام». يتكرر هذا المقطع من قصيدة سعودية واسعة الانتشار أشارت بعض المصادر التاريخية إلى أنها قيلت بعد معركة البكيرية التي خاضها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن قبل أكثر من قرن.

في عام 1436ه، وفي الشهر ذاته من تلك المعركة، تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في السعودية، وما زال لتلك الأبيات وقعها وما زال السعوديون، يتداولون باستمرار تلك الصور والفيديوهات التي تظهر تأثر مليكهم بمعانيها وتاريخها، وجادل الكثير من المؤرّخين بأن الملك سلمان أحد المراجع التاريخية الأكثر رصانة في سرد تاريخ البلاد منذ تأسيسها قبل 3 قرون وحتى مرور 10 سنوات من حكمه لها.

ضمان المستقبل باختيار ولي عهد شاب

بعد أيام من احتفاء السعوديين باليوم الوطني الـ94 لبلادهم، تحلّ اليوم ذكرى وطنية خاصة تتمثل بالذكرى العاشرة لتولّي الملك سلمان مقاليد الحكم في البلاد، في فترةٍ مفصلية بتاريخها، قاد خلالها مؤسسة الحكم السعودية للانتقال من جيل أبناء المؤسس إلى جيل أحفاده.

بدأت البلاد بذلك دورة حياة جديدة انطلقت معها نهضة اقتصادية واجتماعية ورافقها ثقل سياسي، وإعادة إحياء للمكتسبات ومكامن القوة التاريخية، وأصبح عنوان المرحلة «الابتكار والتمكين والنهضة الاقتصادية والاجتماعية» بعد أكثر من 55 عاماً قضاها الملك سلمان حاكماً للعاصمة الرياض، في مدة من أطول فترات الخدمة لحاكم محلي قبل أن يتولى ولاية العهد ووزارة الدفاع في 2012 ثم الحكم في العام 2015.

دبلوماسية فعّالة بـ160 زيارة و29 قمة

نظراً للدورين الإقليمي والدولي اللذين أثبتت الرياض قدرتها على قيادتهما خلال حكم الملك سلمان، حيث ركّزت السعودية على التعاون متعدد الأطراف فأسّست مع عدد من الدول عدداً من التحالفات لأول مرة، مثل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، ويضم في عضويته 42 دولة، بالإضافة إلى تحالف دعم الشرعية في اليمن، كما أصبحت السعودية وجهة لكثير من زعماء العالم للتنسيق والتشاور وتعزيز التعاون نظير الدور المتصاعد للبلاد على المسرحين الإقليمي والدولي.

الملك سلمان بن عبد العزيز لدى زيارته أندونيسيا ولقاء رئيسها جوكو ويدودو في أبريل 2019 (واس)

وإلى جانب الزعماء وقادة الدول الذين استقبلهم الملك سلمان خلال القمم والمناسبات الكبرى التي استضافتها البلاد، أو على هامش الفعاليات الدولية الكبرى، فقد استقبل الملك سلمان منذ توليه الحكم ما يزيد على 160 زيارة من قادة الدول والحكومات، في رقم قياسي أظهر أهميّة السعودية وثقلها خلال المرحلة التي تولى فيها الحكم والسياسات التي تنتهجها البلاد تجاه المنطقة، كما احتضنت السعودية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، أكثر من 29 قمة تعدّدت ظروفها ما بين قمم اعتيادية ولقاءات تشاورية، وطارئة، توزّعت في أربع مدن ومحافظات (الرياض، جدة، مكة المكرمة، الظهران، العُلا).

كما أجرى الملك سلمان أكثر من جولة خارجية في زيارات رسمية أو تمثيل بلاده في مناسبات دولية أو إجازات خاصة، وشملت في البداية الولايات المتحدة ثم دول مجلس التعاون الخليجي، كما زار عدداً من الدول الآسيوية في جولة شملت ماليزيا، وإندونيسيا، وبروناي، واليابان، والصين، والمالديف، بالإضافة إلى الأردن، ومصر، وتركيا، وروسيا، والصين والمغرب.

وشهدت السياسة الخارجية السعودية حراكاً دبلوماسياً متصاعداً خلال السنوات الماضية من عهد الملك سلمان؛ إذ أخذت السعودية على عاتقها حماية أمنها القومي الذي كان يواجه تهديداً بالغ التعقيد آنذاك في ضوء التحركات الإيرانية التي أكّد عليها آنذاك رئيس الوزراء الإسرائيلي بالقول إن إيران تسيطر على أربع عواصم عربية، وبرّر مسؤول إيراني ذلك بأنه دليل تنامي نفوذ بلاده في المنطقة.

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لدى استقباله الدكتور رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني وأعضاء المجلس في جدة خلال شهر مايو 2022 (واس)

وأعلنت السعودية تأسيس تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية لمواجهة انقلاب الحوثيين على الحكومة اليمنية في مطلع عهد الملك سلمان، ونجحت في حماية حدود البلاد الجنوبية ودعم الشرعية اليمنية في مسعاها لمنع الحوثيين من السيطرة على كامل الأراضي اليمنية.

وفي يوليو (تموز) 2017، أعلن الديوان الملكي السعودي أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أجرى خلال الأيام الماضية الاتصالات اللازمة بالكثير من زعماء العالم، بمن فيهم الرئيس الأميركي (آنذاك) دونالد ترمب، لبذل مساعيهم لعدم إغلاق المسجد الأقصى في وجه المسلمين، وعدم منعهم من أداء فرائضهم وصلواتهم فيه، وتكلّلت هذه الجهود بالنجاح وأعلنت الشرطة الإسرائيلية حينها إزالة كل الإجراءات الأمنية التي استحدثتها في الحرم القدسي، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» باسم الآغا، سفير فلسطين في الرياض، أن «تواصل وتحركات الملك سلمان بن عبد العزيز وتضحيات أبناء الشعب الفلسطيني ودعم مخلصي الأمة، أفشل المخطط الصهيوني، وهو ما سيقود لانتصارات قادمة»، على حد تعبيره.

وفي سبتمبر (أيلول) 2018، رعى الملك سلمان اتفاق إنهاء الصراع بين إثيوبيا وإريتريا وتوقيع مصالحة بينهما في قمة ثلاثية بمحافظة جدة، غرب السعودية، بعد نزاع دموي استمر لأكثر من عقدين.

وخليجيّاً، أجرى الملك سلمان جولة خليجية شملت الإمارات، وقطر، والبحرين والكويت، في ديسمبر (كانون الأول) 2016، لقيت الترحيب والإشادة وانعكست على العلاقات الخليجية – الخليجية وفقاً لمراقبين فيما بعد، أحرزت رؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، لتعزيز وتفعيل العمل الخليجي المشترك، التي أقرّها المجلس الأعلى في دورته الـ36 عام 2015، تقدّماً في تنفيذها وفقاً لبيان القمة الخليجية الماضية.

وأعاد «بيان العُلا» الخليجي في مطلع عام 2021، العمل الخليجي المشترك إلى مساره الطبيعي، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، مؤكداً على وحدة الصف والتماسك بين دول المجلس والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، لتعود بذلك العلاقات الكاملة بين السعودية ومصر والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى بعد قطعها في يونيو (حزيران) 2017.

«لا مكان للتطرف والانحلال»

ومع الصعود الذي بدأت تشهده البلاد على أكثر من صعيد بعد أشهر من تولي الملك سلمان الحكم، وضع الملك النقاط على الحروف وأكّد في كلمة تاريخية أمام مجلس الشورى عام 2017 أنه «لا مكان بيننا لمتطرف يرى الاعتدال انحلالاً ويستغل عقيدتنا السمحة لتحقيق أهدافه، ولا مكان لمنحلٍّ يرى في حربنا على التطرف وسيلة لنشر الانحلال»، ووضعت هذه الكلمة التاريخية الأنظمة والتشريعات في السعودية على أبواب التطوير لتتوافق مع ما ينتظر البلاد من مستقبل اقتصادي تعيشه اليوم، وانفتاح على العالم ومختلف الثقافات.

تعزيز الهويّة الوطنية

وسعت السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إلى تعزيز الهوية الوطنية بزخم غير مسبوق، في ضوء برامج تعزيز الثقافة والتراث وتمكين «وزارة الثقافة»، فضلاً عن البرامج والمشروعات الاقتصادية ذات البعد الذي يعزّز الهوية التاريخية، على غرار منطقتي العُلا شمال البلاد، والدرعية العاصمة الأولى للدولة السعودية، وأصبحت الهوية السعودية في أفضل أحوالها اليوم وفقاً لمراقبين محلّيين ودوليّين للشأن السعودي.

ويظهر ذلك المسعى في معرض إجابة ولي العهد عن سؤال حول مشروع «الصحوة» الذي كان سائداً: «استطعنا خلال سنة واحدة أن نقضي على مشروع آيديولوجي صُنع على مدى 40 عاماً، وسنعود بالسعودية إلى الإسلام المعتدل». وأضاف في تصريحٍ آخر، أن «الهويّة السعودية قويّة وتزداد قوة وتطوراً بالانفتاح، وإن أصحاب الهوية الضعيفة هم من يقلقهم الانفتاح على العالم».

تقوية مركز الدولة

وصدر عدد من التشريعات في سبيل تعزيز مركز الدولة الذي بات وفقاً لمتابعين في حالةٍ أقوى بوضوح معالم رؤية البلاد عند إطلاق «رؤية 2030» آنذاك، لتتكامل فيها جهود هياكل الدولة، واستدل على ذلك ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال مقابلة تلفزيونية في أواخر أبريل (نيسان) من عام 2021، قائلاً: «بسبب ضعف مركز الدولة، وعدم وجود سياسة عامة، لم تتمكّن وزارة الإسكان من أن تحول مبلغ 250 مليار ريال رُصدت لها في 2011 و2015 إلى مشروعات على الأرض». واستطرد: «لا يستطيع وزير الإسكان النجاح دون أن تكون هناك سياسة عامة للدولة بالتنسيق مع البلديات، والبنك المركزي، والمالية، وسن التشريعات والقطاع الخاص إلى آخره، فمثلاً الـ250 ملياراً أُعيدت للخزينة وصرفت ميزانية سنوية؛ لكن كانت نتائج ذلك ارتفاع نسبة الإسكان من 47 في المائة إلى 60 في المائة في 4 أعوام فقط، وهذا يشير إلى أين نحن متجهون».

كما توجهت السعودية خلال السنوات العشر الماضية من حكم الملك سلمان إلى إطلاق عشرات البرامج والاستراتيجيات الوطنية، لإعادة هيكلة وتنظيم القطاعات الحيوية في البلاد، والقطاعات الجديدة والمستحدثة، بما ينعكس على أداء تلك المنظومات، على غرار «الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجيستية، واستراتيجية قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، والاستراتيجية الوطنية للاستثمار، والاستراتيجية الوطنية للسياحة»، فضلاً عن استراتيجيات المناطق وتأسيس هيئات التطوير التي من شأنها استحداث الفرص الاستثمارية والتنموية، وتعزيز الجهود لدعم اقتصاد المدن، بالإضافة إلى إنشاء وزارات جديدة تُعنى بتعزيز إمكانات البلاد في قطاعات غير معزّزة في السابق مثل «وزارة الصناعة» علاوةً على تنظيم وترتيب مهام الكثير من الوزارات الأخرى.

تحقيق 87 % من أهداف «رؤية 2030»

وبجانب التغيّرات التي طرأت على كل ما يرتبط بالبلاد داخليّاً وخارجيّاً، اتّسم الاقتصاد السعودي مع تولي الملك سلمان مقاليد الحكم، بمستهدفات جريئة مثل (تنويع مصادر الدخل، وترشيد الاعتماد على النفط، وتحسين جودة الحياة) بما ينعكس على كل الجوانب الإنسانية، في ضوء المشروع التنموي للإصلاح الاقتصادي والانفتاح الاجتماعي «رؤية السعودية 2030» التي وافق عليها مجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان في أبريل (نيسان) عام 2016، وأوشكت على أن تكمل 87 في المائة من أهدافها بعد 8 سنوات من إطلاقها، وفقاً لوزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، رغماً عن الطوارئ الاقتصادية والسياسية التي عصفت بالعالم في أكثر من مكان، وأهمها جائحة «كوفيد - 19».

عقد من الزمن يُضاعف حجم الناتج المحلي

وفي برهان على نجاح الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة السعودية خلال السنوات الـ10 الماضية من حكم الملك سلمان، قفز الناتج المحلي الإجمالي وفقاً للهيئة العامة للإحصاء من 2.4 تريليون ريال (654 مليار دولار) في العام الأول لحكم الملك سلمان إلى نحو 4 تريليونات ريال سعودي (أكثر من تريليون دولار) في العام الماضي 2023، بينما زاد حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى أكثر من 17.6 مليار دولار في 2022، وهو الأعلى منذ عقد؛ ما يكشف ثقة المستثمرين العالميين في الاقتصاد السعودي.

ولتدعيم التوجّه نحو تنويع مصادر الدخل الوطني، عمل «صندوق الاستثمارات العامة»، على تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين، بتأسيس منظومات وقطاعات جديدة باسم «المشروعات الكبرى»، وهي تعتمد على التقنية والمعرفة وتعزز من استخدامها في السعودية، وتُسهم في اكتساب الهوية السعودية والإرث المحلي التاريخي زخماً غير مسبوق، وتوسّع دور الصندوق ليصبح أحد أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، حيث استثمر في الكثير من المشاريع المحلية والعالمية وبات لدى السعودية خمسة مشاريع كبرى.

وإضافة إلى النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، ساهمت المشروعات الكبرى في جعل السعودية في مقدّمة الدول الجاذبة للاستثمارات والسياح؛ ونتيجةً لذلك فازت البلاد خلال السنوات العشر الماضية بتنظيم واستضافة مناسبات دولية كبرى مثل «إكسبو 2030» و«كأس العالم 2034» و«كأس العالم للأندية» و«كأس آسيا لكرة القدم 2027» و«دورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029» في تروجينا بنيوم وغيرها من المناسبات الكبرى، كما استضافت الكثير من القمم والمؤتمرات والمنتديات التي لم تستضفها بهذا القدر من قبل في مجالات الاقتصاد والتنمية والبيئة والطاقة والذكاء الاصطناعي مثل الاجتماع الخاص الأول من نوعه للمنتدى الاقتصادي العالمي، ومنتدى مبادرة مستقبل الاستثمار.

كما حققت الرياضة السعودية نهضة غير مسبوقة، خصوصاً على صعيد كرة القدم، مع استقطاب «دوري روشن السعودي» عدداً من كبار النجوم العالميين من لاعبين ومدربين، ضمن مشروع رياضي ساهم في جذب الأنظار إلى السعودية والقطاع الرياضي فيها.

مكافحة الفساد

ودخلت البلاد منذ انطلاق «رؤية 2030» التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بإشراف من خادم الحرمين الشريفين، في ورشة عمل تنموية وبرامج إصلاح اقتصادي جذرية، كان في مقدّمتها فعلياً خطط مكافحة الفساد المالي والإداري، ومكافحة الهدر المالي في أروقة الحكومة على أعلى مستوى.

ولأجل ذلك؛ أصدر الملك سلمان في نوفمبر 2017، أمراً ملكياً بتشكيل «اللجنة العليا لمكافحة الفساد» برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهي أول لجنة عليا لمكافحة الفساد في السعودية، وجعل للّجنة أن تقوم «استثناءً» من الأنظمة والتنظيمات والتعليمات والأوامر والقرارات بحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة في قضايا الفساد العام، وبالتحقيق وإصدار أوامر القبض والمنع من السفر، واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام، مع رفع تقرير مفصّل إلى خادم الحرمين الشريفين عند إكمال اللجنة مهامها وما توصلت إليه.

وأنجزت اللجنة في أيامها الأولى إحدى أشهر قضايا مكافحة الفساد التاريخية فيما عُرف بـ«قضية الريتز» بعد احتجاز عدد من الموقوفين من أمراء ومسؤولين كبار وسابقين بتهم الفساد، أسفرت عن تسويات أوّلية تقدر بنحو 50 مليار ريال، وفقاً لمصدر سعودي تحدّث لـ«رويترز».

المرأة إلى جانب الرجل في التنمية... و6 سفيرات

وفضلاً عن إماطة ملف «قيادة المرأة للسيارة» عن طريق الإصلاح الداخلي، من خلال الأمر الملكي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، فقد توسّعت مساهمة المرأة في التنمية، وتبوّأت مناصب حكومية ودبلوماسية كبرى لأول مرة في البلاد، فأصبح لدى السعودية 6 سفيرات في دول مهمّة، وتضاعفت مشاركتها في سوق العمل، لتحقق السعودية أسرع نسبة نمو في مشاركة المرأة في العالم، فقد قفزت نسبة المنشآت التي تقودها النساء من 21.5 في المائة لعام 2016، لتبلغ 45 في المائة لعام 2022، من إجمالي الشركات الناشئة، وفقاً لإحصاءات رسمية.

الحوكمة ورقمنة الخدمات

وانتقلت الحكومة السعودية إلى تأسيس واقع جديد لتعاملاتها عبر مبدأين: الأول الحوكمة في مجالس إدارات القطاعات المستحدثة والبرامج الجديدة المنبثقة عن «رؤية 2030»، والآخر «الحكومة الرقمية» التي غيّرت من شكل التعاملات القديمة، وساهمت في التقليل من البيروقراطية التقليدية التي كانت سمة قديمة في القطاعين العام والخاص، وفقاً للمستخدمين.

ووافق مجلس الوزراء على إنشاء «هيئة الحكومة الرقمية» في مارس (آذار) عام 2021، في نقلة نوعية نحو تعزيز الأداء الرقمي داخل الجهات الحكومية، ورفع جودة الخدمات المقدمة، وتحسين تجربة العملاء مع الجهات الحكومية، وحققت البلاد تقدماً كبيراً في تبني الحكومة الإلكترونية، ليصل إجمالي إنفاق الحكومة على التحول الرقمي العام الماضي أكثر من 3 مليارات دولار، وفقاً لأرقام رسمية.

وفي سياق مواجهة جائحة كورونا، أحرزت السعودية نجاحاً في التحول الرقمي، حيث طوّرت تطبيق «توكلنا» الذي بات فيما بعد جزءاً أساسياً من الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين، كما فعّلت منصات التعليم عن بعد لضمان استمرار العملية التعليمية لجميع المراحل الدراسية، واستفاد من هذه المنصة أكثر من 6 ملايين طالب، وفق وزارة التعليم.

«كورونا»... التزام داخلي وقيادة دولية

كانت جائحة كورونا (كوفيد - 19) إحدى أكبر الأزمات العابرة للقارّات والتي عانى منها العالم خلال القرن الحالي، كما كانت أحد أكبر التحديات التي واجهتها السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، خصوصاً أنها كانت تترأس «مجموعة العشرين» حينها؛ ما يجعلها في موقف قيادة دولي بارز لمواجهة الجائحة، ودعا خادم الحرمين الشريفين إلى عقد جلسة طارئة لقادة دول مجموعة العشرين لمناقشة مبادرة السعودية لمساعدة الدول المتضررة من تداعيات جائحة كورونا (كوفيد - 19)، وتبنّى القادة المبادرة السعودية وعملوا على تنفيذها، وأكد المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور عبد الله الربيعة، أن السعودية قدمت 713 مليون دولار خلال 2020، لدعم الدول لمواجهة جائحة كورونا (كوفيد - 19).

داخليّاً، أخذ الملك سلمان وحكومته زمام المبادرة، وفي كلمةٍ موجّهة للمواطنين والمقيمين في السعودية طمأن الجميع بثقة منقطعة النظير، قائلاً: «إن بلادكم مستمرة في اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية لمواجهة هذه الجائحة، والحد من آثارها، مستعينةً بالله تعالى، ثم بما لديها من إمكانات، في طليعتها عزيمتكم القوية في مواجهة الشدائد بثبات المؤمنين العاملين بالأسباب». ووضعت هذه الكلمات الإطار العريض لكيفية مواجهة البلاد هذه الجائحة فيما بعد.

اتخذت السعودية الكثير من الإجراءات الفعالة وحققت إنجازات بارزة للحد من آثار الجائحة وضمان سلامة المواطنين والمقيمين على أراضيها، وكشف وزير الصحة السعودي، فهد الجلاجل، عن أن بلاده بقيادة الملك سلمان وفّرت العلاج للجميع دون استثناء للمواطنين والمقيمين بما فيهم مخالفو نظام الإقامة، وكذلك رفع الطاقة الاستيعابية لجميع الخدمات الصحية، في غرف العناية المركزة والمستشفيات، وتوفير كل الإمكانات اللازمة من الأدوية واللقاحات والمختبرات والأدوات والتجهيزات في وقت قياسي، وتسخير الأنظمة التقنية لمواجهة الجائحة.

وفي آخر مؤتمر صحافي دوري حول «كوفيد - 19»، كشف المتحدث باسم وزارة الصحة محمد العبد العالي، عن أن الإجراءات التي اتخذتها السعودية كانت عالية التأثير لحماية المجتمع بتضافر الجهود الحكومية وتغطية أكثر من 99 في المائة من المستهدفين بالتطعيم.

 

وكان من أبرز العوامل التي أسهمت في احتواء انتشار الفيروس استعداد السعودية المبكر، وقوة نظامها الصحي، حيث بلغ معدل الإصابة في السعودية 9 إصابات لكل 1000 نسمة، ووصل التوصل في إجراء الفحوص معدل 13 ألف فحص لكل 100 ألف نسمة، في حين وصل معدّل الإماتة بين المصابين إلـى 1 في المائة، بالمقارنة مع المعدل العالمي الذي بلغ 3.47 في المائة حتى نهاية أغسطس (آب) 2020.

واقتصاديّاً، أطلقت السعودية برامج دعم مالي للشركات الصغيرة والمتوسطة المتضررة من الجائحة، وشمل ذلك تخصيص ما يربو على 18 مليار دولار لمساعدة الشركات على تجاوز آثار الجائحة، وحزمة تحفيز اقتصادي بلغت 32 مليار دولار لدعم الاقتصاد خلال الجائحة، وتضمّن الدعم إعفاءات وتأجيلات للرسوم والضرائب، وأقرَّ البنك المركزي برنامجاً بـ13 مليار دولار، شمل تأجيل المستحقات لستة أشهر وتقديم التمويل الميسر للشركات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب الكثير من البرامج والمبادرات النوعية لمساعدة المجتمع على التعافي ومواجهة التأثيرات الاقتصادية والانعكاسات السلبية.

إلى جانب ذلك، نجحت السعودية في تأمين الحج والعمرة، فخلال موسم حج 2020، طبَّقت إجراءات وقائية صارمة، لتتمكّن البلاد من إدارة الحج بنجاح مع تقليل عدد الحجاج إلى 10000 فقط مقارنة بملايين الحجاج في السنوات السابقة، كما استخدمت التقنية وجميع الأدوات المتاحة لمساعدة الحجاج والمعتمرين على إتمام شعائرهم خلال تلك المرحلة.

إلى جانب ذلك، شرعت السعودية بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين في إجراءات تهدف إلى توطين إنتاج اللقاحات والتقنيات الطبية بالتعاون مع شركات عالمية؛ لتعزيز أمنها الصحي المستقبلي.

السياحة والترفيه

لم يكن قطاع الترفيه مفعّلاً في السعودية، وقد يكون ملغيّاً بالكامل من أجندة الحكومة في العقود السابقة، حتى مايو (أيار) 2016، حينما أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء «هيئة عامة للترفيه» تختص بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه، لتنطلق الهيئة في إحداث واقع جديد للسعوديين بتنويع مصادر ترفيههم وتستقطب الكثير من الزوار والسياح من مختلف مناطق العالم إلى الكثير من مناطق السعودية، حتى وصل عدد الزوار في الفعاليات والأنشطة الترفيهية خلال العام الماضي 2023 إلى أكثر من 72 مليون زائر بزيادة 17 في المائة مقارنة بعام 2022، في حين بلغ عدد التراخيص الصادرة أكثر من 6 آلاف ترخيص مُنحت في 117 مدينة.

 

خادم الحرمين الشريفين في احتفال بمناسبة وضعه حجر أساس مشروع القدية في العام 2018 (واس)

وافتتحت السعودية مسارحها واستعرضت مخزونها الثقافي والأدائي، واستقطبت الإمكانات اللازمة كافة لتصبح وجهة عالمية في هذا القطاع.

أما في قطاع السياحة، فقد أصبحت السعودية رقماً سعباً على الساحة الدولية في هذا القطاع وفقاً لجميع الأرقام المحلية والدولية، حيث أُطلقت الاستراتيجية الوطنية للسياحة في 2019، وخلال شهر من ذلك التاريخ أُطلقت التأشيرة السياحية، التي فتحت أبواب السعودية للزوار من مختلف دول العالم؛ للتعرف على البلاد التي توصف بالقارة، وتضم مواقع تاريخية مسجلة في قائمة «يونيسكو» ومواقع سياحية متنوعة وواعدة.

وكان أحمد الخطيب، وزير السياحة السعودي، أعلن مؤخراً أنه مع نهاية النصف الأول من العام الحالي وصلت مساهمة المنظومة في الناتج المحلي 5 في المائة، وأن القطاع يسير بخطى ثابتة إلى تحقيق نسبة 10 في المائة، بما يعادل 600 إلى 700 مليار ريال من دخل السياحة في الاقتصاد السعودي.

واحتلت السعودية الترتيب الـ11 بين دول العالم في استقبال سياح الخارج، وأصبحت الدولة الأسرع نمواً بين دول مجموعة العشرين في هذا الشأن، كما حقّقت البلاد نمواً نسبته 153 في المائة في القطاع، مقارنة بعام 2019، وبلغ حجم الإنفاق 255 ملياراً بنهاية عام 2023، وبنهاية عام 2023 استقبلت السعودية أكثر من 100 مليون سائح دولي ومحلي، محقّقة مستهدف «رؤية السعودية 2030» ليصبح المستهدف الجديد لعام 2030 الوصول إلى 150 مليون زائر، وارتفاع مساهمة القطاع السياحي بـ750 مليار ريال في الاقتصاد.