جوزف عون... قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب

مشروع «شهابية ثانية» ينتظر تبلور إجماع الفرقاء اللبنانيين

العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
TT

جوزف عون... قائد «المؤسسة الصامدة» مرشحاً للمهمة الأصعب

العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)
العماد جوزف عون خلال قيادته معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)

ارتبط اسم قائد الجيش اللبناني جوزف عون في أذهان اللبنانيين بمعركتين صعبتين: الأولى «معركة الجرود» التي قادها بنجاح أمام مئات المسلحين من تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة» في 2017، والأخرى حربه الطويلة ضد المحسوبيات والفساد في المؤسسة العسكرية التي تمكن من الحفاظ عليها كواحدة من المؤسسات القليلة الصامدة في بلد يعاني انهياراً شاملاً.

لكن ربما يكون الجنرال الأول في لبنان مقبلاً على المعركة الأصعب في تاريخه على الإطلاق، مع عودة اسمه مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية، تعوِّل عليه أطراف عدة لملء الفراغ الرئاسي الذي أتم عامه الثاني، والخروج بالبلاد من تبعات حرب طاحنة.

يرصد جنرال سابق في الجيش اللبناني زاملَ عون، تشابهاً بين الأخير وبين الرئيس الراحل فؤاد شهاب الذي كان أول قائد للجيش يصبح رئيساً للجمهورية وشهد عهده إصلاحات واسعة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قائد الجيش يشبه المجهول الذي كأنه فؤاد شهاب الملقب بالصامت الأكبر... لا يمكنه أن يقول كلمة لا يستطيع تنفيذها. ولذلك يتعامل الجميع معه برهبة».

ويوضح أن «مشكلة العماد عون أنه لا يدخل في بازارات سياسية. كثيرون في الداخل وفي الخارج دعوه إلى الدخول في بازار سياسي. دعوه إلى إطلاق مواقف تُرضي هذا الطرف أو ذاك. لكنه غير معنيّ بأي بازار سياسي».

لكن مَن هذا الرجل الذي «يشبه المجهول» ويترفع عن «البازارات السياسية»؟ وما حظوظه في الوصول إلى قصر بعبدا؟

يشغل العماد عون منصب قائد الجيش منذ 8 مارس (آذار) 2017، وهو من مواليد عام 1964 في منطقة سن الفيل بقضاء المتن قرب بيروت، لكنه يتحدر من بلدة العيشية في جنوب لبنان. يتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية ويحمل إجازة في العلوم السياسية (اختصاص شؤون دولية) وإجازة جامعية في العلوم العسكرية. متزوج ولديه ولدان. تطوّع عون في الجيش بصفة تلميذ ضابط وأُلحق بالكلية الحربية عام 1983.

«فجر الجرود» وعمادة الدم

بدأ دور عون في البروز عام 2015 عندما عُيّن قائداً للواء التاسع المنتشر على الحدود مع إسرائيل. لكن سرعان ما تم نقله بعد عام إلى شرق لبنان حيث كان يتحصن في مناطق جرداء على الحدود مع سوريا مئات المسلحين المنتمين إلى تنظيمي «جبهة النصرة» و«داعش».

العماد عون خلال معركة «فجر الجرود» في 2017 (أ.ف.ب)

خطف التنظيمان آنذاك مجموعة من العسكريين الذين ذُبح بعضهم أو أُعدم بالرصاص. تصدى عون لهذا التحدي الإرهابي ولكن من قيادة الجيش، إذ تمت ترقيته إلى رتبة عماد وتعيينه قائداً للمؤسسة العسكرية في 8 مارس (آذار) 2017، في ظل تولي العماد ميشال عون (لا صلة قرابة بينهما) رئاسة الجمهورية.

أطلق الجيش بقيادة جوزف عون، في 19 أغسطس (آب) 2017، عملية «فجر الجرود» لطرد المتشددين من معاقلهم الحدودية مع سوريا، وهو ما تمكن من تحقيقه بسرعة. توجّه عون وقتها إلى جنوده قائلاً: «بعد أن أنهيتم عملية (فجر الجرود) التي حققتم فيها انتصاراً حاسماً على الإرهاب بطرده من جرود بلدتي رأس بعلبك والقاع، تعود هذه المنطقة العزيزة إلى كنف السيادة الوطنية، معمّدةً بدماء رفاقكم الشهداء والجرحى وبعرق جباهكم الشامخ».

وفي 30 أغسطس، قال قائد الجيش عن تلك المعركة: «كنت أمام خيارين. إما أن أكمل المعركة من دون معرفة مصير العسكريين، وإما أن أوقفها وأعرف مصيرهم ولا أخسر مزيداً من الشهداء»، مضيفاً أن الأهم بالنسبة له كان الانتصار في المعركة من دون خسائر في صفوف الجيش.

جوزف عون وحماية انتفاضة 2019

فرحة الانتصار في معركة «الجرود» لم تدم طويلاً. إذ سرعان ما دخلت البلاد في سلسلة أزمات سياسية واقتصادية وأمنية تُوّجت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بانفجار انتفاضة شعبية ضد الطبقة الحاكمة. اضطر العماد عون إلى نشر الجيش بطريقة تحمي المحتجين وحقهم في التظاهر السلمي، من دون السماح بالمس بمؤسسات الدولة.

أثار هذا الدور للمؤسسة العسكرية آنذاك حنق الرئيس ميشال عون الذي رأى أن المظاهرات تستهدفه شخصياً. كان ذلك واضحاً فعلاً من الشعارات التي رددها محتجون حاولوا الوصول إلى القصر الجمهوري في بعبدا، ورفع بعضهم صور قائد الجيش.

متظاهرون يرفعون صور قائد الجيش في وسط بيروت خلال انتفاضة 2019 (أ.ف.ب)

أدت الاحتجاجات الشعبية إلى تعميق الانقسام بين الطبقة السياسية وشريحة واسعة من المواطنين المطالبين بالتغيير. وفي ظل هذا الانقسام، تعمّقت أزمات البلاد التي شهدت انهياراً اقتصادياً مخيفاً تجلى خصوصاً في تراجع قيمة العملة الوطنية من 1500 ليرة للدولار الواحد إلى 90 ألف ليرة للدولار. وزاد الطين بلة أن المصارف اللبنانية قلّصت قدرة المواطنين على سحب مدخراتهم التي تبخرت قيمتها الفعلية، فيما دخلت البلاد مرحلة إفلاس بعدما عجز المصرف المركزي على سداد مستحقات الديون المترتبة على لبنان.

وإذا كان كل ذلك لا يكفي، فقد جاء انفجار مرفأ بيروت، في أغسطس 2020، وهو أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ الحديث، ليسلط الضوء على عمق الانهيار في لبنان.

لكن الانتخابات النيابية التي جرت عام 2022 لم تؤدِّ في الواقع إلى تغيير يُذكر، إذ أعاد اللبنانيون انتخاب برلمان منقسم على نفسه، كما كان حاله قبل الانتفاضة. وانتهى عهد رئيس الجمهورية في أكتوبر 2022 من دون أن يتمكن البرلمان من انتخاب خلف له. ودخلت البلاد منذ ذلك الوقت في فراغ عمّ مؤسسات الدولة التي بات كثير منها يُدار بالوكالة أو من خلال تصريف الأعمال.

«عشرات ملايين الدولارات لم تغيّر» جوزف عون

في ظل هذه الصورة السوداوية للوضع العام في لبنان، برزت المؤسسة العسكرية بوصفها واحدة من المؤسسات القليلة التي صمدت في وجه الانهيار. يقول سياسي لبناني يعرف قائد الجيش عن قرب لـ«الشرق الأوسط»، إن «مؤسسة الجيش بقيادة العماد عون برزت صمام أمان يعطي الأمل بأن لبنان قادر على الخروج من أزماته».

ويوضح السياسي الذي فضل عدم نشر اسمه، أن عون باشر منذ تسلمه قيادة الجيش في 2017 حملة واسعة لمكافحة الفساد والمحسوبيات داخل المؤسسة العسكرية، طالت عدداً كبيراً من العسكريين.

لكن دور عون «محارب الفساد» لم يكن سوى عامل واحد من العوامل التي دفعت إلى بروز اسمه بصفته شخصية يُعوَّل عليها للعب دور يُنقذ البلد من الانهيار. يقول السياسي في هذا الإطار: «هناك ما تُعرف بالأموال الخاصة في الجيش، وهي تأتي من خارج الموازنة التي تحددها الحكومة من خلال وزارة المالية. هي عبارة عن هبات أو أموال يحصل عليها الجيش من نشاطات وأعمال يقوم بها. بعد عام 2020، بات الجيش شبه مفلس. موازنته التي كانت تعتمد الدولار على أساس 1500 ليرة صارت تواجه دولاراً سعره 90 ألف ليرة».

ويوضح أن «دولاً صديقة للبنان حوّلت مساعداتها للجيش، خصوصاً بعد انفجار المرفأ. قالت إنها لا تثق إلا بالجيش لتوزيع المساعدات. وهكذا صارت كل المساعدات تُحوّل إلى الجيش وتذهب إلى ما تُعرف بالأموال الخاصة الموضوعة بتصرف قائده. نحن نتحدث هنا عن عشرات ملايين الدولارات. وعلى مدى 4 سنوات من تولي العماد عون إدارة هذه الأموال لم يتمكن أحد من خصومه أو خصوم المؤسسة العسكرية من تقديم دليل واحد على أن إنفاق هذه الأموال يتم في غير محله. عشرات ملايين الدولارات من الأموال الخاصة موضوعة بتصرف قائد الجيش، لكنها لم تغيّره. ما زال العماد عون مثلما كان عندما تولى قيادة الجيش في 8 مارس 2017. لم يتغير».

الجيش أمام اختبار «الفتنة»

منعطف آخر في مسيرة قائد الجيش يعزز حظوظه لاعباً أساسياً محتملاً في مستقبل بلد منقسم على نفسه. لعب عون على رأس المؤسسة العسكرية دوراً لا يقل شأناً في حماية السلم الأهلي، حين طوّق حادثتين كادتا تعودا بلبنان إلى مربع الحرب الأهلية.

وقعت الحادثة الأولى في منطقة الطيونة ببيروت، في 14 أكتوبر 2021. نظّم وقتها مؤيدون لـ«حزب الله» و«حركة أمل» مسيرة اعتراضاً على رد دعوى قضائية لاستبعاد قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، طارق بيطار، عن القضية. فقد اتهمه مؤيدو «الثنائي الشيعي» بأنه «منحاز ومُسيّس» وطالبوا باستبعاده عن التحقيق، وسط أنباء عن إمكان توجيهه التهمة إلى «حزب الله» بالمسؤولية عن الانفجار.

مرّت المسيرة بين شطرين في بيروت تقطن إحداهما غالبية مسيحية فيما تقطن في الجانب الآخر غالبية شيعية. وقع إطلاق نار تطوَّر إلى انتشار لمسلحي الحزب والحركة وصدام بينهم وبين سكان المنطقة المسيحية. دفع الجيش بقواته لإنهاء الصدام وسيطر على الوضع الأمني. أدت المواجهات وقتها إلى سقوط 6 قتلى وأكثر من 32 جريحاً.

عناصر من الجيش اللبناني ينتشرون في بلدة الكحالة العام الماضي بعد الاشتباكات (رويترز)

تمثّل الحادث الثاني في اشتباكات 9 أغسطس 2023 بين عناصر من «حزب الله» وعدد من سكان بلدة الكحالة المسيحية، شرق بيروت. وقع الحادث على خلفية انقلاب شاحنة تابعة للحزب تردد أنها كانت تنقل أسلحة، فتجمّع سكان من الكحالة حولها.

لكن الأفراد الذين كانوا في الشاحنة ضربوا طوقاً أمنياً حولها، واشتبكوا مع السكان، مما أدى إلى سقوط قتيل من الكحالة وأحد عناصر «حزب الله». وهنا أيضاً تدخل الجيش، بقيادة عون، لمنع انزلاق البلاد من جديد في أتون نزاع أهلي.

«شهابية ثانية»؟

يرى السياسي اللبناني الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» أن دور الجيش في هاتين الأزمتين «يجب أن يُطمئن جميع الأطراف»، بما في ذلك «حزب الله»، إلى نوع الرئاسة التي يجب توقعها في حال انتخاب جوزف عون رئيساً. ويضيف: «يعرف (حزب الله) أن الجيش لن يصطدم به. فالجيش بقيادة جوزف عون عرف كيف يكون صمام أمان للسلم الأهلي... من الطيونة إلى الكحالة. في الطيونة كان هناك محسوبون على بيئة (حزب الله)، وتدخل الجيش وحمى السلم الأهلي. وفي الكحالة تدخل الجيش أيضاً على خلفية ما حصل لشاحنة الأسلحة المزعومة لـ(حزب الله). الحزب يعرف هذين النموذجين. وهما يحصلان كل يوم».

ويقدّر أن «(حزب الله) لا يعترض في المبدأ على ترشيح عون، لولا أنه أعلن منذ البدء دعمه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية إذا أراد الترشح للرئاسة». وينقل عن فرنجية قوله لمسؤولين إنه كان في جلسة مع الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصر الله حين قال له الأخير: «لو لم تكن مرشحاً فليس عندنا مشكلة في ترشيح قائد الجيش».

في المقابل، يرى الجنرال السابق الذي زامل عون أن قضية ترشيح الأخير للرئاسة لا تتعلق بمن معه ومن ضده. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الفرز ليس حول من معه ومن ضده. السؤال المطروح هو: هل هناك مشروع لإنقاذ لبنان أم لا. الإجابة عن هذا السؤال تحدد مسار وصول العماد عون للرئاسة».

ويوضح: «نحن الآن في وضع انهيار الثقة بلبنان داخلياً وخارجياً. المواطن اللبناني انهارت ثقته بدولته. المجتمع الدولي انهارت ثقته بكل ما هو لبناني. وفي المقابل، يجد جوزف عون نفسه على رأس مؤسسة هي آخر المؤسسات الصامدة بين حطام هذا البلد. ولذلك فإن أصدقاء لبنان يفكرون في هذا المثال الذي تقدمه المؤسسة العسكرية وقائدها».

ويلفت إلى أن «هذا المثال يمكن أن يقنع من لم يرحل من لبنان بأن هناك ثقة في أن البلد لن يتحول إلى جثة هامدة. نحن نتحدث هنا عن الشهابية الثانية، ولكن هل هناك إجماع عليها في الداخل أو الخارج؟».

قائد الجيش مع رئيس مجلس النواب نبيه بري (الوكالة الوطنية)

دور جوزف عون ما بعد الحرب

الرهان على دور مستقبلي يلعبه العماد عون، في حال ترشحه للرئاسة، يبدو بلا شك مرتبطاً بما يمكن أن يقوم به بعد انتهاء الحرب الحالية بين «حزب الله» وإسرائيل. وأحد السيناريوهات المطروحة هو نشر الجيش على الحدود الجنوبية، تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1701، في خطوة تؤدي إلى التطبيق الفعلي لمنع الانتشار المسلح لـ«حزب الله» قرب الحدود.

في هذا الإطار، يرى العميد المتقاعد إلياس حنا، أنه «ليس هناك أفضل من العماد جوزف عون لقيادة المرحلة المقبلة». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن رؤساء لبنان «يأتون عادةً في ظل ظروف تفرض وصول رئيس جمهورية بنوع معين وضمن توافق أو إجماع. مثلاً، يأتي ظرف مهم فيُطرح اسم رئيس بقبول دولي وعدم ممانعة كبيرة محلياً. هذا ما حصل مع فؤاد شهاب بعد عام 1958 (الثورة ضد حكم الرئيس كميل شمعون). في السبعينات، اختير إلياس سركيس رئيساً من السوريين، رغم أنه عاد وانقلب عليهم. كان رئيساً لتمرير مرحلة. في فترة الهيمنة السورية، كان كل الرؤساء مفروضين سورياً ويعملون ضمن الإطار السوري».

أما في الظرف الحالي، فيشدد حنا على أنه «من المهم أن يأتي رئيس توافقي. لا تستطيع أن تأتي بشخص يُعد رئيس تحدٍّ. هذا ما حُكي فيه باللقاء الثلاثي الأخير بين نبيه بري (رئيس البرلمان) ونجيب ميقاتي (رئيس الحكومة) ووليد جنبلاط (زعيم الحزب الاشتراكي). ولذلك فإن السؤال المطروح هو: ما الوظيفة أو المرحلة الانتقالية التي نريد الإتيان بها في هذا الظرف؟».

وينوه إلى أن «العماد عون ليس مقرباً من (حزب الله)... لكن الحزب سيرى نفسه خارجاً من حرب مضنية، ويمكن أن يرى أنه أمام قرار دولي جديد أو القرار 1701 معدلاً أو بمنظومة مختلفة وقواعد اشتباك جديدة لقوات الطوارئ. الجيش لن يشتبك مع الحزب... لكن الوظيفة المستقبلية للجيش ستتطلب نشره مع قوات (يونيفيل) وتعزيز استعادة الدولة سيادتها على كل أراضيها. الطرف الأكثر جهوزية لتنفيذ ذلك هو الجيش. ولذلك هناك حاجة لشخص يعرف الجيش من داخله بالتفصيل وأمضى فيه فترة طويلة. ليس هناك أفضل من أن يكون هذا الشخص جوزف عون».

عون بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وقائد قوات «يونيفيل» الجنرال أرولدو لاثارو (الأمم المتحدة)

ويشير حنا إلى أنه «عندما يأتي عون رئيساً للجمهورية ويتم تعيين قائد للجيش يتجانس معه، يكون التناغم بينهما تناغماً صحيحاً. سيكون رئيس جمهورية لكل اللبنانيين ويعيد ترتيب المرحلة».

ويضيف أن «العماد عون هو الأكثر قدرة على إيجاد حل لقضية (حزب الله)، سواء من خلال ضم الحزب ضمن الدولة أو نزع سلاحه وإيجاد حل لمقاتليه. لا أحد في المؤسسة العسكرية أهم من جوزف عون وأكثر قدرة منه على تحقيق هذا الهدف. المؤسسة العسكرية، رغم الاختلاف المذهبي والطائفي داخلياً في البلد، هي المؤسسة الوحيدة التي تجمع النسيج الوطني كله. هي المؤسسة الوحيدة التي بقيت صامدة، وعون استطاع إخراجها من مرحلة اقتصادية صعبة وتحديات شعرنا بها جميعاً».

خيار بين لبنانين

ويتفق السياسي اللبناني الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» مع رأي العميد حنا في أن العماد عون يمكن أن يمثل مخرجاً للأزمة الحالية، لكنه يحذّر من عمق الانقسام من البلد. ويقول: «البلد في الحقيقة منقسم بشكل حاد وعنيف. هناك كمية تحريض وأحقاد تُبَث من كل الأطراف. في ظل هذا الوضع صار هناك انطباع بأن هناك لبنانين. لبنان (حزب الله) والولاء لولاية الفقيه. ولبنان آخر مناقض تماماً للبنان (حزب الله)، ويقول إن لبنان (حزب الله) لا يشبهه ولا نستطيع العيش معه. هناك لبنانان لا يطيق أحدهما الآخر».

ورأى أن «جوزف عون هو الخيار الوحيد الذي يؤمّن الضمان لـ(حزب الله)، والذي يستطيع تطمين وجدان المسيحيين وإقناعهم بالبقاء في دولة واحدة عوض التقسيم. لكنَّ هذا المشروع لم ينضج بعد، لأن عون حتى الآن يترفع عن الدخول في المساومات السياسية (التي قد يتطلبها تمرير ترشيحه)، وهذه نقطة ضعف، لكنها في الوقت نفسه نقطة قوته لأنها تحتفظ له بالمسافة المطلوبة من الأفرقاء السياسيين».

حقائق

المؤسسة العسكرية... مسار لرؤساء الجمهورية في لبنان

في حال وصول قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، إلى رئاسة الجمهورية، لن يكون بالطبع الرئيس الوحيد القادم من رأس المؤسسة العسكرية.

  • كان الأول فؤاد شهاب الذي تولى الرئاسة خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) 1958 حتى 22 سبتمبر 1964. شغل شهاب منصب قائد الجيش ثم منصب وزير الدفاع. انتُخب رئيساً خلفاً للرئيس كميل شمعون عقب ثورة عام 1958. خلال فترة حكمه تعزز دور الأجهزة الأمنية (المكتب الثاني)، لكنه قام بإصلاحات واسعة في الإدارة.
  • خلال فترة الهيمنة السورية في لبنان، انتُخب إميل لحود، الآتي من قيادة الجيش، رئيساً للجمهورية في نوفمبر (تشرين الثاني) 1998. استمر لحود في سدة الرئاسة حتى نوفمبر 2007، بعدما فرض السوريون التمديد له لولاية ثانية (في عام 2004). غادر قصر بعبدا من دون أن يسلم السلطة لرئيس جديد بسبب فشل البرلمان في انتخاب خلف له.
  • بقي منصب رئاسة الجمهورية فارغاً حتى مايو (أيار) 2008 عندما انتخب البرلمان قائد الجيش ميشال سليمان رئيساً وفق ما عُرف باتفاق الدوحة بين الأفرقاء اللبنانيين. استمر سليمان في منصبه حتى مايو 2014، وغادر القصر من دون انتخاب خليفة له.
  • ظل منصب الرئاسة شاغراً حتى عام 2016 عندما انتُخب قائد سابق للجيش مرة جديدة لمنصب رئيس الجمهورية. استمرت فترة ولاية العماد ميشال عون حتى عام 2022، وهي فترة شهدت انهياراً واسعاً للبلاد وسط تحذير أطلقه عون نفسه من أنها «ذاهبة إلى جهنم» إذا لم تحصل معجزة تمنع ذلك.


مقالات ذات صلة

تصعيد إسرائيلي يشوّش على خطط لبنان لإجراء الانتخابات في الجنوب

المشرق العربي جنود لبنانيون إلى جانب سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في منطقة أبو الأسود بجنوب لبنان (أ.ف.ب)

تصعيد إسرائيلي يشوّش على خطط لبنان لإجراء الانتخابات في الجنوب

يتوجّس لبنان من عرقلة إسرائيلية للانتخابات المحلية التي تُجرى السبت المقبل في محافظتي الجنوب والنبطية.

نذير رضا (بيروت)
خاص رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جيم ريش

خاص السيناتور الأميركي جيم ريش لـ«الشرق الأوسط»: على اللبنانيين التخلص من «حزب الله» نهائياً

دعا رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور جيم ريش اللبنانيين عبر «الشرق الأوسط» إلى «إضعاف قبضة (حزب الله)»، والعمل على «التخلص منه».

علي بردى (واشنطن)
العالم العربي جانب من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين بجنوب بيروت (أرشيفية - أ.ف.ب)

اشتباكات داخل مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت

اندلعت اشتباكات مسلحة بمخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت بين «تجار مخدرات» وأسفرت عن سقوط إصابات.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس «القوات» سمير جعجع يحتفل مع نواب وأعضاء الماكينة الانتخابية بفوز اللائحة المدعومة من الحزب في انتخابات زحلة (إعلام القوات)

صعود لافت في شعبية «القوات اللبنانية» بزحلة

رسمت نتائج الانتخابات البلدية في مدينة زحلة صورةً جديدةً للمشهد السياسي في المدينة، حيث تمكنت اللائحة المدعومة من حزب «القوات اللبنانية» حصد جميع المقاعد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي المغنّي اللبناني و«مختار المصيطبة في بيروت» أحمد دوغان (فيسبوك)

أحمد دوغان... مطرب لبناني يفوز بمنصب «مختار»

حمل المغني اللبناني أحمد دوغان لقب «مختار»، بعد فوزه في الانتخابات المحلية التي جرت بالعاصمة اللبنانية بيروت، الأحد، وترشح فيها عن المقعد الاختياري في المصيطبة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

«الشرق الأوسط الجديد» كما يريده نتنياهو

نتنياهو في مرتفعات جبل الشيخ (آ ف ب)
نتنياهو في مرتفعات جبل الشيخ (آ ف ب)
TT

«الشرق الأوسط الجديد» كما يريده نتنياهو

نتنياهو في مرتفعات جبل الشيخ (آ ف ب)
نتنياهو في مرتفعات جبل الشيخ (آ ف ب)

بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا في ديسمبر (كانون الأول) 2024، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إحدى قمم جبل الشيخ التي احتلها جيشه للتو، وأعلن عن بقاء إسرائيل في هذا المكان لفترة طويلة. وبعد ثلاثة شهور، في مارس (آذار) 2025، عاد إلى هناك ليقول: «لقد غيّرنا وجه الشرق الأوسط». أثار هذا التصريح ردوداً ساخرة من خصومه نتنياهو، الذين تساءلوا إن كان التغيير في صالح إسرائيل أم ضد مصالحها؟ لكن جوقة أنصاره النشيطين على الشبكات الاجتماعية احتفلوا بـ«الانتصار الكامل». أما أجهزة الأمن، ففتحت الجوارير وأخرجت الخرائط القديمة، التي أُعدت وفق خطط لتمديد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة. ولا غرابة؛ فإسرائيل تعِد خطط هيمنة واحتلال بعيدة المدى لكل دولة من «دول الجوار». وفي الحكومة الحالية أحزاب لا تكتفي بتلك الخطط، بل تريد أكثر. وهذه وإن بدت أحزاباً صغيرة ومتطرفة، فإنها ذات تأثير كبير على نتنياهو وعلى السياسة الإسرائيلية. وهي التي تمنع التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب وإلى صفقة تنهي ملف المحتجزين، وهي التي تمنع تنفيذ اتفاق وقف النار في لبنان، وتفرض «أمراً واقعاً» يمهد لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية.

خطط التوسع الإسرائيلية، بالمناسبة، لا تقتصر على اليمين، بل تأتي أيضاً من الأجهزة الأمنية وأيضاً تحظى بدعم القيادة السياسية.

بعضها خطط جديدة، لكنها مستنبطة من التاريخ، حين كانت الحركة الصهيونية تخطّط لبسط حدود الدولة «من النيل حتى الفرات»، والعَلم الإسرائيلي الذي يتألف من خطين أزرقين تتوسطهما «نجمة داوود» يرمز إلى هذه الحدود. إلا أنهم عندما «تواضعوا»، اكتفوا بضم مقاطع من الجنوب السوري والجنوب اللبناني والغور الأردني (شرقي النهر) وحتى غزة ومقاطع من سيناء المصرية.

الفكرة

معهد «مسغاف» للأبحاث وضع في مارس (آذار) الماضي، خطة لإسرائيل الجديدة، أطلق عليها اسم «إسرائيل 2.0».

هذا ليس مجرد معهد دراسات، بل هو تابع لنتنياهو. وأُسس فقط عام 2023، ويترأسه مئير بن شبات، الذي عمل مستشار الأمن القومي في الحكومة وكان «رجل المهمات الخاصة» عند لنتنياهو ومبعوثه إلى الدول العربية والغربية.

يقول المعهد في مقدمة المشروع «هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ليس أقلّ من جرس إنذار لدولة إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي. يدور الحديث عن حدث يغيّر قواعد اللعبة ويُلزم الدولة والمجتمع لإعادة التفكير السريع واستيعاب الضرورة في التكيّف والتغيير. على دولة إسرائيل أن تشهد عملية إعادة تنظيم شاملة، إلى جانب تغيير الأسطورة القومية وتكييفها مع الظروف المتغيرة. إسرائيل، التي كانت قائمة حتى السابع من أكتوبر، بروح التقاليد السيادية اليهودية على مرّ الأجيال، لنحو ثمانية عقود – عليها الآن أن تتجدّد، أن تُحدّث نفسها، وأن تعيد صياغة هويتها من جديد استعداداً للعقود المقبلة. من نواحٍ عديدة، يجب اعتبار هذه الحرب حربَ نهوض، حيث ينبثق من وسط الظلمة الشديدة نور كبير وتنبعث دولة جديدة، من بين الأنقاض».

كيف يرون النهوض؟

النهوض يعني أنه «لا بدّ من بلورة الأهداف الاستراتيجية التي تسعى إسرائيل إلى تحقيقها ضمن إطار سياسي واسع النطاق قدر الإمكان، أي بمشاركة المعارضة في الكنيست، مع تنسيق منظومة تفاهمات استراتيجية شاملة قدر الإمكان مع الولايات المتحدة. ويجب أن تتضمن، بالضرورة، اتفاقات في القضايا الرئيسة التالية: القضاء على الخيار النووي الإيراني، والتوصل إلى تفاهمات مع تركيا بشأن البنية الجيوسياسية الجديدة في الشرق الأوسط وتقاسم المصالح في سوريا، ووضع حد لخرق مصر لاتفاقية السلام، واستغلال الفرصة التاريخية للعمل بمزيد من الاستقلالية، الحزم والمبادرة من أجل التأثير في رسم ملامح منطقة الشمال الإسرائيلية مستقبلياً. وبجانب العمليات العسكرية الناجحة لتدمير ما تبقّى من الجيش السوري، وتعزيز الوجود الإسرائيلي على الحدود مع سوريا، ينبغي التحرّك سياسيّاً لضمان ألّا يُشكّل النظام القادم في سوريا تهديداً لأمن إسرائيل».

أيضاً، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل اليوم منصب وزير ثان في وزارة الدفاع، أيضاً نشر «خطة الحسم» (مجلة «هشيلواح») عام 2017، وأوضح أنه يرى في الأردن «دولة فلسطينية».

وفي بداية الحرب تحدث نتنياهو نفسه عن ضرورة «إعادة هندسة الوعي العربي» ليتقبلوا إسرائيل، كما حصل مع اليابانيين في نهاية الحرب العالمية الثانية وكذلك مع الألمان. إذ كره اليابانيون جيشهم وكره الألمان النازيين، وراح الشعبان يشيدان بالولايات المتحدة «التي خلصتهم من أعباء هذا الإرث»، وإسرائيل القوية الممتدة على النطاق الواسع الحالي (أي أيضاً في سوريا ولبنان)، هي أقصر الطرق لتحقيق هذه القناعة».

الترجمة العسكرية

الجيش من جهته، تلقف أجواء الحكومة، وأعلن تعديل عقيدته الحربية في ضوء الإفادة من تجربة «7 أكتوبر»، فقرّر أن هجوماً على إسرائيل شبيهاً بهجوم «حماس» في ذلك اليوم، يمكن أن يُشَن من جميع «دول الجوار». ولذا؛ ثمة شكوك وقلق إزاء جميع الجبهات، وبناءً عليه ستكون حماية أمن إسرائيل بالاعتماد على الذات، وبتعزيز آلية الانتقال من الردع والدفاع، إلى الدفاع الهجومي، أي الهجمات الاستباقية.

كذلك تقرّر إنشاء ثلاث «دوائر أمنية» مع «دول الجوار»:

- الدائرة الأولى، «خط دفاع» قوي داخل الحدود الإسرائيلية مع حشود قوات وحفر خط دفاع على طول الحدود وتوفير شبكة إلكترونية محبوكة.

- الدائرة الثانية، «حزام أمني» داخل «أرض العدو» على طول الحدود يحظر دخول أي إنسان إليه من دون ترخيص إسرائيلي («حزام أمني» كهذا موجود في الجنوب اللبناني وفي سوريا وفي غزة).

- الدائرة الثالثة، إعلان «منطقة منزوعة السلاح» في عمق الدولة المجاورة (في سوريا حُددت من دمشق وحتى الجنوب والغرب، وفي لبنان من نهر الليطاني وجنوباً، وفي غزة كل القطاع). وبدأ بشكل عملي تطبيق الخطة.

هكذا مهّد الجيش الطريق للقيادة السياسية اليمينية كي تتخذ القرارات السياسية التي تبين أن إسرائيل غيّرت نهجها، وتريد لنفسها مكانة مؤثرة في دول الجوار. وهي تفعل هذا على النحو التالي:

آثار غارة إسرائيلية استهدفت موقعاً في محافظة حماه السورية (آ ف ب)

سوريا

بالنسبة لسوريا، عادوا لفتح الجوارير القديمة ليستلوا المشروع الصهيوني العتيق للسيطرة على أرض الجولان السوري ومنابع المياه فيها. ذلك المشروع طرحته القيادة الصهيونية عام 1919، إبان «مؤتمر فرساي»؛ في محاولة لتعديل «اتفاقيات سايكس بيكو». وعام 1925، طرحت الصهيونية فكرة تقسيم سوريا (ولبنان) إلى دويلات، بحيث تكون «جارة» إسرائيل العتيدة من الشرق دولة درزية. واشترت الحركة الصهيونية 450 ألف دونم من أراضي الجولان؛ تمهيداً لتطبيق الفكرة. ويوم 9 يناير (كانون الثاني) من 2025، قال مسؤول إسرائيلي كبير لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إن «العالم يعمي أبصاره عن رؤية الخطر الكامن في النظام السوري الجديد؛ فقيادته، رغم ما تبديه من رغبة للتقرّب إلى الغرب، تعدّ جزءاً أصلياً من الجهاد الإسلامي العالمي. والرسائل الإيجابية في التعامل مع مصالح الغرب وحتى إسرائيل جزء من مخطط بعيد المدى (تتمسكن لتتمكّن)، وعندما تتمكّن ستظهر حقيقتها المعادية لإسرائيل وللغرب. قد يستغرق الأمر سنة أو سنتين أو 10 – 20 سنة، لكنها لن تحيد عن أهدافها الاستراتيجية».

ويوم 8 مارس (آذار)، أعلن نتنياهو، وفق صحيفة «معاريف»، أن الجيش الإسرائيلي «لن يسمح لقوات الهيئة بالتمركز في أي منطقة جنوب دمشق، وسيحافظ على نفوذه هناك حتى توقيع اتفاق إسرائيل - سوري دولي ينهي حالة العداء ويؤسس السلام التام معنا، بكل ما يتطلب هذا من ضمانات لأمننا». وهنا بيت القصيد. إذ يكشف نتنياهو عن أن الضغط على سوريا اليوم يرمي إلى الوصول إلى «اتفاق سلام» ينهي حالة الحرب، وحالة الـ«لا حرب ولا سلم». وحتى ذلك الحين، يدير نتنياهو مفاوضات مع تركيا لتقاسم النفوذ بينهما على سوريا.

إنه يريد سحب اعتراف من إدارة الحكم الجديدة في سوريا ومن تركيا بأنها - أي تل أبيب - كانت صاحبة التأثير الأكبر لسقوط نظام بشار الأسد، وبالتالي تطلب مكافأتها على ذلك. وعندما اكتفى أحمد الشرع بالإعلان أنه غير معني بالحرب ويلتزم باتفاق فصل القوات من عام 1974، قرّرت إسرائيل مخاطبته بلغتها المألوفة: الحديد والنار. فشنّت أكثر من 500 غارة حربية على مواقع الجيش السوري ودمرت «نحو 85 في المائة من قدراته الدفاعية»، كما زعمت. وواصلت شن الغارات من مطار حمص حتى قلب دمشق واحتلت كل قمم جبل الشيخ و400 كلم مربع من الأراضي الواقعة شرقي الجولان المحتل من سنة 1967.

البروفسور آفي برئيلي، المؤرّخ في جامعة بن غوريون بالنقب، يقول: «إن أقل ما يمكن أن تقبله حكومة بنيامين نتنياهو من سوريا اليوم هو تقاسم النفوذ مع تركيا». ويتابع في صحيفة «يسرائيل هيوم» (عدد الثلاثاء) إن «المصلحة الواضحة لإسرائيل هي تجنب الصراع المباشر مع تركيا، الآن طبعاً، ما دام لا يزال التهديد الإيراني قائماً، ولكن أيضاً في المستقبل. لا نريد أن نواجه دولة قوية وعضواً في (ناتو). كما أن للولايات المتحدة مصلحة في منع صراع بين حليفين رئيسين لها، تأمل من خلالهما تحقيق الاستقرار في المنطقة. ومن أجل تجنب الصراع، يتطلب الأمر تقسيماً واضحاً: تركيا والنظام الذي أنشأته في دمشق سيتفهمون وجودنا وتأثيرنا في الشام وجبل الدروز، ولن يثيروا ضدنا السُّنة في محافظة درعا كما حدث أخيراً؛ بينما ستتجنب إسرائيل دعم الأكراد السوريين، أعداء تركيا، في الشمال والشرق. هذا التقسيم الواضح بين تركيا وإسرائيل في سوريا هو مفتاح استقرار المنطقة».

ولكن بنيامين نتنياهو، كان قد ألمح لأمر آخر هو «جلب» سوريا بقيادتها الجديدة الى «اتفاقيات إبراهيم». والهدف ليس التوصل إلى السلام القائم على احترام حدود وموارد كل دولة للأخرى، بل انتهاز الفرصة التي تبدو فيها سوريا في أضعف أحوالها كي يضم أكبر قدر من الأراضي السورية لإسرائيل بدءاً بالجولان الغربي وحتى الجنوب.

حكومة تل أبيب مقتنعة بأن «العرب لا يتألمون ولا يشعرون بنتائج هجماتهم البدائية إلا إذا أخذت منهم أرضاً». وبالإضافة للأراضي التي يسيطرون عليها اليوم يتكلم الإسرائيليون عن «محور داوود»، من جنوب الجولان وحتى التنف، ومن هناك إلى دير الزور والحدود مع كردستان العراق، وتريد إسرائيل السيطرة عليه في حال غادر الأميركيون المنطقة.

الجيش الإسرائيلي أعلن تعديل عقيدته

الحربية بعد «7 أكتوبر» خوفاً

من هجوم واسع

لبنان

لا يختلف الموقف من لبنان كثيراً عن الموقف من سوريا. فبحسب الرسالة المذكورة إلى فرساي طلبت الصهيونية قبل أكثر من 100 عام ضم الجنوب اللبناني من الليطاني إلى تخوم الدولة العبرية العتيدة. وعندما طرحت فكرة «الدولة الدرزية» عام 1925، قصدت تفتيت الطائفة العربية عملياً، وهي التي كانت موحّدة مع عرب الشام تحت قيادة زعيم الثورة السورية سلطان باشا الأطرش، وهو الدرزي الذي سارت وراءه وتحت قيادته جميع الطوائف. وعام 1946 اقترحت مجدداً إنشاء دولة درزية، وأوضحت أنها تقصد ضم العرب الدروز من لبنان ومن سوريا معاً. ولما أفشلت القيادة الدرزية ذلك المخطط، راحت تخطط للبنان أن يكون «دولة مسيحية» منسلخة عن بقية الطوائف. وتدخّلت بعمق في السياسة اللبنانية، حتى قبل حراك الثورة الفلسطينية في لبنان.

وإبّان الحرب الأهلية تحوّلت إسرائيل لاعباً فاعلاً ونشطاً. وحتى عندما انسحبت إسرائيل من لبنان، بشكل أحادي الجانب، عام 2000، لم تترك لبنان لحاله، بل واصلت التدخل والعبث بشؤونه الداخلية. ولعل أكبر مثل لعمق هذا التدخل، هو جمع المعلومات الاستخبارية وتنفيذ عمليات اختراق من «الموساد» لأدق المواقع والأطر، وعلى رأسها «حزب الله»، والتي مكَّنتها من القيام بعملية الاغتيال الجماعي لنشطائه بواسطة أجهزة الاتصال المفخخة وتصفية قياداته العليا والوسطى، من حسن نصر الله ونازلاً. وهي تحتل راهناً تسع مناطق في الجنوب اللبناني «لفترة طويلة»، إلى حين تقتنع بأن الجيش يسيطر على المنطقة.

الأردن

على الرغم من اتفاقيات السلام والتنسيق الأمني مع الأردن منذ عام 1994، لم يتنازل اليمين الإسرائيلي عن حلمه تحويل الأردن دولة فلسطينية بدلاً من أن يكون المملكة الهاشمية. وطموحه هو أن تطرد إسرائيل أكبر عدد من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة إليه. وهو لا ينفي ذلك، بل يتحدث عنه علناً ويجعله جزءاً من مشروعه السياسي الرسمي.

مصيبة

إن مصيبة إسرائيل أنها تؤمن بأن قوتها العسكرية تجعلها قادرة على تحقيق هذه الطموحات. ولقد انتقد هذا التوجه، حتى البروفسور أفرايم عنبار، مدير المعهد الأورشليمي للاستراتيجية والأمن، الذي يعتبر معقلاً للعقائديين اليمينيين، وقال في دراسة نُشرت مطلع الشهر الحالي: «قدرة إسرائيل أو جهات فاعلة من خارج المنطقة، وحتّى قوى عظمى، على هندسة دول في الشرق الأوسط سياسيّاً قدرة محدودة جدّاً. لقد فشلت إسرائيل عند دخولها إلى بلاد الأرز في عام 1982 في محاولة لتغيير الحكومة في لبنان. ولم تنجح الولايات المُتّحدة، التي تملك جيشاً ضخماً وموارد هائلة، على فرض نظام ديمقراطيّ موالٍ للغرب في أفغانستان والعراق. وكذلك هو الأمر بالنسبة إلى الاتّحاد السوفياتيّ، الذي عمل في أفغانستان عسكريّاً».
وأخيراً، يقول اللواء احتياط يسرائيل زيف، المعلّق في «القناة 12» في التلفزيون الإسرائيلي، إن «العجلة تدور. بينما يصرّ نتنياهو على الحرب، يعيد العالم ترتيب الشرق الأوسط من دوننا... لقد فاتنا القطار».