السعودية... نجاح في بناء تكتلات اقتصادية مع كبرى دول العالم

ولي العهد يطلق مشروعات عملاقة... والرياض تستضيف «إكسبو 2030»


ولي العهد السعودي خلال مشاركته في حفل الترشح لاستضافة «إكسبو 2030» في العاصمة باريس (واس)
ولي العهد السعودي خلال مشاركته في حفل الترشح لاستضافة «إكسبو 2030» في العاصمة باريس (واس)
TT

السعودية... نجاح في بناء تكتلات اقتصادية مع كبرى دول العالم


ولي العهد السعودي خلال مشاركته في حفل الترشح لاستضافة «إكسبو 2030» في العاصمة باريس (واس)
ولي العهد السعودي خلال مشاركته في حفل الترشح لاستضافة «إكسبو 2030» في العاصمة باريس (واس)

منذ بداية عام 2023، حققت السعودية مكتسبات اقتصادية مهمة ونجحت في استضافة عدد من المؤتمرات والفعاليات الدولية التي نتج منها بناء تحالفات وتكتلات اقتصادية مع كبرى البلدان حول العالم. وأطلق ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، خلال العام، مشروعات عملاقة تساهم في دعم سياسة التنوع الاقتصادي وتتوافق مع أهداف رؤية البلاد في المرحلة المقبلة.

وتمكنت المملكة من تحقيق مكتسب وُصِف بـ«التاريخي» من خلال فوزها باستضافة معرض «إكسبو 2030» أكبر المعارض الدولية، بعد أن تنافست مع كوريا الجنوبية وإيطاليا، ليحصد ملف المملكة 119 صوتاً من الدول الأعضاء، وبالتالي يختار العالم الرياض مقراً لانعقاد المعرض الدولي في عام 2030.

كما استضافت المملكة عدداً من المؤتمرات والمنتديات والفعاليات الاقتصادية الدولية، أبرزها: الدورة العاشرة لمؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين، والمؤتمر الاقتصادي السعودي - العربي - الأفريقي، وأعمال منتدى الاستثمار السعودي - التركي، ومنتدى الاستثمار السعودي - الكوري.

وكذلك، استضافت منتدى الاستثمار السعودي - الأوروبي، وأسبوع المناخ، وفعاليات يوم السياحة العالمي، والنسخة السابعة من أعمال مبادرة مستقبل الاستثمار، الذي شهد حضوراً كبيراً من القيادات والمسؤولين والرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات حول العالم.

الأنشطة غير النفطية

واستمرت الحكومة في الإصلاحات الهيكلية على الجانبين المالي والاقتصادي؛ مما انعكس على نمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية الذي شهد ارتفاعاً متواصلاً في 2023. وتوقعت الحكومة نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي إلى ما نسبته 5.9 في المائة خلال العام.

ونتيجةً لتلك الإنجازات؛ أعلن عدد من وكالات التصنيف الائتماني وصندوق النقد والبنك الدوليان رفع التوقعات لنمو الاقتصاد السعودي. إذ قال صندوق النقد الدولي: إن الاقتصاد السعودي يشهد تحولاً نتيجة الإصلاحات الجارية للحد من الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل وتعزيز التنافسية. في حين رفعت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للسعودية إلى «إيه» مع نظرة مستقبلية مستقرة انعكاساً لقوتها المالية وحجم أصولها السيادية.

توقعت وكالة «ستاندرد آند بورز» للتصنيف الائتماني، أن يتسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السعودي إلى 3.5 في المائة خلال عام 2024، رافعة توقعاتها للنمو إلى 0.4 في المائة في عام 2023، من 0.2 في المائة، في تقدير سابق صدر في يونيو (حزيران) الماضي.

وركزت الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2024، التي أقرّها مؤخراً مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على العمل على تعزيز القطاعات غير النفطية التي يتوقع أن تساهم في رفع نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة إلى 4.4 في المائة العام المقبل. وقد قُدّرت الإيرادات بـ1.172 تريليون ريال (312.5 مليار دولار) والنفقات بـ1.251 تريليون ريال (333.6 مليار دولار)، وبعجز محدود عند 79 مليار ريال (21 مليار دولار).

الدورة العاشرة لمؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين بالرياض (واس)

سوق العمل

وشهدت سوق العمل السعودية أعلى مشاركة للمواطنين خلال الربع الثاني، مقارنةً بالأرباع السنوية السابقة؛ ليرتفع عدد الموظفين في منشآت القطاع الخاص إلى 2.2 مليون موظف، وانخفض معدل البطالة بين السعوديين في الفصل الثاني ليسجل 8.3 في المائة من 9.7 في المائة في الفترة المماثلة من عام 2022، مقترباً من مستهدفات الحكومة المتمثلة في «رؤية 2030» والمحددة عند 7 في المائة.

وبفضل الإجراءات والتدابير الحكومية، تمكنت البلاد من السيطرة على معدل التضخم ليواصل الانخفاض بشكل تدريجي منذ بداية العام حتى أكتوبر (تشرين الأول) الماضي الذي سجلت فيه أدنى مستوى منذ ما يقارب العامين عند 1.6 في المائة، على أساس سنوي.

المشروعات الكبرى

وكشف ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، خلال العام عن إنشاء عدد كبير من الشركات التي تصبّ في مصلحة سياسة التنوع الاقتصادي. إذ أعلن تأسيس صندوق الاستثمارات العامة لشركة «طيران الرياض» كناقل وطني جديد، للمساهمة في تطوير النقل الجوي، وتعزيز الموقع الاستراتيجي للمملكة. كما أطلق شركة «تطوير المربع الجديد»؛ بهدف تأسيس أكبر «داون تاون» حديث عالمياً في الرياض، والمخطط الحضري لمدينة القدية وعلامتها التجارية العالمية، والمخطط العام لمطار أبها الدولي الجديد (جنوب البلاد)، والمخطط العام لمشروع تطوير السودة وأجزاء من رجال ألمع (جنوب غرب السعودية) تحت مسمى «قمم السودة»، وتأسيس شركة «أردارا» بهدف تطوير مشروع «وادي أبها» بمنطقة عسير.

كما أعلن الأمير محمد بن سلمان، عن تأسيس المكتب الاستراتيجي لتطوير منطقة الحدود الشمالية، الذي يهدف إلى رفع مستوى التنمية في مدن المنطقة ومحافظاتها، وتعزيز جودة الحياة لسكانها وزوارها.

وأطلق ولي العهد السعودي، المخطط العام للمراكز اللوجيستية، وأعلن خلال عام 2023 إطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة، في خطوة تعكس حرصه على تطوير الاقتصاد السعودي وتنويعه وتحسين البيئة الاستثمارية.

وأفصح الأمير محمد بن سلمان، عن إطلاق صندوق الفعاليات الاستثماري برئاسته، في خطوة نحو تطوير بنية تحتية مستدامة لدعم أربعة قطاعات واعدة، وهي الثقافة، والسياحة، والترفيه، والرياضة.

كما كشف عن ضم مشروع الدرعية كخامس المشروعات الكبرى الفريدة عالمياً المملوكة للصندوق السيادي.

وعلى هامش مشاركته في مجموعة العشرين التي عُقدت في الهند خلال العام، وقّع ولي العهد السعودي، مذكرة تفاهم لمشروع ممر اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، يستهدف تعزيز الترابط الاقتصادي، وتطوير وتأهيل البنى التحتية وزيادة التبادل التجاري بين الأطراف المعنية.

كما شهد ولي العهد، خلال العام حفل الإعلان عن الحزمة الأولى من مشروعات الشركات الكبرى المنضمة إلى برنامج تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص «شريك»، بقيمة إجمالية تبلغ 192 مليار ريال (51.2 مليار دولار)،

وأعلن مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض عن إنشاء مركز المناطق الاقتصادية الخاصة بمدينة الرياض؛ لتعزيز القدرة التنافسية للأعمال في العاصمة، وتحويلها مركزاً إقليمياً رئيسياً للشركات العالمية.

مؤشرات التنافسية

وواصلت السعودية تقدمها في مؤشرات التنافسية المرتبطة بالسوق المالية، محققة المركز الثالث بين الدول الأكثر تنافسية على مستوى دول العشرين؛ وذلك وفقاً للكتاب السنوي للتنافسية العالمية الصادر عن مركز التنافسية التابع لمعهد التنمية الإدارية لعام 2023، حيث قفزت 7 مراتب عن مركزها الذي حققته عام 2022.

وسجّلت المملكة قفزة ملموسة في منظومة النقل والخدمات اللوجيستية العالمية بعد أن صعدت 17 مرتبة في المؤشر اللوجيستي الصادر عن البنك الدولي.

جانب من أعمال المؤتمر الاقتصادي السعودي - العربي - الأفريقي في المملكة (واس)

جذب المقار الإقليمية

وتمكنت السعودية من جذب أكثر من 180 من المقار الإقليمية للشركات العالمية لتتجاوز الحكومة مستهدفاتها المحددة عند 160 مقراً إقليمياً للشركات العالمية بحلول نهاية العام.

ودشّنت شركة «لوسيد» لصناعة السيارات الكهربائية مصنعها في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بمحافظة رابغ (غرب السعودية)، وستشرع في إنتاج نحو 5 آلاف مركبة لتصل تدريجياً إلى 150 ألفاً.

الصندوق السيادي

وشهد الصندوق السيادي السعودي تحركات واسعة في عام 2023 من خلال الاستثمار في المشروعات الخارجية وإنشاء عدد من الشركات الوطنية للاستثمار في قطاعات واعدة تحقق مستهدفات «الاستثمارات العامة» الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل للمملكة، حيث قامت «موديز» للتصنيف الائتماني بتغيير نظرتها المستقبلية لـ«السيادي» من «مستقرة» إلى «إيجابية»، معلنةً بذلك تصنيف أحد أكبر الصناديق العالمية الائتماني عند الفئة «A1».

أسواق الطاقة

وفي حدث اقتصادي مهم، أعلن وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، عن اكتشافات جديدة للغاز الطبيعي في المنطقة الشرقية والربع الخالي بالمملكة. وكشف عن عزم بلاده تشغيل أول قطار يعمل بالهيدروجين في الشرق الأوسط خلال الأشهر المقبلة.

وبالنسبة لأسواق الطاقة العالمية، قررت الحكومة السعودية خفض إنتاجها 1.5 مليون برميل يومياً بشكل طوعي إلى مستوى 9 ملايين برميل يومياً، بعد اجتماع «أوبك بلس»، في العاصمة السويسرية فيينا، في خطوة لدعم أسواق النفط العالمية وحماية المنتجين والمستهلكين على حد سواء من الأضرار.

وأطلقت السعودية المرحلة الثانية من خدمة تأشيرة زيارة الأعمال «مستثمر زائر» إلكترونياً لتشمل جميع دول العالم، وبالتالي تفتح المجال أمام جميع المستثمرين للدخول واقتناص الفرص المتاحة في السوق المحلية.

محافظ صندوق الاستثمارات العامة متحدثاً للحضور في النسخة الأخيرة من «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)

المستهدفات البيئية

واستمرت السعودية في الإعلان عن عدد من المشروعات الكبرى خلال العام للوصول إلى مستهدفاتها البيئية، منها مبادرة خريطة الطريق الخاصة بزراعة 10 مليارات شجرة.

كما شهدت المملكة تقدماً متسارعاً في هذا الملف من خلال إطلاق عدد من المشروعات الجديدة في مجالات الطاقة التي تسهم في غدٍ أكثر استدامة، وكذلك تحقيق المركز الأول عربياً والعشرين عالمياً في خفض الكربون.

السياحة السعودية

وافتتحت وجهة البحر الأحمر أبوابها رسمياً للسياح في عام 2023 وبدء استقبال الزوار من جميع أنحاء العالم لخوض تجربة جديدة في إحدى المشروعات السعودية الكبرى.

وجاءت المملكة ثانياً في نمو عدد السياح الوافدين على مستوى العالم، وذلك في الأشهر السبعة الأولى من عام 2023، مسجلة نسبة نمو قدرها 58 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من 2019.


مقالات ذات صلة

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

الاقتصاد جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

سطرت السعودية التاريخ بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد العوهلي متحدثاً للحضور في منتدى المحتوى المحلي (الشرق الأوسط)

نسبة توطين الإنفاق العسكري بالسعودية تصل إلى 19.35 %

كشف محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية المهندس أحمد العوهلي عن وصول نسبة توطين الإنفاق العسكري إلى 19.35 في المائة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مركز الملك عبد الله المالي في الرياض (الشرق الأوسط)

التراخيص الاستثمارية في السعودية ترتفع 73.7%

حققت التراخيص الاستثمارية المصدرة في الربع الثالث من العام الحالي ارتفاعاً بنسبة 73.7 في المائة، لتصل إلى 3.810 تراخيص.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد نائب رئيس هيئة الأركان العامة وقائد القوات البحرية الملكية السعودية مع باتريس بيرا خلال الملتقى البحري السعودي الدولي 2024 (الشرق الأوسط)

«مجموعة نافال» تتعاون مع الشركات السعودية لتوطين صناعة السفن البحرية

أكد نائب رئيس المبيعات في الشرق الأوسط والمدير الإقليمي لـ«مجموعة نافال» في السعودية باتريس بيرا، أن شركته تنتهج استراتيجية لتطوير القدرات الوطنية في المملكة.

بندر مسلم (الظهران)
الاقتصاد جانب من الاجتماع الاستراتيجي لـ«موانئ» (واس)

«موانئ» السعودية تلتقي كبرى شركات سفن التغذية لتعزيز الربط العالمي

اجتمعت الهيئة السعودية العامة للموانئ (موانئ) مع كبرى شركات سفن التغذية العالمية، بهدف تعزيز الربط العالمي، وزيادة التنافسية على المستويين الإقليمي والدولي.

«الشرق الأوسط» (دبي)

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
TT

هواجس متفاوتة لدول «حوض المحيطين الهندي والهادئ» إزاء عودة ترمب

من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)
من لقاء الزعيمين الصيني شي جينبينغ والهندي ناريندرا مودي في مدينة قازان الروسية اخيراً (رويترز)

يأتي فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية وعودته الوشيكة إلى البيت الأبيض يوم يناير (كانون الثاني) 2025 نقطة تحوّل مهمة وسط اضطرابات غير عادية في النظام العالمي. وبديهي أن ولاية ترمب الثانية لا تشكّل أهمية كبرى في السياسة الداخلية الأميركية فحسب، بل ستؤثر إلى حد كبير أيضاً على الجغرافيا السياسية والاقتصاد في آسيا. وفي حين يتوقع المحللون أن يركز الرئيس السابق - العائد في البداية على معالجة القضايا الاقتصادية المحلية، فإن «إعادة ضبط» أجندة السياسة الخارجية لإدارته ستكون لها آثار وتداعيات في آسيا ومعظم مناطق العالم، وبالأخص في مجالات التجارة والبنية التحتية والأمن. وبالنسبة لكثيرين في آسيا، يظل السؤال المطروح هنا هو... هل سيعتمد في ولايته الجديدة إزاء كبرى قارات العالم، من حيث عدد السكان، تعاملاً مماثلاً لتعامله في ولايته الأولى... أم لا؟

توقَّع المحللون السياسيون منذ فترة أن تكون منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ في طليعة اهتمامات السياسة الخارجية عند إدارة الرئيس الأميركي السابق العائد دونالد ترمب. ومعلومٌ أن استراتيجية ترمب في فترة ولايته الأولى، إزاء حوض المحيطين الهندي والهادئ شددت على حماية المصالح الأميركية في الداخل. والمتوقع أن يظل هذا الأمر قائماً، ويرجح أن يؤثّر على نهج سياسته الخارجية تجاه المنطقة مع التركيز على دفع الازدهار الأميركي، والحفاظ على السلام من خلال القوة، وتعزيز نفوذ الولايات المتحدة.

منطقة حوض المحيطين الهندي والهادئ التي يقطن كياناتها نحو 65 في المائة من سكان العالم، تشكل راهناً نقطة محورية للاستراتيجية والتوترات الجيوسياسية، فهي موطن لثلاثة من أكبر الاقتصادات على مستوى العالم (الصين والهند واليابان) ولسبع من أكبر القوات العسكرية في العالم. ويضاف إلى ذلك أنها منطقة اقتصادية رئيسية تمثل 62 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسهم بنسبة 46 في المائة من تجارة السلع العالمية.

3 محاور

ويرجّح فيفيك ميشرا، خبير السياسة الأميركية في «مؤسسة أوبزرفر للأبحاث»، أنه «في ولاية ترمب الثانية، ستوجّه استراتيجية واشنطن لهذه المنطقة عبر التركيز على ثلاثة محاور تعمل على ربط المجالات القارية والبحرية في حيّزها. وستكون العلاقات الأميركية - الصينية في نقطة مركز هذه المقاربة، مع توقع أن تعمل التوترات التجارية على دفع الديناميكيات الثنائية... إذ لا يزال موقف ترمب من الصين حازماً، ويهدف إلى موازنة نفوذها المتنامي في المجالين الاقتصادي والأمني على حد سواء».

إضافة إلى ما سبق، يرى ميشرا أن «لدى سياسة ترمب في حوض المحيطين الهندي والهادئ توقعات كبيرة من حلفاء أميركا الرئيسيين وشركائها في المنطقة، بما في ذلك اضطلاع الهند بدور أنشط في المحيط الهندي مع التزامات عسكرية أكبر من الحلفاء مثل اليابان وأستراليا». ويرجّح الخبير الهندي، كذلك، «أن تتضمن رؤية ترمب لحوض المحيطين الهندي والهادئ الجهود الرامية إلى إرساء الاستقرار في الشرق الأوسط، لا سيما من خلال تعزيز التجارة والاتصال مع المنطقة، لتعزيز ارتباطها بالمجال البحري لحوض المحيطين الهندي والهادئ».

الحالة الهندية

هناك الكثير من الأسباب التي تسعد حكومة ناريندرا مودي اليمينية في الهند بفوز ترمب. إذ تقف الهند اليوم شريكاً حيوياً واستثنائياً بشكل خاص في الاستراتيجيتين الإقليمية والدولية للرئيس الأميركي العائد. وعلى الصعيد الشخصي، سلَّط ترمب إبان حملته الانتخابية الضوء على علاقته القوية بمودي، الذي هنأه على الفور بفوزه في الانتخابات.

وهنا يقول السفير الهندي السابق آرون كومار: «مع تأمين ترمب ولاية ثانية، تؤشر علاقته الوثيقة برئيس الوزراء مودي إلى مرحلة جديدة للعلاقات الهندية - الأميركية. ومع فوز مودي التاريخي بولاية ثالثة، ووعد ترمب بتعزيز العلاقات بين واشنطن ونيودلهي يُرتقب تكثّف الشراكة بينهما. وبالفعل، يتفّق موقف ترمب المتشدد من بكين مع الأهداف الاستراتيجية لنيودلهي؛ ولذا يُرجح أن يزيد الضغط على بكين وسط تراجع التصعيد على الحدود. ويضاف إلى ذلك، أن تدقيق ترمب في تصرفات باكستان بشأن الإرهاب قد يوسّع النفوذ الاستراتيجي الهندي في كشمير».

كومار يتوقع أيضاً «نمو التعاون في مجال الدفاع، لا سيما في أعقاب صفقة الطائرات المسيَّرة الضخمة التي بدأت خلال ولاية ترمب الأولى. ومع الأهداف المشتركة ضد العناصر المتطرّفة في كندا والولايات المتحدة، يمهّد تحالف مودي - ترمب المتجدّد الطريق للتقدم الاقتصادي والدفاعي والدبلوماسي... إذا منحت إدارة ترمب الأولوية للتعاون الدفاعي والتكنولوجي والفضائي مع الهند، وهي قطاعات أساسية تحتل مركزها في الطموحات الاستراتيجية لكلا البلدين». وما يُذكر أن ترمب أعرب عن نيته البناء على تاريخه السابق مع الهند، المتضمن بناء علاقات تجارية، وفتح المزيد من التكنولوجيا للشركات الهندية، وإتاحة المزيد من المعدات العسكرية الأميركية لقوات الدفاع الهندية. وبصفة خاصة، قد تتأكد العلاقات الدفاعية بين الهند والولايات المتحدة، في ظل قدر أعظم من العمل البيني المتبادل ودعم سلسلة الإمداد الدفاعية.

السياسة إزاء الصين

أما بالنسبة للصين، فيتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة، ويرى البعض أنه خلال ولايته الثانية يمتلك القدرة على قيادة مسار احتواء أوسع تجاه بكين. بدايةً، كما نتذكر، حمّل ترمب الحكومة الصينية مسؤولية جائحة «كوفيد - 19»، التي قتلت أكثر من مليون أميركي ودفعت الاقتصاد الأميركي إلى ركود عميق. وسواء عبر الإجراءات التجارية، أو العقوبات، أو المطالبة بالتعويضات، سيسعى الرئيس الأميركي العائد إلى «محاسبة» بكين على «الأضرار» المادية التي ألحقتها الجائحة بالولايات المتحدة والتي تقدَّر بنحو 18 تريليون دولار أميركي.

ووفقاً للمحلل الأمني الهندي سوشانت سارين، فإن دبلوماسية «الذئب المحارب» الصينية، ودعم بكين حرب موسكو في أوكرانيا، والقضايا المتزايدة ذات الصلة بالتجارة والتكنولوجيا وسلاسل التوريد، تشكل مصدر قلق كبيراً لحكومة ترمب الجديدة. ومن ثم، ستركز مقاربة الرئيس الأميركي تجاه الصين على الجانبين الاقتصادي والأمني، مع التأكيد على حاجة الولايات المتحدة إلى الحفاظ على قدرتها التنافسية في مجال التكنولوجيات الناشئة.

آسيا ... تنتظر مواقف ترمب بعد انتصاره الكبير (رويترز)

التجارة والاقتصاد

أما الخبير الاقتصادي سيدهارت باندي، فيرى أنه «يمكن القول إن التجارة هي القضية الأكثر أهمية في جدول أعمال السياسة الأميركية تجاه الصين... وقد تتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في ظل حكم ترمب».

وحقاً، في التقييم الصيني الحالي، يتوقع أن تشهد ولاية ترمب الثانية تشدداً أميركياً أكبر حيال بشأن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية؛ ما يؤدي إلى مزيد من التنافر بين الاقتصادين. وللعلم، في وقت سابق من العام الحالي، وعد خطاب ترمب الانتخابي بتعرفات جمركية بنسبة 60 في المائة أو أعلى على جميع السلع الصينية، وتعرفات جمركية شاملة بنسبة 10 في المائة على السلع من جميع نقاط المنشأ. ومن ثم، يرجّح أيضاً أن تشجع هذه الاستراتيجية الشركات الأميركية على تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها بعيداً عن الصين؛ ما قد يؤدي إلى تسريع الشراكات مع دول أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

ما يستحق الإشارة هنا أن ترمب كان قد شن حرباً تجارية ضد الصين بدءاً من عام 2018، حين فرض رسوماً جمركية تصل إلى 25 في المائة على مجموعة من السلع الصينية. وبعدما كانت الصين عام 2016 الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، مع أكثر من 20 في المائة من الواردات الأميركية ونحو 16 في المائة من إجمالي التجارة الأميركية، فإنها تراجعت بحلول عام 2023 إلى المرتبة الثالثة، مع 13.9 في المائة من الواردات و11.3 في المائة من التجارة.

وبالتالي، من شأن هذا التحوّل منح مصداقية أكبر لتهديدات ترمب بإلغاء الوضع التجاري للدولة «الأكثر رعاية» المعطى للصين وفرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع أن هذه الإجراءات سترتب تكاليف اقتصادية للأميركيين، فإن نحو 80 في المائة من الأميركيين ينظرون إلى الصين نظرة سلبية.

يتوقع كثيرون استنساخ ترمب سياساته المتشددة السابقة إزاء الصين

الشق العسكري

من جهة ثانية، يتوقع أن يُنهي ترمب محاولات الشراكة الثنائية السابقة، بينما يعمل حلفاء الولايات المتحدة الآسيويون على تعزيز قدراتهم العسكرية والتعاون فيما بينهم. ومن شأن تحسين التحالفات والشراكات الإقليمية، بما في ذلك «ميثاق أستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة»، وميثاق مجموعة «كواد» الرباعية (أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة)، وتحسين العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية بشكل كبير، والتعاون المتزايد بين اليابان والفلبين، تعزيز موقف ترمب في وجه بكين.

شبه الجزيرة الكورية

فيما يخصّ الموضوع الكوري، يتكهن البعض بأن ترمب سيحاول إعادة التباحث مع كوريا الشمالية بشأن برامجها للأسلحة النووية والصواريخ الباليستية. وفي حين سيكون إشراك بيونغ يانغ في هذه القضايا بلا شك، حذراً وحصيفاً، فمن غير المستبعد أن تجد إدارة ترمب الثانية تكرار التباحث أكثر تعقيداً هذه المرة.

الصحافي مانيش تشيبر علَّق على هذا الأمر قائلاً إن «إدارة ترمب الأولى كانت لها مزايا عندما اتبعت الضغط الأقصى الأولي تجاه بيونغ يانغ، لكن هذا لن يتكرّر مع إدارة ترمب القادمة، خصوصاً أنه في الماضي كانت روسيا والصين متعاونتين في زيادة الضغوط على نظام كوريا الشمالية». بل، وضعف النفوذ التفاوضي لواشنطن في الوقت الذي قوي موقف كوريا الشمالية. ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا وبعد لقاء الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر (أيلول) 2023، عمّقت موسكو وبيونغ يانغ التعاون في مجالات الاقتصاد والعلوم والتكنولوجيا.

الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون (رويترز)

مكاسب حربية لكوريا الشمالية

أيضاً، تشير التقديرات إلى أن كوريا الشمالية كسبت على الأرجح 4.3 مليار دولار من شحنات المدفعية إلى روسيا خلال الحرب وحدها، وقد تكسب أكثر من 21 مليون دولار شهرياً من نشر قواتها في روسيا. وفي المقابل، تستفيد من روسيا في توفير الأسلحة والقوات والتكنولوجيا لمساعدة برامج الصواريخ الكورية الشمالية. وتبعاً لمستوى الدعم الذي ترغب الصين وروسيا في تقديمه لكوريا الشمالية، قد تواجه إدارة ترمب القادمة بيونغ يانغ تحت ضغط دبلوماسي واقتصادي متناقص وهي مستمرة في تحسين برامج الأسلحة وتطويرها.

أما عندما يتعلق الأمر بكوريا الجنوبية، فيلاحظ المحللون أن فصلاً جديداً مضطرباً قد يبدأ للتحالف الأميركي - الكوري الجنوبي مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض. ويحذر المحللون من أن سياسة «جعل أميركا عظيمة مجدداً» التي ينتهجها الحزب الجمهوري قد تشكل مرة أخرى اختباراً صعباً للتحالف بين سيول وواشنطن الذي دام عقوداً من الزمان، مذكرين بالاضطرابات التي شهدها أثناء فترة ولايته السابقة من عام 2017 إلى عام 2021. ففي ولايته السابقة، طالب ترمب بزيادة كبيرة في المساهمة المالية لسيول في دعم القوات الأميركية في شبه الجزيرة الكورية. وأثناء حملته الانتخابية الحالية، وصف كوريا الجنوبية بأنها «آلة للمال» بينما يناقش مسألة تقاسم تكاليف الدفاع، وذكر أن موقفه بشأن القضية لا يزال ثابتاً. وفي سياق متصل، قال الصحافي الكوري الجنوبي لي هيو جين في مقال نشرته صحيفة «كوريان تايمز» إنه «مع تركيز الولايات المتحدة حالياً على المخاوف الدولية الرئيسية كالحرب في أوكرانيا والصراع في الشرق الأوسط، يشير بعض المحللين إلى أن أي تحولات جذرية في السياسة تجاه شبه الجزيرة الكورية في ظل إدارة ترمب قد تؤجل. لكن مع ذلك؛ ونظراً لنهج ترمب الذي غالباً يصعب التنبؤ به تجاه السياسة الخارجية، يمكن عكس هذه التوقعات».

حقائق

أميركا والهند... و«اتفاقية التجارة الحرة»

في كي فيجاياكومار، الخبير الاستثماري الهندي، يتوقع أن يعيد الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب النظر مجدداً بشأن المفاوضات حول «اتفاقية التجارة الحرة»، وكانت قد عُرفت مفاوضات مكثفة في الفترة 2019 - 2020 قبل أن يفقد السلطة، والتي لم يبدِ الرئيس السابق جو بايدن أي اهتمام باستكمالها.وعوضاً عن الضغط على نيودلهي بشأن خفض انبعاثات الكربون، «من المرجح أن يشجع ترمب الهند على شراء النفط والغاز الطبيعي المسال الأميركي، على غرار مذكرة التفاهم الخاصة بمصنع النفط والغاز الطبيعي المسال في لويزيانا لعام 2019، والتي كانت ستجلب 2.5 مليار دولار من الاستثمارات من شركة (بترونيت إنديا) إلى الولايات المتحدة، لكنها تأجلت لعام لاحق».ثم يضيف: «بوجود شخصيات مؤثرة مثل إيلون ماسك، الذي يدعو إلى الابتكار في التكنولوجيا والطاقة النظيفة، ليكون له صوت مسموع في دائرة ترمب، فإن التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا يمكن أن يشهد تقدماً ملحوظاً. ومن شأن هذا التعاون دفع عجلة التقدم في مجالات مثل استكشاف الفضاء، والأمن السيبراني، والطاقة النظيفة؛ ما يزيد من ترسيخ مكانة الهند باعتبارها ثقلاً موازناً للصين في حوض المحيطين الهندي والهادئ».في المقابل، لا يتوقع معلقون آخرون أن يكون كل شيء على ما يرام؛ إذ تواجه الهند بعض التحديات المباشرة على الأقل، بما في ذلك فرض رسوم جمركية أعلى وفرض قيود على التأشيرات، فضلاً عن احتمال المزيد من التقلبات في أسواق صرف العملات الأجنبية. وثمة مخاوف أيضاً بشأن ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة في أعقاب موقفها المالي والتخفيضات الأقل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يخلف تأثيراً غير مباشر على قرارات السياسة النقدية في بلدان أخرى بما في ذلك الهند.