«غرباء» بين «مهاجرين»... المواجهة الصامتة بين «كتيبة الفرنسيين» ودمشق

حادثة عابرة أم بداية لتحييد المقاتلين الأجانب؟

صورة متداولة لمخيم فرقة الغرباء بحارم ريف إدلب
صورة متداولة لمخيم فرقة الغرباء بحارم ريف إدلب
TT

«غرباء» بين «مهاجرين»... المواجهة الصامتة بين «كتيبة الفرنسيين» ودمشق

صورة متداولة لمخيم فرقة الغرباء بحارم ريف إدلب
صورة متداولة لمخيم فرقة الغرباء بحارم ريف إدلب

تُعيد المواجهات الأخيرة التي اندلعت في ريف إدلب بين فصيل فرنسي مسلح هو «الغرباء» والقوات الحكومية السورية، تسليط الضوء على واحد من أكثر الملفات تعقيداً وإثارة للجدل في المشهد السوري الجديد.

ففي منطقة حارم شمال إدلب، لم تكن الاشتباكات حادثاً أمنياً معزولاً عن سياقات المشهد، بل بدا وكأنه اختبار لسياسات دمشق تجاه آلاف المقاتلين الأجانب الذين بقوا على الأراضي السورية بعد سنوات الحرب.

وتبدو الصورة الأكثر وضوحاً أن الأحداث الأخيرة شكّلت بداية التعاطي الجدّي مع ملف «المقاتلين الأجانب» وعودته إلى الواجهة من جديد بعدما قطعت الدولة السورية الناشئة شوطاً في بناء الثقة مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بمنع الأجانب من تسلُّم مناصب قيادية في الجيش السوري الجديد.

بدأت القصة في الثاني والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) بعدما «توجهت قوات الأمن الداخلي إلى أحد المخيمات في بلدة حارم شمال إدلب، حيث يقيم مقاتلون فرنسيون بقيادة عمر ديابي، المعروف باسم (عمر أومسن)» لتنفيذ عملية أمنية، استجابة لـ«شكاوى عن انتهاكات خطرة بينها اختطاف فتاة على يد مجموعة يقودها عمر ديابي الذي رفض تسليم نفسه»، بهدف تطبيق القانون وفرض سلطة الدولة على المخيم، بحسب الرواية الرسمية.

صورة أرشيفية للجهادي الفرنسي عمر ديابي المعروف باسم عمر أومسين (موقع فرنس بلو)

لكن قائد «فرقة الغرباء» الفرنسي من أصول أفريقية، عمر ديابي، نفى الاتهامات الموجهة إليه، متهماً المخابرات الفرنسية بالوقوف وراء ما وصفه بـ«استهداف سياسي». وتنظر باريس إلى «ديابي» بأنه أحد أبرز المسؤولين عن تجنيد «الجهاديين الناطقين بالفرنسية»، فيما «صنّفته واشنطن منذ عام 2016 بأنه (إرهابي عالمي)».

وانتهت المعركة بعقد لقاء للمصالحة بوساطة من قادة الفصائل من الأوزبك والطاجيك والتركستان في مخيم حارم، وأعلنت «فرقة الغرباء» على صفحتها على موقع تلغرام إنها توصلت لاتفاق لوقف إطلاق النار ووجهت الشكر لـ «إخواننا المهاجرين والأنصار الذين أحسنوا الظنّ بنا».

غرباء بين مهاجرين

تضم «فرقة الغرباء» نحو 70 مقاتلاً فرنسياً يعيشون مع عائلاتهم داخل مخيم محصّن على الحدود التركية مباشرة، ما زاد في صعوبة تنفيذ عملية اقتحام المخيم من قبل القوات الأمنية بعد مواجهات مسلحة انتهت بتوقيع اتفاق من ست نقاط بجهود مشتركة من عدد من قيادات المقاتلين الأجانب. نص الاتفاق على «وقف إطلاق النار، وفتح المخيم أمام الحكومة، وإحالة قضية عمر ديابي إلى (القضاء الشرعي) في وزارة العدل، وسحب السلاح الثقيل، وضمان عدم ملاحقة المشاركين في الاشتباكات».

صورة حديثة متداولة لعمر ديابي

ويُقدر عدد المقاتلين الأجانب بأكثر من خمسة آلاف مقاتل التحقت النسبة الكبرى منهم في وزارة الدفاع ضمن الفرقة 84. وتواجه الحكومة السورية ضغوطاً من عواصم غربية لإبعادهم عن المناصب العليا، فيما تبنت الحكومة خطاباً لطمأنة دول العالم بأن هؤلاء لن يشكلوا أي خطر على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم. وبحسب الرئيس السوري أحمد الشرع، فإن المقاتلين الذين قاتلوا في صفوف المعارضة هم جزء من المجتمع الجديد، وأن سوريا ستتعامل معهم بروح المصالحة لا الإقصاء. وقد حصل عدد منهم بالفعل، على رتب عسكرية ووظائف رسمية في الجيش، باعتبار ذلك ترجمة عملية لسياسة «الاحتواء». واللافت في هذا السياق، أن التصريحات الرسمية من داخل المؤسسة العسكرية جاءت لتؤكد أن حادثة «حارم» لا تمثل تغييراً في هذه السياسة.

انضباط لا استهداف

يقول مسؤول في الجيش السوري، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» إن «ما جرى في مدينة حارم لا يستهدف المقاتلين الأجانب الذين وقفوا معنا طوال سنوات الحرب، وساندوا الثورة السورية، وكان لهم دور فاعل في عمليات التحرير»، مشدداً على أن العلاقة بهم مبنية على الالتزام المتبادل. وأضاف: «هؤلاء المقاتلون التزموا بقرارات الدولة، وانضمّ كثير منهم رسمياً إلى وزارة الدفاع». وينفي المسؤول العسكري أن يكون ما جرى «حملة ضدهم كما يروّج البعض، بل تطبيق للقانون فحسب». موضحاً أن الجيش السوري الجديد يعمل «وفق منظومة واضحة من الانضباط والتعليمات العسكرية، لا يُستثنى منها أحد، سواء كان سورياً أم مهاجراً». وأضاف أن «أي مخالفة للقوانين أو تجاوز للأوامر ستُقابل بإجراءات رادعة، لأن الجميع داخل المؤسسة العسكرية يخضع لنظام موحد يحكمه القانون والانضباط».

خلاف التسميات

بعيداً من الرواية الرسمية، يرى مراقبون وقادة عسكريون سابقون أن الأزمة أعمق من مجرد مخالفة قانونية، وأنها تكمن في صميم عملية بناء الدولة الجديدة وهويتها. «أبو يحيى الشامي»، وهو «قائد عسكري سابق في أحد الفصائل الإسلامية»، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن نقطة يراها جوهرية، وهي «التوصيف». فـ«الشامي» يرى «أن وصف المقاتلين بـ(الأجانب) ليس دقيقاً ولا منصفاً». بالنسبة له، هذا المصطلح يحمل دلالات سلبية، ويعتبر «أن الأفضل تسميتهم بالمهاجرين، لأن كلمة (أجانب) تنزع عنهم الشرعية التي اكتسبوها بتضحياتهم في صفوف الثورة السورية». ويعتقد «الشامي» أن هذا الاندماج قد حدث بالفعل على المستويين الاجتماعي والسياسي. وأشار «الشامي» إلى «أنه لا توجد اليوم فصائل من المهاجرين ذات توجه مستقل عن توجه السوريين، فبعد أكثر من عقد من الحرب أصبحوا جزءاً من المجتمع المحلي، وما يرضي السوريين يرضيهم، وما يرفضه السوريون يرفضونه».

(أرشيفية - سانا - أ.ف.ب)

من هذا المنطلق، يرى «الشامي» أن طريقة التعامل مع حادثة «حارم» كانت خاطئة منذ البداية. «التصعيد الإعلامي والأمني الذي رافق حادثة حارم كان خطأ، لكن الحكومة تداركته بالصلح بعد أن كادت الأمور تتجه نحو مواجهة خطيرة».

وشدد على أن «المطلوب هو التعامل مع مثل هذه القضايا بحكمة ورويّة، فالمهاجرون لديهم تخوفات مشروعة يجب نتفهمها»؛ في إشارة إلى الخوف من الملاحقة أو الترحيل إلى بلدانهم الأصلية أو التهميش بعد انتهاء الحرب.

وعليه، يرفض «الشامي» توصيف ما حدث بـ«التمرد»، معتبراً أنه «لا يمكن الحديث عن تمرّد من جانب المقاتلين الفرنسيين، فهم جزء من الجيش السوري». وقال: «ما تحققه الدولة بالحوار والوساطة أوفر تكلفة وأكثر احتراماً لهيبتها من تحقيقه عبر الاشتباك». ويختتم «الشامي» رؤيته بشرط لنجاح هذا الاندماج: «اندماج المهاجرين في المجتمع السوري لن يستغرق وقتاً إذا حصلوا على تطمينات كافية بأنهم لن يُرحّلوا إلى بلدان قد تضطهدهم، وأن حقوقهم محفوظة بصفتهم مواطنين ساهموا في الدفاع عن سوريا الجديدة».

تحديات هيكلية

من زاوية تحليلية، يرى الباحث وائل علوان أن ما حدث يكشف عن تحديات هيكلية عميقة تواجه الدولة السورية. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ما حدث يؤكد أن دمج المهاجرين في مؤسسات الدولة لم يكتمل بعد»، مؤكداً على أن «المرحلة القادمة ستكون اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة على تحقيق هذا الاندماج فعلاً، لا قولاً».

ويوضح علوان أن «جزءاً من المقاتلين الأجانب قد لا يتمكن من الاندماج في مؤسسات الدولة، ما يضعها أمام خيارين: إما إخراجهم من سوريا بطريقة منظمة، أو ضمان عدم تحولهم إلى عناصر مهدّدة للاستقرار». واعتبر علوان أنه سيترتب على السلطات «أن توازن في كل مرة بين أولوية الأمن والاستقرار من جهة، وأولوية إنجاح مشروع الدمج وتفكيك التشكيلات المسلحة من جهة أخرى».

لكن الهدف النهائي، بحسب علوان، واضح ولا رجعة فيه. «الحكومة ستواصل التعامل مع هذه الملفات بحكمة، فهي لا تملك خياراً سوى تفكيك الفصائل المسلحة - سواء كانت من السوريين أو المهاجرين -»، وهذا الهدف ليس فقط استجابة للرغبات الدولية، «بل لأنه شرط أساسي لفرض سلطة الدولة وهيبتها».

وتابع علوان موضحاً: «طريقة الصلح التي اعتمدتها الحكومة في حارم، رغم الانتقادات التي وُجّهت لها بأنها تُذكّر بأساليب الفصائل السابقة، كانت مقصودة لاحتواء الأزمة سريعاً وتفكيكها بأقل تكلفة ممكنة».

وختم علوان بالقول إن «هناك بالفعل فئات داخل بعض الأوساط المقاتلة، سواء من السوريين أو المهاجرين، غير راضية عن سياسات الحكومة الداخلية والخارجية، ولهذا فإن الدولة بحاجة اليوم إلى خطاب ديني جديد يخاطب هذه الفئات ويقنعها بخيارات المرحلة القادمة، وهو ما بدأت به مؤخراً فعلاً».

عناصر من الجيش السوري (أ.ف.ب)

تباين في الرؤى

لفهم الاختلاف الآيديولوجي داخل مجموعات «المهاجرين» أنفسهم، التقت «الشرق الأوسط» بقياديين منهم، وكلاهما منضوٍ ضمن وزارة الدفاع السورية، تعكس آراؤهما تبايناً واضحاً في الرؤية.

«أبو مهاجر» قيادي عسكري من جنسية «عربية»، أوضح أنه «ينتمي رسمياً لوزارة الدفاع السورية ويقاتل تحت رايتها». ويمثل «أبو مهاجر» نموذج الاندماج الكامل والولاء الواضح للدولة الجديدة، إذ قال: «نحن مع الدولة السورية ولن نخرج عن سياستها، نسالم من تسالم ونحارب من تحارب».

وبالنسبة له، فإن الهدف الذي جاء من أجله قد تحقق بانتصار الثورة وقيام الدولة. لافتاً إلى أنه «عندما قدمنا إلى سوريا كان هدفنا الدفاع عن أهل البلد لا أن نقرّر عنهم ولا أن نقودهم. جئنا فقط لنصرتهم». وتابع: «وعندما انتصرنا نحن وهم كنا تبعاً للدولة التي تمثل ثمرة الثورة والهدف الذي قدمنا من أجله، وهو إسقاط النظام ونصرة السوريين وأن تكون لهم شوكة بعد أن كانوا مستضعفين». ويرى أن هذا الهدف قد تحقق: «اليوم هم أصحاب الشوكة، وهذا بحد ذاته هدف شرعي». ويختم بتأكيد التزامه: «نحن اليوم جزء من الجيش السوري ونلتزم بكل قرارات وزارة الدفاع، ولن يكون غير ذلك، ومعظم المهاجرين على هذه القناعة».

وعلى النقيض من «أبو مهاجر»، أبدى القيادي «أبو مثنّى»، الذي ينتمي أيضاً لوزارة الدفاع، تحفظاً تجاه سياسات الدولة في تعبير عن طيف من «المهاجرين» الذين يشعرون بـ«خيبة أمل آيديولوجية»، بحسب وصف وائل علوان.

عناصر من فصائل الجيش الوطني السوري في شمال سوريا (أ.ف.ب)

ويقول «أبو مثنى» في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الهدف الذي خرجنا من أجله وقُتل كثير من إخوتنا في سبيله لم يكن أن تُبنى الدولة بهذا الشكل، فالدولة الحالية تركت شبيحة النظام، وولّتهم مناصب على حساب المظلومين، كما أنها لم تُزل المنكرات، بل زاد أهل المنكر ورفعوا أصواتهم بها علناً، بعدما أظهرت الدولة لهم اللين والمداراة مراعاة للخارج».

ويرى «أبو مثنّى» أن ما يحدث من تحولات هو نقيض للهدف الذي ضحوا من أجله، ولكن ومع ذلك «لن نشق عصا الطاعة؛ لأننا ندرك أن خصوم الدولة يستغلون أي خلاف لضربها ورميها عن قوس واحد». وأضاف: «واجبنا في هذه المرحلة هو النصح، والتحذير، وإقامة الحجة، وأن نصدح بالحق من داخل المنظومة، لا أن نحمل السلاح ضدها أو نزيد الانقسام».

ما بالعقل وما بالقلب

هذا التباين في وجهتي النظر بين «أبو مهاجر» و«أبو مثنّى» يفسّره عبد الله خالد، وهو أحد الشرعيين في «هيئة تحرير الشام» سابقاً ومستشار التوجيه الشرعي والمعنوي في الجيش السوري (الجديد) حالياً، في حديثه لـ«الشرق الأوسط». وبدأ خالد من توصيف طبيعة «المهاجرين» بالقول إنهم «يمتازون بتمكّن عقيدتهم من قلوبهم». ويشير إلى أن «هذا الارتباط العميق هو ما جعلهم يتركون رغد العيش في أوروبا ويسافرون إلى سوريا، التي كانت تُعدّ أخطر مناطق العالم خلال أعوام الثورة، بغضّ النظر عن مدى صحة تلك العقيدة أو خطئها».

صورة متداولة للقاء المصالحة في مخيم حارم بين قادة من الأوزبك وبدا عمر أومسون متوسطاً الجلسة

وأضاف موضحاً أن «الخطاب الديني الذي ساد في أوساط الفصائل خلال سنوات الثورة كان بطبيعته حماسياً ومشحوناً بالتعبئة والتحدي». وكان «هذا النمط من الخطاب» «مناسباً لمرحلة الحرب والمواجهة التي احتاجت إلى رفع المعنويات وشحذ الهمم». لكن المشكلة بدأت عند الانتقال من «الثورة» إلى «الدولة»، «بعد سقوط النظام وتسلم (هيئة تحرير الشام) ومعها عدد من الفصائل زمام الحكم في دمشق، واصطدام عناصرها بالواقع المحلي والدولي، كان من الطبيعي أن يتغير الخطاب الديني شكلاً ومضموناً؛ لأن خطاب المسؤول عن شعب بأكمله يختلف جذرياً عن خطاب قائد فصيل يتحدث لمجموعة من المقاتلين».

ويؤكد خالد أن «هذا التحوّل ينسجم مع مقتضيات المنطق والعقل والشرع، والانتقال من مرحلة القتال إلى مرحلة الحكم، لكنه يصطدم بقوة العقيدة المتجذرة في قلوب كثير من المهاجرين – وكذلك بعض السوريين – ما حال دون تقبّلهم للتغير في الخطاب والنهج». ويعتبر خالد أن الخيارات المتاحة أمام هذا التيار الرافض، محدودة وقاسية، وقال: «الدولة تسير وفق منهجها الجديد ولن تسمح بتجاوزه». وبناءً عليه، «أمامهم 3 خيارات، إمّا الصدام مع الدولة الجديدة، أو الاعتزال والصمت، أو القبول بالمنهج القائم والتكيّف معه».


مقالات ذات صلة

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

الاقتصاد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية (إكس)

حاكم مصرف سوريا المركزي يدعو لدعم الليرة الجديدة

أكد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، أن الليرة الجديدة ليست مجرد وسيلة تبادل، بل رمز لنجاح الثورة السورية، والانتماء، والثقة بالقدرة على النهوض.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي علم سوريا خلال احتفالات مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد وسط حماة (أرشيفية - أ.ف.ب)

سوري يقتل زوجته وبناته الثلاث ثم ينتحر في حماة

لقي خمسة أشخاص من عائلة واحدة سورية حتفهم مساء الجمعة داخل منزلهم في ظروف غامضة بحي البياض في مدينة حماة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي أرشيفية لسيارات تصطفّ لدخول لبنان بعد الإطاحة ببشار الأسد بالقرب من الحدود اللبنانية السورية (رويترز)

اعتقال 12 شخصاً بينهم ضباط مرتبط بنظام الأسد على الحدود السورية اللبنانية

ألقت وحدات حرس الحدود السورية، في وقى متأخر من يوم أمس (الجمعة)، القبض على 12 شخصاً بينهم عناصر وضباط لديهم ارتباط بالنظام السابق على الحدود السورية اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عناصر من الشرطة السورية خلال عملية أمنية ضد خلية لـ«داعش» في حلب (الداخلية السورية)

اشتباكات بين «قسد» والقوات الحكومية في حلب

أفاد التلفزيون السوري بإصابة جندي من قوات الأمن الداخلي برصاص قناصة من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) على حاجز أمني في مدينة حلب.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي آثار الانفجار في مسجد علي بن أبي طالب بحمص (د.ب.أ) play-circle

إدانات واسعة للهجوم الإرهابي على مسجد في حمص السورية

أدانت السعودية والإمارات والعراق وتركيا والأردن ولبنان وقطر ومجلس التعاون الخليجي، الجمعة، الهجوم «الإرهابي» على مسجد في حي وادي الذهب بمدينة حمص السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر وترمب... تحالف استراتيجي على وقع اضطرابات إقليمية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره المصري على هامش اجتماع الدورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2018 (الرئاسة المصرية)

بعد أشهر من التكهنات بشأن مستقبل العلاقات المصرية - الأميركية، وسط حديث متكرر عن بوادر «توتر وأزمة» بين القاهرة وواشنطن على خلفية تبني الرئيس دونالد ترمب مقترحاً لـ«تهجير» سكان غزة، الذي رفضه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وما تبع ذلك من تداعيات، جاء لقاء الرئيسين في شرم الشيخ وتوقيعهما اتفاق سلام بشأن غزة ليؤكد استمرار التحالف الاستراتيجي بين البلدين على وقع الاضطرابات الإقليمية.

وبينما شهدت بداية العام الأول من ولاية ترمب حديثاً إعلامياً عن إلغاء السيسي خطط زيارة لواشنطن، ينتهي العام بتكهنات عن اقتراب تنفيذ تلك الزيارة، رد الرئيس الأميركي عليها بقوله: «السيسي صديق لي، وسأكون سعيداً بلقائه أيضاً».

وحمل فوز ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية، نهاية العام الماضي، آمالاً مصرية بتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، عبَّر عنها السيسي، في منشور لتهنئة ترمب عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس»، قال فيه: «نتطلع لأن نصل معاً لإحلال السلام، والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليميَّين، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية».

لكن طَرْحَ ترمب خطة لـ«تطهير غزة»، وتهجير سكانها إلى مصر والأردن، ألقى بظلاله على العلاقات بين البلدين، لا سيما مع إعلان القاهرة رفضها القاطع للتهجير، وحشدها دعماً دولياً لرفض الطرح الأميركي مع إعلانها مخططاً بديل لإعمار غزة، واستضافتها قمةً طارئةً بهذا الشأن في مارس (آذار) الماضي.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي في البيت الأبيض (أرشيفية - رويترز)

القليل المعلن

ويرى ديفيد باتر، الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس»، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن الجانب اللافت في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، على مدار العام الماضي، هو «انخفاض مستوى الجوانب العلنية»، فباستثناء «عرض ترمب» في شرم الشيخ، «لم يكن هناك كثير مما جرى، على الملأ».

في حين وصف عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية المصري، مدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة «كارنيغي»، العام الأول من ولاية ترمب الثانية، بأنه كان «عاماً صعباً فيما يتعلق بالعلاقات المصرية - الأميركية»، مشيراً في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إلى أن «العام بدأ بحديث عن التهجير و(ريفييرا الشرق الأوسط)، لكن مصر بجهودها الدبلوماسية استطاعت تحويل المسار، لتحمل خطة ترمب للسلام إشارة إلى رفض التهجير، وحديث عن مسار أمني وسياسي لغزة، ومسار سياسي للقضية الفلسطينية كلها، وإن كان غير واضح».

وقال حمزاوي: «بدأ العام من نقطة صعبة، هي تطور طبيعي لموقف بايدن المتخاذل في غزة، حيث بدأ الحديث التهجير فعلياً في عهد بايدن، لكن بعد نحو عام من الجهد المصري السياسي والدبلوماسي وصلت الأمور لمعكوس البدايات، حيث أصبح التهجير غير مطروح على أجندة واشنطن، وإن ظل خطراً قائماً لا يمكن تجاهله».

تاريخياً «شكّلت مصر دولةً محوريةً بالنسبة للأمن القومي الأميركي، استناداً إلى موقعها الجغرافي، وثقلها الديمغرافي، ودورها الدبلوماسي»، بحسب تقرير نشرته أخيراً وحدة أبحاث الكونغرس الأميركي.

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بمدينة شرم الشيخ المصرية في أكتوبر 2025 (أرشيفية - أ.ف.ب)

غزة... العقدة الأبرز

كان لحرب غزة دور في تشكيل العلاقات المصرية - الأميركية خلال العام الأول من ولاية ترمب، ودعمت واشنطن جهود الوساطة المصرية - القطرية لإيقاف الحرب. ووجَّه وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الشكر للقاهرة بعد نجاحها في إقرار هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» في يناير (كانون الثاني) الماضي. لكن مع استئناف القتال مرة أخرى «وُضعت مصر في مواقف دبلوماسية معقّدة إزاء كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فبينما رفضت دعوة ترمب لإعادة توطين سكان غزة، فإن خطتها لإعادة إعمار غزة لم تحظَ بقبول من الولايات المتحدة أو إسرائيل. وتعرَّضت القاهرة لانتقادات من ترمب إثر امتناعها عن الانضمام إلى واشنطن في تنفيذ أعمال عسكرية ضد جماعة (الحوثي) اليمنية»، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس.

وأوضح الباحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «تشاتام هاوس» أن «العلاقات المصرية مع إدارة ترمب شهدت توتراً على خلفية ملف غزة؛ حيث ألغى السيسي خططاً لزيارة واشنطن في مطلع العام، عقب إعلان ترمب عن (ريفييرا الشرق الأوسط)، ليقتصر التواصل بين الجانبين على الحد الأدنى».

لكن باتر يشير إلى أن «زيارة ترمب لشرم الشيخ وتوقيع (اتفاق غزة) والاحتفاء بنجاح خطته، كانت فرصة لإعادة ضبط العلاقات بين القاهرة وواشنطن»، لافتاً إلى أنه بالنسبة للوضع في غزة فإن «مصر أصبحت لاعباً رئيسياً لا غنى عنه لإدارة ترمب ولإنجاح خطته».

وقال حمزاوي: «إن غزة كانت الملف الأبرز في العام الأول لإدارة ترمب، ومنحت مصر فرصةً لاستعادة قراءة صانع القرار الأميركي والأوروبي لدورها وسيطاً رئيسياً لحل الصراع وتفعيل وتنفيذ الاتفاق، والانطلاق لمسارات سياسية»، لافتاً إلى أن «القاهرة استطاعت وضع رؤيتها للحل على الطاولة، فبدلاً من تعاقب المسارَين الأمني والسياسي في الطرح الأميركي، أصبح هناك توافق على توازي المسارات، وكذلك الأمر تحول من الحديث عن نزع السلاح إلى قبول فكرة حصر السلاح».

وطوال العام عوّلت مصر على ترمب لإنهاء الحرب في غزة، عبر بيانات وتصريحات رسمية عدة، ودخلت واشنطن بالفعل على خط الوساطة. وحثَّ السيسي نظيره الأميركي، في كلمة متلفزة في يوليو (تموز) الماضي على بذل الجهد لوقف الحرب بوصفه «قادراً على ذلك».

وتعد «مصر دولة لا غنى عنها في خطوات الاستجابة الدولية لحرب غزة، وإن ظلت شريكاً صعباً للولايات المتحدة وإسرائيل»، وفق ما كتبه الباحثان الأميركيان دانيال بيمان وجون ألترمان، في مقال مشترك نشرته «فورين بوليسي». وأوضح بيمان وألترمان أن «الحرب في غزة أعادت تسليط الأضواء الدبلوماسية تدريجياً على مصر، ومنحتها أوراق ضغط قوية».

بدورها، ترى سارة كيرة، مديرة المركز الأوروبي الشمال أفريقي للأبحاث، أن «وتيرة العلاقات المصرية - الأميركية في ظل إدارة ترمب في ولايته الثانية تختلف عن الأولى»، موضحة في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن «ولاية ترمب الأولى شهدت توافقاً بين البلدين في ملفات عدة، وكانت هناك حفاوة من ترمب شخصياً بمصر وإدارتها للملفات المختلفة، لا سيما مكافحة الإرهاب، على عكس الولاية الثانية التي شهدت تباينات في المواقف».

هذه الخلافات في المواقف برزت في أبريل (نيسان) مع حديث ترمب عن «مرور مجاني لسفن بلاده التجارية والعسكرية في قناة السويس المصرية»، مقابل ما تبذله واشنطن من إجراءات لحماية الممر الملاحي.

إيجابية رغم التباين

تباين المواقف بشأن غزة لم يمنع من إشارات إيجابية في ملفات أخرى، ففي بداية العام قرَّرت وزارة الخارجية الأميركية تجميد التمويل الجديد لجميع برامج المساعدات الأميركية في مختلف أنحاء العالم، باستثناء برامج الغذاء الإنسانية، والمساعدات العسكرية لإسرائيل ومصر.

كما لم تدرج واشنطن مصر ضمن قائمة حظر السفر التي أصدرتها في يونيو (حزيران) الماضي، وبرَّر ترمب ذلك بأن «مصر دولة نتعامل معها من كثب. الأمور لديهم تحت السيطرة». واستُثنيت مصر أيضاً من زيادة رسوم الجمارك الأميركية. في وقت أكدت فيه مصر مراراً على «عمق ومتانة» العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن.

وأشارت كيرة إلى أن «مصر ضغطت بكل ما أوتيت من قوة لتحقيق السلام وإيقاف الحرب على قطاع غزة، ونجحت في إقناع الجانب الأميركي برؤيتها حتى وصلت لتوقيع اتفاق سلام في شرم الشيخ». وقالت: «تعاملت الدولة المصرية ببراغماتية وذكاء، واستطاعت بفهمها لطبيعة شخصية ترمب وللمصالح الأميركية إقناع واشنطن برؤيتها».

وبينما يتعثر الوصول للمرحلة الثانية من اتفاق غزة، لا تزال مصر تعوّل على ترمب لإنجاح خطته، وتتواصل القاهرة مع واشنطن في هذا الشأن، كما تعمل معها على الإعداد لمؤتمر تمويل إعادة إعمار القطاع، الذي لا يبدو حتى الآن أن إدارة ترمب أعطته الزخم الكافي.

ولا يقتصر الحوار المصري - الأميركي على غزة، بل يمتد إلى عدد آخر من الملفات الإقليمية مثل ليبيا والسودان ولبنان وإيران، إضافة إلى الملفات المرتبطة بالأمن المائي، وعلى رأسها «سد النهضة» الإثيوبي الذي تخشى مصر أن يضر بحصتها من مياه النيل.

«سد النهضة» الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

سد النهضة

في منتصف يونيو الماضي، أثار ترمب جدلاً في مصر بحديثه عبر منصته «تروث سوشيال» بأنَّ الولايات المتحدة «موَّلت بشكل غبي سد النهضة، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمةً دبلوماسيةً حادةً مع مصر». وفي أغسطس (آب) الماضي، أعلن «البيت الأبيض» قائمة نجاحات ترمب في إخماد حروب بالعالم، تضمَّنت اتفاقية مزعومة بين مصر وإثيوبيا بشأن «سد النهضة». وكرَّر ترمب مراراً حديثاً عن جهود إدارته في «حل أزمة السد الإثيوبي»، لكن هذا الحديث لم يترجم حتى الآن إلى جهود على الأرض.

وأشار حمزاوي إلى أن «هناك فرصة لتلعب واشنطن دور الوسيط لحل أزمة سد النهضة، والعودة للاتفاق الذي تمَّ في نهاية فترة ترمب الأولى». لكن تشارلز دن، الباحث في «المركز العربي واشنطن دي سي»، كتب في تقرير نُشر أخيراً، يقول: «إن موقف ترمب من السد الإثيوبي قد يمنح قدراً من الرضا للقاهرة، لكنه قد يفضي في الوقت نفسه إلى نتائج غير محمودة، في ظل عدم تبني واشنطن دور الوسيط في هذا الملف حتى الآن».

وكانت واشنطن قد استضافت جولة مفاوضات خلال ولاية ترمب الأولى عام 2020 بمشاركة البنك الدولي، بين مصر وإثيوبيا والسودان، لكنها لم تصل إلى اتفاق نهائي؛ بسبب رفض الجانب الإثيوبي التوقيع على مشروع الاتفاق.

قوات أميركية محمولة جواً خلال تدريبات النجم الساطع في مصر في سبتمبر 2025 (القيادة المركزية الأميركية)

علاقات عسكرية مستمرة

على صعيد العلاقات العسكرية، واصل التعاون بين الجانبين مساره المعتاد. ومنذ عام 1946، قدَّمت الولايات المتحدة لمصر نحو 90 مليار دولار من المساعدات، مع زيادة كبيرة في المساعدات العسكرية والاقتصادية بعد عام 1979، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس، التي أشارت إلى أن الإدارات الأميركية المتعاقبة تبرِّر ذلك بوصفه «استثماراً في الاستقرار الإقليمي».

وعلى مدى أكثر من عقد، وضع الكونغرس شروطاً متعلقة بحقوق الإنسان على جزء من المساعدات الموجَّهة لمصر. وخلال الأعوام المالية من 2020 إلى 2023، حجبت إدارة بايدن والكونغرس نحو 750 مليون دولار من التمويل العسكري لمصر، لكن الملحق الفني الأخير الذي قدَّمه ترمب لموازنة عام 2026، تضمّن طلباً بقيمة 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية لمصر، دون أي مشروطية، وفق وحدة أبحاث الكونغرس.

وهنا قال حمزاوي: «الإدارة الأميركية أبعد ما تكون عن وضع مشروطية على مصر، فالعلاقات بين البلدين مبنية على المصالح بين قوة كبرى، وأخرى وسيطة مؤثرة بإيجابية».

بالفعل، منذ حرب غزة، سرَّعت إدارتا بايدن وترمب وتيرة مبيعات الأسلحة الأميركية إلى مصر بشكل ملحوظ، وأخطرت وزارة الخارجية الكونغرس بمبيعات عسكرية لمصر بقيمة إجمالية بلغت 7.3 مليار دولار، بحسب وحدة أبحاث الكونغرس. وفي يوليو الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) موافقة وزارة الخارجية، على صفقة بيع لمنظومة صواريخ متقدمة للدفاع الجوي إلى مصر، بقيمة تقدر بنحو 4.67 مليار دولار. كما استضافت مصر في سبتمبر (أيلول) الماضي مناورات «النجم الساطع».

وقالت كيرة: «العلاقات بين مصر وواشنطن تسير وفقاً لاعتبارات المصالح»، مؤكدة أن «القاهرة استطاعت تقديم نفسها لاعباً أساسياً في الإقليم». بينما أكد حمزاوي أن «مصر في مكان مركزي في تفكير الولايات المتحدة للشرق الأوسط، حيث تحتاج واشنطن إلى طيف من الحلفاء، ومصر في موقع القلب منه».


عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
TT

عام في السودان... حرب شرعيات ومصالح وخطوط نفوذ

السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)
السودان يتصدر قائمة مراقبة الأزمات الإنسانية العالمية للعام الثالث في ظل الصراع الذي أودى بحياة عشرات الآلاف (رويترز)

خفتت آمال السودانيين في نهاية قريبة للحرب والمأساة الإنسانية التي يعيشونها منذ 15 أبريل (نيسان) 2023، ومنذ اللحظة التي انطلقت فيها الرصاصة الأولى، ثم تزايد تشاؤمهم بأن المشهد يزداد قتامة مع تعثر المبادرات الإقليمية والدولية.

لكن تدخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وطلبه من الرئيس الأميركي دونالد ترمب «التدخل» بكامل ثقله الرئاسي، أعاد بريق الأمل، وقفز دور السعودية إلى قلب حديث الناس، وفتح نافذة جديدة تراهن على ثقل قادر على كسر الجمود.

وخلال زيارته الرسمية إلى الولايات المتحدة أخيراً، طلب ولي العهد من الرئيس الأميركي التدخل للمساعدة في وقف الحرب، وفق تصريحات أدلى بها ترمب خلال المنتدى الأميركي – السعودي للأعمال في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكشف ترمب وقتها أن ولي العهد طلب منه التدخل لوقف حرب السودان، بقوله: «سمو الأمير يريد مني القيام بشيء حاسم يتعلق بالسودان»، وأضاف: «بالفعل بدأنا العمل بشأن السودان قبل نصف ساعة، وسيكون لنا دور قوي في إنهاء النزاع هناك».

الأمير محمد بن سلمان مستقبلاً في قصر اليمامة بالرياض رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان (واس)

عندما يتكلم الناس

في الخرطوم التي دمرتها الحرب، نظر مواطنون للتحرك السعودي بوصفه استجابة «متوقعة من الأشقاء»، يقول أحمد موسى، إن «ما فعله ولي العهد السعودي أمر متوقع من المملكة، كدولة شقيقة».

وفي الفاشر التي سيطرت عليها «قوات الدعم السريع»، لم تخفِ حواء إبراهيم تأثير الحرب في كلماتها، قبل أن تربط الأمل بأي خطوة توقف النزيف: «الحرب قضت على الأخضر واليابس، وتضررنا منها كثيراً».

أما في الأبيض، عاصمة شمال كردفان المحاصرة، حيث يعيش السكان على حافة القلق من تمدد القتال، فيختصر عيسى عبد الله المزاج العام بقوله: «تأثرت كل البيوت بالحرب، لذلك نحن نرحب بتدخل الأشقاء».

ومن نيالا التي يتخذ منها تحالف «تأسيس» عاصمة موازية، يقول ف. جبريل إن السكان «يأملون أن تجتث الحرب من جذورها، وأن تصل إليهم المساعدات الإنسانية، وأن يعود النازحون إلى ديارهم».

ولا يطلب السودانيون حلاً مفروضاً من الخارج، بقدر ما يريدون وسيطاً «نزيهاً» يعيد الأطراف إلى طاولة الحوار، ويمنع استخدام المسارات السياسية لشراء الوقت، ويعتقدون أن السعودية هي ذلك الوسيط.

شاحنة محمّلة بممتلكات شخصية لعائلات نازحة تنتظر مغادرة نقطة حدودية في مقاطعة الرنك بجنوب السودان (أرشيفية - أ.ف.ب)

إشارات تراجع

على المستوى الرسمي، لم تسر الاستجابة على خط واحد، ففي 19 نوفمبر 2025، وبمجرد إعلان ترمب عن طلب ولي العهد، رحّب رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بالخطوة، وكتب في تغريدة على «إكس»: «شكراً سمو الأمير محمد بن سلمان، شكراً الرئيس ترمب».

ورحّبت حكومة البرهان بالجهود السعودية والأميركية، وأبدت استعدادها «للانخراط الجاد لتحقيق السلام». لكنها تحفظت على وساطة «المجموعة الرباعية» التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر، وأبدت تفضيلاً للوساطة السعودية.

«صفقة عسكرية»

ورحب التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك بالجهود السعودية، واعتبرها «خطوة إيجابية قد تفتح مساراً جديداً»، بيد أنه اشترط ألا يكون الحل حصراً بين العسكريين، وأن يشارك المدنيون في أي تسوية شاملة قادمة.

من جهته، عبر تحالف السودان التأسيسي - اختصاراً «تأسيس» - الموالي لـ«قوات الدعم السريع»، عن تأييده للتحرك السعودي، واعتبره تأكيداً على حرص المملكة على منع انهيار السودان.

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم «الأفاد» للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

هل تنجح المبادرة؟

يراهن السودانيون على تحويل الجهود السعودية - الأميركية من «إشارة سياسية» إلى مسار دبلوماسي كامل يتضمن «ضغطاً يفضي إلى وقف إطلاق نار، وترتيبات إنسانية تفتح الممرات وتخفف المعاناة، ثم عملية سياسية لا تعيد إنتاج الأزمة»، وفق المحامي حاتم إلياس لـ«الشرق الأوسط».

وقال إلياس لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحدي الأكبر يبقى في تعقيد الحرب نفسها: صراع على الشرعية، وانقسام مجتمعي، ومؤسسات ضعيفة، وتضارب مصالح أطراف متعددة».

ورغم هذه التعقيدات، فإن المزاج الشعبي من بورتسودان إلى الخرطوم إلى الفاشر والأبيض ونيالا، يبدو واضحاً، حسب الصحافي المقيم في باريس محمد الأسباط، في أن «هناك تعلقاً بالأمل الهش بتوقف البنادق وفتح باب نحو سلام طال انتظاره».

وبعد تراجع آمال السودانيين في حل قريب، عادت الروح المتفائلة مرة أخرى، إثر زيارة رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان للرياض 15 ديسمبر (كانون الأول) الحالي للمملكة، والاجتماع الرفيع الذي عقده معه ولي العهد.

وبدا أن مجرد عقد هذا الاجتماع في الرياض، فتح بوابة جديدة للأمل بوقف الحرب وإنهاء المأساة الإنسانية، وكأن واقع الحال يقول: «تضع السعودية ملف وقف الحرب في السودان على رأس أولوياتها».

ويأمل السودانيون الذين أنهكتهم الحرب وأزهقت أرواح العديد منهم، وأهلكت ضرعهم وزرعهم، وشردتهم في بقاع الدنيا، لاجئين ونازحين، العودة إلى بلادهم وبيوتهم، وحياتهم التي يفتقدونها، فهل تثمر المبادرات سلاماً مستداماً هذه المرة؟


ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ترمب «عرَّاب» اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)
ترمب يعرض النسخة التي وقَّع عليها لاتفاق غزة في شرم الشيخ (أرشيفية - أ.ف.ب)

في قطاع غزة، كان لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب دور بارز في إقناع «حماس» وإسرائيل بضرورة التوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، وإعلان انتهاء الحرب التي استمرت لمدة عامين، دفع خلالها الفلسطينيون أثماناً لا تحتمل من خسائر بشرية ومادية وعلى صعد مختلفة، منها الصحة والبيئة والبنية التحتية وغيرها.

ويحسب لإدارة ترمب أنها نجحت فعلاً بالتوصل لاتفاق بعد محاولات حثيثة من إدارة جو بايدن للتوصل إلى اتفاق يفضي لوقف إطلاق النار، إلا أن كل الجهود فشلت آنذاك في ظل خلافات برزت بينها وبين الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتنياهو، الذي كان يتوق لعودة ترمب إلى الحكم. إلا أن هذه العودة لم تكن مثل ولاية ترمب الأولى التي منح خلالها لإسرائيل الكثير من الهدايا سواء الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، أو سيادتها على الجولان، أو حتى العمل على الاتفاقيات الإبراهيمية.

قبول مواقف «حماس»

وفرض ترمب على نتنياهو وحكومته العديد من القرارات المتعلقة بالشأن الفلسطيني والمنطقة بأسرها، وخاصةً فيما يتعلق بالحرب على إسرائيل، حين فاجأ الأخيرة بقبول موقف «حماس» من خطته التي طرحت على الحركة، بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وهو أمر فاجأ نتنياهو وحكومته بشكل خاص، قبل أن تقبل الحكومة الإسرائيلية، بالأمر الواقع، ويتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من أن هذا الإنجاز يحسب لإدارة ترمب، فإن الخروقات الإسرائيلية المستمرة لوقف إطلاق النار الهش للغاية، قد تفضي إلى إفشاله. لكن أيضاً حالة العجز الفلسطينية بعد حرب استمرت عامين واستنزفت كل قدرات فصائلها المسلحة وخاصةً «حماس» و «الجهاد الإسلامي»، ربما تدفع الجميع بقبول ما تطمح إليه الولايات المتحدة من العبور إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار. ليتم ذلك لا بد من دعم من الوسطاء الذين يحاولون تقريب وجهات النظر بين «حماس» وإسرائيل من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر، ويتمحور دورها في الضغط على حكومة نتنياهو، بقبول الاتفاق والالتزام ببنوده. ففي أكثر من مرة منعت هذه الحكومة من اتخاذ إجراءات مثل إغلاق المعابر مجدداً للقطاع بحجة خروقات حصلت من جانب «حماس»، كما ضغطت عليها في العديد من المرات بالالتزام بزيادة عدد الشاحنات التجارية والمساعدات إلى القطاع.

«ضغوط وهمية»؟

رغم أن هذه الضغوط تؤتي أكلها وثمارها في بعض الأحيان، لكن الفصائل الفلسطينية والمراقبين للوضع في قطاع غزة، يرون أنها مجرد ضغوط وهمية في قضايا غير ملحة، وأن هناك حاجة أكثر لضرورة أن يكون الضغط فاعلاً تجاه قضايا أكبر ومهمة بالنسبة للسكان في القطاع، مثل البدء بتوفير المواد الإغاثية من خيام جيدة صالحة للحياة، وإدخال الكرفانات، والبدء بمسيرة إعمار جادة، بينما تتطلع إسرائيل للبدء بنزع سلاح «حماس» والفصائل الأخرى، وأن تتخلى الحركة عن حكمها للقطاع، وهي قضايا ما زالت تبحث ويدار حولها الكثير من اللقاءات والمحادثات الهادفة للانتقال لكل عناصر وبنود الاتفاق بمرحلته الثانية.

خريطة لمراحل الانسحاب من غزة وفق خطة ترمب (البيت الأبيض)

ولربما غالبية سكان قطاع غزة، كانوا يتطلعون لنجاحات أكبر من إدارة ترمب بعد أن فرضت على إسرائيل و«حماس» اتفاق وقف إطلاق النار، سواء من خلال الدبلوماسية التي قادتها هذه الإدارة من جانب، أو من خلال سياسة الضغط عبر الوسطاء وحتى عبر التهديدات التي كان يطلقها ترمب من حين إلى آخر، لكن هناك من يرى سياسياً وشعبياً أن الولايات المتحدة ما زالت لم تقدم الكثير تجاه إنجاح هذا الاتفاق في ظل أنه كان المأمول في أن يتغير واقع القطاع لأفضل من ذلك، خاصةً على مستوى الظروف الحياتية وبدء الإعمار، وهو الأمر الذي يهتم به المواطن في غزة أكثر من أي مطالب أخرى.

المرحلة الثانية

وفتحت اللقاءات المباشرة بين «حماس» والإدارة الأميركية، التي كانت مفاجئة بالنسبة لإسرائيل، أفقاً أكبر لإمكانية الانتقال للمرحلة الثانية بسلاسة كما جرى في المرحلة الأولى، حيث تحاول الحركة الفلسطينية إقناع إدارة ترمب بالعديد من المقترحات التي تقدمها عبر الوسطاء، لكنها كانت تتطلع لعقد لقاء آخر مع المبعوثين الأميركيين لبحث هذه القضايا بشكل مباشر، قبل أن تعترض إسرائيل على هذه اللقاءات، ما أدى لتأجيلها، في وقت جرت تسريبات عن أنها عقدت سراً، وهو الأمر الذي لم يؤكد سواء من الحركة أو الولايات المتحدة.

مسلحون من «حماس» يحملون أحد التوابيت في أثناء تسليم جثث رهائن إسرائيليين إلى «الصليب الأحمر» في خان يونس 20 فبراير 2025 (د.ب.أ)

ويبدو أن «حماس» التي تدرس جيداً الكثير من خطواتها، قبل أن تخطوها، تتفهم خريطة عمل إدارة ترمب التي تصنف في استراتيجية أمنها القومي منطقة الشرق الأوسط «منطقة شراكة» لا التزام عسكري طويل، بما يشير إلى أن الولايات المتحدة تحت حكم ترمب، منفتحة على أن حتى من يصنفون أنهم أعداؤها، يمكن أن تكون لهم الفرصة في حال أثبتوا قدرتهم على أن يصبحوا شركاء نافذين لها في منطقة الشرق الأوسط، وأنه لا يهمها من يحكم، إنما يهمها الشراكة المُجدية فقط.

انتصار مزدوج

وتتجه «حماس» لاستغلال هذه الفرصة التي وضعتها الإدارة الأميركية لنفسها، للتواصل مع جهات غير حكومية في سبيل حل التعقيدات التي تواجه سياساتها الخارجية، خاصةً في منطقة الشرق الأوسط، بما يحقق لها ولرئيسها دونالد ترمب، انتصاراً دبلوماسياً يطمح له الأخير لتحقيق هدفه بالحصول على جائزة «نوبل» للسلام من جانب، وبما يشكل من جانب آخر اتفاقاً قد يكون غير مسبوق فيما يتعلق بواقع القضية الفلسطينية ومصير الصراع مع إسرائيل.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في قمة شرم الشيخ لإنهاء حرب غزة بمصر يوم 13 أكتوبر 2025 (رويترز)

ورغم هذه الرؤية، فإن هناك في «حماس» من لا يأمن الجانب الأميركي الذي قدم في العديد من المرات وعوداً لم تتحقق بالنسبة للحركة، ومنها عندما أطلقت سراح الجندي الإسرائيلي الذي يحمل الجنسية الأميركية، عيدان ألكسندر، كهدية لترمب بعد لقاءات مباشرة بين الجانبين، وضمن اتفاق ضمني يسمح بفتح المعابر وإدخال المساعدات للقطاع، في وقت تهربت فيه إسرائيل من هذا الاتفاق، كما تهربت من اتفاق مماثل بتسليم جثة الضابط الإسرائيلي هدار غولدن مقابل حل أزمة العناصر المسلحة من «حماس» في أنفاق رفح، الأمر الذي قد يؤشر أيضاً إلى عدم قدرة تحقيق الإدارة الأميركية إنجازات حقيقية في قطاع غزة، حال بقيت سياستها على حالها دون ضغط حقيقي على إسرائيل.