2024... سنة معقّدة ومحورية للاقتصاد العالمي

رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

2024... سنة معقّدة ومحورية للاقتصاد العالمي

رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)
رئيس الاحتياطي الفدراسي في مؤتمر صحافي 13 ديسمبر (أ.ف.ب)

يَعد عام 2024 بأن يكون سنة تعقيدات اقتصادية... ويتعين على الحكومات والمصارف المركزية مواجهة هذه التحديات بحذر

يبدو الاقتصاد العالمي جاهزاً لأن يكون، في عام 2024، مسرحاً لعرض جديد ومعقّد. فالأشهر الأخيرة شهدت تطورات إيجابية وفي الوقت نفسه حافلة بالتحديات. ولئن كانت الأنباء مشجعة فيما يتعلق بتباطؤ التضخم على المستوى العالمي بشكل عام، فإنها تندرج في سياق مؤشرات على تباطؤ سوق العمل.

والمصارف المركزية الرئيسية، بعد أن خرجت من أصعب مراحل تشددها خلال أربعة عقود، تواجه الآن تحدّياً يتمثل في إبقاء التضخم ضمن الحدود المستهدفة، على خلفية من النزاعات والتوترات الجيوسياسية.

مآزق سياسية في زمن الفوضى العالمية

تقف الحكومات في العالم أجمع على عتبة اتخاذ قرارات صعبة، ولربما كانت أكثر صعوبة بالنسبة إلى 70 بلداً ومنها الولايات المتحدة، مع اقتراب موعد انتخاباتها الوطنية. وغياب ضغط السوق قد يؤخر اتخاذ إجراءات مالية حاسمة إلى ما بعد هذه الانتخابات، الأمر الذي يمكن أن يُفضي إلى مستوى أعلى من الحمائية التجارية، والمزيد من السياسات المراعية للبيئة، وقرارات مهمة على صعيد الهجرة، وردود فعل جريئة إزاء فترة جيوسياسية متوترة.

وتأتي الفوضى العالمية التي تزيد من حدتها مسائل من قبيل العلاقات بين الصين والولايات المتحدة والوضع غير المستقر في الشرق الأوسط، لتضيف مزيداً من عدم اليقين. والتحديات فورية بالنسبة للمصارف المركزية وتتمثل في تحديد تاريخ خفض معدلات الفائدة وحجمه. وإيجاد التوازن الصحيح أمر حاسم في هذا الصدد لأن الإسراع في اتخاذ القرار أو التأخر فيه يمكن أن تترتب عليه تبعات مهمة سواء على صعيد التضخم أو على مستوى التصور السائد لدى عامة الناس.

دينامية السوق

تظل توقعات السوق، على مشارف عام 2024، متسقة مع هدف الاعتدال المحدد من قبل نظام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والمتمثل في تضخم خاضع للسيطرة ولا يؤثر سلباً في سوق العمل ولا في أداء الناتج المحلي الإجمالي. وإننا نشهد تباطؤاً في التضخم وتوقعات متواضعة على صعيد النمو. ورغم المخاوف المتصلة بضعف النمو في اقتصاد السوق في البلدان المتقدمة والأداء الضعيف في أوروبا، فإن الدينامية العامة تبدو منيعة، ولا سيما في الولايات المتحدة.

ورغم المباحثات المتعلقة بالتسهيل المحتمل للشروط المالية بفعل ارتفاع أسواق الأسهم والسندات وانخفاض قيمة الدولار، فإن السياسة النقدية تظل تقييدية في الواقع. ويتضح هذا التقييد في البيانات النقدية، حيث يُسجَّل انخفاض كبير في نمو القروض المصرفية، خاصة في أوروبا.

ولئن كانت الفوارق تضيق، فإن الائتمانات المتدنية النوعية تواجه تكاليف اقتراض مرتفعة بسبب ارتفاع العائدات السيادية. وتشير دينامية السوق الحالية إلى أن المشهد العام للسياسة النقدية، رغم بعض المؤشرات الإيجابية، يعطي دلائل على قيود وتحديات محتملة، ولا سيما في أسواق القروض والائتمان.

التيارات الاقتصادية المتقاطعة

بينما نتوقع تباطؤاً اقتصادياً ملحوظاً في الأشهر المقبلة، لا يبدو الركود العالمي أمراً وشيكاً، ولكنّ صعوبات تلوح في الأفق. فقد بدأت السياسات النقدية الأكثر تشدداً تخلّف أثراً في القروض المصرفية، حيث ارتفع عدد حالات إفلاس الشركات، خاصة في القطاعات المرتبطة بمعدلات فائدة متغيرة. وقصة الأجور الحقيقية تعطي المستهلك العالمي بصيصاً من الأمل، إذ تشير إلى أن التباطؤ الاقتصادي قد يكون أمراً يمكن تدبّره أكثر منه مسألة كارثية.

غير أن المخاطر قد تغيّرت وُجهتها، والانخفاضات المتوقعة في معدلات الفائدة من قبل المصارف المركزية الرئيسية في يونيو (حزيران) 2024 تأتي مصحوبة بجوانب من عدم اليقين خاصة بها.

سنة محورية

يَعد عام 2024 بأن يكون سنة تعقيدات اقتصادية وقرارات استراتيجية. ويتعين على الحكومات والمصارف المركزية مواجهة هذه التحديات بحذر، مراعيةً التفاعل الديناميكي بين الأحداث الجيوسياسية والسياسات النقدية وتصرّف المستهلكين.

وقد تكون التوقعات الاقتصادية العالمية معقّدة، ولكن اتخاذ قرارات من موقع المطّلع يتيح مجاراة التيارات المتقاطعة وتوفير بيئة مالية منيعة وصلبة في السنوات المقبلة.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».