دروس لم يتعلمها بايدن ودفعت أوكرانيا ثمنها

عسكريون أوكرانيون يبكون زميلاً لهم خلال تشييعه في كييف منتصف ديسمبر (أ.ب)
عسكريون أوكرانيون يبكون زميلاً لهم خلال تشييعه في كييف منتصف ديسمبر (أ.ب)
TT

دروس لم يتعلمها بايدن ودفعت أوكرانيا ثمنها

عسكريون أوكرانيون يبكون زميلاً لهم خلال تشييعه في كييف منتصف ديسمبر (أ.ب)
عسكريون أوكرانيون يبكون زميلاً لهم خلال تشييعه في كييف منتصف ديسمبر (أ.ب)

في الوقت الذي نتهيأ فيه للترحيب بالعام الجديد، ويقترب الصراع الروسي - الأوكراني من ذكراه الثانية، يتساءل الكثيرون على ضفتي الأطلسي حول ما إذا كانت أكبر حرب تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية ستنتهي هذا العام أم لا. جدير بالذكر أن واشنطن أمدت كييف بالفعل بأكثر من 113 مليار دولار نقداً وأسلحة عالية التقنية. بجانب ذلك، حاول الرئيس الأميركي جو بايدن إقناع الكونغرس بالموافقة على منحها 67 مليار دولار أخرى. إلا أن المؤسف أن الإجابة جاءت «لا» مدوية.

وعلى خلاف ما أمله الكثيرون، فإن عام 2024 لن يجلب السلام، بل من المحتمل أن يشهد المزيد من إراقة الدماء، في خضم استعداد الأطراف المتحاربة الرئيسية - روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة (بالوكالة) - للمضي في حرب لا نهاية لها. ولا يبدو أن أياً من أطراف النزاع مهتم بوقف القتال، وإنما على العكس من ذلك، يجري تحفيز الثلاثة على المضي قدماً.

من جانبه، يعمل الرئيس الروسي بوتين على زيادة الحد الأقصى لعدد أفراد القوات المسلحة الروسية بمقدار 170 ألف جندي، لتصل إلى كامل قوامها البالغ مليوناً و320 ألف عنصر، كما وافق في الفترة الأخيرة على زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري. عام 2024، ستصل النفقات على الدفاع والأمن مجتمعة إلى 40 في المائة من ميزانية روسيا، أي بزيادة قدرها 70 في المائة عن عام 2023. ويعتمد هدف إيرادات روسيا لعام 2024 البالغ 391.2 مليار دولار على أسعار النفط المرتفعة.

في الوقت ذاته، تسعى الحكومة الروسية لاجتذاب مجندين جدداً، من خلال تقديم مبالغ ضخمة من المال مقابل الخدمة في الجيش. ويحصل كبار الجنود المتعاقدين الذين ينضمون إلى ما يسمى بـ«فرقة النخبة القتالية» على أجر ضخم قد يصل إلى مليون روبل (نحو 11.000 دولار).

وعلى رغم الفشل النهائي للهجوم المضاد في الصيف، يرفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاستسلام، بل أعلن عن «مرحلة جديدة من الحرب» في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، بعد أن اعترف بالنقص المستمر في الأسلحة، وتقلص القوات، وخطر فقدان تدفق المساعدات الأمنية والمعدات العسكرية من الولايات المتحدة وأوروبا، مع تصاعد الصراع بين إسرائيل وجماعة «حماس»، والتي ألقت بظلالها على الحرب الروسية - الأوكرانية.

وقال زيلينسكي خلال مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» في خاركوف، شمال شرقي أوكرانيا: «انظر، نحن لن نتراجع، وأنا راضٍ». ويواصل الممثل الكوميدي الأوكراني الذي أصبح رئيساً، مناشدة البيت الأبيض للحصول على المزيد من الدولارات الأميركية، بعد أن أرسل وفداً من كبار مسؤوليه إلى واشنطن.

وقال الرئيس الأوكراني خلال مقابلة مع مجلة «تايم»، في أكتوبر (تشرين الأول): «لا أحد يؤمن بانتصارنا مثلي. لا أحد». يأتي ذلك رغم اعتراف القائد الأعلى للقوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال فاليري زالوجني، قريباً بأن الحرب لا يمكن الفوز بها. وأضاف خلال مقابلة مع مجلة «إيكونوميست» في الأول من نوفمبر، أنه: «على الأرجح لن يكون هناك اختراق عميق وعظيم»، متحدثاً عن حالة التأزم السائدة بالصراع الآن.

ومع أنه من الواضح لأي محلل استخباراتي جاد أن أوكرانيا ليس أمامها سبيل عسكري لإحراز النصر، يواصل الرئيس بايدن تكرار شعاره «مهما تطلب الأمر»، والذي يوجز إلى حد كبير السياسة المضللة والفاشلة التي تنتهجها إدارته تجاه الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

في السادس من ديسمبر (كانون الأول)، في أثناء اجتماع افتراضي لدول مجموعة السبع - التي تضم اليابان والولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي - أكد بايدن التزام بلاده بدعم أوكرانيا «مهما تطلب الأمر».

وفي اليوم نفسه، ناشد بايدن الجمهوريين قائلاً: «لا تدعوا بوتين يفوز»، وحثهم على الموافقة على تمويل إضافي لكييف. ومع ذلك، رفض مجلس الشيوخ الأميركي حزمة المساعدات البالغة 110 مليارات دولار لأوكرانيا وإسرائيل؛ لأن المشرعين الجمهوريين رفضوا دعمها من دون تغييرات ملموسة على سياسة بايدن تجاه أمن الحدود، حيث يتدفق المهاجرون إلى الولايات المتحدة عبر حدودها الجنوبية.

آثار قصف مسيرة روسية في أدويسا جنوب أوكرانيا (إ.ب.أ)

وقال بايدن: «إذا استولى بوتين على أوكرانيا، فلن يتوقف عند هذا الحد». وربما كان يرمي من وراء هذا التصريح إلى تخويف الجميع من أن بوتين ربما يقدم على مهاجمة إحدى الدول الحليفة داخل «الناتو». كما هدد بايدن بإمكانية اضطرار القوات الأميركية إلى قتال القوات الروسية، إذا نفدت أموال أوكرانيا.

ويتناقض تكتيك التخويف هذا مع خطاب واشنطن القائم على فكرة أن الجيش الروسي ضعيف للغاية وغير كفء، لدرجة أنه ليس بإمكانه مجرد إسقاط كييف وزيلينسكي.

والتساؤل هنا: هل يعتقد بايدن حقاً أن بوتين أحمق، أو مجنون انتحاري؟ المؤكد أن الهجوم ضد إحدى دول «الناتو» من شأنه أن يؤدي إلى تفعيل بند «الدفاع المشترك» الوارد بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف، ما يضع روسيا في صراع مباشر مع قوات الولايات المتحدة والحلف بأكمله التي تتفوق تقليدياً على جيش موسكو.

وعلى النقيض من بايدن، يبدو بوتين - رغم كونه زعيماً لا يعرف الرحمة - عقلانياً وذكياً للغاية. ويتلخص هدف بوتين الأساسي في استعادة الحاجز الأمني الاستراتيجي الذي تتمتع به روسيا، من خلال ضمان عدم انضمام أي دولة سوفياتية سابقة، باستثناء دول البلطيق، إلى عضوية حلف «الناتو». وترى موسكو أن خطر تمركز قوات أو قواعد أو معدات عسكرية تخص الحلف المعادي، على مقربة من الحدود الروسية أمر غير مقبول، تماماً مثلما تعتبر واشنطن أن وجود أصول عسكرية صينية أو روسية في كندا أو المكسيك أمر غير مقبول هو الآخر.

ربما يتفاجأ بايدن عندما يعلم ذلك، لكن فلاديمير بوتين قد انتصر بالفعل في الحرب الدائرة بأوكرانيا، تبعاً لتعريفه للنصر. لقد غزا بوتين أوكرانيا لفرض خطه الأحمر، وهو إبقاء أوكرانيا خارج حلف «الناتو». وقد حقق بوتين بالفعل هذا الهدف. وما دامت ظلت القوات الأوكرانية منخرطة في قتال طويل الأمد مع الروس، وما دامت كييف لا تسيطر على كامل الأراضي الأوكرانية، فإن أوكرانيا لا تلبي متطلبات القبول بالحلف - التمتع بالسيادة والسلامة الإقليمية وعدم التورط بصراع مستمر.

علاوة على ذلك، لم تعد أوكرانيا دولة قابلة للحياة؛ لأنها لا تستطيع أن تعيش بشكل مستقل، دون دعم مالي أجنبي. وبعد أن كان يطلق عليها ذات يوم «سلة خبز أوروبا»، أصبحت أوكرانيا اليوم في حالة خراب، بعد تدمير قاعدتها الزراعية وتضرر مؤسستها الصناعية، بما في ذلك البنية التحتية الحيوية، بشدة. كما تعرضت مراكزها الحضرية ومناطقها الريفية للقصف دونما هوادة بالصواريخ والضربات المدفعية الروسية، على مدار ما يقرب من عامين من القتال البري. علاوة على ذلك، تشهد أوكرانيا، أكبر دولة في القارة، إخلاءً من السكان، حيث تقترب الخسائر البشرية من ربع مليون قتيل أو مصاب بجروح خطيرة، وتشريد الملايين من المواطنين.

وتعد هذه المأساة الإنسانية غير المعقولة؛ نتاجاً لانعدام الكفاءة الاستراتيجية لواشنطن، والسياسة الخارجية الساذجة التي ينتهجها الرئيس بايدن تجاه روسيا وأوكرانيا. ولا يمكن لأحد سوى مجموعة من الأميين تاريخياً، تصور أن دعوة أوكرانيا للانضمام إلى «الناتو» - التي لطالما اعتمدت عليها روسيا لقرون عديدة لضمان أمنها - كانت فكرة رائعة. وبشكل يتعذر على التصديق، فشل «خبراء» واشنطن، مهد «مبدأ مونرو»، في توقع تحركات بوتين قائد «ثاني (أفضل) جيش في العالم»، بحسب اعتراف زيلينسكي نفسه لوكالة «أسوشييتد برس».

لقد فشل الرئيس بايدن في أن يتعلم من الفشل الذريع في أفغانستان أن المال والتكنولوجيا لا يحققان الانتصار في الحروب، وإنما الاستراتيجية تفعل ذلك. لم يكلف فريق بايدن نفسه عناء تطوير استراتيجية.

بايدن وزيلينسكي خلال لقائهما في البيت الأبيض 12 ديسمبر الجاري (أ.ب)

وبوصفي مسؤولة سابقة في موقع متقدم في وكالة الاستخبارات الدفاعية الأميركية، وأحد ثلاثة محللين كبار للعقيدة والاستراتيجية الروسية في مجتمع الاستخبارات، فقد أطلعتُ شخصياً موظفي الأمن الوطني داخل البيت الأبيض في عهد الرئيس أوباما على خطط بوتين واستراتيجية روسيا تجاه خوض الحروب عدة مرات. كما أطلعتُ عدداً لا يحصى من كبار القادة العسكريين الأميركيين ومسؤولي «البنتاغون»، بالإضافة إلى مسؤولي «الناتو» وقادة عسكريين، على هذه المعلومات.

وبصفته نائباً للرئيس في ذلك الوقت، والشخص المرجعي فيما يتعلق بالسياسة الأوكرانية، ومهندس «إعادة ضبط» الاستراتيجية الفاشلة تجاه روسيا، كان لا بد من إعلام جو بايدن بتلك الإحاطات. ولا بد أن الرئيس وفريقه قد تلقوا إحاطات مماثلة قبل وفي أثناء رئاسته، بالنظر إلى مستوى الاهتمام بروسيا من قبل مجتمع الاستخبارات الأميركي، باعتبارها تهديداً من المستوى الأول لأمن الولايات المتحدة.

علاوة على ما سبق، كان لدى الرئيس الأميركي متسع من الوقت للتحرك من أجل ردع بوتين، والتفاوض على حل سلمي، ومنع الغزو الروسي لأوكرانيا، وتجنب التدفقات الباهظة من عائدات دافعي الضرائب الأميركيين إلى كييف، في إطار ما أصبح اليوم حرباً يتعذر الفوز فيها.

بدلاً عن ذلك، اختار بايدن أن يدفع الأوكرانيون ثمن إخفاقاته بدمائهم. ومن المحتمل للغاية أن فريق بايدن تعمد إطالة أمد الحرب الروسية - الأوكرانية، من خلال تدفق الأسلحة إلى كييف، من أجل إنهاك الجيش والاقتصاد الروسيين، تماماً كما صرح وزير الدفاع لويد أوستن، قبل بضعة أشهر.

ومع أن عدد سكان روسيا يفوق نظيره في أوكرانيا بثلاثة أضعاف، ومع استعداد بوتين للتضحية بالمزيد والمزيد من الجثث لحل هذه المشكلة، يبدو أن واشنطن ستقاتل موسكو حتى آخر أوكراني، وكل هذا باسم دعم «الحرية والديمقراطية».


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
TT

واشنطن واستراتيجية الـ«لا استراتيجية» في الشرق الأوسط

بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)
بايدن مع بنيامين نتنياهو خلال زيارته التضامنية لإسرائيل في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

بعد عام على هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول)، تتخبط منطقة الشرق الأوسط في موجة تصعيد مستمر، من دون أي بوادر حلحلة في الأفق. فمن الواضح أن إسرائيل مصرة على الخيارات العسكرية التصعيدية، ضاربة بعرض الحائط كل المبادرات الدولية للتهدئة، ومن الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة وإدارة الرئيس جو بايدن، إما عاجزتان عن التأثير على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإما غير مستعدتين لممارسة ضغوطات كافية عليه للتجاوب مع دعواتها لوقف التصعيد. هذا في وقت تعيش فيه الولايات المتحدة موسماً انتخاباً ساخناً تتمحور فيه القرارات حول كيفية تأثيرها على السباق الرئاسي.

السؤال الأبرز المطروح حالياً هو عما إذا كان هناك استراتيجية أميركية ما حيال ملف الشرق الأوسط، انطلاقاً من الحرب الدائرة منذ عام. فقد واجهت الإدارة الحالية انتقادات حادة بسبب غياب منطقة الشرق الأوسط عن لائحة أولوياتها منذ تسلم بايدن السلطة. ولكن الأمور منذ 7 أكتوبر 2023 تغيرت جذرياً.

تحدثت «الشرق الأوسط» إلى غيث العمري، المستشار السابق لفريق المفاوضات الفلسطيني خلال محادثات الوضع الدائم وكبير الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذي رأى أن الإدارة الأميركية سعت فعلياً إلى عدم إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط، وحوّلت تركيزها ومواردها إلى أولويات أخرى. ويقول العمري: «جاءت هجمات 7 أكتوبر لتفاجئ الولايات المتحدة التي لم تكن مستعدة لها، والتي افتقرت لما يلزم لمواجهة أزمة بهذا الحجم». ويرى العمري أن الولايات المتحدة اعتمدت منذ السابع من أكتوبر وحتى تاريخنا هذا على سياسة «مجزأة مبنية على رد الفعل»، مضيفاً: «إنها لم تتمكن من رسم المشهد الاستراتيجي أو ممارسة النفوذ على حلفائها الإقليميين».

امرأة تعرض صورة لجنود إسرائيليين بعد استعادتهم لموقع كفرعزّة إثر هجمات 7 أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

تحدثت «الشرق الأوسط» أيضاً إلى جون الترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، فقال: «فشلت إدارة بايدن بالتأكيد في تحقيق العديد من أهدافها في العام الماضي، ولكن في الوقت نفسه لم تندلع حرب إقليمية كبيرة بعد». ويعرب الترمان عن «دهشته» من أنه ورغم «الإخفاقات»، فإن الولايات المتحدة «لا تزال هي النقطة المحورية للدبلوماسية الإقليمية».

وفيما تدافع إدارة بايدن عن أدائها بالقول إنها أظهرت الردع من خلال إرسال تعزيزات أميركية إلى المنطقة، إلا أن العمري يختلف مع هذه المقاربة، لافتاً إلى أن نشر هذه الأصول العسكرية ربما ساهم في المراحل المبكرة من الحرب «في ردع إيران و(حزب الله) من الانخراط في تصعيد كبير، إلا أنه فشل في ردعهما إلى جانب وكلائهما كالحوثيين من الانخراط في أنشطة خبيثة على مستوى منخفض». وأضاف: «لقد تسبب ذلك في زيادة الضغط، وأدى في النهاية إلى انتقال الحرب إلى لبنان وربما مناطق أخرى».

الدبلوماسية «هي الحل»

في خضم التصعيد، تبقى إدارة بايدن مصرة على تكرار التصريحات نفسها من أن الحل الدبلوماسي هو الحل الوحيد، محذرة من توسع رقعة الصراع في المنطقة. وعن ذلك يقول الترمان إن بايدن يريد حلولاً دبلوماسية؛ «لأن الحلول العسكرية تتطلب هزيمة شاملة لأحد الأطراف. ونظراً للرّهانات العالية لكلا الجانبين، فإن الحل العسكري بعيد المنال، وسينجم عنه المزيد من الموت والدمار أكثر بكثير مما شهدناه حتى الآن».

أما العمري فيرى أن التركيز على الدبلوماسية هو أمر مناسب؛ لأنه «في نهاية المطاف، تنتهي الحروب وستكون هناك حاجة إلى حل دبلوماسي»، مضيفاً: «عندما يأتي (اليوم التالي)، يجب أن تكون الأسس لترتيبات دبلوماسية جاهزة».

إلا أن العمري يحذر في الوقت نفسه من أن الدبلوماسية وحدها غير كافية إذا لم تكن مدعومة بقوة واضحة، بما في ذلك القوة العسكرية، ويفسر ذلك قائلاً: «إذا لم تتمكن الولايات المتحدة من إقناع خصومها بأنها مستعدة لاستخدام قوتها لإيذائهم، وحلفائها بأنها مستعدة لفعل ما يلزم لمساعدتهم، فإن نفوذها تجاه الطرفين سيكون محدوداً».

تجميد الأسلحة لإسرائيل

سقوط أعداد هائلة من المدنيين في حربي غزة ولبنان منذ بدء العمليات الإسرائيلية للرد على هجمات 7 أكتوبر 2023، دفع الكثيرين إلى دعوة بايدن لوضع قيود على الأسلحة الأميركية لإسرائيل، بهدف ممارسة نوع من الضغوط على نتنياهو لوقف التصعيد، لكن الترمان يرفض النظرة القائلة بأن تجميد الأسلحة سيمهد للحل، ويفسر قائلاً: «إذا اعتمدت إدارة بايدن هذه المقاربة، أتوقع أن يعترض الكونغرس بشدة، وقد تكون النتيجة عرضاً للضعف والهشاشة في سياسة البيت الأبيض، بدلاً من صورة تقديم حلول». ويحذّر الترمان من أن خطوة من هذا النوع من شأنها كذلك أن تدفع إسرائيل إلى «الشعور بمزيد من العزلة التي قد تولّد بالتالي شعوراً أكبر بعدم الالتزام بأي قيود».

الرئيس الأميركي جو بايدن خارجاً من البيت الأبيض ليستقل الطائرة إلى نيويورك (أ.ب)

ويوافق العمري مع هذه المقاربة، مشيراً إلى أنه «من غير الواضح أن أي وسيلة ضغط ستنجح»، فيقول: «إسرائيل تشعر بأنها مهددة وجودياً، مما يجعلها أقل استعداداً لتقبل أي تأثير خارجي». ويوفر العمري نظرة شاملة عن مقاربة الإدارة الأميركية في غزة ولبنان التي تحد من الضغوط التي ترغب في ممارستها على إسرائيل، فيفسر قائلاً: «رغم أن الولايات المتحدة غير راضية عن بعض جوانب سير الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالخسائر البشرية بين المدنيين، فإنها تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بعد السابع من أكتوبر». لهذا السبب يشير العمري إلى أن الولايات المتحدة تحتاج إلى تحقيق توازن في الضغط بطرق يمكن أن تغير سلوك إسرائيل «دون تقييد قدرتها على تحقيق الهدف المشروع المتمثل في هزيمة (حماس)»، مضيفاً: «هذا التوازن ليس سهلاً».

بالإضافة إلى ذلك، يذكّر العمري بطبيعة العلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والتي «تتجاوز القضية الإسرائيلية - الفلسطينية»، فيقول: «الولايات المتحدة تستفيد استراتيجياً من هذه العلاقة، بما في ذلك الفوائد المتعلقة بالتهديدات الإقليمية الأخرى مثل الأنشطة الإيرانية. وبذلك، فإن الولايات المتحدة لديها مصالحها الاستراتيجية الخاصة التي يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار».

أي حل في نهاية النفق

رغم التصعيد المستمر، تعمل الولايات المتحدة على بناء استراتيجية تضمن عدم خروج الأمور عن السيطرة، ودخول إيران على خط المواجهة، ويشدد العمري على أن «الأولوية الآن هي ضمان بقاء إيران خارج هذه الحرب»، مشيراً إلى أن هذا الأمر ضروري للحد من انتشار الصراع، و«لإضعاف مصداقية إيران الإقليمية ونفوذها مع وكلائها»، لكنه يرى في الوقت نفسه أنه «لا يمكن تحقيق مثل هذه النتيجة إلا إذا كانت إيران مقتنعة بأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام العمل العسكري».

عنصران من الدفاع المدني الفلسطيني في دير البلح في غزة (أ.ف.ب)

أما الترمان الذي يؤكد ضرورة استمرار الولايات المتحدة «في تقديم مسار للمضي قدماً لجميع الأطراف»، فيحذّر من أن هذا لا يعني أنها يجب أن «تحمي الأطراف من العواقب الناجمة عن أفعالهم»، ويختم قائلاً: «هناك مفهوم يسمى (الخطر الأخلاقي)، يعني أن الناس يميلون إلى اتخاذ سلوكيات أكثر خطورة إذا اعتقدوا أن الآخرين سيحمونهم من الخسارة».