السعودية 2024... توقعات إيجابية تدعمها إرادة سياسية وقدرة اقتصادية

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يحضران إحدى جلسات منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يحضران إحدى جلسات منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)
TT

السعودية 2024... توقعات إيجابية تدعمها إرادة سياسية وقدرة اقتصادية

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يحضران إحدى جلسات منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الكوري الجنوبي يحضران إحدى جلسات منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» (واس)

في عالم تزيد فيه حالة عدم التيقن يوماً بعد يوم، تبقى الثوابت هي المستند الرئيسي لاستشراف المستقبل القريب، هذه الثوابت هي العوامل التي ترتكز عليها التوقعات المستقبلية، ويمكن اختصارها في ثلاثة عوامل: الأول هو الإرادة السياسية، وهي المحرك الأول لتوجهات الدول، وما تريد أن تصل إليه.

الثاني هو القدرة الاقتصادية، وهي الممكّن الذي يعين الدول على تنفيذ إرادتها السياسية، والأداة التي تسهم في تحويل الخطط إلى واقع ملموس.

أما الثالث فهو التغيّرات العالمية، وهي العوامل التي تؤثر في تنفيذ هذه الخطط سلباً أو إيجاباً، وهي أكبر مسبب لحالة عدم التيقن تجاه التوقعات المستقبلية، وتلعب سياسة الدول دوراً جوهرياً في تحديد ذلك. وعند تطبيق هذه النظرة على المملكة العربية السعودية، يمكن توقع ما سيكون عليه العام المقبل.

السعودية في 2023

البداية مع الإرادة السياسية، فعلى المستوى الداخلي، لا تزال المملكة ماضية في تنفيذ «رؤيتها الطموحة 2030»، ويدعمها في ذلك تحقيق كثير من المبادرات لمستهدفاتها بشكل مبكّر. ولا شك أن كثيراً من هذه المبادرات بدأت تؤتي أكلها، لا سيما تلك التي بدأت مبكراً لإعادة هيكلة بعض قطاعات الدولة.

ولم تقف المملكة عند برامجها التي أطلقتها مع بواكير رؤيتها، فاستمرت في إطلاق مبادرات ومشاريع عديدة استهدفت قطاعات كالسياحة والترفيه والرياضة، والأخير تحديداً بيّن مدى تأثير إرادة الدولة في تحويل الخطط إلى واقع، ففي غضون أعوام قليلة سرق الدوري السعودي لكرة القدم الأضواء من الدوريات العالمية الكبرى، وأصبح محط أنظار العالم بعد هيكلة القطاع الرياضي وتفعيل دور القطاع الخاص في المنظومة الرياضية.

ولكون «الرؤية» شاملة لجميع القطاعات الحيوية، ظهرت تقاطعات مشاريع «الرؤية» ودعم بعضها لبعض، فعلى سبيل المثال، اتضح أن القطاع السياحي بحاجة إلى تدعيم لوجيستي، فأطلق صندوق الاستثمارات العامة شركة «طيران الرياض» لتسهم في تحقيق مستهدفات القطاع السياحي، والأمر ينطبق على تقاطعات كثيرة بين برامج «الرؤية». ويسهم في زيادة فعالية هذه القطاعات إشراف القيادة العليا في المملكة على الاستراتيجيات الوطنية، بما يضمن تكامل الأعمال والبعد عن الازدواجية.

كما ظهر أثر الإرادة السياسية في المملكة من خلال علاقاتها الخارجية مع الدول، فمنذ أعوام مدَّت المملكة جسور التواصل مع دول العالم تحت شعار المصالح المشتركة وتبادل القيم، وفي حين اختتم عام 2022 بزيارة الرئيس الصيني للرياض، امتدت هذه الزيارات عالية المستوى لعام 2023، فشهدت المملكة عدداً من قمم القادة، مثل: القمة السعودية الأفريقية، وقمة دول الخليج ودول الآسيان، والقمة السعودية الكاريبية، والقمة العربية، والقمة الإسلامية.

القادة ورؤساء الحكومات المشاركون في القمة العربية - الإسلامية بالرياض (أ.ف.ب)

وتنوعت أهداف هذه القمم بين الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية، والأسلوب المشترك فيها أن المملكة تعمل مع جميع الدول ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتبادلة.

كما شاركت المملكة كذلك في قمم عالمية، أبرزها قمة العشرين التي أقيمت في الهند، والقمة من أجل ميثاق مالي جديد في باريس. وتبيّنت بعض آثار هذه الجهود والزيارات الدولية من خلال فوز المملكة بتنظيم معرض «إكسبو 2030» بعد أن جمعت المملكة أصوات غالبية الدول، مسخّرة قوة علاقاتها مع دول العالم.

القدرة الاقتصادية

العامل الثاني هو القدرة الاقتصادية التي قد تمثلها الميزانية العامة للعام القادم، فقد استمرت المملكة في سياساتها الإنفاقية التوسعية، ورصدت ميزانية فاقت 1.2 تريليون ريال، مع اتباعها سيناريوهات متحفظة من ناحية الإيرادات. ولم يزد العجز في الميزانية العامة للدولة على 2 في المائة، واستمرت الحكومة في تمويل قطاعاتها دون تغيير جذري يذكر، بما يضمن استمرارية الاستراتيجيات القطاعية للدولة، وبما يتوافق مع المتغيرات المحيطة بها.

وبينما انخفضت الإيرادات النفطية بسبب سياسة «أوبك» الاستباقية للحفاظ على استقرار أسواق النفط، استمرت الإيرادات غير النفطية في الازدياد لتصل إلى 441 مليار ريال، لتشكل نحو 37 في المائة من إيرادات الدولة، بعد أن كانت هذه النسبة نحو 32.5 في المائة عام 2018.

واستمرار المملكة في إنفاقها في الميزانية العامة دليل على أمرين: الأول، هو ثقتها بمتانة اقتصادها وقدرتها على الإيفاء بهذا الإنفاق التوسعي دون الإضرار بمعدل الدين للناتج الإجمالي العام ودون الإخلال باحتياطياتها، والثاني، هو مُضيّها في برامج «الرؤية الطموحة» وثقتها بنتائجها الإيجابية المستقبلية على الاقتصاد الوطني.

التغيرات العالمية

العامل الثالث هو التغيرات العالمية التي قد تشكل إما مخاطر وإما فرصاً للمملكة، هذه التغيرات قد تكون جيوسياسية، كاستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، التي تؤثر على استقرار أسعار النفط، أو التغيرات في العدوان الإسرائيلي على غزة الذي يؤثر على المنطقة بشكل عام، أو الهجمات الحوثية التخريبية على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما يمكن أن تتمثل هذه التغيرات في وضع الاقتصاد العالمي، فلا يزال الاقتصاد العالمي يشهد تباطؤاً بفعل عوامل مثل التضخم، والسياسة النقدية المتشددة التي اتخذتها البنوك المركزية للحد منه، وتبعات الجائحة التي أثرت على سلاسل التوريد العالمية.

السعودية 2024

تغلب الإيجابية على التوقعات العامة للاقتصاد السعودي للعام القادم، فتوقعت «فيتش» أن ينمو الاقتصاد السعودي بين 2.6 و3.3 في المائة، وتوقعت «مودي» أن يكون النمو بنحو 4.6 في المائة، ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو المملكة في فترة قليلة لتصبح 4 في المائة، وأشارت التقديرات التي ذكرتها وزارة المالية في البيان التمهيدي للميزانية العام إلى أن تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.4 في المائة.

هذه التوقعات مدفوعة بعدد من العوامل المرتبطة بأحداث عام 2023، وبالسياسة العامة للمملكة. فإيرادات المملكة ارتفعت في هذا العام رغم خفضها لإنتاج النفط مدفوعة بارتفاع الإيرادات غير النفطية، ويتوقع أن تستمر هذه الإيرادات في الارتفاع العام القادم، كما ارتفعت في الأعوام الخمسة الماضية.

وسبب هذا الارتفاع هو ازدياد نشاط القطاع الخاص الذي يشجعه عدد من الإجراءات الحكومية، وبرامج «الرؤية». ويقلل هذا التوجه للحكومة السعودية من المخاطر والتقلبات التي قد تشهدها أسواق النفط العالمية، وهو في الأساس أحد أكبر محاور «الرؤية» التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل لضمان استدامة النمو والتنمية في المملكة.

وتعكس أحداث عام 2023 عدداً من التوقعات، فعلى سبيل المثال، من غير المستغرب أن تطلق السعودية عدداً من المشاريع المرتبطة بتنظيمها لـ«إكسبو 2030»، وقد يكون ذلك بتحديد موقع إقامة الحدث، وبدء الفعاليات المرتبطة به، كالمؤتمرات والمعارض والخطط الاستراتيجية، وقد يمتد ذلك إلى إنشاء جهة حكومية متخصصة تشرف على هذه الفعالية المهمة التي سعت حكومة المملكة إلى استضافتها.

كذلك، فمن المتوقع أن تحدث تغييرات في القطاع الرياضي في المملكة العام المقبل، فكما بدأت السعودية في تخصيص أنديتها بنقل ملكية 4 أندية لصندوق الاستثمارات العامة، قد يستمر ذلك العام المقبل بانتقال ملكية عدد أكبر من الأندية لكبريات الشركات السعودية.

كما يتوقع أن يزيد رتم العمل في وزارة الرياضة ضمن الإعلان المتوقع لاستضافة المملكة كأس العالم 2034، وذلك بتقديم ملف الاستضافة الذي قد يشمل إنشاء ملاعب جديدة وبنى تحتية لضمان استضافة متميزة، وللارتقاء بالقطاع الرياضي بما يتناسب مع الطموحات العالية بشأنه.

وبين استضافتي «إكسبو 2030» وكأس العالم 2034، يتوقع الإعلان عن مشاريع بنى تحتية متعددة، سواء في مدينة الرياض التي تشهد بالفعل عدداً كبيراً من مشاريع البنى التحتية، مثل مطار الملك سلمان، ومشروعي القدية وحديقة الملك سلمان، وغيرها من المشروعات الضخمة، أو في غيرها من مدن المملكة التي قد تلعب دوراً مهماً؛ لا سيما في تنظيم كأس العالم.

والمتابع لمشاريع «رؤية المملكة 2030» يرى أنها بدأت بعدد من المشاريع الطموحة، مثل: «نيوم، والبحر الأحمر، وآمالا، والقدية»، وقد بدأت بإطلاق عدد من المشروعات في مدينة الرياض في بدايات «الرؤية»، واستمرت بعدها في إطلاق مشاريع في مدن أخرى، مثل مشروع وسط جدة، أو رؤى المدينة المنورة، أو مشروعي السودة ومطار أبها.

وقد يدل ذلك على مزيد من المشاريع في مدن أخرى بالمملكة، سواء كانت هذه المشروعات لبنى تحتية، أو لمشاريع تخصصية، كما هي الحال في المشاريع الزراعية المرتبطة بمدن ذات خصائص جغرافية وبيئية معينة. ويعني ذلك أن العام القادم هو استمرار -بمشيئة الله- لـ«رؤية المملكة 2030» لتضمين عدد أكبر من المدن السعودية ضمن مشروعها الشمولي، بما يتوافق مع خصائص هذه المدن الثقافية والجغرافية.

مرونة المملكة

لقد أظهرت المملكة في الأعوام السابقة مرونتها في التعامل مع الأحداث الاقتصادية والسياسية، فلم تتأثر بالتضخم الناتج عن الجائحة كغيرها من الدول، واستطاعت تفادي الآثار السلبية للنزاعات الجيوسياسية العالمية، بل أطلقت مبادرات عالمية تهدف إلى التعامل مع نتائج هذه الأحداث، كما فعلت في مبادراتها لسلاسل الإمداد العالمية.

ومن غير المستغرب أن يستمر هذا النهج العام المقبل، بالتحوط من أي تغيرات قد تؤثر سلباً على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، واستثمار متانة اقتصادها وعلاقتها مع الدول في الوصول إلى حلول تفضي إلى الازدهار، كل ذلك دون التخلي عن مشروعها الوطني الذي يهدف إلى الارتقاء بقطاعاتها الاستراتيجية والحيوية.


مقالات ذات صلة

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

خاص السعودية تعزز ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي في قطاع الاتصالات والمعلومات (الشرق الأوسط)

نقلة نوعية للاقتصاد الرقمي السعودي في 2024

ما لا شك فيه أن الفرص السانحة في المملكة العربية السعودية لا تعد ولا تحصى، إلا أن التوجهات التي سترسم ملامح عام 2024، وما بعده ستتخطى التقنيات والحلول الجديدة.

إياد مرعي
خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خاص أهم 6 توجهات لتقنيات «ويب 3.0» و«بلوك تشين» والعملات الرقمية

خوارزميات الـ«بلوك تشين» يمكن استخدامها لتعزيز أمان الشبكات والمساعدة في اكتشاف مشكلات الأمان المحتملة بشكل أكثر كفاءة من المنهجيات التقليدية.

بن تشو
خاص ثورة المدفوعات الرقمية  في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

خاص ثورة المدفوعات الرقمية في السعودية تعزز فرص التجارة الإلكترونية

يشكّل التحول نحو وسائل الدفع الرقمية محفزاً لتحول أوسع في قطاعات التجارة الإلكترونية والخدمات اللوجيستية في المملكة العربية السعودية.

إيمان الغامدي
خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

خاص الاتصالات المعزَّزة تعد بنقلة في قطاع السيارات

تواجه مسألة التحضُّر المدني والنمو الاقتصادي السريع في العصر الحالي عدّة تحدّيات رئيسية، من أبرزها الازدحام المروري الخانق الذي تتسبّب به الزيادة السكانية.

لويس دي لا كروز
خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

خاص بزوغ عصر اقتصاد التجربة مدعوماً بالذكاء الاصطناعي

في حين يقف العالم على أبواب مرحلة اقتصادية جديدة حافلة بالفرص والتحديات على كل المستويات، بدأت ملامح «اقتصاد التجربة Experience Economy» في الاكتمال في عدد من…

نضال أبو لطيف

خيارات دمشق الضيقة في «وحدة الساحات» مع لبنان

لوحة إعلانية في طريق بدمشق تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو الماضي (غيتي)
لوحة إعلانية في طريق بدمشق تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو الماضي (غيتي)
TT

خيارات دمشق الضيقة في «وحدة الساحات» مع لبنان

لوحة إعلانية في طريق بدمشق تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو الماضي (غيتي)
لوحة إعلانية في طريق بدمشق تحمل صورة الرئيس السوري بشار الأسد ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في مايو الماضي (غيتي)

هل يدعم النظام السوري «حزب الله» اللبناني في حال وسعت إسرائيل حربها على غزة لتشمل لبنان بعدما توعدته بـ«صيف ساخن»؟ هل يكرر النظام ما قام به خلال حرب يوليو (تموز) 2006 بدعم الحزب عسكرياً ولوجيستياً ومالياً، أم سيتخذ موقف «الحياد» كما فعل تجاه حرب غزة؟ هل تستجيب دمشق لـ«ضغوط إيرانية هائلة» بفتح جبهة الجولان وتنخرط بالحرب في إطار «وحدة الساحات» بقيادة طهران أم تواصل موقف النأي بالنفس؟

يبدو البحث عن إجابات هذه الأسئلة ملحّاً في ظل الترقب الشديد لما قد يحدث في جنوب لبنان بعد تصاعد القصف المتبادل عبر الحدود في الآونة الأخيرة من دون مؤشرات واضحة في الأفق.

وفي الوقت نفسه تتجه الأنظار لمعرفة موقف دمشق المنهمكة في مساعيها الخاصة للخروج من أزماتها العميقة وفك عزلتها، بينما يعرب مراقبون وخبراء سياسيون فيها عن اعتقادهم أنها «ستقدم دعماً لكنه لن يكون بمستوى» دعم عام 2006، لأنها «حالياً منهكة اقتصادياً وعسكرياً»، بيد أنهم يلفتون إلى أن موقف دمشق «لا يزال غير واضح حتى الآن».

دفع إسرائيلي للحرب

دخان متصاعد جراء قصف إسرائيلي على بلدة الخيام جنوب لبنان نهاية مايو الماضي (أ.ف.ب)

«فرص التسوية في جنوب لبنان تتراجع بشكل يومي»، هذا ما قاله أحد المحللين في دمشق، مفضلاً عدم كشف اسمه، مستنداً إلى ما جاء في تقييم أمني لمركز «ألما» الإسرائيلي للدراسات، قدمه تل بيري رئيس قسم الأبحاث خلال مؤتمر حول التحديات الأمنية على الجبهة الشمالية لإسرائيل، ونشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في العاشر من مايو (أيار) الماضي.

ويتابع: «ما قاله بيري الخبير في شؤون الشرق الأوسط، هو دفع لإسرائيل باتجاه شن حرب ضد (حزب الله) في جنوب لبنان قبل أن يباغتها هو، خصوصاً قوله إن أي اتفاق دبلوماسي لن يؤدي إلا إلى كسب الوقت حتى الغزو النهائي من قبل (الحزب) لإسرائيل والذي يقدَّر في موعد لا يتجاوز نهاية عام 2026». ويضيف: «إسرائيل ترى حالياً الفرصة مناسبة لتوجيه ضربة لـ(حزب الله)؛ لأن (حماس) غارقة في حرب غزة، وسوريا ضعيفة، وروسيا مشغولة بحربها في أوكرانيا وأميركا موجودة على الأرض في سوريا».

موقع دمشق

إزالة الأنقاض في المنطقة التي استهدفت فيها غارات جوية إسرائيلية مبنى سكنياً في حي كفرسوسة بدمشق في فبراير الماضي (أ.ف.ب)

دمشق التي كثيراً ما وُصفت بـ«رأس الحربة» فيما يطلق عليه «محور المقاومة»، لم تعلن بشكل واضح ماذا يمكن أن تُقدم لـ«حزب الله» من دعم، واقتصر موقفها على ما قاله الرئيس بشار الأسد في الرابع من مايو (أيار) الماضي خلال الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب «البعث» بأن «كل ما يمكن لنا أن نقدمه ضمن إمكاناتنا للفلسطينيين أو أي مقاوم ضد الكيان الصهيوني سنقوم به دون أي تردد».

وبالنظر إلى تطور العلاقة بين أطراف «محور المقاومة»، فإن ما قاله الأسد يوحي بأنه لا يمكن إلا أن يدعم «حزب الله» إذا شنت إسرائيل حرباً على لبنان، لكن هذا الدعم لن يكون بحجم الدعم الذي قدمه في 2006، في حرب استمرت 34 يوماً، حين وُضع الجيش السوري في جاهزية تامة، وفتح النظام مستودعات أسلحته، كما فتح الطرقات بين سوريا ولبنان لنقل الأسلحة.

ويشرح المحلل المتابع للوضع الميداني في سوريا فيقول: «بعد انتشار الآلاف من مقاتلي (الحزب) في سوريا منذ 2011 تبلورت تدريجياً فكرة تحويل القلمون الغربي بريف دمشق إلى ظهير إقليمي للحزب، فبالنسبة له شكَّلت تجربة حرب 2006، معضلتين: الأولى ديموغرافية في نزوح سكان الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان، والثانية: لوجيستية. جرى التعامل مع المعضلة الأولى بتسهيل النظام السوري استقبال مئات الوافدين اللبنانيين في سوريا، بينما اليوم يستقبل لبنان نازحين سوريين بالآلاف، وتمثلت المعضلة اللوجيستية في قلة العمق الاستراتيجي، فجرى التعامل معها عبر التحالف الصلب مع النظام السوري».

يُذكر أن «النظام السوري حليف استراتيجي لـ(الحزب)، ويكنُّ احتراماً لمقاتليه، ومن ثم سيدعمه، لكن المشكلة في التكاليف. ففي عام 2006 كان الوضع الاقتصادي والمالي والعسكري أفضل، وكان النظام صاحب قرار، أما حالياً فليس لديه شيء، ويتدبر أمره بالمساعدات والحوالات الخارجية».

ويوضح المصدر أن هناك فرقاً كبيراً بين موقف دمشق من «حزب الله» وموقفها من «حماس» التي يرى النظام السوري أنها غدرت به منذ السنة الأولى للحرب باصطفافها إلى جانب المعارضة، ولم تشفع لها وساطة إيران و«حزب الله» لدى دمشق وزيارة قياديين منها العام الماضي العاصمة السورية.

معضلة «وحدة الساحات»

مواطن لبناني يقف أمام منزله المدمّر بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة عدلون الجنوبية ليل الجمعة - السبت الماضي (أ.ب)

وإن كانت دمشق قد نأت بنفسها عن محور «وحدة الساحات» الذي انخرطت فيه منذ 40 عاماً في موضوع غزة، ورفضت فتح جبهة الجولان المحتل رغم الضغوط الإيرانية، فإن موقفها حتى الآن غير واضح بشأن «وحدة الساحات» مع لبنان.

فإذا كانت إيران قد أخفقت إلى حد بعيد في التعامل مع دمشق في حرب غزة، وراحت تطالبها بإيفاء ديونها البالغة 50 مليار دولار من دون أن تفلح هذه الضغوط بفتح جبهة الجولان، فكيف ستكون الحال مع جبهة جنوب لبنان لا سيما أن «حزب الله» أساسي للبلدين على حد سواء؟

ولا يخفى اليوم أن إرسالية البنزين باتت تتأخر 15 يوماً حتى تصل، بينما خلت شوارع حمص من السيارات، وشوارع دمشق تراجعت فيها حركة السير بنسبة كبيرة.

ويرى كثيرون أن «المسألة معقدة جداً». فإذا انخرط النظام بالحرب فستضرب إسرائيل الجيش السوري هذه المرة، وستحدث مزيداً من الأضرار والدمار في البنى التحتية المتضررة أصلاً؛ فغالبية الضربات الإسرائيلية الجارية حالياً في سوريا تستهدف مواقع إيران وميليشياتها وقادتها، فإذا انخرط النظام في الحرب فسيصبح الجيش (السوري) بين مطرقة الضغوط الإيرانية وسندان الضربات الإسرائيلية.

إضافة إلى ذلك، فإن إيران ليست الفاعل الدولي الوحيد على الأرض في سوريا، فهناك الولايات المتحدة وتركيا وروسيا التي مكّنت الجيش السوري من استعادة مساحات شاسعة من البلاد، لكن ذلك كان أيضاً في مرحلة ما قبل انخراط روسيا في الحرب الأوكرانية.

ومع استمرار الحرب في غزة وعمليات القصف المتبادل بين «حزب الله» وإسرائيل وارتفاع وتيرته استقبلت دمشق نهاية أبريل (نيسان) الماضي وزير الخارجية التشيكي راديك روبيش حاملاً رسالة أوروبية تتعلق بالورقة الفرنسية للتهدئة في جنوب لبنان وفق معلومات لـ«الشرق الأوسط» من دون أي مؤشرات على احتمالات تخفيف العقوبات الأوروبية والأميركية على النظام السوري، كما كان مأمولاً؛ ما يضع دمشق تحت مزيد من الضغوط العسكرية والمالية والخيارات الضيقة والصعبة.