«الشرق الأوسط» ترصد عمارة المسجد الحرام في 1400 عام

أول توسعة في عهد الفاروق وتوقفت بعد العباسيين ألف عام

المسجد الحرام حظي بالاهتمام والعناية عبر الأزمنة والعصور وفي الصور الحديثة يبين استمرار أعمال الصيانة والتوسعة المستمرة في عهد الدولة السعودية (واس)
المسجد الحرام حظي بالاهتمام والعناية عبر الأزمنة والعصور وفي الصور الحديثة يبين استمرار أعمال الصيانة والتوسعة المستمرة في عهد الدولة السعودية (واس)
TT

«الشرق الأوسط» ترصد عمارة المسجد الحرام في 1400 عام

المسجد الحرام حظي بالاهتمام والعناية عبر الأزمنة والعصور وفي الصور الحديثة يبين استمرار أعمال الصيانة والتوسعة المستمرة في عهد الدولة السعودية (واس)
المسجد الحرام حظي بالاهتمام والعناية عبر الأزمنة والعصور وفي الصور الحديثة يبين استمرار أعمال الصيانة والتوسعة المستمرة في عهد الدولة السعودية (واس)

لم يحظَ أي أثر عمراني إسلامي بالاهتمام والعناية مثل ما حظي به المسجد الحرام بمكة المكرمة عبر الأزمنة والعصور، فوُصفت عمارته، ورُصدت مراحل تطورها، وسُجّلت الحوادث التي مرت به كالسيول والحرائق والاعتداءات والفتن، ووُثقت الزيادات والتوسعات على مدى ما يزيد على 1300 عام.

وجاء ضم مكة المكرمة تحت حكم الملك عبد العزيز في العام 1343ه – 1924م ليضيف فصولاً مضيئة، ويوثق لتوسعات وعمارات وجهود غير مسبوقة في خدمة الحرمين الشريفين وتسخير كل الطاقات والإمكانات لراحة وسلامة ضيوف الرحمن، هذا عدا توفير أهم ما كان يطلبه الحاج قبل العهد السعودي، ألا وهو «الأمن»، وتلك مأثرة كبرى من مآثر الملك المؤسس تستحق أن تُفرد لها الصفحات. لقد كان الحَرمان الشريفان على رأس اهتمامات الملك عبد العزيز وأولوياته، وأحد أهم المسؤوليات التي تشرّف بها أبناؤه الملوك من بعده حتى أتت اليوم هذه المنجزات العملاقة والخدمات المميزة التي تقدمها المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان؛ لخدمة ضيوف الرحمن والعناية بهم والسهر على أمنهم وسلامتهم، امتداداً لما بدأه المؤسس واستكمالاً لما قام به أبناؤه الملوك من بعده.

وحيث يصادف موسم حج هذا العام 1444ه الموسم الثاني بعد المائة من تنظيم المملكة العربية السعودية للحج، وتزامناً مع توجه نحو مليوني حاج إلى المسجد الحرام لأداء طواف الإفاضة وسعي الحج، تنشر «الشرق الأوسط» هذه السلسلة من التقارير الوثائقية عن التوسعات والعمارات التي شهدها المسجد الحرام قبل العهد السعودي، والتطورات والمنجزات التي تحققت منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز وحتى اليوم، والتي ستبقى مفخرة من مفاخر المملكة العربية السعودية ومأثرة من مآثر قادتها وشاهداً على ما بذلوه من عطاء لا محدود للحرمين الشريفين، وما قدموه من رعاية وعناية لا ممنونة لقاصديهما.

أول توسعة للمسجد الحرام ورواق عثمان

بعد أن فتح النبي - صلى الله عليه وسلم -مكة عام 8هـ - 629م، أمر بإزالة الأصنام كما قام بكسوة الكعبة وتطييبها، ولكنه لم يدخِل أي تعديلات على عمارة الكعبة وما حولها، ومن الناحية المعمارية لم يكن للمسجد الحرام جدران تحده، بل كانت الأزقة تفتح عليه، والبيوت تحيط به وتصل إلى حد المطاف، ولم تتجاوز مساحة المسجد الحرام في العهد النبوي ما كانت عليه في عهد قريش وهي نحو (2126 متراً مربعاً)، وقد ظل الحال كذلك حتى نهاية عهد الخليفة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه.

وبدأت أولى التوسعات للمسجد الحرام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في العام 17هـ - 638م، حين قدِم إلى مكة ورأى حاجة المسجد إلى التوسعة، حيث كان لا يزال محدوداً في دائرة المطاف، فقام بشراء الدُّور المحيطة وأضاف مساحتها التي بلغت (1400 متر مربع تقريباً) إلى المسجد، وأحاطه بجدار قصير من اللبن والطين، وجعل فيه أبواباً وأمر بوضع مصابيح فوقه للإضاءة. وكانت تلك هي المرة الأولى التي يكون للمسجد سور وأبواب ويضاء ليلاً. وبذلك أصبح الحرم أكثر سعة واستيعاباً لأعداد أكبر من المصلين والحجاج وبلغت مساحته نحو (3526 متراً مربعاً). وفي العام 26هـ - 646م، اعتمر الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ورأى ضيق المسجد على المصلين، فأمر بتوسعته وأحاط المطاف من جميع جهاته بظلة (رواق) ليستظل بها المصلون من حرارة الشمس، حيث كان قبل ذلك عبارة عن فناء غير مسقوف، وكانت الفكرة مستوحاة من نموذج الظُلة التي بناها النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسجده بالمدينة. وارتكزت مؤخرة سقف الأروقة التي بنيت في المسجد الحرام على سور المسجد بعد تجديده، بينما ارتكزت مقدمتها على الأعمدة التي وزعت بانتظام في أرض المطاف، كما ظهرت الأسطوانات (السواري أو الأعمدة الدائرية) بوصفها عنصراً معمارياً ولأول مرة في المسجد الحرام الذي بلغت مساحته وقتذاك (5001 متر مربع تقريباً).

التوسعة الثالثة إلى الخامسة والاهتمام بالأعمدة

ثم جاءت التوسعة الثالثة في زمن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنه - عام 65هـ - 684م، حيث شملت التوسعة الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية، وأعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم بإدخال حجر إسماعيل فيها، كما أعاد بناء الأروقة وجعل لها أعمدة من رخام، ووصلت مساحة المسجد بعد توسعة ابن الزبير إلى نحو (8226 متراً مربعاً).

وفي زمن الوليد بن عبد الملك تمت التوسعة الرابعة للمسجد الحرام عام 91هـ - 709م، وشملت الجهة الشرقية، وأعاد عمارة الأروقة وزخرفها وزينها بالتذهيب والفسيفساء، وجعل أعمدتها من الرخام وسقفها بالساج (خشب التيك) المزخرف، وتشير المصادر التاريخية إلى أنه أول من جعل للمسجد شرافات وهي العرائس أو الأشكال المزخرفة التي تعلو واجهات الأروقة والجدران الخارجية، وقد بلغت مساحة المسجد في زمنه نحو (9951 متراً مربعاً).

أما التوسعة الخامسة فكانت في عهد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 137هـ - 754م، وجاءت في الجهتين الشمالية والغربية وشهدت هذه التوسعة بناء أول مئذنة للمسجد الحرام في الركن الشمالي الغربي (منارة باب العمرة)، وكسا جدران المسجد بالرخام وزخرف قبابه بالفسيفساء والذهب وزيّنه بالنقوش، كما ألبس حِجر إسماعيل الرخام، وعمل على زمزم شباكاً وفرش أرضها بالرخام، وأصبح إجمالي مساحة المسجد الحرام في عهده نحو (15172 متراً مربعاً).

أكبر التوسعات للمسجد الحرام في العهد العباسي

أما أكبر التوسعات في عهد الدولة العباسية فكانت في زمن الخليفة المهدي، وشهد المسجد الحرام توسعتين للمهدي الأولى عام 160ه – 776م وكانت تلك التوسعة في الجهات الشرقية والغربية والشمالية من المسجد وجلب له أساطين الرخام من مصر والشام، وبعض هذه الأعمدة وتيجانها يعود تاريخها إلى حضارات قديمة كالرومانية والإغريقية، وحملت بحراً إلى الشعيبة (ميناء جنوب مكة) وأعاد بناء الأروقة وسقفها بخشب الساج، لكن عدم توسع المسجد من الجهة الجنوبية لم يجعله متساوياً من جميع الجهات وأصبحت الكعبة لا تتوسط المسجد، فكرِه المهدي ذلك وأمر بتوسعته من الجهة الجنوبية، فتمت التوسعة الثانية للمهدي عام 164هـ - 780م رغم الصعوبات الفنية التي تمثلت في وجود مجرى وادي إبراهيم في تلك الجهة، فوضع المهندسون المقترحات لتحويل مجرى السيل، وشملت عمارة المسجد استكمال الأعمدة الرخام وتسقيفها بالخشب الساج المنقوش بالألوان والزخرفة، وجعل للرواق سقفين، أحدهما فوق الآخر بينهما فرجة، الأعلى منهما سطحه مسقف بالدوم اليماني، وأما الأسفل فهو مسقوف بالساج المزخرف بالذهب، كما تم بناء ثلاث مآذن «منارة باب السلام» و«منارة باب علي» و«منارة باب الوداع».

المسجد الحرام والتوسعة التاسعة وغياب 10 قرون

وكان شكل المسجد الحرام بعد هذه التوسعة السابعة شبه مستطيل تتوسطه الكعبة وبلغ إجمالي مساحته نحو (30112 متراً مربعاً)، وكانت توسعة المهدي أكبر التوسعات حتى ذلك التاريخ. وجاءت بعدها توسعتان أو زيادتان محدودتان، الأولى في زمن الخليفة العباسي المعتضد عام 281هـ - 894م، وكانت زيادة خارجة عن تربيع المسجد الحرام في موضع «دار الندوة» التي تهدمت وخربت، فنظف موقعها وحفرت أساساتها وبنيت أروقتها وسقوفها وفتحت لها أبواب وجعلت مسجداً وسميت رحبة باب الزيادة وكانت مساحتها نحو (2500 متر مربع) وموقعها في الجانب الشمالي من المسجد. وكانت الزيادة الثانية في زمن الخليفة المقتدر عام 306ه – 918م، وتم فيها إدخال رحبة باب إبراهيم وما يتبعها من الرواق في الجهة الغربية من المسجد وسميت زيادة باب إبراهيم وكانت خارجة أيضاً عن تربيع المسجد الحرام ومساحتها نحو (980 متراً مربعاً).

ومنذ ذلك التاريخ ولأكثر من ألف عام لم يزد في مساحة المسجد الحرام أي زيادة ولم تتم توسعته حتى جاء العهد السعودي، وكل ما حصل طوال تلك القرون هو ترميمات وإصلاحات وعمارة لما تهدم وخرب من أجزائه ولم تتجاوز مساحة المسجد الحرام التي كانت في زمن قريش مع كل توسعاته التسع ولأكثر من 1300 عام، ووفقاً لما أورده المؤرخ محمد طاهر الكردي (33321 متراً مربعاً)، مع ملاحظة أن هناك تبايناً في مساحة التوسعات والزيادات التي تمت في المسجد الحرام عند المؤرخين، لكن أكثر ما اطلعت عليه يقل عن المساحات التي جاءت عند الكردي.

حقائق

تكاليف التوسعات للمسجد الحرام في صدر الاسلام

قدّر المؤرخ حسين باسلامة إجمالي ما صُرف على تلك التوسعات بما يزيد على عشرة ملايين دينار إسلامي، أي ما يصل اليوم إلى نحو 3 مليارات دولار تقريباً، مع مراعاة القيمة السوقية للدينار في ذلك الزمن والتي تفوق هذا الرقم بكثير.

رسم يبين حدود التوسعة التاسعة للمسجد الحرام التي أجراها الخليفة العباسي المقتدر سنة 918 للميلاد (غيتي)

الترميمات والإصلاحات

إضافة إلى التوسعات التسع التي شهدها المسجد الحرام من عهد الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى عهد الخليفة العباسي المقتدر، كانت هناك عمارات وإصلاحات، وتجديدات وترميمات، وتعديلات وتحسينات، وإضافات داخلية متعددة بسبب السيول والحرائق والتصدعات والتشققات، شملت الجدران والأسقف والأعمدة، والأروقة والأبواب، والأرضيات والدرج، والشرافات والمآذن والقباب وغيرها، إضافة إلى تجديد وإصلاح عمارة الكعبة ومقام إبراهيم وبئر زمزم وحجر إسماعيل، وكانت أولى هذه العمارات في زمن الخليفة عبد الملك بن مروان عام 75ه – 694م، وآخر تلك الإصلاحات في زمن الشريف الحسين بن علي عام 1338ه – 1920م، وكان ذلك قبل سنوات قليلة من انضمام الحجاز تحت الحكم السعودي.

أقدم رسم للمسجد الحرام وهو منقوش على حجر مرمر للنحات عبد الرحمن المكي وذلك في نهاية القرن الخامس (الشرق الأوسط)

أهم الإصلاحات والترميمات للمسجد الحرام

من نماذج الإصلاحات والترميمات التي شهدها المسجد الحرام ما تم في العام 727هـ -1326م أرسل السلطان المملوكي محمد بن قلاوون علاء الدين بن هلال الدولة لعمارة المسجد الحرام، وجدد سقوفه التي تشققت وجدرانه التي تهدمت.

وفي عام 747هـ - 1346م، تمت عمارة سطح الحرم في عهد السلطان الصالح إسماعيل بن محمد بن قلاوون.

وفي عام 772هـ- 1370م، تمت عمارة مئذنة باب الحزورة بعد سقوطها وكان ذلك في عهد السلطان الأشرف شعبان بن حسين.  

وفي زمن السلطان المملوكي الناصر فرج بن برقوق شبّ حريق في أجزاء من المسجد الحرام، فتمت عمارة الأروقة المحترقة وتجديد عمارة بعض الأبواب عام 803ه – 1400م وكتب على حجر مربع كان على البترة الفاصلة بين المنفذين في باب الوداع: «أمر بعمارة هذا الباب الشريف وثلث الحرم لما احترق سنة 802 مولانا السلطان الملك الناصر فرج بن السلطان الملك المالك أبو سعيد برقوق...»، وتم في عهده أيضاً تجديد قبة مقام إبراهيم عام 810 ه- 1407م. وأورد المؤرخ تقي الدين الفاسي: «المقام الآن تحت قبة عالية من خشب ثابتة قائمة على أربعة أعمدة دقيقة من حجارة منحوتة بينها أربعة شبابيك من حديد بين كل عمودين شباك، ومن الجهة الشرقية يدخل إلى المقام، والقبة منقوشة مزخرفة من باطنها بالذهب، ومما يلي السماء مبيضة بالنورة. وأما المصلى الذي هو خلف المقام الآن فعليه ظلة قائمة على أربعة أعمدة، منها عمودان عليهما القبة إذ هي متصلة بالقبة...، واسم الملك الناصر فرج مكتوب عليها...». كما تمت في عهده أيضاً وفي عام 807ه-1404م عمارة سقف الجانب الغربي من المسجد الحرام وجلبت كثير من أخشاب العرعر من جهة الطائف لعدم توفر خشب الساج، كما تمت عمارة الجانب الشامي إلى باب العجلة.

 وذكر المؤرخ المكي علي السنجاري أنه في عام 818ه – 1415م عمرت مظلة المؤذنين التي فوق زمزم وكانت من خشب فبنيت بالحجر الصوان.

وفي عام 825هـ -1422م في عهد السلطان الأشرف برسباي تمت عمارة أماكن متعددة بعد خرابها وتجديد كثير من السقف، وعمارة باب الجنائز وعقود عدة في الجانب الشامي من المسجد، وفي عهده أيضاً قام الأمير سودون المحمدي عام 843ه- 1439م بإصلاحات عدة في المسجد الحرام، حيث بُيضت مئذنة باب السلام وباب العمرة وباب علي وباب الحزورة ورمم أسفل مئذنة باب علي، وأصلحت أماكن أخرى في المسجد، وفي سلطنة الظاهر جقمق هدم سقف الرواق الغربي عام 846هـ-1442م وسُقّف بسقف جديد.

كما تم في العام 917ه -  1512م وفي زمن السلطان قانصوه الغوري، إعادة بناء جدار حجر إسماعيل لظهور خلل فيه بسبب بنائه السابق بالرماد والمدر والنورة، كما أورد ذلك المؤرخ عز الدين بن فهد القرشي، وأنه أعيد البناء بالحجارة والجبس والرصاص، كما أعيد ما كان من رخام أبيض وما كان من رخام أسود.

 وفي عام 984هـ - 1576م كانت هناك عمارة كاملة لأروقة المسجد الحرام وتم استبدال سقف الأروقة الخشب بالقباب وكان ذلك في زمن السلطان سليم الثاني، واستكملت تلك العمارة في زمن ابنه السلطان مراد الثالث.

وفي عام 1040ه – 1630م هطلت أمطار غزيرة على مكة وملأت السيول المسجد الحرام ودخلت إلى جوف الكعبة وسقطت بعض جدرانها وتمت إعادة بنائها، وكان ذلك في زمن السلطان مراد الرابع.

وقد رصد المؤرخون كثيراً من الجوانب والتفاصيل المتعلقة بتلك الإصلاحات والمواد المستخدمة والمنفذون والوسائل وطرق التنفيذ. ونلحظ هنا أن السيول والحرائق كانت من أكثر الأسباب التي دعت لإعادة تعمير المسجد الحرام أو أجزاء منه.  

صورة للمسجد الحرام من الجانبين الشمالي الغربي (الأيمن) والجنوبي الغربي (الأيسر) التُقطت عام 1887م وبعد أكثر من 900 عام على آخر توسعة في العهد العباسي وتبين بقاء حدود التوسعة التاسعة دون تغيير (غيتي)

لماذا توقفت توسعة المسجد الحرام 1000 عام!

 

منذ عام 306 للهجرة ولأكثر من ألف عام لم يزد في مساحة المسجد الحرام أي زيادة ولم تتم توسعته حتى جاء العهد السعودي، ويلخص ذلك المؤرخ المكي حسين باسلامة بأن ما تم خلال ما يزيد على ألف عام: «تعمير وإصلاح وترميم وبناء المقامات الأربعة وإنشاء المدارس التي حول المسجد الحرام وإنشاء مناير وما شابه ذلك... ولم يزد فيه شيء لا في طوله ولا في عرضه، ليطرَح سؤال: ألم تكن هناك حاجة إلى التوسعة طوال تلك القرون؟

على الرغم من كل ما ذكره المؤرخون من جهود وما أحصوه من تفاصيل وما بذله الولاة والسلاطين من أموال، فإن  ذلك كله لم يكن يصل إلى ما يستحقه المسجد الحرام من عناية واهتمام، ويكفي أن ننظر إلى حال المساجد في الحواضر الإسلامية حينذاك ونقارنها بحال المسجد الحرام لندرك الفرق! وهناك من يرى أنه لم تكن هناك حاجة إلى التوسعة بعد توسعة الخليفة المهدي، وهناك أسباب وتبريرات كثيرة يمكن أن تساق لذلك، لكنني أرى أنه مما يلفت الانتباه أن أكثر الخلفاء الذين وسّعوا المسجد الحرام أدركوا الحاجة إلى التوسعة أثناء أدائهم مناسك الحج أو العمرة، حيث وقفوا بأنفسهم على ما يتطلبه المسجد الحرام من زيادة؛ بينما معظم الولاة والسلاطين في الدول المتعاقبة بعد ذلك لم يحجّوا أو يزوروا مكة ليروا حال المسجد الحرام وكانوا يعتمدون على ما يرفع لهم من تقارير أو طلبات، وبغض النظر عن أسباب عدم حجهم إلا أنه ليس من رأى كمن سمع.

* غداً الحلقة الثانية وكيف تعامل الملك عبد العزيز مع أول حج بعد ضم الحجاز تحت رايته.


مقالات ذات صلة

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

الخليج الأمير سعود بن مشعل أكد ضرورة تكثيف التنسيق بين كافة القطاعات لتهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات (إمارة منطقة مكة المكرمة)

السعودية تعلن بدء التخطيط الزمني لموسم الحج المقبل

نحو تهيئة كافة السبل لتطوير الخدمات وتسهيل طرق الحصول عليها وتحسين المرافق التي تحتضن هذه الشعيرة العظيمة، أعلنت السعودية عن بدء التخطيط الزمني لحج 1446هـ.

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا الحجاج المصريون النظاميون يؤدون مناسك الحج (أرشيفية - وزارة التضامن الاجتماعي)

مصر تلغي تراخيص شركات سياحية «متورطة» في تسفير حجاج «غير نظاميين»

ألغت وزارة السياحة والآثار المصرية تراخيص 36 شركة سياحة، على خلفية تورطها في تسفير حجاج «غير نظاميين» إلى السعودية.

أحمد عدلي (القاهرة)
الخليج 7700 رحلة جوية عبر 6 مطارات نقلت حجاج الخارج إلى السعودية لأداء فريضة الحج (واس)

السعودية تودّع آخر طلائع الحجاج عبر مطار المدينة المنورة

غادر أراضي السعودية، الأحد، آخر فوج من حجاج العام الهجري المنصرم 1445هـ، على «الخطوط السعودية» من مطار الأمير محمد بن عبد العزيز الدولي في المدينة المنورة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صورة للطرفين عقب توقيع الاتفاقية (مجموعة السعودية)

«مجموعة السعودية» توقّع صفقة لشراء 100 طائرة كهربائية

وقّعت «مجموعة السعودية» مع شركة «ليليوم» الألمانية، المتخصصة في صناعة «التاكسي الطائر»، صفقة لشراء 100 مركبة طائرة كهربائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق الثوب الأغلى في العالم بحلته الجديدة يكسو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام بمكة المكرمة (هيئة العناية بشؤون الحرمين)

«الكعبة المشرفة» تتزين بالثوب الأنفس في العالم بحلته الجديدة

ارتدت الكعبة المشرفة ثوبها الجديد، الأحد، جرياً على العادة السنوية من كل عام هجري على يد 159 صانعاً وحرفياً سعودياً مدربين ومؤهلين علمياً وعملياً.

إبراهيم القرشي (جدة)

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
TT

طارق متري لـ«الشرق الأوسط»: لا بديل عن الـ1701 وإنْ بصياغة جديدة

وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري
وزير الخارجية اللبناني الأسبق طارق متري

يشكّل قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الركيزة الأساسية لأي حلّ دبلوماسي للحرب الإسرائيلية على لبنان، رغم التصدعات التي أصابته جراء الخروق المتكررة لمضامينه منذ إقراره في شهر أغسطس (آب) 2006. وعلى رغم أن الأحداث المتسارعة تجاوزته وسياسة التدمير التي تنفذها إسرائيل على كامل الأراضي اللبنانية جعلت من الصعب البناء عليه، فإن وزير الخارجية الأسبق طارق متري، تحدث عن «استحالة الاتفاق على قرار بديل عنه بفعل الانقسام الحاد داخل مجلس الأمن الدولي وامتلاك الولايات المتحدة الأميركية وروسيا حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي قرار بديل». وشدد متري على أنه «لا بديل لهذا القرار وإن كان يحتاج إلى مقدمة جديدة وإعادة صياغة».

ثغرات تسهل الخرق

ثمة بنود ملتبسة في هذا القرار الدولي، تسببت بخرقه مراراً من إسرائيل و«حزب الله» على السواء؛ لكون كلّ منهما يفسّر هذه البنود بحسب رؤيته ومصلحته. ومتري هو أحد مهندسي الـ1701 عندما مثَّل لبنان وزيراً للخارجية بالوكالة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأشار إلى أن «كل قرارات مجلس الأمن يشوبها بعض الغموض، ومن يقرأ 1701 بتأنٍ يتبيّن أنه ينطوي على لهجة قوية، لكن منطوقه يحمل بعض التأويل». وقال متري في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «مشكلة القرار 1701 الأساسية والتي كانت سبباً وراء تفسيره من نواحٍٍ مختلفة، أنه يدعو إلى وقف الأعمال العدائية وليس وقف إطلاق النار، وكذلك شابه الغموض أو عدم الوضوح، خصوصاً في الفقرة (8) التي تتحدث عن ترتيبات أمنية في المنطقة الفاصلة ما بين مجرى نهر الليطاني والخطّ الأزرق وجعلها خالية من المسلحين»، مشيراً إلى أن «هذا القرار صدر تحت الفصل السادس، لكن الالتباس الأكبر الذي شابه عندما تطرق إلى مهمة القوات الدولية (يونيفيل)؛ إذ أطلق يدها باتخاذ الإجراءات الضرورية كافة لمنع أي تواجد عسكري أو ظهور مسلّح غير شرعي كما لو أنه جاء تحت الفصل السابع». ويتابع متري قوله: «لكن للأسف هذه القوات لم تقم بدورها، وبدلاً عن أن تكون قوّة مراقبة وتدخل، باتت هي نفسها تحت المراقبة» (في إشارة إلى تعقبها من قِبل مناصري «حزب الله» واعتراضها).

ظروف صدور القرار

فرضت تطورات حرب يوليو (تموز) 2006 إصدار هذا القرار تحت النار والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل، ولم يخفِ الوزير متري أن «القرار 1701 لم يشبع درساً، وكان همّ كلّ الأطراف الاتفاق على ما يوقف الأعمال العدائية ولو كان ملتبساً». ويقول متري إن القرار «لم يكن ليصدر لو لم تتخذ حكومة لبنان برئاسة فؤاد السنيورة قراراً بإرسال 15 ألف جندي إلى الجنوب. لكن لأسباب متعددة لم يستطع لبنان أن يفي بوعده بإرسال هذا العدد من الجنود، أولاً لعدم توفر الإمكانات وانشغال الجيش بكثير من المهمات بينها حفظ الأمن الداخلي».

صحيح أن القرار الدولي كان عرضة للخرق الدائم وهذا كان موضع تقييم دائم من مجلس الأمن الدولي الذي لطالما حذّر من تجاوزه، لكنه بقي إطاراً ضابطاً للوضع الأمني على طول الخطّ الأزرق الفاصل ما بين لبنان وفلسطين المحتلّة.

جسر دمَّرته حرب 2006 شمال بيروت (غيتي)

وذكّر متري بأن «الفترة التي فصلت إقرار القانون ووقف الأعمال العدائية في عام 2006، وبين 7 أكتوبر (2023) لم يبادر (حزب الله) إلى الاصطدام بأحد، ولم يكن سلاحه ظاهراً كما غابت نشاطاته العسكرية، واعتبر نفسه مطبّقاً للقرار 1701 على النحو المطلوب، في حين أن إسرائيل خرقت السيادة اللبنانية جوّاً آلاف المرات، حتى أنها امتنعت عن إعطاء لبنان خرائط الألغام؛ وهو ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا من المدنيين اللبنانيين». كذلك أشار متري إلى أن «دبلوماسيين غربيين تحدثوا عما يشبه الاتفاق الضمني بأن كلّ ما هو غير ظاهر من السلاح جنوبي الليطاني ينسجم القرار مع 1701، وأن (حزب الله) لم يقم بعمليات تخرق الخطّ الأزرق، بل كانت هناك عمليات في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

هل ما زال القرار قابلاً للحياة؟

يتردد طارق متري في الإجابة عن مستقبل هذا القرار؛ لأن «النوايا الفعلية لحكومة بنيامين نتنياهو غير واضحة». وسرعان ما يلفت إلى وجود تناقضات كبيرة في السياسة الدولية اليوم، ويقول: «الأميركيون يحذّرون نتنياهو من الغزو البرّي، لكنّ الأخير يزعم أنه يريد القيام بعمليات محدودة لضرب أهداف لـ(حزب الله)، وهذا غير مضمون»، مذكراً بأن «جناح اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية يدعو لاحتلال جزء من جنوب لبنان، لكنّ هؤلاء قلّة غير مؤثرة؛ لأن القرار في جنوب لبنان ونوعيّة الغزو البرّي تتخذه المؤسسة العسكرية»، متحدثاً عن «وجود إشارات متضاربة، إذ أنه عندما قدّم الأميركيون والفرنسيون ورقتهم لوقف النار، جاء التصعيد الإسرائيلي سريعاً في لبنان». وأضاف: «قبل الانتخابات الرئاسية يفضل الأميركيون ألا تندلع الحرب، وفي الوقت نفسه يغضون النظر عمّا تلحقه إسرائيل من أذى بحق المدنيين اللبنانيين».

سيناريو 2006

وتنطلق مخاوف وزير الخارجية السابق التجارب الإسرائيلية السابقة، قائلاً: «في عام 2006 زعمت إسرائيل أن الغاية من عملياتها في لبنان ضرب (حزب الله)، لكنها دمرت لبنان، واليوم تطبّق السيناريو نفسه، إن كانت لا تزال تحيّد مطار بيروت الدولي عن الاستهداف وتتجنّب تدمير الجسور، والفرنسيون متفهمون لذلك».

آثار القصف الإسرائيلي على بيروت خلال الحرب مع «حزب الله» عام 2006 (رويترز)

وشدد في الوقت نفسه على «مسؤولية لبنان بفتح نافذة دبلوماسية؛ إذ ليس لديه خيار سوى تطبيق القرار 1701 والاستعداد لإرسال الجيش إلى الجنوب». وتابع: «إسرائيل تعرف أن الحكومة اللبنانية ضعيفة وإذا حصلت على التزام لبناني بتطبيق القرار ستطالب بالأكثر».

وفي حين يسود اعتقاد بأن القرار 1701 لم يعد الوثيقة الدولية الصالحة لإنهاء الحرب القائمة على لبنان اليوم، استبعد طارق متري إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بديلاً عنه. ورأى أنه «يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يجدد المطالبة بتنفيذه مع إعادة صياغته ووضع مقدّمة جديدة له». وتحدث عن «استحالة صدور قرار جديد لأن مجلس الأمن الدولي مشلول ولا يمكن إصدار الاتفاق على بديل، لأن الفيتو الأميركي والروسي موجودون ولا إمكانية لقرار آخر». وأكد أن «التقدم الإسرائيلي ميدانياً سيقفل الباب أمام الحلّ الدبلوماسي، أما إذا تمكن (حزب الله) من الصمود أمام التدخل الإسرائيلي فهذا قد يفتح باباً أمام الحلول السياسية».