نقل الجينات لعلاج اضطراب «الثلاسيميا ألفا»

يعمل على تحسين الإنتاج المستدام للهيموغلوبين الطبيعي

نقل الجينات لعلاج اضطراب «الثلاسيميا ألفا»
TT

نقل الجينات لعلاج اضطراب «الثلاسيميا ألفا»

نقل الجينات لعلاج اضطراب «الثلاسيميا ألفا»

طوّر الباحثون نموذجاً مبتكراً يبشر بتطوير علاجات جديدة لعلاج ثلاسيميا «ألفا»، وهو اضطراب دموي حاد يؤثر على آلاف الأطفال سنوياً، وخاصة في جنوب شرق آسيا والهند والشرق الأوسط ومنطقة البحر الأبيض المتوسط.

الثلاسيميا ألفا

وتتميز الثلاسيميا بانخفاض إنتاج الهيموغلوبين. واضطراب ثلاسيميا «ألفا» أحد أنواعها الذي يتصف بنقص أو انعدام في تكوين السلسلة «ألفا»، أحد مكونات الهيموغلوبين الأساسية، أي فقدان جينات «ألفا غلوبين».

وفي حين أن هذه السمة الوراثية يمكن أن توفر بعض الحماية ضد الملاريا، إلا أن المرض الحاد بسببها يتطلب تدخلاً طبياً كبيراً، بما في ذلك علاج الرحم وعمليات نقل الدم المستمرة والرعاية الطبية المكثفة. كما يتم اللجوء إلى جراحة الجنين النامي وهو لا يزال في الرحم التي تجرى عادةً لعلاج عيب خلقي يهدد الحياة. ويواجه الأطفال خطراً متزايداً للإصابة بـثلاسيميا ألفا الشديد عندما يكون كلا الوالدين حاملاً لجينات مصابة بالعيوب.

ونُشرت الدراسة في مجلة «Blood» المتخصصة بأمراض الدم في 1 يوليو (تموز) الحالي 2024 برئاسة كبير الباحثين ستيفانو ريفيلا، عضو هيئة تدريس باحث في قسم أمراض الدم في مستشفى فيلادلفيا للأطفال وكلية الطب بجامعة بنسلفانيا الولايات المتحدة.

العلاجات الحالية

الخيار العلاجي الوحيد لمرض ثلاسيميا «ألفا» (AT) alpha thalassemia الشديد حالياً، هو زرع نخاع العظم الخيفي Allogeneic bone marrow transplantation (BMT).

ويتطلب هذا المرض متبرعاً مناسباً؛ إذ تخلف التقدم في علاجات ثلاسيميا ألفا عن التقدم في علاج اضطرابات الدم الأخرى مثل الثلاسيميا «بيتا»، ومرض فقر الدم المنجلي.

وتتضمن عملية زرع نخاع العظم الخيفي نقل النخاع من متبرع إلى شخص آخر ذي صلة قرابة أو وجود تطابق بين المانح والمتلقي، وعادةً ما يكون أكبر عمراً لإجراء عملية الزراعة هو 40 إلى 55 عاماً. ويتضمن التبرع سحب نحو لتر من نخاع العظم ويُعطى المتلقي جرعة عالية من العلاج الكيميائي ويتم تشعيع الجسم بالكامل، باستثناء المصابين بفقر الدم اللاتنسجي aplastic anemia.

نموذج البحث المبتكر

في هذه الدراسة صمّم الباحثون نموذجاً مبتكراً في الفئران البالغة عن طريق حذف جينات ألفا غلوبين باستخدام جسيمات دهنية نانوية (LNP) مدمجة داخل الحامض الريبي النووي المرسال mRNA، وهو جزيء مفرد من الحامض النووي الريبوزي (RNA) يتوافق مع التسلسل الجيني للجين.

وأدى هذا الحذف الجيني إلى إنتاج خلايا دم حمراء خاطئة تحمل الهيموغلوبين غير الطبيعي والمسمى HbH abnormal haemoglobin الذي يقوم بربط الأكسحين بإحكام ويمنع توصيله إلى الأنسجة ويسبب نقص الأكسحين المتاح في الأنسجة.

وعند حذف جينات ألفا غلوبين شهدت الفئران انخفاضاً في مستويات الأكسجين مقارنة بالأفراد الذين يعانون من ثلاسيميا ألفا الشديد، ولم تتمكن كريات الدم الحمراء من نقل الأكسجين؛ مما شكل تهديداً صحياً شديداً.

وأكد الباحثون أنه يمكن الآن تطبيق هذا النموذج لاختبار العلاجات الجديدة أو الجينية لدى المرضى من البشر لتحسين الرعاية السريرية لهم.

البحوث والنتائج

طوّر الباحثون ومن بينهم الدكتور ستيفانو ريفيلا وأعضاء مختبره طريقة لتكملة الجينات؛ بهدف إصلاح السمات الوراثية المعابة باستخدام تعديل الخلايا الجذعية المكونة للدم، وزرعها. واستخدموا ناقل الفيروس البطيء lentiviral vector الذي يعبّر عن غلوبين ألفا البشري ALS20∝I والذي أنتج مستويات عالية من غلوبين ألفا البشري في الفئران؛ ما أدى إلى تحسين إنتاج الهيموغلوبين ويشير إلى تصحيحات طويلة الأمد لاضطراب ثلاسيميا ألفا.

النواقل الفيروسية البطيئة

وهي طريقة يمكن من خلالها إدخال الجينات أو تعديلها أو حذفها في الكائنات الحية باستخدام الفيروسات البطيئة في العلاج الجيني. والفيروسات البطيئة هي عائلة من الفيروسات المسؤولة عن أمراض مثل الإيدز التي تنتقل عن طريق إدخال الحامض النووي في جينوم الخلايا المضيفة. وكان العديد من هذه الفيروسات أساس الأبحاث التي تستخدم الفيروسات في العلاج الجيني. ولكن الفيروس البطيء فريد من نوعه في قدرته على إصابة الخلايا غير المنقسمة، وبالتالي لديه نطاق أوسع من التطبيقات المحتملة.

إمكانات العلاجات الجديدة

يوفر النموذج الجديد منصة لاختبار علاجات جديدة؛ ما قد يؤدي إلى تحسينات كبيرة في الرعاية السريرية لمرضى الثلاسيميا ألفا؛ إذ إن استخدام الناقل الفيروسي البطيء لغلوبين ألفا البشري أظهر نهجاً واعداً للإنتاج المستدام للهيموغلوبين الطبيعي؛ مما يقلل من المضاعفات المرتبطة بالثلاسيميا ألفا. كما أنه يفتح آفاقاً لمزيد من البحث في العلاجات الجينية والجديدة للثلاسيميا ألفا؛ مما يوفر الأمل في خيارات علاج أكثر فاعلية وأقل تعقيداً في المستقبل.

تطويرات مستقبلية

يقول الدكتور ستيفانو ريفيلا إن العلاجات الجديدة لاضطرابات الدم حققت نجاحاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، لا سيما في حالات مثل الثلاسيميا بيتا، ومرض فقر الدم المنجلي، إلا أن ثلاسيميا ألفا لم تجتذب اهتماماً كبيراً رغم أنها تمثل تحدياً متزايداً في مجال الرعاية الصحية. ويأمل هو وفريقه البحثي في أن توليد نماذج حيوانية سيوفر أداة قوية للبحث المستقبلي إلى جانب سبل التحقيق للمرضى من البشر.

وتضيف الدكتورة حميدة بارهيز، دكتورة صيدلة وهي مؤلفة دراسة مشاركة وأستاذة مساعدة في الطب في جامعة بنسلفانيا للطب جامعة بنسلفانيا الولايات المتحدة، أنه يمكن الآن تطبيق تقنية منصة ناقل الفيروس البطيء المستهدفة التي أنشأتها لاختبار علاجات جديدة على المرضى من البشر لتحسين رعايتهم السريرية.


مقالات ذات صلة

علاج جيني لجفاف الفم

علوم علاج جيني لجفاف الفم

علاج جيني لجفاف الفم

باحثون بريطانيون يقودون دراسة عالمية لتطويره وإنقاذ مرضى العلاج الإشعاعي منه

د. عميد خالد عبد الحميد (لندن)
علوم خلايا (صورة أرشيفية)

تقرير: علماء ينجحون في تكوين فأر من جينات كائن وحيد الخلية

قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إن علماء نجحوا لأول مرة في تكوين فأر من جينات كائن حي وحيد الخلية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
علوم نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

نظام «كريسبر» جديد لإسكات الجينات بدلاً من «قصّها»

زر «إيقاف مؤقت» على التعليمات الجينية داخل الخلايا

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
صحتك أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
علوم  41 منطقة جديدة من الجينوم تعمل على تعديل خطر الإصابة بالانزلاق الغضروفي (غيتي)

الكشف عن العوامل الوراثية المرتبطة بـ«الانزلاق الغضروفي»

تؤثر مناطق الجينوم المكتشفة حديثاً على بنية القرص الفقري والالتهاب ووظيفة الأعصاب.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»