صلة وراثية بين تدخين الأم وأثره على الأبناء الذكور مدى الحياة

دراسة جديدة تكشف عن تغيرات جينية مبكرة في أثناء الحمل

صلة وراثية بين تدخين الأم وأثره على الأبناء الذكور مدى الحياة
TT
20

صلة وراثية بين تدخين الأم وأثره على الأبناء الذكور مدى الحياة

صلة وراثية بين تدخين الأم وأثره على الأبناء الذكور مدى الحياة

كشفت دراسة رائدة أ من جامعة أبردين أُجريت على مستوى المملكة المتحدة، عن صلة وراثية بين تدخين الأم في أثناء الحمل وآثاره الصحية طويلة الأمد على الأبناء الذكور. وفي واحدة من كبرى الدراسات التي أُجريت على الإطلاق حول هذا الموضوع، حلل الباحثون بيانات أكثر من نصف مليون شخص، مُلقين الضوء على كيفية تأثير التعرض للتبغ قبل الولادة على الأفراد حتى مرحلة البلوغ.

نطاق دراسة غير مسبوق

استفادت الدراسة بقيادة البروفسور بول فاولر، رئيس قسم العلوم الطبية التطبيقية في جامعة أبردين في اسكوتلندا ونُشرت في مجلة «eBiomedicine» في 11 مارس (آذار) 2025، من الموارد الواسعة للبنك الحيوي البريطاني. وبالاعتماد على عينات من 500 ألف مشارك من 22 مركزاً في اسكوتلندا وإنجلترا وويلز، أجرى فريق البحث أول تحليل جيني واسع النطاق يربط تدخين الأم بالنتائج الصحية طويلة المدى على الأبناء. وحدد عمل الباحثين عدة متغيرات جينية لا تزيد فقط من خطر احتمالية تدخين الأم في أثناء الحمل بل قد تُعرّض الأطفال أيضاً لمشكلات صحية خطيرة في مراحل لاحقة من حياتهم.

اختلاف التأثير على الذكور والإناث

كان من أبرز نتائج الدراسة الاختلاف الملحوظ في كيفية تأثير تدخين الأم على ذريتها من الذكور والإناث. فقد اكتشف الباحثون أن الأجنَّة الذكور تُظهر تغيراً في التعبير الجيني في الكبد ابتداءً من الأسبوع السابع عشر من الحمل، وهو تغيير يبدو أنه يستمر حتى مرحلة البلوغ. وترتبط هذه التغيرات بارتفاع خطر الوفاة المبكرة لا سيما بين الرجال الذين سيختارون التدخين في مراحل لاحقة من حياتهم. وفي المقابل، في حين أن الإناث لسن بمنأى عن الضرر فإنهن أكثر تأثراً بمشكلات الجهاز الهضمي والإنجابي والصحة العقلية.

كما أوضح ميخائيل ميهوف، من معهد العلوم الطبية بكلية الطب العلوم الطبية والتغذية في الجامعة والمشارك في الدراسة، أن نتائج البحث تُظهر أن تدخين الأم يؤثر في صحة الطفل بدءاً من الثلث الثاني من الحمل.

والأهم من ذلك تكشف الدراسة عن أنه يمكن التخفيف من المخاطر المتزايدة على الذكور إذا تجنبوا التدخين بأنفسهم. وهذا يشير إلى أنه على الرغم من أن التعرض قبل الولادة يترك أثراً دائماً إلا أن خيارات نمط الحياة في مرحلة البلوغ لا تزال تلعب دوراً مهماً في الحد من المخاطر الصحية المرتبطة به.

علم الوراثة ومستقبل الإقلاع عن التدخين

يفتح تحديد المتغيرات الجينية المرتبطة بتدخين الأم آفاقاً جديدة واعدة لاستراتيجيات الإقلاع عن التدخين المستهدفة. ومن خلال فحص هذه العلامات الجينية يمكن لمقدمي الرعاية الصحية تقديم استشارات وتدخلات أكثر تخصيصاً، خصوصاً للنساء الحوامل الأكثر عرضة لخطر الاستمرار في التدخين.

وأكد البروفسور فاولر أهمية هذه النتائج، مشيراً إلى أن فهم الآثار الجزيئية لتدخين الأم بشكل أفضل يمكن أن يؤدي إلى حملات صحية وتدخلات علاجية أكثر فاعلية تهدف إلى الحد من العبء المجتمعي للتدخين.

وأشار الباحث المشارك في الدراسة البروفسور فيليكس غراسمان، من جامعة الصحة والطب في بوتسدام بألمانيا، إلى أن الدراسات السابقة كانت محدودة بسبب صغر حجم العينات. وقال: «كانت لدينا القدرة الإحصائية على كشف الارتباطات التي لم تكن قابلة للاكتشاف سابقاً باستخدام البنك الحيوي البريطاني. ولم تُتِح هذه القدرة المُحسّنة للفريق تحديد كيفية تأثير تدخين الأم على البيئة المحيطة بالولادة، فحسب، بل تعريض الأبناء أيضاً، خصوصاً الذكور، لخطر الإصابة بالسرطان وداء السكري من النوع الثاني في مراحل لاحقة من الحياة».

رسم سياسات الصحة العامة

كانت لهذه النتائج آثارٌ بالغة الأهمية على الصحة العامة لا سيما في تصميم حملات الإقلاع عن التدخين. وفي هذا السياق رحّبت شيلا دافي، الرئيسة التنفيذية لمنظمة العمل ضد التدخين والصحة في اسكوتلندا، بهذا البحث إذ يُسلّط الضوء على التأثير طويل الأمد لتعاطي التبغ على الأجيال. وصرحت دافي التي لم تشارك في الدراسة قائلةً: «تُقدّم هذه الدراسة رؤىً رائدة عالمياً حول كيفية إتلاف سموم التبغ للجينات والنمو البشري. وتُؤكّد أهمية دعم النساء الحوامل للإقلاع عن التدخين ليس فقط من أجل صحتهن بل من أجل صحة أطفالهن في المستقبل».

وأكّد جون والدرون، مدير السياسات والشؤون العامة في منظمة العمل ضد التدخين والصحة في اسكوتلندا، أهمية هذه النتائج المُلحّة. وأشار إلى أنه على الرغم من وجود برامج حوافز مالية لمساعدة النساء الحوامل على الإقلاع عن التدخين في إنجلترا حالياً فإن هذا الدعم محدودٌ. وقال: «نحن بحاجة ماسة إلى تمديد هذه المخططات لما بعد تاريخ انتهائها الحالي لضمان حصول كل طفل على بداية حياة خالية من التدخين».

وأضافت وزيرة الصحة العامة جيني مينتو، أن حكومة المملكة المتحدة تعمل بنشاط على مشروع قانون التبغ والسجائر الإلكترونية. إذ يهدف هذا التشريع إلى رفع سن بيع منتجات التبغ وبالتالي تنشئة جيل «خالٍ» من التبغ، وهي خطوة تتماشى مع توصيات الدراسة بتقديم دعم أكثر صرامة للإقلاع عن التدخين.


مقالات ذات صلة

علماء يطوّرون طريقة رائدة للقضاء على أمراض قاتلة محتملة

صحتك الطريقة الجديدة تستخدم تقنية حقن «النانو» لإدخال مواد جينية مستهدفة في بيض البعوض مما يعطل قدرته على حمل الأمراض (رويترز)

علماء يطوّرون طريقة رائدة للقضاء على أمراض قاتلة محتملة

طوّر علماء تقنيةً ثوريةً لتعديل الجينات تهدف إلى منع البعوض من نقل الأمراض القاتلة مثل الملاريا، التي تقتل نحو 600 ألف شخص سنوياً، معظمهم أطفال دون الخامسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
علوم قاعدة بيانات ثورية لفك رموز وظائف الجينات البشرية

قاعدة بيانات ثورية لفك رموز وظائف الجينات البشرية

تقدم فرضيات لنحو 18 في المائة من الجينات البشرية «غير الموصوفة».

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
صحتك مكملات «الميلاتونين» تساعد على تحسين جودة النوم (جامعة فيرمونت)

مكمل غذائي لتقليل أضرار العمل الليلي

وجدت دراسة كندية أن تناول مكملات «الميلاتونين» قد يساعد في تعويض التلف الذي يُصيب الحمض النووي (DNA) نتيجة نوبات العمل الليلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
علوم فك شفرة الأسرار الجينية... للحساسية

فك شفرة الأسرار الجينية... للحساسية

دراسة جينية يابانية - أوروبية واسعة النطاق.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم تطورات جديدة في العلاج الجيني لأمراض العظام النادرة

تطورات جديدة في العلاج الجيني لأمراض العظام النادرة

حقنة علاجية واحدة تحل محل كثير من الحقن أسبوعياً.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

سقوط الإمبراطورية البشرية: هل نحن حقاً في طريقنا إلى الزوال؟

سقوط الإمبراطورية البشرية: هل نحن حقاً في طريقنا إلى الزوال؟
TT
20

سقوط الإمبراطورية البشرية: هل نحن حقاً في طريقنا إلى الزوال؟

سقوط الإمبراطورية البشرية: هل نحن حقاً في طريقنا إلى الزوال؟

يقول هنري جي: «نحن في طريقنا إلى الزوال، إلى الزوال!». لقد بلغ الإنسان العاقل ذروته، وبعدها سيبدأ عدد السكان العالمي في التناقص، كما كتب روان هوبر*.

سقوط الإمبراطورية البشرية

في الكتاب الجديد لهنري جي Henry Gee «انحدار وسقوط الإمبراطورية البشرية: لماذا جنسنا البشري على حافة الانقراض» The Decline and Fall of the Human Empire: Why our species is on the edge of extinction، تتمثل مهمة المؤلف في تتبع المسار من نشأتنا إلى ذروتها، ثم إلى فنائنا المُحتمل.

تطور الإنسان العاقل

عندما تطور الإنسان العاقل قبل نحو 300 ألف عام، كنا محاطين بأقارب. في موطننا، في أفريقيا، عشنا جنباً إلى جنب مع إنسان ناليدي H. naledi، وإنسان هايدلبيرغ H. heidelbergensis. وفي أوروبا، عندما وصلنا إليها، كان هناك إنسان نياندرتال Neanderthal. وفي آسيا، إنسان دينيسوفان Denisovan.

ربما تداخلنا مع أنواع بشرية أخرى لا تزال مجهولة. وبينما انقرضت أجناسنا الشقيقة، لم نزدهر فحسب؛ بل سيطرنا على الكوكب كله.

ازدهار التكنولوجيا والثقافة

يتساءل جي: لماذا -من بين جميع المجموعات البشرية الأخرى- نجحنا إلى هذا الحد؟ إجابته هي: حجم السكان؛ إذ في النهاية، وبعد عدة مواجهات مع الانقراض، بدأنا ننمو في العدد. وبدلاً من أن تتلاشى الأفكار، فقد رسخت وتطورت؛ لذا ازدهرت التكنولوجيا والثقافة.

وعندما توجد قرى يسكنها عشرات الأشخاص، يصبح الرسم على الكهوف أمراً ممكناً. أما عندما تكون لديك حضارة تضم مليارات البشر، فيصبح السفر إلى الفضاء أمراً محتملاً. ولهذا السبب، لا تفصل سوى 66 عاماً بين أول رحلة جوية للأخوين رايت عام 1903 والهبوط على سطح القمر عام 1969.

بداية زمن الركود

انتهى زمن الازدهار، والآن زمن الركود. يستخدم جي العمل الكلاسيكي لإدوارد غيبون «تاريخ تراجع وسقوط الإمبراطورية الرومانية» إطاراً. وتقول وجهة نظر غيبون إنه بمجرد أن هزمت روما أعداءها جميعهم، بدأت الإمبراطورية في التآكل.

ويحذر جي: «وينطبق علينا الأمر نفسه». بمجرد أن قضينا على جميع الأنواع البشرية الأخرى، بدأ وقت انقراضنا يدق. وما يزيد الطين بلة أن البشر مرُّوا أيضاً بكثير من الاختناقات (أحدها شهد انخفاضاً في عدد السكان إلى نحو 1300 فرد منذ ما يقرب من مليون عام)، وأن هذه الاختناقات حرمتنا من كثير من تنوعنا الجيني.

انحسار القدرات الجنسية

تشير توقعات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم سيبلغ ذروته عند ما يزيد قليلاً على 10.4 مليار نسمة في عام 2086، ثم ينخفض. وأحد العوامل المساهمة -كما يكتب جي- هو الانخفاض العالمي في عدد الحيوانات المنوية على مدى العقود القليلة الماضية، والذي ربما يرجع (من بين أسباب أخرى) إلى التعرض التدريجي للملوثات الناتجة عن الوقود الأحفوري... رائع. إذا لم تقضِ علينا شركات النفط الكبرى من خلال تغير المناخ، فقد تساعد في ذلك من خلال آثارها على العقم.

إن أبحاث جي لا تشوبها شائبة، ولكنها تبدو مستهلكة بعض الشيء. وكان قد فاز بجائزة الجمعية الملكية للكتاب العلمي عام 2022 عن كتابه «تاريخ قصير جداً للحياة على الأرض: 4.6 مليار سنة في 12 فصلاً» Short History of Life on Earth: 4.6 billion years in 12 chapters، وعمل محرراً في مجلة «نتشر» لعقود.

فرصة الإنسان للهروب

كتاب «انحدار وسقوط الإمبراطورية البشرية» غني بالمعلومات وممتع للغاية؛ إذا كان مفهومك عن الترفيه هو التذكير المستمر بالهاوية التي نقترب منها، بوصفنا نوعاً حياً. ولكنني لا أستطيع التفكير في مؤلف آخر يمكنه أن يتقن أسلوب جي الصريح والمنفصل والمرح في آن واحد. إنه دليل ودود على مصيرنا المحتوم.

تتغير هذه النبرة في الجزء الثالث، عندما يحاول جي وضع نهاية سعيدة على غرار هوليوود؛ لأننا -على عكس الرومان، كما يقول- لدينا فرصة للهروب.

الانطلاق إلى الكواكب الأخرى

ويجادل بأن التوسع خارج الكوكب في غضون المائة إلى المائتي عام المقبلة هو فرصتنا الوحيدة لبقاء نوعنا على قيد الحياة. وكان الفيزيائي وعالم الكونيات الراحل ستيفن هوكينغ قد ادَّعى شيئاً مشابها في حلقة من برنامج «عالم الغد» عام 2017، قائلاً إن أمامنا مائة عام لإيجاد موطن جديد، مُخفِّضاً تقديره السابق البالغ ألف عام. كما صرَّح إيلون ماسك بأنه يريد المساعدة في جعل الإنسان العاقل نوعاً متعدد الكواكب.

قد يكون جميعهم على حق. ولكن مع استمتاعي بفكرة استعمار الفضاء في الخيال العلمي، فإنني أشعر أنها تفتح الباب أمام التشاؤم والانهزامية. علينا أن نبذل كل طاقتنا في الانتقال إلى عالم مستدام على هذا الكوكب، ومن ثمّ يمكننا التطلع إلى التوسع.

لا تزال كلتا النتيجتين ممكنة: مستقبل مستدام على هذا الكوكب، والتوسع إلى عوالم أخرى. يُظهر جي أن جزءاً كبيراً من نجاحنا حتى الآن كان بفضل الحظ، ولكن لا يمكننا الاعتماد عليه للوصول بنا إلى أبعد من ذلك.

* مجلة «نيو ساينتست»، خدمات «تريبيون ميديا».