قاعدة بيانات ثورية لفك رموز وظائف الجينات البشرية

تصف عمل الجين ووقت ظهور وظيفته في التاريخ التطوري

قاعدة بيانات ثورية لفك رموز وظائف الجينات البشرية
TT

قاعدة بيانات ثورية لفك رموز وظائف الجينات البشرية

قاعدة بيانات ثورية لفك رموز وظائف الجينات البشرية

في تطور بارز في مجال الجينوم وعلم المعلومات الحيوية، كشف اتحاد دولي من العلماء عن قاعدة بيانات أطلق عليها «الفانكشِنوم»، وهي قاعدة بيانات رائدة ترسم خرائط شاملة لوظائف أكثر من 20 ألف جين ترميز بروتين بشري. وهي تَعِدُ بتسريع الاكتشافات الطبية الحيوية من خلال دمج عقود من نتائج الأبحاث مع النمذجة التطورية المتطورة، مما يبشِّر بعصر جديد من الدقة في فهم المخطط الجيني.

و«الفانكشِنوم» هو مفهوم مشتق من كلمة «function»، أي الوظيفة. ويشير إلى «مجموعة تضم كل وظائف البروتينات التي تتولد عن جينوم محدد ما يقوم بترميزها».

علامة فارقة في علم الجينوم

تم تطوير قاعدة بيانات «الفانكشنوم»، PAN-GO Functionome، من خلال التعاون بين كلية الطب بجامعة جنوب كاليفورنيا والمعهد السويسري لعلم المعلومات الحيوية والباحثين في جميع أنحاء العالم، كما جاء في الدراسة التي نُشرت في مجلة «Nature» في 26 فبراير (شباط) 2025. وهي تمثل الكتالوغ الأكثر تفصيلاً لوظائف الجينات البشرية حتى الآن. وبناءً على 25 عاماً من البيانات المنسقة من اتحاد علم الجينات (Gene Ontology Consortium)، وهي أداة أساسية جرى الاستشهاد بها في أكثر من 30 ألف منشور علمي سنوي، حيث إن هذا التحديث يقدم طبقة غير مسبوقة من البصيرة التطورية.

ويوضح الدكتور بول توماس، المؤلف الرئيسي للدراسة من قسم المعلوماتية الحيوية وقسم علوم السكان والصحة العامة بجامعة جنوب كاليفورنيا الأمريكية، أنه وللمرة الأولى لا يمكنهم وصف ما يفعله الجين فحسب، بل أيضاً متى ظهرت وظيفته في التاريخ التطوري. وهو ما يحوِّل كيفية تفسيرنا للبيانات الجينية خصوصاً بالنسبة إلى الجينات غير المدروسة.

ربط التطور وعلم الجينوم

وتكمن ابتكارات «الفانكشنوم» في استخدامها للنمذجة التطورية. ومن خلال تحليل متى ظهرت وظائف جينية معينة لأول مرة عبر الأنواع الحية... من سمك الزرد (zebrafish) إلى الفئران. ويمكن للباحثين استنتاج أدوار الجينات البشرية حتى عندما تكون البيانات التجريبية المباشرة نادرة.

وعلى سبيل المثال إذا جرى توثيق الجين المرتبط بالاستجابة المناعية جيداً في الفئران يتم الآن تعيين نظيره البشري خوارزمياً لدور مماثل. ويسد هذا النهج فجوات حرجة، حيث يقدم فرضيات لنحو 18 في المائة من الجينات البشرية التي كانت تُعرف سابقاً بأنها «غير موصوفة».

ويقول توماس: «إن التطور هو دليلنا وغالباً ما تحتفظ الجينات ذات الأصول المشتركة بوظائف مماثلة. فمن خلال إعادة بناء هذا الجدول الزمني أنشأنا خريطة أكثر ديناميكية ودقةَ للبيولوجيا البشرية».

تدقيق نتائج البحث الطبي الحيوي

ثم تصل قاعدة البيانات إلى لحظة محورية. فغالباً ما تحدد تقنيات «الجينوم» الحديثة التي تحلل الحمض النووي (دي إن إيه DNA) و(الحمض النووي الريبي RNA) والبروتينات والنواتج الأيضية على نطاق واسع، مئات الجينات المرتبطة بأمراض مثل السرطان أو ألزهايمر. ومع ذلك فإن التحقق يدوياً من دورِ كلِّ جين أمر غير عملي وسط طوفان البيانات.

لكن «الفانكشنوم» يبسِّط هذه العملية من خلال تحويل وظائف الجينات إلى تنسيقات قابلة للقراءة آلياً، مما يتيح لأدوات الذكاء الاصطناعي تحليل مجموعات البيانات الجينية بسرعة. ويمكن أن يؤدي هذا التشغيل الآلي إلى تقليص الوقت المطلوب لتحديد الأهداف العلاجية أو فك شفرة الاضطرابات المعقدة. وعلى سبيل المثال؛ في أبحاث السرطان يمكن للعلماء الآن إجراء إحالة متبادلة على الفور بين الجينات المتحولة وأدوارها المحفوظة تطورياً في عمليات مثل إصلاح الحمض النووي أو انقسام الخلايا، وهي قفزة نحو العلاجات الشخصية.

جهد تعاوني عالمي

لم يكن تجميع الوظائف بالأمر الهين. فقد قام أكثر من 150 عالم أحياء بمراجعة 175 ألف ورقة علمية بدقة وتصنيف أكثر من 40 ألف وظيفة بيولوجية تشمل الاستجابة المناعية والإشارات العصبية والنقل الجزيئي وما إلى ذلك. والنتيجة هي مستودع قابل للبحث لا يسلط الضوء فقط على المسارات المعطلة في أمراض مثل مرض السكري، بل يسمح أيضاً بالمقارنة بين الأنواع، مما يُلقي الضوء على كيفية نشوء الحداثة الجينية.

ومع ذلك فإن العمل لم يكتمل، ففي حين تم الآن شرح 82 في المائة من الجينات المشفرة للبروتين لا يزال نحو 3600 منها غامضة. وقد أصدر اتحاد علم الجينات دعوة مفتوحة للباحثين في جميع أنحاء العالم للمساهمة في التحديثات وضمان تطور الأداة جنباً إلى جنب مع التقدم العلمي.

العلم المفتوح من أجل التأثير العالمي

مع تأكيد الشفافية يمكن الوصول إلى «الفانكشنوم» بحرّية عبر الإنترنت ودعوة الأطباء وعلماء الأحياء والباحثين الحاسوبيين إلى تحسين إطاره. حيث تهدف هذه الروح التعاونية إلى إضفاء الطابع الديمقراطي على الرؤى الجينومية خصوصاً للمؤسسات التي تعاني من نقص التمويل.

ويضيف توماس: «تخيل باحثاً في مختبر ذي موارد منخفضة يدرس مرضاً نادراً. فبدلاً من قضاء سنوات في تجميع وظائف الجينات يمكنهم الاستعلام عن قاعدة البيانات الخاصة بنا في ثوانٍ. هذه هي الطريقة التي يجب أن يعمل بها العلم».

وبينما يحتفل العلماء بإطلاق «الفانكشنوم» فإنهم يعترفون بالتحديات المتبقية. إذ لا تزال آلاف الجينات تفتقر إلى التعليقات الوظيفية وسيتطلب بعض الاستدلالات التطورية التحقق من صحتها من خلال التجارب المختبرية. ومع ذلك فإن وجود قاعدة البيانات ذاتها يوضح أين تكمن الفجوات ويوجه الدراسات المستقبلية نحو أسئلة ذات تأثير كبير.

يقول توماس: «لقد انتقلنا من رسم خريطة المجهول إلى التعامل معه بشكل استراتيجي. وكل تعليق نضيفه يقرِّبنا من العلاجات التي قد تنقذ الأرواح».

ومع استمرار صعود علم الجينوم السريع ستثبت أدوات مثل «الفانكشنوم» أنها لا غنى عنها. فمن خلال دمج المعرفة الجماعية للبشرية مع التحليل القائم على الذكاء الاصطناعي سيتمكن المشروع من تحقيق نتائج مذهلة.


مقالات ذات صلة

صحتك الطريقة الجديدة تستخدم تقنية حقن «النانو» لإدخال مواد جينية مستهدفة في بيض البعوض مما يعطل قدرته على حمل الأمراض (رويترز)

علماء يطوّرون طريقة رائدة للقضاء على أمراض قاتلة محتملة

طوّر علماء تقنيةً ثوريةً لتعديل الجينات تهدف إلى منع البعوض من نقل الأمراض القاتلة مثل الملاريا، التي تقتل نحو 600 ألف شخص سنوياً، معظمهم أطفال دون الخامسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك مكملات «الميلاتونين» تساعد على تحسين جودة النوم (جامعة فيرمونت)

مكمل غذائي لتقليل أضرار العمل الليلي

وجدت دراسة كندية أن تناول مكملات «الميلاتونين» قد يساعد في تعويض التلف الذي يُصيب الحمض النووي (DNA) نتيجة نوبات العمل الليلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
علوم فك شفرة الأسرار الجينية... للحساسية

فك شفرة الأسرار الجينية... للحساسية

دراسة جينية يابانية - أوروبية واسعة النطاق.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)
علوم تطورات جديدة في العلاج الجيني لأمراض العظام النادرة

تطورات جديدة في العلاج الجيني لأمراض العظام النادرة

حقنة علاجية واحدة تحل محل كثير من الحقن أسبوعياً.

د. وفا جاسم الرجب (لندن)

علماء: كائنات دقيقة حفرت أنفاقاً في الصخور قبل مليوني عام

كائنات دقيقة غير معروفة حفرت أنفاقاً في الرخام والحجر الجيري في المناطق الصحراوية (أرشيفية)
كائنات دقيقة غير معروفة حفرت أنفاقاً في الرخام والحجر الجيري في المناطق الصحراوية (أرشيفية)
TT

علماء: كائنات دقيقة حفرت أنفاقاً في الصخور قبل مليوني عام

كائنات دقيقة غير معروفة حفرت أنفاقاً في الرخام والحجر الجيري في المناطق الصحراوية (أرشيفية)
كائنات دقيقة غير معروفة حفرت أنفاقاً في الرخام والحجر الجيري في المناطق الصحراوية (أرشيفية)

اكتشف باحثون من جامعة ماينز بغرب ألمانيا آثاراً لكائنات دقيقة غير معروفة حفرت أنفاقاً في الرخام والحجر الجيري في مناطق صحراوية.

ونقل بيان عن عالم الجيولوجيا سيس باسشير قوله: «لا نعلم حالياً ما إذا كانت هذه كائنات انقرضت أم لا تزال موجودة في مكان ما». ونُشرت نتائج الدراسة في مجلة «جيو ميكرو بايولوجي جورنال» العلمية، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

وذكر البيان أن الباحثين اكتشفوا هذه الأنفاق في الصحاري الواقعة في ناميبيا وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، حيث بلغ عرضها نحو نصف ملليمتر وطولها يصل إلى 3 سنتيمترات، وأنها وجدت مصطفة بشكل متوازٍ، ما شكّل أنماطاً شريطية يصل طولها إلى 10 أمتار.

وتابع البيان أن أول الاكتشافات تم العثور عليها في ناميبيا قبل 15 عاماً، حيث قام باسشير مع زملائه بدراستها بشكل أكثر تفصيلاً. وأوضح البيان أن العلماء يشتبهون في أن «الكائنات الدقيقة ربما حفرت هذه الأنفاق للحصول على العناصر الغذائية الموجودة في كربونات الكالسيوم، وهي المكون الأساسي للرخام».

وأضاف باسشير: «المسألة تتعلق في جميع الحالات بهياكل قديمة، ويحتمل أن يكون عمرها مليون أو حتى مليوني سنة». ولفت إلى أنه لا يزال نوع الكائن الحي الذي تسبب في تكوين هذه الهياكل، مجهولاً.

وذكر أنه قبل 500 إلى 600 مليون عام، تشكلت القارة العظمى «جوندوانا» نتيجة اندماج القارات، وخلال تلك الفترة، تراكمت الرواسب الكلسية في المحيطات القديمة، التي تحولت لاحقاً إلى رخام تحت تأثير الضغط والحرارة.

وظهرت في هذا الرخام، وفقاً لما يقوله باسشير، الهياكل الغريبة التي لا تعود إلى أحداث جيولوجية معروفة.