السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

فضيحة «أكياس الطعام» المسوَّقة في بريطانيا

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو
TT

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

السكر في طعام الأطفال: خطر خفي يهدد صحة الفم والنمو

لم تعد التهديدات الصحية المرتبطة بالسكر قاصرة على البالغين فحسب، بل باتت تطال الفئات الأكثر هشاشة: الأطفال. ورغم الجهود التوعوية المتزايدة، فإن الواقع يكشف عن أزمة متفاقمة تهدد صحة الصغار، خصوصاً فيما يتعلق بصحة الفم والأسنان.

تقرير وفضيحة

في تقرير حديث نشرته «هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)»، ضمن برنامج «بانوراما»، يوم أمس (الثلاثاء)، سلط الضوء على فضيحة تتعلق بأكياس طعام الأطفال التجارية (baby food pouches) التي تُسوّق على أنها صحية، طبيعية، وخالية من الإضافات الضارة. لكن التحليل المخبري كشف عن نسب مرتفعة جداً من السكر في العديد من هذه المنتجات، لدرجة أن بعض الأكياس تحتوي على ما يعادل 5 ملاعق من السكر، أي ما يزيد أحياناً عن المشروبات الغازية.

والسكر ليس مجرد طعمٍ حلو يذوب على اللسان، بل هو مادة تتراكم آثارها في الجسد والعصب واللثاة... شيئاً فشيئاً. وتؤكد الدراسات أن أكثر من 75 في المائة من الأطفال والبالغين يستهلكون كميات من السكر تفوق ما توصي به الهيئات الصحية، دون وعي بخطورة ذلك.

خطر مضاعف على أسنان الأطفال

تعلق مؤسسة صحة الفم البريطانية، في تقريرها المنشور اليوم، على هذا الاكتشاف بقولها إن هذه المنتجات «تعزز تسوس الأسنان لدى الأطفال الرُضّع»، خصوصاً مع الاستخدام المتكرر وبقائها لفترات طويلة في الفم؛ ما يسمح للسكر بأن يتفاعل مع البكتيريا مسبباً إنتاج الأحماض التي تؤدي إلى تآكل مينا الأسنان. وهذا التأثير لا يقتصر على الأسنان اللبنية، بل قد يؤثر على صحة الفم والنمو السليم للطفل على المدى البعيد.

السكر كالتبغ: تهديد صامت؟

ربط بعض الخبراء بين أخطار السكر المزمن ومخاطر التبغ، من حيث الآثار التراكمية طويلة الأمد على الصحة العامة، فبينما يؤدي التبغ إلى أمراض القلب والرئة والسرطان، فإن السكر مرتبط بالسمنة، داء السكري، تسوس الأسنان، وأمراض القلب، بل إن البعض يدعو إلى وضع تحذيرات صحية على عبوات الأغذية عالية السكر، تماماً كما هو الحال مع علب السجائر.

وكان الخبراء دعوا في السابق إلى معاملـة السكر كما عومل التبغ، مشيرين إلى أن الإعلان عن المشروبات السكرية في برامج الأطفال يجب أن يُحظر، وأن تُرفع الضرائب على المنتجات السكرية. وأكدوا على دور أطباء الأسنان كخط الدفاع الأول، ليس فقط لعلاج آثار السكر، بل للوقاية منه بالتعليم والمشاركة المجتمعية الفاعلة.

هنا ويعلو صوت الباحث البريطاني تيموثي آيفز، صارخاً في مقال نُشر بـ«المجلة البريطانية لطب الأسنان» (British Dental Journal) في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، قائلاً: «اجعلوا السكر التبغ الجديد»!

غياب الرقابة والتوعية

رغم وجود توصيات من منظمات صحية عالمية بتحديد استهلاك السكر للأطفال، فإن كثيراً من المنتجات الغذائية المُعدة للصغار تتجاوز هذه التوصيات بشكل صريح. ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى ثغرات تنظيمية، وغياب وعي الأهل بمضار السكر «الطبيعي» الموجود في الفاكهة المركزة أو العصائر. وقد لوحظ وجود مثل هذه الأطعمة الضارة في الأسواق العربية.

معدلات تسوس الأسنان لأطفال الخليج

تشير الدراسات الحديثة إلى أن معدلات تسوس الأسنان بين الأطفال في دول الخليج مرتفعة بشكل ملحوظ، ما يعكس تحدياً صحياً كبيراً في المنطقة. وهذه معدلات تسوس الأسنان لدى الأطفال في دول الخليج حسب آخر الدراسات:

* السعودية: أظهرت دراسة أن معدل انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال في المدارس يصل إلى 93 في المائة، مما يجعلها من أعلى النسب عالمياً.

* الإمارات: أشارت دراسة إلى أن نسبة انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال دون سن السادسة تبلغ 74.1 في المائة.

* الكويت: أفاد اختصاصي طب أسنان الأطفال بأن 79 في المائة من الأطفال في الكويت مصابون بتسوس الأسنان.

* قطر: أظهرت دراسات أن معدل انتشار تسوس الأسنان بين الأطفال القطريين يصل إلى 80.3 في المائة.

خطوات ونصائح

ينبغي على الجهات الصحية إصدار لوائح أكثر صرامة تلزم الشركات بالإفصاح الدقيق عن محتوى السكر في طعام الأطفال.

- على الأهل تجنُّب الاعتماد على الأطعمة الجاهزة للأطفال، خصوصاً الأكياس الجاذبة التي تُستهلك بسهولة دون رقابة.

- من المهم تعويد الأطفال منذ الصغر على المذاق الطبيعي للأطعمة دون إضافة محليات، ومراجعة طبيب الأسنان دورياً منذ ظهور أولى الأسنان.

- أثبتت بعض الدراسات الحديثة أن قيام المكتب التنفيذي لوزراء صحة دول مجلس التعاون الخليجي بفرض ضرائب إضافية على السكر قد ساعد في التقليل من معدلات الإصابة بتسوُّس الأسنان لدى الأطفال، ويمكن تعميم هذه التجربة على كل الدول العربية.

السكر يشبه الوردة؛ يغرينا بجماله، لكن أشواكه تختبئ تحت البتلات. وإن لم نُحسن التعامل معه، فقد نُزهِر ألماً لا يُرى. ولذا علينا أن نحمي أطفالنا، لنحفظ ابتساماتنا، ولنصنع مستقبلاً أكثر صحة.


مقالات ذات صلة

النظام الغذائي الصحي يؤخر بدء الدورة الشهرية للفتيات

صحتك النظام الغذائي الصحي يؤخر بدء الدورة الشهرية للفتيات

النظام الغذائي الصحي يؤخر بدء الدورة الشهرية للفتيات

تبعاً لأحدث دراسة نُشرت في مجلة «Human Reproduction»، يرتبط اتباع نظام غذائي صحي في مرحلة الطفولة بتأخر بدء الدورة الشهرية لدى الفتيات في بداية المراهقة

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
يوميات الشرق شارك في العملية 36 من الاستشاريين والاختصاصيين من تخصصات التخدير وجراحة الأعصاب والتجميل (واس)

نجاح عملية فصل التوأم الملتصق الإريتري «أسماء وسمية» في الرياض

تمكن الفريق الطبي والجراحي للبرنامج السعودي للتوائم الملتصقة أمس، من فصل التوأم الملتصق الإريتري «أسماء وسمية»، وذلك بمستشفى الملك عبد الله التخصصي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك الحساسية من أكثر الحالات الصحية المزمنة شيوعاً في مرحلة الطفولة (جامعة كولومبيا البريطانية)

سبب جديد وراء زيادة تعرض أطفال المدن للحساسية

كشفت دراسة أميركية سبباً جديداً قد يفسر لماذا يكون أطفال المدن أكثر عرضة للإصابة بالحساسية مقارنةً بأقرانهم في المناطق الريفية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك تطعيم الأطفال ضروري لدرء الأمراض

لقاح فيروس الروتا عند الولادة يعزز صحة ميكروبات الأمعاء

أظهرت دراسة حديثة نُشرت في مطلع شهر مايو (أيار) من العام الحالي في مجلة Nature Communications، أن الأطفال الذين تلقوا لقاح فيروس الروتا (RV3-BB) عند الولادة…

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك 8 معلومات تهم الحامل حول زيادة وزن الجنين

8 معلومات تهم الحامل حول زيادة وزن الجنين

التقييم الدقيق لوزن الجنين قبل الولادة أمر ضروري وذلك نظراً للمضاعفات التي قد تنشأ عن انخفاض وزن الجنين أو زيادته على نتائج إتمام عمليتي المخاض والولادة والنفاس

د. عبير مبارك (الرياض)

تجربة «الاقتراب من الموت» الاستثنائية... «طاقة رائعة وسلام مبهج» للروح

تجربة «الاقتراب من الموت» الاستثنائية... «طاقة رائعة وسلام مبهج» للروح
TT

تجربة «الاقتراب من الموت» الاستثنائية... «طاقة رائعة وسلام مبهج» للروح

تجربة «الاقتراب من الموت» الاستثنائية... «طاقة رائعة وسلام مبهج» للروح

قبل أكثر من عامين بقليل، صدمت كاسحة ثلوج وزنها سبعة أطنان الممثل جيريمي رينر. وفي مذكراته الجديدة، كتب أنه بينما كان على وشك الموت، شهد تجربة استثنائية، كما كتبت ماغي أستور(*).

جيريمي رينر

على وشك الموت

تمكن رينر من رؤية حياته بأكملها دفعة واحدة، وشعر بـ«سلام مُبهج» وارتباط بالعالم. كما رأى عائلته وأصدقاءه مصطفين أمامه، يُلحّون عليه ألا يتخلى عنهم. وكتب: «ما شعرت به هو طاقة، طاقة دائمة باستمرار، جميلة ورائعة. لم يكن هناك زمان ولا مكان ولا فضاء، ولا شيء يُرى، سوى نوع من الرؤية الكهربائية ثنائية الاتجاه، مصنوعة من خيوط من تلك الطاقة التي لا تُصدّق، مثل خطوط المصابيح الخلفية للسيارات التي صُوّرت بكاميرا تصوير ذات فاصل زمني».

شعور بالسلام وغياب الزمن

وما وصفه رينر بأنه «تجربة كلاسيكية لتجارب الاقتراب من الموت»، وهو المصطلح الذي يستخدمه الباحثون لمثل هذه الأحداث، كما قال الدكتور جيفري لونغ، مؤسس مؤسسة أبحاث تجارب الاقتراب من الموت Near-Death Experience Research Foundation.

جمعت مؤسسة لونغ أكثر من 4 آلاف قصة مشابهة لقصة رينر. وقد روى بعض الأشخاص الذين اقتربوا من الموت شعوراً بالطاقة والسلام وغياب الزمن، كما فعل رينر. كما وصف البعض مشاهدة أجسادهم من الأعلى، والتحرك عبر نفق نحو نور، بل وحتى لقاء الرب.

وربما يكون عموم الجمهور على دراية بهذه الأحداث من خلال نوع من المذكرات التي تقدم تجارب الاقتراب من الموت كدليل على وجود حياة بعد الموت في الأديان السماوية. ولكن تم الإبلاغ عنها في مختلف البلدان والفئات السكانية والأديان، وكذلك من قبل الملحدين. وكانت موضوعاً للبحث العلمي لعقود.

تقدير للحياة أكثر بعد تجربة اقتراب الموت

لا يوجد إجماع علمي حول أسباب تجارب الاقتراب من الموت. ولكن مهما كان سببها، فإنها يمكن أن تغير حياة الناس. يفقد البعض كل خوف من الموت؛ ويغير آخرون مساراتهم المهنية أو يتركون علاقاتهم. يبدو أن ردود الفعل تجاه تجارب الاقتراب من الموت تفوق ما لاحظه الباحثون لدى الأشخاص الذين كادوا يموتون دون أن يمروا بهذه التجربة.

بالنسبة لهؤلاء الأشخاص، «عادةً ما يكون الأمر أشبه بـ: نعم، لقد كدتَ تموت، لذا تصبح أكثر تقديراً للحياة»، كما قالت مارييتا بيليفانوفا، الأستاذة المساعدة في الطب النفسي وعلوم السلوك العصبي بكلية الطب بجامعة فيرجينيا، قسم الدراسات الإدراكية، والتي تبحث في تجارب الاقتراب من الموت.

لكن بيليفانوفا أضافت: «التغيرات التي نراها لدى هؤلاء الأشخاص الذين كادوا يموتون دون أن يمروا بتجربة الاقتراب من الموت تكون أكثر دقة، ولا تستمر لفترة طويلة».

لماذا تحدث هذه التجارب؟

تصعب دراسة تجارب الاقتراب من الموت لأن الإصابات والأمراض الكارثية التي قد تؤدي إليها لا تُخضع لتجارب مُحكمة. لكن علماء الأعصاب طرحوا مجموعة من النظريات حول أسبابها، ويعتقد الكثيرون أن هذه التجارب تنبع من سلسلة معقدة من العمليات العصبية والفسيولوجية.

تدفق النواقل العصبية

في ورقة بحثية نُشرت في مارس (آذار) الماضي، اقترح سبعة باحثين تفسيراً يربط تجارب الاقتراب من الموت بتدفق مواد كيميائية في الدماغ تُسمى النواقل العصبية، وتنشيط مستقبلات محددة في الدماغ تُنتج شعوراً بالهدوء والصور الحية. كما تفترض الورقة البحثية أن تجارب الاقتراب من الموت قد تحدث عندما يمر الأشخاص شبه الواعين بجوانب من نوم حركة العين السريعة، وهي الفترة التي تحدث فيها الأحلام الأكثر قوة وتعقيداً.

تتضمن نظريات علماء آخرين نظرية تتعلق بنفس المستقبلات العصبية التي تُسهّل تأثيرات الكيتامين. (دواء مخدر). وتشير أخرى إلى أن جوانب من تجارب الاقتراب من الموت قد تنشأ من خلل في منطقة الدماغ المسؤولة عن دمج المشاهد والأصوات والحركة وإحساسنا الفطري بمكان وجودنا في تجربة حسية واحدة.

رؤية الجسد من منظور أعلى

وقد يفسر هذا أحد أكثر جوانب تجارب الاقتراب من الموت غرابة: إذ يقول بعض الناس لاحقاً إنهم راقبوا أجسادهم من الأعلى، وإنهم قادرون على وصف تفاصيل ما كان يحدث حولهم، والتي يبدو أنهم لا ينبغي أن يكونوا قادرين على معرفتها.

وأشار الدكتور كيفن نيلسون، أستاذ علم الأعصاب بجامعة كنتاكي ومؤلف الدراسة الجديدة، إلى أن الناس قد يكونون قادرين على السمع حتى في حالة عدم الاستجابة ظاهرياً، وأن عيون المرضى غالباً ما تكون مفتوحة أثناء جهود الإنعاش (الطبي).

لذا، قد يستقبلون الرؤية والصوت في الوقت الفعلي، ولكن نظراً لاضطراب أدمغتهم بسبب نقص تدفق الدم، فإنهم يتذكرونها على أنها قادمة من منظور أعلى من أجسادهم.

كل تجربة إنسانية لا تحدث خارج الدماغ

يعتقد بعض الباحثين - وعدد كبير ممن خاضوا تجارب الاقتراب من الموت - أن أياً من التفسيرات العلمية المقترحة لا يُمكنه تفسير جميع العناصر، وأن هذه التجارب هي لقاءات حقيقية مع الحياة الآخرة.

وتُعتبر هذه الفكرة غير محبذة لكثير من علماء الأعصاب الذين يؤمنون بأن الوعي ينبع من الدماغ.

وقال نيلسون: «كثيراً ما يختلط الأمر بين الإيمان والعلم حول هذا الموضوع، ويرجع ذلك جزئياً إلى قيمته العاطفية العميقة». لكنه أضاف: «لا يوجد دليل علمي على إمكانية خوض تجربة إنسانية خارج الدماغ».

لكن لونغ، الذي تدرب ومارس الطب في مجال علاج الأورام بالإشعاع، يعتقد أن وعي الناس يغادر أجسادهم أثناء تجارب الاقتراب من الموت بطريقة لا يستطيع علم الأعصاب تفسيرها. وهو مُقتنع تماماً بأن العلم لا يستطيع تفسير دقة وتفاصيل ما يتذكره المرضى من رؤيتهم وسماعهم من خارج أجسادهم.

وتعتقد بيهليفانوفا وزملاؤها في معهد جامعة فرجينيا أيضاً أن هذه التجارب قد تنطوي على فصل حقيقي بين الوعي والدماغ، مع أنها لم تستبعد إمكانية وجود تفسيرات عصبية أو فسيولوجية.

عدم الاستخفاف بتجارب الاقتراب من الموت

درس الدكتور بروس جريسون، الأستاذ الفخري في الطب النفسي وعلوم السلوك العصبي في ذلك المعهد، تجارب الاقتراب من الموت لمدة 50 عاماً. وفي الوقت الحالي، يركز بشكل رئيسي ليس على الأسباب، بل على كيفية مساعدة الأطباء بشكل أفضل الأشخاص الذين يمرون بهذه التجارب على استيعاب ما مروا به.

قال جريسون إن الأطباء والممرضين يميلون إلى أن يكونوا أول من يصف لهم المرضى تجاربهم، على أمل «فهمها من منظور مختلف». وفي بعض الأحيان، يستجيب هؤلاء الأطباء باستخفاف.

وقال: «بالنسبة لجميع من مروا بتجارب الاقتراب من الموت تقريباً، يعتبرون هذا الأمر من أهم الأمور، إن لم يكن أهمها، التي حدثت في حياتهم على الإطلاق. وبينما قد يبدو الأمر غير ذي أهمية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، فإنه ليس كذلك على الإطلاق بالنسبة للشخص الذي مر بهذه التجارب».

* خدمة «نيويورك تايمز».