أوضحت دراسة حديثة، لباحثين من جامعة جنوب كاليفورنيا بالولايات المتحدة، نُشرت في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي في مجلة الرابطة الطبية الأميركية JAMA Network Open، أن الجمع بين نوعين من فحوصات المخ يُمكن أن يُنبئ بشكل أفضل بإصابات القلق المحتملة لدى المراهقين في المستقبل.
توقعات حدوث القلق
أكد الباحثون، أن معرفة الكيفية التي يستجيب بها مخ المراهق للتفاعل مع أحداث الحياة المختلفة تسهم في فهم اختلاف ردود الأفعال بين مراهق وآخر، وفهم لماذا تختلف استجابة كل شخص لنفس الحدث. وعلى سبيل المثال ممكن أن يتعرض العديد من المراهقين لنفس المعاملة القاسية في المدرسة لكن الآثار النفسية السلبية لا تستمر إلا لعدد محدود جداً من الأشخاص.
وقال الباحثون، إن طرق التشخيص السريرية ربما تساعد في فهم المشكلات النفسية المختلفة وتتوقع حدوثها مثل القلق، وبالتالي تسهم في علاجها بشكل مبكر. ولتأكيد هذه الفرضية قاموا بعمل رسم كهربائي للمخ (EEG) ومسح بأشعة الرنين المغناطيسي الوظيفية (fMRI) لعدد من المراهقين بلغ (176) مراهقاً تم تتبعهم منذ الطفولة المبكرة وحتى المراهقة.
وحتى تكون النتائج موضوعية، قام الباحثون بعمل هذه الفحوصات لجميع المراهقين في عمر 13 و15 عاماً، حيث تم عمل تقييم لنشاط المخ، في بداية مرحلة المراهقة في المرة الأولى ولملاحظة وجود أي تغير يمكن أن يطرأ على نشاط المخ في المرة الثانية عند عمر 15 عاماً.
كانت نسبة الإناث في العينة نحو 52 في المائة تقريباً، وعلى الرغم من أن عدد أفراد العينة يُعد قليلاً نسبياً فإنها شملت معظم الأعراق الموجودة في الولايات المتحدة على وجه التقريب، وذلك حتى تكون معبرة عن جموع المراهقين الموجودين هناك، لأن اضطرابات القلق هي الشكل الأكثر شيوعاً للأمراض النفسية في الولايات المتحدة.
أوضح الباحثون، أنهم استخدموا فحصين مختلفين لتقييم وظائف المخ للاستفادة من اختلاف التقنية المستخدمة في كل طريقة. وعلى سبيل المثال فان الرسم الكهربائي للمخ الذي يرصد النشاط الكهربائي في المخ سريع للغاية، ولكنه غير دقيق في رصد الوظائف الأخرى للمخ، بينما يعتبر التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي بطيئاً ولكنه دقيق للغاية في رصد وظائف مناطق المخ المختلفة.
وطور الباحثون تقنية جديدة لدمج البيانات التي يتم الحصول عليها من طريقتي الفحص، بحيث توفر فهماً أوضح بكثير لكيفية استجابة المخ للمشكلات الحياتية المختلفة، وكيفية تغير أنماط ردود الأفعال مع مرور الوقت، وقالوا إن الأمر يشبه استخدام كلتا العينين معاً للحصول على رؤية أفضل وأكثر وضوحاً من رؤية عين واحدة.
وساعدت البيانات التي تم الحصول عليها من الفحصين (الرسم الكهربائي للمخ وأشعة الرنين المغناطيسي الوظيفية) العلماء، في القدرة على توقع المراهقين الأكثر عرضة للإصابة بالقلق بدقة تصل إلى 25 في المائة من الحالات. وهذه النسبة كبيرة جداً في القدرة على تشخيص القلق ومعظم الطرق الأخرى لا تتعدى 5 في المائة فقط.
رصد تغيرات المخ
تمكن العلماء من الوصول إلى هذه الدقة في التنبؤ بحدوث القلق في المستقبل، من خلال تحليل التغيرات العضوية والوظيفية التي تحدث في المخ في الفترة العمرية بين سن 13 و15 عاماً، والتي تُعد العامل الأهم في إصابة المراهق بالقلق، بغض النظر عن عمره وجنسه وتعرضه لأحداث مؤلمة من عدمه، مما يوضح تباين رد الفعل النفسي المختلف لكل مراهق لنفس الحدث.
ووجدت الدراسة أيضاً أن المزاج العام للمراهق في بداية حياته يمكن أن يغير من نشاط بعض المناطق في المخ، ما يزيد أو يقلل من الإصابة بالقلق لاحقاً، بشكل مختلف. وعلى سبيل المثال فإن المراهقين الذين عانوا من الخجل الشديد في طفولتهم حدث لهم زيادة لنشاط المخ في منطقة واحدة، وهي المنطقة التي تساعد المخ على اكتشاف المخاطر والتهديدات المُحتملة، مما يزيد من فرص إصابتهم بالقلق لاحقاً.
وعلى الرغم من أن زيادة النشاط في هذه المنطقة ينبئ بحدوث القلق في المستقبل بالفعل، لكن في المقابل كان هناك زيادة للنشاط في منطقة أخرى في المخ، لها تأثير وقائي، يحمي المراهق من ردود الأفعال التي تتسم بالخوف والهلع. لذلك كان هؤلاء المراهقون الذين أظهروا زيادة أكبر في نشاط هذه المنطقة في بداية مرحلة المراهقة أقل عرضة للإصابة بالقلق بمرور الوقت.
أوضح الباحثون أن نتائج هذه الدراسة بالغة الأهمية لأنها تمكن العلماء من استخدام تقنيات التشخيص المتقدمة، في تحديد المراهقين الأكثر عرضة لاضطرابات القلق بشكل أفضل قبل ظهور الأعراض بالكامل، مما يسهم في التوصل إلى العلاج بشكل أسرع، وهذا يساعد الأطباء النفسيين في تأكيد التشخيص.
وأكدت الدراسة أن استخدام وسيلتي التشخيص ضروري للغاية، للوصول إلى توقع الإصابة بالقلق، إذ لا يُمكن لأداة تشخيص واحدة أن تقدم الصورة كاملة. وعندما يتم دمج البيانات يمكن الوصول إلى فهم أشمل لكيفية عمل المخ وانعكاس ذلك على الصحة النفسية للمراهقين.
أوضح الفريق البحثي، أنه يخطط في المستقبل لاكتشاف إمكانية إجراء هذه الفحوصات في مراحل مبكرة من حياة الطفل (ربما عندما يكون الأطفال في سن الثامنة أو التاسعة)، لمعرفة إذا كانت وظائف المخ الأخرى، مثل الذاكرة أو الانتباه، يمكن أن تساعد في توقع حدوث القلق لمعرفة الأطفال الذين قد يحتاجون إلى دعم نفسي إضافي، وتقديم هذا الدعم لهم قبل أن يصابوا بالمرض بالفعل.
* استشاري طب الأطفال

