الصداقة الإنسانية الحقيقية تؤثر في الصحة النفسية بـ«قوة»

أكثر بكثير من وسائل التواصل الاجتماعي

الصداقة الإنسانية الحقيقية تؤثر في الصحة النفسية بـ«قوة»
TT
20

الصداقة الإنسانية الحقيقية تؤثر في الصحة النفسية بـ«قوة»

الصداقة الإنسانية الحقيقية تؤثر في الصحة النفسية بـ«قوة»

كشفت دراسة نفسية حديثة نُشرت في شهر فبراير (شباط) الماضي في «مجلة صحة المراهقين (the Journal of Adolescent Health)» عن التأثير القوي للصداقة الحقيقية في الحفاظ على الصحة النفسية للمراهقين بغض النظر عن الوقت الذي يتم قضاؤه على وسائل التواصل الاجتماعي. وأوضحت أن هذا التأثير أقوى بـ3 مرات تقريباً من معظم الوسائل الإلكترونية.

الصداقة الإنسانية... والافتراضية

قال الباحثون من «كلية فاينبرغ للطب بجامعة نورث وسترن (Northwestern University's Feinberg School of Medicine)» بالولايات المتحدة، إن الاستخدام المبالغ فيه لوسائل التواصل المختلفة ربما يكون مجرد رد فعل لشعور المراهقين بالفراغ والوحدة. وأكدوا أن علاقة الصداقة الإنسانية بين الأقران تساعد على تحقيق التوازن في التعامل مع هذه الوسائل بالشكل الذي ينعكس بالإيجاب على الصحة النفسية.

أكد الباحثون أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل تحدياً حقيقياً أمام الصحة النفسية والعضوية للشباب. وعلى سبيل المثال وجد استطلاع سابق حول وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية للمراهقين والأطفال في الولايات المتحدة تم إجراؤه عام 2021 لطلاب المدارس الإعدادية والثانوية، أن المراهقين يقضون في المتوسط 3.5 ساعة يومياً على الوسائل الإلكترونية المختلفة. وفي عام 2023 كان هناك استطلاع أجرته مؤسسة «غالوب (Gallup)» للأبحاث وشمل فئة المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و19 عاماً أظهر أن متوسط ساعات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد ارتفع إلى 4.8 ساعة يومياً.

وقد أُجريت الدراسة الحالية على نحو ألف مراهق تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً من جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث قام الباحثون بتوزيع استبيان على المراهقين يشمل عدداً من الأسئلة التي تتعلق بمقدار الوقت الذي يقضونه في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وهل يتمتعون بعلاقات صداقة حقيقية مع زملائهم من عدمه؟ ولأي مدى تصل درجة رضاهم عن حالاتهم النفسية؟ وعن طبيعة الشعور الغالب عليهم... هل هو السعادة أم الاكتئاب؟

كذلك قام المراهقون بالإجابة عن تفصيلات الوقت المنقضي أمام وسائل التواصل الاجتماعي، سواء المتابعين لهذه الوسائل بشكل نشط (بمعنى المشاركة الدائمة بمنشورات معينة، أو وضع صور وتعليقات، أو متابعة مجتمعات معينة تلتقي بشكل دوري على هذه الوسائل)، أو المتابعين بشكل سلبي (الذين يكتفون بمجرد التصفح العشوائي للأخبار، ومشاهدة الصور والفيديوهات دون التعليق عليها).

قام الباحثون باستخدام تقييم نفسي معين لتحديد الحالة النفسية لكل مراهق، ومعرفة إلى أي مدى تصل درجة تقبله حياته بشكل عام، وهل يشعر بوجود هدف لحياته أم لا؟... وشمل هذا التقييم طرح أسئلة عن الصحة النفسية مثل: هل تشعر بالقلق والتوتر؟ هل تتمتع بعلاقات اجتماعية جيدة في البيئة المحيطة بك بعيداً عن الوسائل الإلكترونية؟ هل تستمتع بالوقت الذي تقضيه مع الأقران؟ هل تشعر بالحزن أو الاكتئاب بعد قضاء وقت طويل في الوجود السلبي على الإنترنت؟ هل هذه الوسائل توطد علاقتك بأصدقائك؟ في حالة الاختيار بين قضاء وقت على وسائل التواصل والخروج مع الأقران... أي الخيارين يتسبب في سعادة أكبر؟

وقامت الدراسة بتثبيت جميع العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً في تغيير النتيجة النهائية مثل الاختلاف في الجنس، والمستوى الاجتماعي، والأصل العرقي (42 في المائة من ذوي البشرة الملونة) وأيضاً بيئة السكن، ومستوى تعليم الوالدين.

الانغماس في العالم الافتراضي هو نتيجة مباشرة للمشكلات النفسية وليس سبباً لها

تعويض افتراضي للصداقة الحقيقية

وأظهرت النتائج أن المراهقين الذين تمتعوا بعلاقات صداقة حقيقية وحياة اجتماعية جيدة على أرض الواقع لم يعانوا من المشكلات النفسية، وكانوا في حالة رضا عن أنفسهم وتصالح مع الذات، ولم يعانوا من القلق والتوتر. وعلى النقيض من ذلك كان المراهقون الذين عانوا من عدم وجود صداقات جيدة في حياتهم أكثر عرضةً للإصابة بالمشكلات النفسية مثل القلق والتوتر والاكتئاب، على الرغم من أن ساعات الوجود على وسائل التواصل كانت على وجه التقريب مساويةً لبقية الأقران الذين لم يعانوا نفسياً، ما يوضح أن تأثير الصداقة تفوَّق على تأثير الوجود على الإنترنت لفترات طويلة.

وتبعاً للدراسة وخلافاً للتصور العام فإن المشكلة ليست في الفترات الطويلة التي يقضيها الأطفال والمراهقون على الوسائل الإلكترونية، ولكن المشكلة الحقيقية أن هذا الوقت الذي يتم إهداره على وسائل التواصل يُعدّ نتيجةً مباشرةً للمشكلات النفسية وليس سبباً لها؛ لأن الإحساس بالفراغ النفسي وافتقاد الصداقة الحقيقية هو الذي يدفع هؤلاء الأطفال للبحث الدائم عن الدعم النفسي حتى لو كان بطريقة افتراضية.

وحسب تصريحات «الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP)»، و«جمعية علم النفس الأميركية» فإن وسائل التواصل الاجتماعي ليست جيدةً أو سيئةً بحد ذاتها، ولكنها مجرد وسيلة مثل أي وسيلة أخرى للتعارف يمكن أن تكون لها تأثيرات إيجابية أو سلبية، أو دون تأثير على الإطلاق، تبعاً لعوامل عدة مثل الفروق الشخصية لكل مراهق، ومدى استخدامه لها مقارنة بالأنشطة الأخرى، ويعتمد ذلك أيضاً على محتوى هذه الوسائل وأسباب استخدامها.

في النهاية نصحت الدراسة الآباء والمسؤولين عن الصحة النفسية للمراهقين والأطفال، بحل المشكلة بطريقة عكسية، بمعنى تركيز الجهود على إيجاد طرق معينة لتعزيز العلاقات الاجتماعية للمراهقين بشكل عام بدلاً من التركيز فقط على الحد من استخدامهم وسائل التواصل الاجتماعي، مع تأكيد العلماء على درايتهم الكاملة بمشكلات وسائل التواصل الإلكترونية الخاصة مثل التنمر والابتزاز والعلاقات الخطيرة والتأثير على صورة الجسد؛ لأن التأثير النفسي الإيجابي المستمد من علاقة الصداقة يحمي المراهق من هذه المخاطر.

• استشاري طب الأطفال.


مقالات ذات صلة

6 معلومات حول تناول البروتينات لبناء العضلات

صحتك 6 معلومات حول تناول البروتينات لبناء العضلات

6 معلومات حول تناول البروتينات لبناء العضلات

عضلات جسمك إما أن تستخدمها، فتحافظ على وجودها، أو تهمل استخدامها، فتفقدها.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك المراهقون لا يفضلون أدوية إنقاص الوزن

المراهقون لا يفضلون أدوية إنقاص الوزن

على الرغم من الشهرة الكبيرة التي تتمتع بها أدوية إنقاص الوزن، فإن المخاوف من استخدامها والتشكك في فاعليتها ما زالت كبيرة بين المراهقين الأميركيين

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك تعزيز استراتيجيات إدارة اضطرابات الدهون في الدم

تعزيز استراتيجيات إدارة اضطرابات الدهون في الدم

تُعد اضطرابات الدهون في الدم من أبرز عوامل الخطر القابلة للتعديل، لا سيّما في الأمراض القلبية الوعائية، ولدى مرضى السكري، وفرط ضغط الدم.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك أفكار جديدة حول اختبارات الدم المهمة

أفكار جديدة حول اختبارات الدم المهمة

لا تتفاجأ إذا رأيت طبيبك يدخل بعض التغييرات على فحوصات الدم الروتينية الخاصة بك. إذ قد تُضاف بعض الفحوصات إلى قائمة الفحوصات المختبرية أو تُحذف منه هذا العام

هايدي غودمان (كمبردج - ولاية ماساشوستس الأميركية)
صحتك تساعد قهوة الفطر على الوقاية من السرطان (أ.ب)

بديل صحي للكافيين... ما هي قهوة الفطر ذات الفوائد الهائلة

تكتسب قهوة الفطر شعبية متزايدة بوصفها بديلاً لجرعة الكافيين الصباحية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

القهوة تُحسّن القوة البدنية لدى المسنين

القهوة تقاوم خطر الهشاشة الجسدية لدى كبار السن (جامعة أكسفورد)
القهوة تقاوم خطر الهشاشة الجسدية لدى كبار السن (جامعة أكسفورد)
TT
20

القهوة تُحسّن القوة البدنية لدى المسنين

القهوة تقاوم خطر الهشاشة الجسدية لدى كبار السن (جامعة أكسفورد)
القهوة تقاوم خطر الهشاشة الجسدية لدى كبار السن (جامعة أكسفورد)

كشفت دراسة هولندية أن الاستهلاك المنتظم للقهوة بمعدل 4 إلى 6 فناجين يومياً (بحجم 125 مليلتراً لكل فنجان) قد يرتبط بتحسين القوة البدنية، وتقليل خطر الإصابة بالهشاشة الجسدية والوهن لدى كبار السن.

وأوضح الباحثون، من معهد أمستردام للصحة العامة في جامعة فيراي، أن دراستهم هي الأولى من نوعها التي تبحث العلاقة بين شرب القهوة والعوامل المسبِّبة للهشاشة الجسدية لدى المسنين، ونُشرت نتائجها، يوم الأربعاء، في دورية «European Journal of Nutrition».

والهشاشة الجسدية هي حالة صحية شائعة تصيب كبار السن، وتتمثل في انخفاض القدرة الجسدية والاحتياطي الوظيفي للجسم، ما يجعل الفرد أكثر عرضة للضعف البدني والمضاعفات الصحية عند التعرض لأي ضغط بسيط مثل العدوى أو السقوط. ومِن أعراضها فقدان الوزن غير المقصود، وضعف العضلات، وبطء الحركة، والشعور بالإرهاق المستمر، وانخفاض مستوى النشاط البدني.

والهشاشة ليست جزءاً طبيعياً من الشيخوخة، بل هي مؤشر على تدهور الحالة الصحية العامة، وقد تؤدي إلى فقدان الاستقلالية، وزيادة خطر دخول المستشفى أو الوفاة.

واعتمد الباحثون على تحليل بيانات من دراسة الشيخوخة الطولية في أمستردام، حيث جرت متابعة 1161 شخصاً يزيد عمرهم عن 55 عاماً لمدة 7 سنوات.

ودرس الفريق العلاقة بين استهلاك القهوة وظهور أو تطور حالة «الهشاشة الجسدية»، التي قُيِّمت وفقاً لمقياس مكوَّن من 5 عناصر تشمل: فقدان الوزن، والضعف، والإرهاق، وبطء المشي، وانخفاض النشاط البدني. وتُعدُّ الإصابة بثلاثة أعراض أو أكثر مؤشراً على الهشاشة.

وأظهرت النتائج أن الاستهلاك اليومي للقهوة يرتبط بانخفاض احتمالية الإصابة بالهشاشة الجسدية بشكل عام.

وأكد الباحثون أن تأثير القهوة الإيجابي قد يُعزى جزئياً إلى مضادات الأكسدة الموجودة فيها، التي تساعد في تقليل الالتهابات، والحد من فقدان الكتلة العضلية، ومنع تلف العضلات. كما أن القهوة قد تُحسن استجابة الجسم للإنسولين، وتنظيم امتصاص الغلوكوز، خصوصاً لدى كبار السن.

ولطالما ارتبط شرب القهوة بانخفاض خطر بعض أعراض الشيخوخة الطبيعية، مثل تحسين الوظائف الإدراكية، والحد من الأمراض المرتبطة بالالتهابات. وتُضيف هذه الدراسة إلى المعرفة المتنامية في فوائد استهلاك القهوة المنتظم على المدى الطويل، وفق الباحثين.

وقالت الباحثة الرئيسية للدراسة في معهد أمستردام للصحة العامة بجامعة فريجي، الدكتورة مارغريت أولتوف: «إن شرب القهوة جزء أساسي من روتين كثير من الناس اليومي. ومع التقدم في العمر، يبحث الأفراد دائماً عن طرق للحفاظ على صحتهم».

وأضافت، عبر موقع الجامعة: «تشير نتائجنا إلى أن شرب القهوة يومياً قد يكون مرتبطاً بانخفاض خطر الهشاشة الجسدية، مما قد يعزز الشيخوخة الصحية».

لكنها أشارت إلى أنه من المهم أيضاً دراسة تدخلات غذائية أخرى لضمان تمتع كبار السن بحياة صحية ومستقلة.