إبر وحبوب خفض الوزن... دراسات جديدة حول فاعليتها وآثارها

في مؤتمر السمنة الأوروبي السنوي الحادي والثلاثين

إبر وحبوب خفض الوزن الحديثة
إبر وحبوب خفض الوزن الحديثة
TT

إبر وحبوب خفض الوزن... دراسات جديدة حول فاعليتها وآثارها

إبر وحبوب خفض الوزن الحديثة
إبر وحبوب خفض الوزن الحديثة

برزت السمنة في السنوات الأخيرة كأزمة صحية عالمية تؤثر على ملايين الأفراد في جميع أنحاء العالم. واستمرت معدلات انتشارها في الارتفاع بشكل ينذر بالخطر، مع ما يترتب على ذلك من آثار كبيرة على الصحة البدنية والعقلية.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فقد رصد في عام 2016 أكثر من 1.9 مليار بالغ (18 عاماً فما فوق) يعانون من زيادة الوزن أو السمنة المفرطة. ومن بين هؤلاء، تم تصنيف أكثر من 650 مليوناً على أنهم يعانون من السمنة المفرطة. وتضاعف معدل انتشار السمنة على مستوى العالم ثلاث مرات تقريباً منذ عام 1975.

ويختلف انتشار السمنة بين المناطق، ففي أميركا الشمالية يعد انتشار السمنة هو الأعلى، حيث يعاني أكثر من ثلث البالغين من السمنة. وفي أوروبا، يعد الانتشار أقل، حيث يعاني ما يقرب من 23 في المائة من البالغين من السمنة المفرطة.

لقاء طبي

وتشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أيضاً معدلات مرتفعة للسمنة، حيث يعاني منها نحو 29 في المائة من البالغين. وفي آسيا، تعد معدلات السمنة أقل بشكل عام، ولكن المناطق الحضرية منها تشهد زيادة سريعة في انتشار السمنة.

الدكتورة آمنة شاغولي

التقت «صحتك» الدكتورة آمنة شاغولي، استشارية السمنة والسكري والغدد الصماء مؤسسة ومديرة عيادة السكري في السالمية، الكويت، لنستكشف معها الطبيعة متعددة الأوجه للسمنة ونقدم معلومات تفيد أفراد المجتمع في رحلتهم نحو وزن أكثر ملاءمة وتحسيناً للصحة العامة، ونسلط الضوء على آخر التحديثات والإرشادات وما توصلت إليه الدراسات في مجال إدارة السمنة وذلك على ضوء ما نوقش وأُوصي به في «مؤتمر السمنة الأوروبي السنوي الحادي والثلاثين لعام 2024» (31st European Congress on Obesity - 2024) (ECO2024) الذي عقد في مدينة فينيس بإيطاليا. وكانت الدكتورة آمنة شاغولي أحد المتحدثين في ذلك المؤتمر.

أوضحت الدكتورة آمنة شاغولي أن للسمنة عواقب صحية كبيرة، حيث تزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري من النوع الثاني، وأنواع معينة من السرطان، والاضطرابات العضلية الهيكلية، ومشكلات الصحة العقلية، إضافة إلى العبء الاقتصادي الكبير حيث قُدرت التكلفة العالمية للسمنة، في عام 2020، بنحو تريليوني دولار سنوياً.

وتم تسليط الضوء على عدد من الأبحاث التي قدمت في المؤتمر الأوروبي المذكور، ومنها ما يلي:

إبر خفض الوزن

• تخصيص الجرعة حسب الحالة. تطرقت الدكتورة آمنة شاغولي إلى دراسة شملت 2246 شخصاً مصاباً بالسمنة أو زيادة الوزن (79 في المائة نساء، متوسط العمر 49 عاماً، متوسط مؤشر كتلة الجسم 33.2، متوسط وزن الجسم 97 كلغم)، وضعوا في برنامج لخسارة الوزن تضمن دورة تدريبية لعقار فقدان الوزن سيماغلوتيد (Ozempic أو Wegovy). تلقى المرضى منه أقل جرعة فعالة، تم رفعها بعد المعاينة أو في حال عدم نزول الوزن.

وبعد نحو 17 شهراً، كان معدل خسارة الوزن 14.9 في المائة من الوزن الأصلي. وأثبتت الدراسة أن استخدام جرعات قليلة وفعالة من سيماغلوتيد يعتبر اقتصادياً للمرضى، ويؤدي إلى آثار جانبية أقل ويساعد على ضمان الحفاظ على مخزون الدواء، الذي لا يزال محدوداً.

إبر «أوزمبيك» لخفض الوزن

وتوافقت هذه النتائج مع نتائج بحث آخر قامت به الدكتورة شاغولي، درست فيه آثار حبوب خفض الوزن «rybelsus» على السمنة والتقليل من خطورة الإصابة بالأمراض المزمنة. تحتوي هذه الحبوب على مادة «سيماغلوتيد» وهي المادة الفعالة ذاتها الموجودة في إبر نزول الوزن «الأوزمبيك».

استمر البحث ثلاثة أشهر، وشمل 91 شخصاً مصاباً بالسمنة (78 في المائة نساء، متوسط العمر 43 عاماً، متوسط وزن الجسم 85.3 كلغم).

مع انتهاء هذه الدراسة خسر المشاركون ما يعادل 5.3 في المائة من أوزانهم الأولية، أي انخفض متوسط أوزانهم إلى 80.75 كلغم. كما أظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في متوسط كتلة الدهون تحت الجلد والدهون الحشوية (وهي الدهون حول الأعضاء الحيوية كالقلب، والكبد، إلخ) بمعدل (7.2 في المائة، 7.7 في المائة) على التوالي. ومن ناحية أخرى، انخفضت الكتلة العضلية بنسبة 3.5 في المائة.

لذلك، وجب التنويه إلى أهمية اتباع نظام غذائي غني بالبروتين وممارسة تمارين المقاومة للحفاظ على الكتلة العضلية وزيادتها، ذلك لتجنب خسارة الكتلة العضلية المصحوبة باستخدام هذه العقاقير. إذ إن خسارة العضلات تقلل من عمليات الأيض (الحرق) أو ما يعرف بعملية التمثيل الغذائي.

إيقاف إبر خفض الوزن

• متى يتم التوقف عن إبر خفض الوزن؟ تقول الدكتورة آمنة شاغولي إن الجمع بين نمط الحياة الصحية والتخفيض التدريجي لجرعات أدوية نزول الوزن يجنب المرضى استعادة الوزن المفقود نتيجة استخدام هذه الأدوية. ويعود السبب في استعادة الوزن إلى عودة شهية المريض لما كانت عليه قبل أخذ الدواء.

وقد ثبت ذلك في دراسة شملت 335 شخصاً مصاباً بالسمنة أو زيادة الوزن، تم فيها خفض جرعة الدواء تدريجياً على مدار تسعة أسابيع في المتوسط إلى أن تصل للصفر، مع التثقيف بشأن التغذية المناسبة والنشاط الرياضي. كان متوسط فقدان الوزن 2.1 في المائة بعد مرور 26 أسبوعاً من توقف استخدام الدواء بشكل نهائي. ووُجد أن 240 مريضاً لم يستعيدوا الوزن، بل ظل وزنهم ثابتًا.

• علاقة إبر نزول الوزن بصحة القلب. في عام 2023، وجدت دراسة SELECT أن البالغين الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة غير المصابين بمرض السكري، والذين يأخذون إبر خفض الوزن «سيماغلوتيد» لأكثر من 3 سنوات، هم أقل عرضة للإصابة بالنوبات القلبية أو السكتة الدماغية أو الوفاة الناجمة عن هذه الأمراض وذلك بنسبة 20 في المائة، كما فقدوا ما متوسطه 9.4 في المائة من وزنهم الأولي.

وفي دراسة أخرى، وُجد أن العلاج باستخدام إبر خفض الوزن سيماغلوتيد حقق تحسناً في صحة القلب والأوعية الدموية، بغض النظر عن الوزن الأولي وكمية الوزن المفقود.

السمنة لدى الأطفال

• ارتفاع المعدلات بشكل كبير. تعتبر السمنة لدى الأطفال مصدر قلق متزايد على مستوى العالم. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، في عام 2019، كان أكثر من 340 مليون طفل ومراهق تتراوح أعمارهم بين 5 و19 عاماً يعانون من زيادة الوزن أو السمنة.

ارتفع معدل انتشار زيادة الوزن والسمنة لدى الأطفال والمراهقين بشكل كبير في العقود القليلة الماضية. وفي بعض المناطق زادت بمقدار عشرة أضعاف أو أكثر.

بالنسبة لمتوسط العمر المتوقع لأطفال السمنة، فقد وجدت الأبحاث أنه كلما زادت مستويات السمنة فترة الطفولة زادت خطورة الوفاة بسن مبكرة، فمثلاً من يصاب بالسمنة الشديدة بعمر الأربع سنوات فإن عمره المتوقع تسعة وثلاثون عاماً، بينما من يصاب بعمر العشرين فإن متوسط عمره المتوقع اثنان وأربعون عاماً وهكذا. كلما كانت السمنة مبكرة وشديدة كان المريض عرضة للإصابة بمضاعفات أكبر مثل السكري، أمراض القلب، السرطان، الكبد الدهني، وضيق التنفس.

• علاقة ألعاب الفيديو بالسمنة. وفقاً لبحث جديد قُدم في المؤتمر، فإن منصات البث المباشر لبعض ألعاب الفيديو تدس دلالات تحض المراهقين الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً أو أقل، بشكل غير مباشر على شراء الأطعمة غير الصحية التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون والملح و/ أو السكر، خاصة مشروبات الطاقة. وهذا يستدعي وضع لوائح صارمة على مثل هذا التسويق.

• علاقة الرياضة بالسمنة. تؤكد الأبحاث على أهمية الرياضة في الوقاية من أمراض العصر، ومنها الأمراض الأيضية كالسكري من النوع الثاني، وتصلب الشرايين، والسرطانات.

اتباع نظام غذائي غني بالبروتين وممارسة التمارين لتجنب خسارة الكتلة العضلية عند استخدام هذه العقاقير

الدكتورة آمنة شاغولي

ضعف العضلات وخطر الوفاة المبكرة

في إدارة الأمراض المزمنة مثل مرض السكري من النوع الثاني وأمراض القلب والأوعية الدموية، يُوصى بإنقاص الوزن. وُجد أن الأدوية التي تساعد في إنقاص الوزن تكون نتائجها قريبة من نتائج خفض الوزن جراحياً. لكن، ما يقلقنا حالياً هو فقدان العضلات بكميات كبيرة وانخفاض القدرة على الحركة.

يجب أن نشير إلى أن كمية العضلات قد تكون مرتفعة لدى المصابين بالسمنة، لكن نوعيتها وقوتها قد تكون متدنية مقارنة بالأشخاص من ذوي الأوزان الصحية. وتقاس جودة العضلات وفقاً لحجمها، ولمدى احتوائها على الدهون.

إن ضعف صحة العضلات يرتبط بزيادة خطر الوفاة المبكرة وقد تصل هذه الخطورة إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بالذين يتمتعون بصحة عضلية جيدة لدى الأشخاص الذين يعانون من السمنة.

معدل انتشار السمنة في العالم تضاعف ثلاث مرات خلال نصف قرن

التدخين والوزن

وعن التدخين وعادات الغذاء المرتبطة به ظهر أن المدخنين يميلون إلى تناول كميات أقل من الطعام وتبني عادات غذائية أقل صحة من غير المدخنين، ما قد يفسر زيادة أوزانهم بعد الإقلاع عن التدخين. وتؤكد دراسة بريطانية شملت أكثر من 80 ألف شخص بالغ على أهمية توفير الإرشاد التغذوي، وخصوصاً في مجال إدارة الوزن، لأولئك الذين يحاولون الإقلاع عن التدخين.

وقد وُجد في الدراسة أن القلق من زيادة الوزن هو سبب شائع لعدم أو فشل محاولة المدخنين الإقلاع عن التدخين. كما كان المدخنون أكثر عرضة بمرتين لتخطي وجبات الطعام، وتناول كميات أقل بكل وجبة. كما يميل المدخنون للبقاء أكثر من ثلاث ساعات دون طعام مقارنة بغير المدخنين. على غرار غير المدخنين فإن المدخنين لا يميلون لتناول الوجبات الخفيفة بين الوجبات الرئيسية، أو تناول الطعام بغرض المتعة أو بدافع الملل.

كان المدخنون أقل عرضة بنسبة 8 إلى 13 في المائة لتناول الأطعمة عالية السكر بين الوجبات، ولكنهم كانوا أكثر عرضة بنسبة 8 في المائة لتناول الأطعمة المقلية وأكثر عرضة بنسبة 70 في المائة لإضافة الملح، وأكثر احتمالاً بنسبة 36 في المائة لإضافة السكر إلى الوجبات.

• استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع