مهارة معرفية «أساسية» تهددها التكنولوجيا... ما هي؟ وكيف تحافظ عليها؟

الاعتماد المستمر على الهواتف الذكية سيعرض قدرة الناس على التحدث والتواصل بعضهم مع بعض للخطر (رويترز)
الاعتماد المستمر على الهواتف الذكية سيعرض قدرة الناس على التحدث والتواصل بعضهم مع بعض للخطر (رويترز)
TT

مهارة معرفية «أساسية» تهددها التكنولوجيا... ما هي؟ وكيف تحافظ عليها؟

الاعتماد المستمر على الهواتف الذكية سيعرض قدرة الناس على التحدث والتواصل بعضهم مع بعض للخطر (رويترز)
الاعتماد المستمر على الهواتف الذكية سيعرض قدرة الناس على التحدث والتواصل بعضهم مع بعض للخطر (رويترز)

يفتقد الأشخاص هذه الأيام للمهارات المعرفية والاجتماعية التي يحتاجونها لـ«حياة شخصية ومهنية مزدهرة»، كما يقول عالم النفس التنظيمي ريتشارد ديفيس.

ونقلت شبكة «سي إن بي سي» الأميركية عن ديفيس، المدير الإداري لشركة «راسل رينولدز أسوشيتس» لاستشارات القيادة، ومقرها تورونتو، القول: «نحن معرضون لخطر فقدان هذه القدرة الأساسية التي أسميها التقبل... إنها القدرة على إصدار حُكم جيد، وأن تكون لديك نظرة ثاقبة تجاه الأمور والأشخاص، وغياب هذا يعد مصدر قلق كبير».

ويرى ديفيس أن التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي وغيرها هي المسؤولة عن ذلك، لأن الناس أصبحت تعتمد كثيراً على هواتفهم، لدرجة أنهم أصبحوا غير قادرين بشكل متزايد على إصدار الأحكام بأنفسهم. ويقول: «إنها قدرة معرفية تحتاج إلى ممارستها فعلياً حتى لا تفقدها».

ويشير ديفيس إلى نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) كمثال، ويقول إن استخدم الناس المتزايد له وتوقفهم عن حفظ الطُرُق باستخدام الذاكرة، يجعلهم على شفا الضياع، وأن يصبحوا تائهين بسهولة أكبر إذا توقف الهاتف عن العمل.

ويتساءل: «ماذا سيحدث عندما لا تكون لديك إشارة خلوية، أو عندما يفشل تطبيق يعرفك الطريق التي ستسلكها، أو عندما لا يكون لدينا روبوت الدردشة (شات جي بي تي)؟»، ويؤكد أن قدرة الناس على التحدث والتواصل بعضهم مع بعض أصبحت معرضة للخطر.

ويقول: «إذا كان عقلك في هاتفك، أو كنت تقابل أشخاصاً فقط من خلال ملفاتهم الشخصية في تطبيقات المواعدة، أو كنت تبني قرارات عملك بناءً على السيرة الذاتية فقط، ولا ترى الشخص أو تقضي وقتاً معه حقاً، فإنك تفقد قدرتك البشرية الأساسية في الحصول على البصيرة واكتساب المعرفة».

ويشير ديفيس إلى أن كونك خبيراً في التكنولوجيا يمكن أن يساعدك في تحقيق الكفاءة والإنتاجية، لكن الاعتماد المستمر على الأجهزة التكنولوجية لن يجعلك ناجحاً على المدى الطويل، لذلك ينصح بمحاولة الحد من وقت استخدام الهواتف الذكية قدر الإمكان، ما يساعدك على توفير مساحة للأنشطة «الخالية من الشاشات» التي تعزز قدرتك على التقبل والإدراك، مثل ممارسة الرياضة وقراءة الكتب.

وأظهرت الدراسات أن التمارين الرياضية تزيد من تدفق الدم إلى الدماغ وتقلل من التوتر والقلق، ما يسهل إعادة الشحن العقلي بعد يوم عمل طويل. وبالمثل، يمكن للقراءة أن تحسن وظائف المخ والذاكرة على المدى الطويل.

ويقول ديفيس: «ارفع رأسك عن هاتفك، واستقل القطار، وقابل الناس شخصياً... سيكون لديك مزيد من المعرفة حول الأشخاص، وستتخذ قرارات أفضل، وستحصل على رؤية أفضل حول الحياة والآخرين».


مقالات ذات صلة

التكنولوجيا الصينية تدخل «حرباً اقتصادية طويلة»

الاقتصاد عامل على خط إنتاج في مصنع رقائق إلكترونية صيني (رويترز)

التكنولوجيا الصينية تدخل «حرباً اقتصادية طويلة»

قررت الصين أن تحارب على عدة جبهات اقتصادية، مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معاً، بعد أن استهدفا مؤخراً قطاعات السيارات والرقائق والتكنولوجيا الصينية

«الشرق الأوسط» (بكين)
تكنولوجيا شعار شركة «أوبن إيه آي» (رويترز)

متسللون يخترقون «أوبن إيه آي»... ويكشفون محادثات داخلية

تمكّن متسللون من اختراق أنظمة شركة «أوبن إيه آي» التي طورت برنامج الدردشة الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي «شات جي بي تي».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق روبوت ضخم لصيانة السكك الحديدية (رويترز)

روبوت ياباني ضخم لصيانة السكك الحديدية

أعلنت اليابان إطلاق روبوت ضخم بارتفاع 12 متراً صمم خصوصاً لصيانة خطوط السكك الحديدية.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
تكنولوجيا على الرغم من أنها لم تتفوق على «X» فإن «ثريدز» نجحت في بناء أساس متين ومجتمع إيجابي (شاترستوك)

عام على إطلاق «ثريدز»... هل تمكّن من منافسة «إكس»؟

يحتفل «ثريدز» بالذكرى السنوية لإطلاقه مع أكثر من 175 مليون مستخدم نشط شهرياً، فيما تبقى منافسته لـ«X» مثار جدل.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا يُعد «Exynos W1000» أول معالج من «سامسونغ» يطبق تقنية معالجة متقدمة مقاس 3 نانومتر (سامسونغ)

تعرّف على مزايا أول معالج من «سامسونغ» مخصص للساعات الذكية المقبلة

قبل أيام من حدث «Galaxy Unpacked»، تكشف «سامسونغ» عن معالج «إكسينوس W1000» المتوقع ظهوره لأول مرة في سلسلة «غالاكسي واتش».

نسيم رمضان (لندن)

اضطراب أكل يتعلّق بتركيبة الطعام أو لونه أو رائحته... ماذا نعرف عن «أرفيد»؟

ما الفرق بين «أرفيد» والنزق بالطعام؟ (رويترز)
ما الفرق بين «أرفيد» والنزق بالطعام؟ (رويترز)
TT

اضطراب أكل يتعلّق بتركيبة الطعام أو لونه أو رائحته... ماذا نعرف عن «أرفيد»؟

ما الفرق بين «أرفيد» والنزق بالطعام؟ (رويترز)
ما الفرق بين «أرفيد» والنزق بالطعام؟ (رويترز)

يرهق بعض الأولاد والديهم عندما يتعلق الأمر بالطعام، فمنهم من لا يتناول إلا أصنافاً محددة جداً، وأحياناً لا يتخطى عددها أصابع اليد الواحدة، ومهما حاول الأهل ترغيبهم أو ترهيبهم لتذوق أصناف جديدة يرفضون رفضاً قاطعاً.

ووفق تقرير لشبكة «سي إن إن»، عندما كانت هانا تبلغ من العمر 7 سنوات، أخبرت والديها أنها لا تريد أن تخاف من الطعام بعد الآن.

لقد توقفت عن الرغبة في الذهاب إلى فتيات الكشافة وحفلات أعياد الميلاد والمطاعم والاحتفالات العائلية وحتى مائدة العشاء. قالت والدتها ميشيل لـ«سي إن إن»، إن الطعام كان في كل مكان؛ ما سبّب لها كثيراً من القلق.

لاحظت ميشيل ذلك لأول مرة عندما حاولت تحويل الطفلة هانا من الحليب الصناعي إلى الحليب والمواد الصلبة، لكن هانا رفضت. في كثير من الأحيان، كانت تغلق شفتيها أو تبصق الطعام الذي قُدّم إليها.

مع تقدمها في السن، كانت لدى هانا قائمة تضم نحو خمسة أطعمة تأكلها، وكانت محددة.

وتبلغ هانا الآن 8 سنوات، وتتلقى العلاج من اضطراب تجنّب أو تقييد تناول الطعام، أو اضطراب الأكل التحسسي أو «أرفيد»(ARFID).

وشرحت كيت دانسي، المديرة السريرية لمركز اضطرابات الطعام: على عكس اضطرابات الأكل، مثل: فقدان الشهية أو الشره المرضي العصبي، لا يتعلّق بشكل الجسم أو حجمه.

وبدلاً من ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون اضطراب «أرفيد» محدودون للغاية في الأطعمة التي يشعرون بالأمان والراحة في تناولها، وفقاً لدانسي.

بالإضافة إلى كونهم من الأشخاص الذين «يصعب إرضاءهم»، فإن هذا الاضطراب يمكن أن يكون منهكاً، ويسبّب مشكلات صحية طويلة الأمد.

واضطراب «أرفيد» جديد، ولم يُضف إلا إلى الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، DSM - 5. في عام 2013. (الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية هو الدليل الذي يستخدمه متخصصو الرعاية الصحية بوصفه دليلاً رسمياً في تشخيص الاضطرابات العقلية).

قال الدكتور ستيوارت موراي، الأستاذ المساعد في الطب النفسي: «أود أن أسمي (أرفيد) اضطراب الأكل الصامت، لأنه منتشر للغاية، ولكنه الأقل دراسة، والأقل اضطراباً الذي يجري الحديث عنه، وهو الأقل تمويلاً على مستوى البحث الفيدرالي».

إليك ما يريد الخبراء أن تعرفه عن «أرفيد»

ما «أرفيد»؟

وقال موراي إنه بدلاً من تقييد السعرات الحرارية أو المحتوى الغذائي، فإن الأشخاص الذين يعانون اضطراب «أرفيد» غالباً ما يحدون من طعامهم من خلال التفضيلات الحسية أو التركيبية.

وأضاف: «هذا هو المكان الذي يقيّد فيه الشخص عادة تنوع الطعام وحجمه، لأن لديه معتقدات منهكة بصورة لا تُصدق حول تركيبة الطعام. من الأمثلة على ذلك عدم تناول أي أطعمة ذات ملمس معين، أو رائحة معينة، أو نكهة معينة، أو حتى علامة تجارية معينة من الطعام».

وأعطى مثالاً بأنه في بعض الحالات، كان لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب «أرفيد» تجربة مؤلمة مع الطعام، مثل الاختناق؛ ما يدفعهم إلى مزيد من اليقظة عند تناول الطعام. وفي أحيان أخرى، يبدو أن الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة لديهم رغبة منخفضة في تناول الطعام وقلق شديد بشأنه.

وقال موراي إن الخوف من تغيير نوع الشخصية قد يُسهم أيضاً في ظهور أعراض «أرفيد».

هل «أرفيد» مثل النزق بالطعام؟

وفق دانسي فإن كثيراً من الأطفال انتقائيون، ويحاولون التوقف عن تناول بعض الخضراوات أو غيرها من الأطعمة، لكن هذا ليس مثل «أرفيد».

وأشارت إلى أن إحدى الطرق لاكتشاف الفرق هي مستوى الضعف والقلق الذي يأتي مع مواجهة طعام جديد.

وأضافت: «قد يتمكّن الشخص الذي يصعب إرضاءه من تناول طعام معين في طبقه، أو حتى تناول القليل منه، أما الشخص المصاب بـ(أرفيد) لن يتمكن من تناول أي شيء في الطبق إذا كان هناك طعام يُعدّ غير مقبول بالنسبة إليه».

وقالت دانسي إن الأمر لا يقتصر على حفنة من الأطعمة التي لن يأكلها الأشخاص المصابون بـ«أرفيد». وأضافت أنه في كثير من الأحيان، سيكون لدى الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة قائمة تضم ما لا يقل عن 5 أو 10 أطعمة يشعرون بالراحة عند تناولها.

وشرح موراي أن اليقظة الأكبر بشأن التذوق قد تأتي أيضاً مع «أرفيد»، ويمكن لكثير من الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة معرفة الاختلافات الصغيرة، مثل ما إذا كانت العلامة التجارية لصلصة المعكرونة قد غُيّرت، وقال: «هذا في حد ذاته يمكن أن يكون منهكاً للآباء».

العلاقة الجيدة مع الطعام أمر أساسي

وقال موراي إن هذه الحالة تبدأ غالباً في مرحلة الطفولة، لكن «أرفيد» يمكن أن يؤثر في الأشخاص من جميع الأعمار. ويمكن للناس أن يواجهوا العواقب طوال حياتهم.

وقال: «يمكن للأطفال أن يسقطوا من منحنى نموهم بسرعة كبيرة، ويمكن أن تصبح غير متوازنة من الناحية الأيضية والغذائية بسرعة كبيرة، وبالتالي فإن التأثيرات الطبية عميقة جداً».

ولقد اختبرت هانا هذا قبل أن تبدأ العمل مع أحد متخصصي «أرفيد». وكانت تواكب النمو المتوقع وزيادة الوزن بالنسبة إلى عمرها. ولكن مع عدم وجود ما يكفي من الغذاء في نظامها، توقف نموها، على حد قول ميشيل.

وقال موراي إنه في بعض الحالات يمكن أن يؤدي تقييد تناول الطعام إلى فقدان الوزن أو دخول المستشفى.

ووفق دانسي: «في أي نوع من المشكلات النفسية، يكون (مؤشر المشكلة) دائماً عندما يؤثر في الطفل والأسرة»، وقالت: «عندما يكون التأثير كبيراً، عندها نشعر بالقلق».

ما نستطيع فعله

وقال موراي إنه على الرغم من أن الباحثين ما زالوا بحاجة إلى تعلّم كثير عن «أرفيد»، فإن هناك موارد متاحة، موضحاً أن «أول شيء يجب أن نعرفه هو أن التدخل المبكر أفضل؛ لأن قائمة الأطعمة المتجنّبة يمكن أن تتزايد بصفة كبيرة».

لا توجد بيانات كثيرة حول ما إذا كان الدواء مفيداً، ولكن العلاج -بما في ذلك العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج السلوكي المعرفي- ساعد كثيراً من الأشخاص.

وشرح موراي أن علاج «أرفيد» يتضمّن عادة التعرض الموجه للأطعمة، حتى يتمكّن الشخص من إعادة تعلم الارتباطات مع تلك الأطعمة وعدم تجنبها في النهاية.

في المنزل، هناك أشياء يمكن للعائلات القيام بها لدعم طفل مصاب بـ«أرفيد» بصورة أفضل، مثل إعطاء الأولوية للتأكد من حصول الطفل على ما يكفي من السعرات الحرارية، قبل التركيز على توسيع التنوع، كما تقول الدكتورة نيكول ستيتلر، المديرة التنفيذية السريرية لخدمات التعافي من اضطرابات الأكل في «روجرز» للصحة السلوكية.

يمكنك أيضاً إعطاء طفلك أدوات مثل أجهزة ضبط الوقت أو التذكيرات المرئية لتناول الطعام، وتجربة «التسلسل الغذائي»، وهي استراتيجية تجمع بين الأطعمة الجديدة والأطعمة التي يعرف بالفعل أنه يحبها.

وأضاف موراي، بصفتنا عائلة ومقدمي رعاية لشخص مصاب بـ«أرفيد»، من المهم أن نتذكر أنهم لا يحاولون أن يكونوا متعنتين على الرغم من أنه قد يكون من المحبط أن تشعر بأن النجوم يجب أن تتماشى مع وقت تناول الطعام بسلاسة.

وقال: «إنه أمر محبط حقاً؛ لأن النجوم لا تصطف في معظم الأوقات، ولا أعرف الصيغة التي تجعله يأكل. ومع ذلك، فإنه أمر ضار حقاً لأي طفل يعاني أي اضطراب نفسي أن يشعر بالعقاب بسبب ذلك؛ لذلك من المهم حقاً عدم العقاب واعتماد موقف داعم بين الوالدين».

وقالت ميشيل إنه بعد خمسة أشهر من العلاج، تدفع هانا نفسها إلى تجربة أشياء جديدة في كثير من الأحيان وتناول ثلاث قضمات لمنحها فرصة كاملة.

وأكدت أن ثقتها بنفسها زادت، وأصبحت أكثر فضولاً، وزادت قائمة «الأطعمة الآمنة» الخاصة بها بمقدار 11 صنفاً.

وأضافت: «هدفنا هو إيصالها إلى مكان جيد... حتى تتمكن مع تقدّمها في السن، من الحصول على الأدوات التي تحتاج إليها».