النظرة النمطية للجنسين وأثرها النفسي

دراسة جديدة تحذر من «قولبة تصرفات الأطفال والمراهقين»

النظرة النمطية للجنسين وأثرها النفسي
TT

النظرة النمطية للجنسين وأثرها النفسي

النظرة النمطية للجنسين وأثرها النفسي

تُمثل الصورة النمطية عن الفروق بين الجنسين (Gender stereotypes) في طريقة التعبير عن الألم النفسي والعاطفي نوعاً من العبء الإضافي على المراهقين والأطفال، يؤدي إلى مشكلات نفسية معقدة، ربما تحتاج إلى تدخل طبي، وذلك لكثير من الأسباب، حسب أحدث دراسة لعلماء من جامعة إكستر (University of Exeter) بالمملكة المتحدة، حذّرت من خطورة وضع قوالب معينة لتصرفات الأطفال والمراهقين.

الاضطراب العاطفي والنفسي

أوضح الباحثون أن المجتمع في الأغلب يكون أكثر تسامحاً مع الفتيات فيما يتعلق بالتعبير عن مشاعرهن النفسية والعاطفية بوضوح وسهولة، بينما يتوقع من الذكور أن يكونوا أكثر قوة نفسية وصلابة عاطفية. وهذا يضع ضغوطاً إضافية على الطفل الذكر في حالة تعرضه لضائقة نفسية أو مخاوف وقلق بشكل عام، لأنه يعاني من إحساس مضاعف بالضعف، خاصة في مجتمعات معينة، وهو الأمر الذي يضع هؤلاء الأطفال ضمن مجموعة المعرضين لخطر احتمالية الإصابة (risk group) بالأمراض النفسية.

قال العلماء إن الآثار السلبية لهذه الصورة النمطية ليست قاصرة على الذكور فقط، ولكن تشمل الفتيات أيضاً. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تصبح مظاهر الاضطراب العاطفي والنفسي مثل البكاء أو إيذاء النفس خاصة بالإناث فقط (تأنيثية - feminised) وبالتالي لا يتم التعامل مع هذه الأعراض بالاهتمام الكافي حينما تصدر من فتاة على اعتبار أنها سلوك طبيعي ولا يوجد داعٍ للتعامل معها بجدية طبية. ولذلك، يجب أن يتم تغيير هذه المفاهيم لحماية المراهقين جميعاً.

أجرى الباحثون الدراسة في عام 2022 (وكانت جائحة كورونا والعزلة الاجتماعية أثرت على المراهقين بشكل بالغ السلبية)، على طلاب مدرستين من المدارس الثانوية المختلطة في المملكة المتحدة، وقاموا بسؤال التلاميذ سؤالاً محدداً. وهو: «هل تعتقد أن الذكور والإناث يتعاملون مع المشكلات النفسية بنفس الطريقة؟». وكانت إحدى هذه المدارس تقع في منطقة ريفية يغلب عليها السكان البيض من الطبقة المتوسطة، بينما كانت الأخرى تقع في منطقة حضرية يغلب عليها السكان البيض أيضاً، ولكن من الطبقة العاملة.

كانت هذه الأسئلة موجهة للطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، وإلى العاملين في المدرسة أيضاً، سواء من الموظفين أو هيئة التدريس، التي تمثلت في مدرسي الفصول الدراسية ومدير المدرسة، والإخصائي الاجتماعي أيضاً. وشملت الأسئلة الإناث والذكور ومتحولي الجنس أيضاً بحيث تكون معبرة عن المجتمع المدرسي بشكل كامل.

مشاعر الإناث والذكور

أظهرت النتيجة أن معظم المشاركين، وعددهم 43 من أصل 52 شملهم الاستطلاع، قالوا إن الفتيات والفتيان يعبرون عن مشكلاتهم النفسية بطرق مختلفة بسبب الصور النمطية التي ترى أن الفتيات في الأغلب منفتحات بخصوص التعبير عن مشاعرهن، بينما الأولاد في الأغلب يحاولون إخفاء هذه المشاعر، إما بالصمت وإما الانخراط في أعمال عنف وتحدٍ للنظام العام في المدرسة.

في إجابات الأسئلة، قالت إحدى الطالبات: «أشعر أن الفتيات أكثر ميلاً للتحدث بعضهن مع بعض حول مشكلات الصحة النفسية، لأن ذلك لا يتطلب قمعاً للعواطف». وهذه الإجابة توضح تساهل المجتمع مع شعور الفتيات بالضعف الإنساني والاضطراب النفسي، لأن هذا التصرف يُعد متوافقاً مع التصور المسبق عنهن.

وقالت طالبة أخرى إن الأولاد لا يفعلون ذلك، وبالكاد يخبرون أي شخص بأي شيء لا يريدون التحدث عنه، لأنهم يشعرون أنه سيتم النظر إليهم باعتبارهم متخاذلين وضعفاء، وسيقال لهم عبارات مثل «الرجال لا يبكون»، أو «متى تصبح رجلاً». وهو ما يفسر بوضوح نظرة المجتمع للذكر وضرورة سيطرته على مشكلاته النفسية.

بالنسبة لأعضاء هيئة التدريس والموظفين، تكررت جمل مثل: «يجب أن يكون الرجل شجاعاً»، وأيضاً: «يجب أن يكون الرجل صلباً في مواجهة الشدائد». وعلى وجه التحديد باللغة الإنجليزية، تم ذكر جملة «man up» عدة مرات، وتحدث المشاركون عن التوقعات المستمرة والمزعجة بضرورة أن يُخفي الأولاد مشاعرهم، وكان هناك تصور عام بأن الفتيات يتمتعن بميزة على الذكور في تلقي الدعم النفسي من الآخرين.

وأوضح العلماء أن إظهار الفتيات لمشاعرهن يُعد نوعاً من الذكاء العاطفي، لأن ذلك يلفت النظر إلى حاجتهن للدعم النفسي، ويعتقد الموظفون والطلاب أن الفتيات أكثر نضجاً عاطفياً من الأولاد، وسيبحثن عن المساعدة عندما يحتجن إليها، وهو الأمر الذي يخفف من المشكلات النفسية بالفعل، بعكس المراهق الذكر.

وقال المشاركون إن مظاهر الاضطراب النفسي والعاطفي تظهر بشكل مختلف بين الفتيات والفتيان في المدرسة، وفي الأغلب تكون الفتيات أكثر عرضة للبكاء والوحدة والانسحاب المجتمعي، بعكس الفتيان الذين يصبحون أكثر عرضة للانخراط في سلوكيات تخريبية خارجة عن النظام وينتهجون سلوكاً عدوانياً في الأغلب ضد الآخرين.

أكد الباحثون أن النظرة النمطية تجعل الفتيات والفتيان «محصورين» داخل إطار معين للتعبير عن الألم النفسي، ما يؤدي إلى عدم الالتفات إلى كثيرين من الذين يحتاجون للدعم النفسي من الجنسين بشكل حقيقي، ولكن يتصرفون بشكل مختلف. وعلى سبيل المثال، فإن الفتاة التي يمكن أن تعاني نفسياً، وفي نفس الوقت لا تظهر عليها علامات الضعف والميل إلى البكاء، لا تتلقى الاهتمام الكافي، لأنها ليست مطابقة للمعايير المحددة سلفاً، والأمر نفسه يحدث مع المراهقين الذكور.

نصح الباحثون بضرورة التعامل مع المشكلات النفسية للمراهقين بشكل شخصي من دون تصور مسبق بعيداً عن جنسهم والتركيز على طبيعة الألم النفسي ومحاولة علاجه وتقديم الدعم، سواء صرح المراهق بذلك أو تظاهر بعدم الاحتياج.

* استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

إعلان الجوائز الأسبوع المقبل... 4 اكتشافات «مذهلة» كانت تستحق «نوبل» ولم تفز بها

علوم سيتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب الأسبوع المقبل (رويترز)

إعلان الجوائز الأسبوع المقبل... 4 اكتشافات «مذهلة» كانت تستحق «نوبل» ولم تفز بها

سيتم تسليط الضوء على أفضل العقول في مجال العلوم الأسبوع المقبل عندما يتم الإعلان عن جوائز «نوبل» في الفيزياء والكيمياء والطب.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

أشاد الأطباء بنتائج التجارب «المذهلة» التي أظهرت أن تركيبة دوائية جديدة أوقفت تقدم سرطان الرئة لوقت أطول بـ40 في المائة من العلاج التقليدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لا مانع من بعض العزلة للأطفال والحديث معهم عندما يكونون مستعدين لذلك (أرشيفية - وسائل إعلام أميركية)

طفلي لا يريد التحدث معي... ماذا أفعل؟

تنصح طبيبة نفسية بإعطاء الأطفال مساحتهم الخاصة عندما لا يريدون التحدث.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفريق أجرى جراحة كهربائية لعلاج انسداد القنوات الصفراوية بواسطة روبوتات مصغرة (المركز الألماني لأبحاث السرطان)

روبوتات بحجم المليمتر تنفذ عمليات جراحية دقيقة

حقّق باحثون في المركز الألماني لأبحاث السرطان إنجازاً جديداً في مجال الجراحة بالمنظار، حيث طوّروا روبوتات مصغرة بحجم المليمتر قادرة على تنفيذ جراحات دقيقة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك إجراء بسيط ينقذ الأطفال الخدج من الشلل الدماغي

إجراء بسيط ينقذ الأطفال الخدج من الشلل الدماغي

تجدد النقاش الطبي في جامعة «بريستول» حول إمكانية حماية الأطفال الخدج (المبتسرين) من المضاعفات الخطيرة للولادة المبكرة، أهمها على الإطلاق الشلل الدماغي (CP)

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)

تأثير الصدمات النفسية على الأطفال «أبدي»

صدمات الطفولة تؤلم مدى العُمر (جامعة كاليفورنيا)
صدمات الطفولة تؤلم مدى العُمر (جامعة كاليفورنيا)
TT

تأثير الصدمات النفسية على الأطفال «أبدي»

صدمات الطفولة تؤلم مدى العُمر (جامعة كاليفورنيا)
صدمات الطفولة تؤلم مدى العُمر (جامعة كاليفورنيا)

كشفت دراسة أميركية أنَّ التعرُّض للصدمات النفسية في مراحل مبكرة من الحياة قد تكون لها آثار طويلة الأمد على الصحة العقلية والجسدية تمتدّ لمدى الحياة.

وأوضح الباحثون في جامعتَي «كاليفورنيا» و«ميشيغان» أنّ التجارب الصادمة تفاقم احتمالية المعاناة من الألم الجسدي والاكتئاب والشعور بالوحدة في السنوات الأخيرة من الحياة، ما يؤثّر سلباً في جودة الحياة خلال تلك المرحلة، ونُشرت النتائج، الخميس، في دورية الجمعية الأميركية لطبّ الشيخوخة.

والصدمات النفسية هي تجارب مؤلمة أو مروّعة يتعرّض لها الأفراد، وتؤثر سلباً في صحّتهم النفسية والعاطفية. ويمكن أن تشمل مجموعة واسعة من المواقف، مثل الإيذاء الجسدي أو النفسي، وفقدان أحد الأبوين، والتعرّض لحادث خطير، أو حتى الظروف المعيشية القاسية.

وتؤدّي هذه التجارب إلى ردود فعل نفسية متعدّدة، مثل القلق، والاكتئاب، والاضطرابات السلوكية، وتؤثر في قدرة الشخص على التكيّف والتعامل مع الضغوط اليومية، مما قد ينعكس سلباً على نوعية حياته بشكل عام.

واستندت النتائج إلى دراسة متابعة أجريت على نحو 6500 أميركي تجاوزوا سنّ الخمسين، وتوفوا بين عامي 2006 و2020.

وطُلب من المشاركين الإجابة على استبيان يتناول تجاربهم مع 11 نوعاً من الصدمات، بالإضافة إلى رفاهيتهم النفسية والاجتماعية. وكشفت المقابلات النهائية مع أفراد أسرهم أو من يتولّون شؤونهم القانونية عن معلومات حول الأعراض التي عانوها في السنة الأخيرة من حياتهم.

وأوضحت النتائج أنّ الصدمات التي يتعرّض لها الإنسان في الطفولة، خصوصاً الإيذاء الجسدي من الوالدين، ترتبط بشكل كبير بزيادة الألم والأعراض النفسية، مثل الاكتئاب والوحدة في المراحل الأخيرة من العُمر.

كما وجدوا أنّ المشاركين الذين لم يتعرّضوا لصدمات كانوا أقل عرضة للألم أو الوحدة في نهاية حياتهم، إذ كانت نسبة تعرّضهم للألم الشديد أو المتوسط 46 في المائة، والشعور بالوحدة 12 في المائة، مقارنةً بـ60 في المائة و22 في المائة على التوالي لدى مَن تعرّضوا لـ5 أحداث صادمة أو أكثر.

وأشاروا إلى أنّ هذه النتائج تؤكد أهمية النظر إلى حاجات المرضى في نهاية حياتهم من خلال «عدسة الصدمات النفسية»، إذ إنّ الأحداث الصادمة في الطفولة قد تكون لها تأثيرات تمتدّ عبر مراحل الحياة، وتؤدّي إلى العزلة الاجتماعية والعاطفية، والعادات الصحّية السيئة، وزيادة التعرّض لصدمات لاحقة.