يحتفل العالم يوم 28 فبراير (شباط) من كل عام، باليوم العالمي للأمراض النادرة، لرفع مستوى الوعي بين أفراد الجمهور وصانعي القرار والباحثين والمهنيين الصحيين وأي شخص لديه اهتمام حقيقي بالأمراض النادرة وتأثيرها على حياة المرضى. تم الاحتفال بأول يوم في عام 2008 في 29 فبراير (شباط)، وهو تاريخ «نادر» يحدث مرة واحدة فقط كل أربع سنوات، وعليه تم اعتماد اليوم الأخير من هذا الشهر كونه شهرا معروفا باحتوائه عددا «نادرا» من الأيام.
إن بناء الوعي بالأمراض النادرة مهم للغاية لأن واحدا من كل 20 شخصًا سيعيش مع مرض نادر في مرحلة ما من حياته. ولا يوجد علاج لغالبية الأمراض النادرة والعديد منها لا يتم تشخيصه، وتزيد هذه الحقيقة كثيرا من الألم والمعاناة لدى المرضى وأسرهم.
تحدث إلى «صحتك» البروفسور أ.د. كمال وهيب الغلاييني أستاذ واستشاري أمراض القلب وكيل كلية الطب جامعة الملك عبد العزيز وتخصص دقيق في علاج ضعف عضلة القلب والضغط – فقال إنه بين يوم وليلة أصبح العالم لا يرى إلا كورونا لدرجة أن النظام الصحي في الدول تحول إلى هدف أوحد للسيطرة على الوباء المفاجئ. ولكن ومع مرور الوقت بدأ يتضح للمجتمع الطبي أن الأمراض الأخرى المزمنة لم تختف أو تقل الإصابة بها بل حدث العكس تماما حيث زادت معدلات الضغط والسكر وأمراض القلب وغيرها من الأمراض التي تحتاج إلى متابعة دورية بسبب انشغالنا في محاربة الوباء.
- أمراض القلب النادرة
وماذا عن أمراض القلب النادرة؟ يجيب البروفسور الغلاييني: إن أمراض القلب تتنوع وتنقسم إلى أنواع وأقسام عديدة بحيث تشمل النفسي والعضوي والمزمن والحاد والخطير والبسيط والشائع والنادر. أما أمراض القلب النادرة فقد حظيت باهتمام ملموس في الأوساط الطبية مؤخراً، وأصبحت تخصصا متميزا يجري البحث فيه عن الجديد في التشخيص والعلاج.
ومن أبرز هذه الأمراض النادرة حالة مزمنة تصيب القلب بضعف في مهامه تؤدي إلى فشل في وظائف القلب ينتج عنه تجمع سوائل في أنحاء الجسم خاصةً في الرئتين والأرجل يصعب معها التحرك بسبب الثقل والضعف العام وصعوبة التنفس، وقد تصل الحالة في النهاية إلى الوفاة. هذا المرض ينتج عن ترسب مادة عضوية يفرزها الجسم في أنسجة القلب سواء العضلة أو الصمامات، تتوغل ببطء شديد حتى يبدأ المريض بملاحظة انخفاض الضغط تدريجيا، فيقوم الطبيب هنا بتقليل علاج الضغط حتى يتوقف تماما ومن ثم تظهر الأعراض التي أشرنا إليها سابقا، تدريجيا.
هذا المرض النادر هو أمايلويد القلب amyloidosis of the heart، ويحظى باهتمام أطباء القلب المتخصصين نتيجة ظهور آلية مرنة وسهلة نسبيا للتشخيص وكذلك الوصول إلى علاج حديث يسيطر على المرض والأعراض والحالة بشكل عام.
وينضم هذا المرض للعديد من الأمراض النادرة التي يخصص لها المجتمع العلمي العالمي أسبوعا عالميا سنويا بهدف التوعية بهذه الأمراض وكل ما هو جديد فيها. ولنتذكر أن الوقاية خير من العلاج، وذلك بتجنب عوامل الخطورة من ارتفاع ضغط الدم وارتفاع سكر الدم ودهون الدم والتدخين.
- أمراض نادرة جدا
وفقاً لمنظمة الأمراض النادرة (NORD)، يوجد نحو 350 مليون شخص مصاب بمرض نادر في جميع أنحاء العالم من الرجال والنساء والأطفال وكبار السن. في الولايات المتحدة، يعتبر المرض نادرًا إذا أصاب أقل من 200.000 من السكان، وهناك 25 - 30 مليون أميركي يعيشون مع مرض نادر.
والعديد من الأمراض النادرة تؤدي إلى الوفاة المبكرة للرضع أو قد تكون قاتلة في مرحلة الطفولة المبكرة. وجميع سرطانات الأطفال نادرة، وهناك أكثر من 500 نوع من السرطانات النادرة، وأكثر من 90 في المائة من الأمراض النادرة لا تزال بدون علاج معتمد من إدارة الغذاء والدواء الأميركية.
هناك أكثر من 6000 مرض نادر ومزمن تم تحديده حول العالم، تقدمي، تنكسي، معطل وكثيرا ما يهدد الحياة، تتميز بتنوع واسع من الاضطرابات والأعراض التي لا تختلف فقط من مرض إلى آخر ولكن أيضًا من مريض لآخر يعاني من نفس المرض.
يمكن أن تخفي الأعراض الشائعة نسبيًا أمراضا نادرة كامنة فتؤدي إلى التشخيص الخاطئ وتأخير العلاج. وتتأثر جودة حياة المرضى بنقص أو فقدان الاستقلالية بسبب الجوانب المزمنة والتقدمية والتنكسية والمهددة للحياة من المرض بشكل جوهري.
تؤثر الأمراض النادرة حاليًا على 3.5 في المائة - 5.9 في المائة من سكان العالم، ما يعادل عدد سكان ثالث أكبر دولة في العالم، الولايات المتحدة، و72 في المائة من الأمراض النادرة وراثية والبعض الآخر ناتج عن عدوى (بكتيرية أو فيروسية) أو حساسية وأسباب بيئية أو تنكسية وتكاثرية، 70 في المائة من تلك الأمراض الوراثية النادرة تبدأ في الطفولة.
- أكثر الأمراض ندرة
وتم تحديد أكثر خمسة أمراض ندرةً في العالم. والتعرف على هذه الأمراض ونشر الوعي حولها يمكن الأفراد بشكل حاسم من فهم ما إذا كانوا يعانون من شيء منها ويمكنهم علاجه. وهناك العديد من الأمراض النادرة دون علاج في هذه المرحلة الزمنية، بسبب قلة العلماء المشاركين في الدراسات العلمية. وسوف نسرد هنا خمسة أمراض نادرة تحتاج إلى مزيد من البحث العلمي والتمويل والفهم العام.
> متلازمة ستونمان (Stoneman Syndrome). تصيب واحدا من كل مليوني شخص، عبارة عن خلل يصيب النسيج العضلي الليفي تدريجيا، ويحول، ببطء، النسيج الضام مثل الأوتار والعضلات والأربطة إلى عظم. يبدأ تطور الاضطرابات من الرقبة إلى الكتفين، ثم ينتقل تدريجياً إلى الأجزاء السفلية من الجسم وأخيراً إلى الساقين. ثم يتم تقييد حركات الجسم بشكل تدريجي فيجد المريض صعوبة في فتح الفم مما يسبب في دوره مشاكل أثناء الأكل والتحدث.
يمكن للأفراد الذين يعانون من هذه المتلازمة أن يفقدوا قدرتهم على الحركة بعد سقوط طفيف أو حادث بسيط، حيث يتم تحفيز نمو العظام. نظرًا لأن هذا الاضطراب نادر جدًا، فقد تشخص أعراض هذا الاضطراب على أنها تليف أو سرطان. سيؤدي التشخيص الخاطئ إلى خزعات - مما يعرض الفرد لمزيد من الخطر. لا توجد خيارات علاجية لهذه الحالة حاليًا.
> متلازمة أليس في بلاد العجائب (Alice In Wonderland Syndrome). وصفت لأول مرة في عام 1955، واقتبس اسمها من الرواية الشهيرة التي كتبها لويس كارول، حيث يشبه المرض الأحداث التي مرت بها أليس. والعرض الأكثر بروزًا والأكثر إزعاجًا هو تغير صورة الجسم: سيجد المريض أنه مرتبك من حيث حجم وشكل أجزاء الجسم. والأجزاء المذكورة عادة هي الرأس واليدين. يبدو النمو أكثر شيوعًا من الانكماش.
أما العرض الرئيسي الثاني فهو تشويه الإدراك البصري. العيون نفسها طبيعية، لكن المريض «يرى» الأشياء ذات الحجم أو الشكل الخطأ و/ أو يجد أن المنظور غير صحيح. قد يعني هذا أن الأشخاص أو السيارات أو المباني تبدو أصغر أو أكبر مما ينبغي، أو أن المسافات تبدو غير صحيحة. على سبيل المثال، قد يبدو الممر طويلًا جدًا، أو قد تبدو الأرض قريبة جدًا. لا يوجد علاج للهذه المتلازمة.
> متلازمة هتشينسون جيلفورد بروجيريا (Hutchinson - Gilford Progeria Syndrome). تصيب واحدا من كل أربعة ملايين. تم الإبلاغ عن أكثر من 130 حالة في الأدبيات العلمية على مستوى العالم منذ عام 1886. وهي عبارة عن اضطراب وراثي نادر للغاية حيث تشبه الأعراض جوانب الشيخوخة في سن مبكرة جدًا. وعادة ما يعيش أولئك الذين ولدوا بالمتلازمة حتى منتصف سن المراهقة إلى أوائل العشرينات.
تعني هذه الحالة الوراثية أن هناك ظهورا سريعا ومذهلا للشيخوخة. والمظهر المميز للوجه يشمل العيون البارزة، والأنف رفيع المنقار، والشفتين الرفيعتين، والذقن الصغير وأذنين بارزين. وتشمل الأعراض: الثعلبة (تساقط الشعر)، جلد متقدم في العمر، تشوهات المفاصل، فقدان الدهون تحت الجلد، فشل كلوي، فقدان البصر، هشاشة العظام. لا يوجد علاج معروف حاليًا.
> الكابتونيوريا (Alkaptonuria). «بيلة الكابتون»، أو مرض «البول الأسود»، يصيب واحدا من كل مليون شخص على مستوى العالم. هو اضطراب وراثي نادر جدًا يمنع الجسم من التكسير الكامل لاثنين من الأحماض الأمينية هما تيروسين والفينيل ألانين. ينتج عنه تراكم مادة كيميائية في الجسم تسمى حمض هوموجنتيسيك. وهذا يمكن أن يحول البول وأجزاء من الجسم إلى لون غامق ويؤدي إلى مجموعة من المشاكل مع مرور الوقت.
عادة ما يتم تكسير الأحماض الأمينية في سلسلة من التفاعلات الكيميائية. ولكن في بيلة الكابتون، لا يمكن تفكيك المادة المنتجة بسبب حمض الهوموجنتيسيك. يمكن أن يتراكم في أي منطقة من الجسم تقريبًا، بما في ذلك الغضاريف والأوتار والعظام والأظافر والأذنين والقلب. يصبغ الأنسجة داكنة ويسبب مجموعة واسعة من المشاكل. الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة لديهم متوسط عمر متوقع طبيعي، ولكن نوعية الحياة أقل. لا يوجد حاليًا علاج محدد، ولكن يوصى باتباع نظام غذائي معين لتقليل التراكم.
> التهاب الدماغ البؤري المزمن - راسموسن (Chronic Focal Encephalitis، Rasmussen’s Encephalitis). تسجل في ألمانيا 2.4 حالة لكل 10 ملايين شخص، وفي المملكة المتحدة 1.7 حالة لكل 10 ملايين شخص. يحدث عادةً عند الأطفال دون سن العاشرة (نادرًا ما يصيب المراهقين والبالغين) ويتميز بنوبات صرع متكررة وحادة، وفقدان المهارات الحركية والكلام، وشلل نصفي بجانب واحد من الجسم، والتهاب في الدماغ وتدهور عقلي. يمكن أن يؤدي إلى تدمير أو إزالة جزء من دماغ الطفل المصاب.
يعاني معظم الأفراد المصابين بالتهاب دماغ راسموسن من نوبات متكررة وتلف دماغي تدريجي في نصف الكرة المخية المصاب على مدار أول 8 إلى 12 شهرًا، ثم يدخلون في مرحلة من العجز العصبي الدائم والمستقر. هناك علاجات لتقليل التهاب الدماغ في المرحلة الحادة، ولكن لا يوجد علاج للوقاية من الإعاقة في نهاية المطاف.
- استشاري طب المجتمع