الاكتشاف المبكر للصدمات النفسية يساعد في حلها

برصد الأحداث المؤلمة لدى الأطفال

الاكتشاف المبكر للصدمات النفسية يساعد في حلها
TT

الاكتشاف المبكر للصدمات النفسية يساعد في حلها

الاكتشاف المبكر للصدمات النفسية يساعد في حلها

كشفت أحدث دراسة نفسية نُشرت في منتصف شهر مارس (آذار) من العام الحالي في «مجلة القلق الناتج عن الصدمات» (Journal of Traumatic Stress)، عن أهمية الرصد المبكر عن الأحداث المؤلمة (traumatic events) في حياة الأطفال للحفاظ على صحتهم النفسية وحمايتهم من المشكلات النفسية والجسدية المترتبة على آثار هذه الصدمات.

وعن طريق عمل مسح لحدوث صدمات معينة في حياة الطفل يمكن التعرف على أولئك المعرّضين منهم للخلل العقلي. ويمكن أن يساهم هذا الإجراء الوقائي في حماية ما يقرب من ربع مليون طفل كل عام في الولايات المتحدة فقط.

صدمات واستجابات

أوضح الباحثون من كلية ولاية بنسلفانيا للصحة (Penn State College of Health) ومعهد صحة الطفل، أن الأطفال يستجيبون للمشكلات المختلفة بشكل مختلف بغض النظر عن نوع هذه الصدمات، سواء كانت سوء معاملة الوالدين، أو التعرض للعنف الجسدي والتنمر والاعتداء الجنسي، والإهمال والفقد أيضاً، بمعنى أن بعض الأطفال تظهر عليهم الأعراض بسهولة من حزن وغضب وبكاء وسلوك عنيف، رفضاً للبقاء مع شخص معين أو في مكان معين، كما يظهر لديهم تراجع في الأداء الدراسي وغيره. أما البعض الآخر فلا يستطيع التعبير عن نفسه وآلامه بسهولة. ولكن الطبيب النفسي يستطيع تحديد الأعراض التي لا تكون بنفس الوضوح للشخص العادي، لذلك يجب أن يكون هؤلاء هم المستهدفون من عمل ما يشبه عملية مسح لحدوث الصدمات.

وأظهرت الدراسة أن طرح عدد صغير من الأسئلة حول الصدمة (trauma symptoms) في أثناء عملية تقييم صحي ونفسي روتيني للطفل، أدى إلى تحديد أفضل لأعراض الصدمة وتوصيات مفيدة للمراكز التي تتعامل مع «كَرَبْ ما بعد الصدمة» وأثره. وتوضع الأسئلة على شكل استبيان فحص مكون من 10 عناصر يقيس التعرض للصدمات وأعراض اضطراب ما بعد الصدمة لدى الأطفال.

وهذه المعلومات التي يتم جمعها من الطلاب يمكن الاحتفاظ بها بوصفها سجلاً نفسياً لكل طالب يمكن الرجوع له بعد ذلك في حالة حدوث سلوك غير معتاد للطفل. وعلى سبيل المثال للأطفال المفعمين بالنشاط والمرح الذين تحولوا بشكل مفاجئ إلى وضع الخمول وعدم الرغبة في عمل نفس الأشياء المفضلة لهم.

قام الباحثون بمراجعة البيانات النفسية والطبية بشكل عام للأطفال في ولاية كونيتيكت الأميركية في الفترة من يوليو (تموز) 2013 وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2014، قبل تنفيذ الفحص النفسي للكشف عن الصدمات، ثم بعد ذلك قاموا بفحص بيانات في الفترة من أكتوبر 2015 وحتى مارس (آذار) 2016 بعد تطبيق نظام الكشف النفسي عن الصدمات في جميع أنحاء الولاية. وفي المجمل، قام الباحثون بفحص 70 من البيانات طبية في الفترة السابقة لعمل المسح النفسي، وقاموا بفحص 100 من البيانات الطبية بعد تطبيق نظام المسح النفسي للكشف عن الصدمة، وكان عمر الأطفال يتراوح بين السادسة والسابعة عشرة.

الرصد المبكر

أظهرت النتائج أن الأطفال الذين خضعوا للكشف المبكر عن احتمالية وجود مشكلات نفسية في حياتهم تلقوا معاملة أفضل في مراكز الرعاية الخاصة، وتم التعامل مع احتياجاتهم النفسية تبعاً لأعراضهم. وقال الباحثون إنه تبعاً لنتائج الدراسة فقد ساعد التقييم النفسي في لفت النظر إلى مشاكل هؤلاء الأطفال والمراهقين، وهو الأمر الذي كان من الممكن إغفاله إذا لم يتم المسح حتى لو كان الطفل قد انفصل بالفعل عن مصدر الخطر (مثل وضع الطفل في دار رعاية إذا تعرض لمعاملة سيئة في المنزل أو في حالة أن تمثل البيئة خطراً على حياته كما هو معتمد في الدول الغربية)؛ لأن بعض الأطفال يتصرفون بشكل طبيعي على الرغم من معاناتهم.

وذكر العلماء أن الأسئلة التي تقيّم أعراض الصدمة النفسية للطفل التي تم استخدامها في الدراسة تمت ترجمتها إلى عدة لغات ولهجات حتى يمكن الاستفادة منها، ويقوم باستخدامها بالفعل العديد من الدول، وأيضاً أنظمة رعاية الأطفال في عدة ولايات ومناطق محلية متعددة تقطنها أقليات في الولايات المتحدة؛ لأن من المهم الوصول إلى لغة سهلة يمكن للطفل أن يعبر عن مشاعره الحقيقية دون خوف أو خجل حتى يمكن معرفة نوعية الصدمة التي يعاني منها على وجه الدقة وتحويله إلى مركز الرعاية المناسب له.

أكد العلماء أن الفحص المبكر هو آلية وقائية يمكنها حماية الأطفال الذين يعانون في صمت دون أن يشعر بهم أحد وتقديم الدعم والتواصل المستمر لهم مع المسؤولين عن الصحة النفسية وتعديل السلوك وغيرها من الخدمات الطبية بما فيها الرعاية العضوية لضحايا الاعتداء البدني والجنسي.

ولكن لسوء الحظ، لا يتم استخدام الفحص المبكر عن ضحايا الصدمات بشكل شائع في العديد من البلدان، لذلك لا بد من إقامة دورات تدريبية للبالغين الذين يتعاملون مع الأطفال، مثل المدرسين في المدارس، ومدربي الأندية والإخصائيين الاجتماعيين.

وحذر الباحثون من خطورة عدم الاهتمام بـ«كرب ما بعد الصدمة» في حياة الطفل والتعامل معه كأي مشكلة نفسية أخرى، أو على أنه مشكلة صحية طارئة. وقالوا إن الخدمات والدعم النفسي المقدم لهؤلاء الأطفال الذين كشفت عنهم العمليات المسحية لا يزالان قليلَين وغير كافيَين خاصة في دولة يتوفر بها نظام صحي متميز ورعاية نفسية جيدة. ومن المؤكد أن الأمور يمكن أن تكون أسوأ في البلدان الأخرى؛ ما يعني أن صحة المراهقين النفسية في خطر، خاصة مع التعرض لضغوط نفسية كبيرة جعلت الانتحار خطراً محتمل الحدوث للعديد من المراهقين.

في النهاية لفتت الدراسة النظر إلى ضرورة الاهتمام بالصحة النفسية للأطفال والمراهقين؛ لأنهم في الأغلب لا يكونون قادرين على الحديث عن مشكلاتهم النفسية للعديد من الأسباب، ويحتاجون إلى المساعدة والدعم النفسي.

• استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام
TT

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

مؤشرات وزن الجسم

يستخدم «مؤشر كتلة الجسم» BMI الذي يحسب مقدار وزن الجسم بالكيلوغرامات، مع الأخذ بالاعتبار مقدار طول الجسم بالمتر، ليعطينا «رقماً» يفصل بين 3 حالات: الحالة الطبيعية، وزيادة الوزن، والسمنة.

ونلجأ كذلك إلى قياس «محيط الخصر» WC بعدد السنتيمترات بوصفه «رقماً» يميز وجود سمنة البطن من عدم ذلك.

في السنوات الأخيرة ازداد ظهور أمراض ذات صلة بالسلوكيات غير الصحية في نمط عيش الحياة اليومية، وعادات الأكل السيئة، وتداعيات التقدم التكنولوجي الذي يفصل الناس عن ممارسة النشاط البدني. وقد ثبت تجريبياً أن العواقب الصحية السلبية لذلك تنمو على مستوى العالم بمعدل مثير للقلق. وهي تشمل السمنة Obesity، ومرض السكري من النوع 2، وأمراض القلب.

وإلى جانب ظهور «أمراض نمط الحياة» هذه، هناك انتشار زائد لمتلازمة التمثيل الغذائي Metabolic Syndrome، وهي مجموعة من الاضطرابات الأيضية في العمليات الكيميائية الحيوية التي تجري في الجسم، وترتبط بمقاومة الجسم لمفعول الإنسولين، ونشوء عمليات بطيئة ومستمرة في الالتهابات، واضطرابات الدهون في الدم (خصوصاً ارتفاع الدهون الثلاثية)، وارتفاع ضغط الدم.

«سمنة مركزية» ووزن طبيعي

ومن بين كل ذلك، تطفو السمنة البطنية (السمنة المركزية Central Obesity)، التي تتميز بزيادة كمية الأنسجة الشحمية (الشحوم الصفراء) داخل البطن، بوصفها علامة مميزة في كثير من تلك الحالات.

والسؤال الذي يتبادر للذهن: هل الأمر في شأن الأضرار الصحية مرتبط بالسمنة بوصفها حالة عامة في زيادة كتلة عموم الجسم أم أن الأمر مرتبط على وجه الخصوص بزيادة تراكم الشحوم في البطن (محيط منطقة الوسط)؟

والأدق أيضاً في طرح هذا السؤال عندما يكون لدى المرء حالة «الوزن الطبيعي مع سمنة بطنية» NWCO، أي عندما يكون وزن الجسم طبيعياً لدى الشخص بالنسبة لطوله، ولكن في الوقت نفسه لديه سمنة بطنية... هل من الممكن أن يكون هذا الشيء ضاراً ويمثل خطراً صحياً؟

والإجابة عن هذا السؤال تحتاج بداية إلى التساؤل بالأصل: هل ثمة «مشروعية طبية» لطرح مثل هذا السؤال؟

والإجابة نعم بالتأكيد، أن ثمة مشروعية طبية في طرح هذا السؤال لدواع شتى، أهمها اثنان، هما:

- الداعي الأول أن هناك أمثلة من سمنة أجزاء معينة في الجسم، ثبت أن ليس لها ضرر صحي واضح، حتى لو كان لدى الشخص ارتفاع في مقدار وزن الجسم، وارتفاع في مؤشر كتلة الجسم. وتحديداً أفادت نتائج دراسات عدة بأن سمنة شحوم الأرداف بحد ذاتها لدى النساء، ليس لها تأثير صحي ضار يوازي وجود سمنة تراكم شحوم البطن لديهن. وكذلك ثبت أن سمنة كتلة عضلات الجسم (زيادة مقدار وزن الجسم بسبب زيادة وزن كتلة العضلات فيه وليس زيادة تراكم الشحوم)، التي قد تزيد في مقدار مؤشر كتلة الجسم لتجعله ضمن نطاق السمنة، ليس لها تأثيرات سلبية مقارنة مع سمنة زيادة كتلة الشحوم في الجسم بالعموم وفي البطن على وجه الخصوص. وثبت أيضاً أن سمنة الوزن الطبيعي، مع تدني حجم كتلة العضلات، وارتفاع كتلة الشحوم Sarcopenic Obesity، لها تأثيرات ضارة لا تقل عن سمنة زيادة مؤشر كتلة الجسم.

- الداعي الآخر أن نحو 25 في المائة من البالغين ذوي الوزن الطبيعي، يُصنفون بالفعل على أن لديهم سمنة تراكم شحوم البطن، وفي الوقت نفسه يكون وزن أجسامهم طبيعياً، وفق «المجلة الطبية البريطانية BMJ» عدد 26 أبريل (نيسان) 2017. وهذه النسبة مقاربة جداً للإحصاءات الطبية في الولايات المتحدة. وفي مجتمعات أخرى ثبت أنها أعلى وفق نتائج دراسات طبية فيها. وهي نسبة مهمة بين عموم البالغين الذين قد يعتقدون أن كون مقدار وزن جسمهم طبيعياً يعني تلقائياً أنه لا ضرر متوقعاً عليهم من تراكم الشحوم في بطونهم.

دراسات سمنة البطن

والملاحظ أن الأوساط الطبية تأخرت كثيراً في الاهتمام بهذه الوضعية الصحية ومعرفة آثارها. وأيضاً تأخرت في وضع إرشادات ونصائح طبية للتعامل معها. وفي دراسة مشتركة لباحثين من جامعة آيوا، ومن كلية ألبرت آينشتاين للطب بنيويورك، ومن جامعة كاليفورنيا، ومن كلية الطب بجامعة هارفارد، ومن مركز فريد هاتشينسون لأبحاث السرطان في سياتل، تم طرح الأمر في دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بالوفيات بين النساء». ونشر ضمن عدد 24 يوليو (تموز) 2019 من مجلة «شبكة جاما المفتوحة» JAMA NETWORK Open، الصادرة عن «الجمعية الطبية الأميركية» AMA.

وقال فيها الباحثون: «السمنة المركزية، التي تتميز بتراكم الشحوم في منطقة البطن بشكل مرتفع نسبياً، ارتبطت بارتفاع خطر الوفاة، بغض النظر عن مقدار مؤشر كتلة الجسم. ومع ذلك، فإن الأفراد الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي مع السمنة المركزية يتم إهمالهم عادة في الإرشادات الإكلينيكية. وعلاوة على ذلك لا يحظى الأفراد الذين يعانون من السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي باهتمام كبير في وضع استراتيجيات الحد من المخاطر، مثل تعديلات نمط الحياة والتدخلات الأخرى».

ولكن حتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، قد يكون أولئك الذين يعانون من السمنة المركزية مُعرّضين لخطر زائد للوفاة بسبب تراكم الشحوم المفرط في البطن. وفي نتائج دراستهم التي شملت أكثر من 160 ألف امرأة أفادوا بالقول: «ارتبطت السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفاة بالسرطان، مقارنة بالوزن الطبيعي دون السمنة المركزية».

عوامل خطر أيضية قلبية

ومن ثمّ بدأت تصدر دراسات طبية من مناطق مختلفة من العالم حول هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، نذكر دراسة حديثة من الصين، وأخرى من بنما.

وفي دراسة بعنوان: «ارتباط السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي بارتفاع ضغط الدم»، تم نشرها العام الماضي، عدد 8 مارس (آذار) 2023 من مجلة «BMC» لاضطرابات القلب والأوعية الدموية، لباحثين من الصين، أفادوا بالقول: «السمنة المركزية ذات الوزن الطبيعي (NWCO) هي حالة أيضية تم وصفها أخيراً في عدد قليل من الدراسات. ويتم تجاهل الأفراد المصابين بها بسهولة في الرعاية الصحية الروتينية، بسبب التركيز الصارم على مؤشر كتلة الجسم».

وأضافوا: «قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم كبيرة في الجسم، وهو ما لا يظهر عندما يكون مقدار مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وتشير الأدلة الموجودة إلى أن السمنة المركزية، التي تتميز بالتراكم المرتفع نسبياً للشحوم في البطن، ترتبط ارتباطاً أقوى بعوامل الخطر الأيضية القلبية من السمنة العامة، وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي». وخلصوا في نتائجهم إلى القول: «ترتبط السمنة المركزية، كما هو محدد بواسطة محيط الخصر، بزيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم لدى البالغين ذوي مؤشر كتلة الجسم الطبيعي».

وضمن عدد يونيو (حزيران) 2022 من مجلة «لانسيت للصحة الإقليمية - بالأميركتين» The Lancet Regional Health - Americas، نشر باحثون من كلية الطب بجامعة بنما، حول انتشار السمنة المركزية والتعرف على مدى وجود عوامل الخطر القلبية الأيضية Cardiometabolic risk لديهم.

ويتم تعريف مخاطر القلب والأيض على أنها مجموعة من التشوهات في العمليات الأيضية الكيميائية الحيوية، وفي القلب، وفي الأوعية الدموية، بما في ذلك السمنة البطنية، ومقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكولسترول، ودهون الدم، وتصلب الشرايين، التي تجعل الأفراد أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع 2.

ولاحظوا أن باستخدام مؤشر «نسبة الخصر إلى الطول»WHtR، كان معدل انتشار السمنة البطنية نحو 44 في المائة بين الذين بالأساس لديهم مؤشر كتلة الجسم طبيعياً. وقالوا في نتائجهم: «ارتبطت السمنة البطنية مع الوزن الطبيعي للجسم بعوامل الخطر القلبية الوعائية، خصوصاً مع ارتفاع تركيز الدهون الثلاثية. قد يكون تقييم السمنة البطنية على مستوى الرعاية الصحية الأولية تقنية مفيدة لتحديد الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي مع خصائص السمنة الأيضية».

ولذا إذا أردنا ألا نفقد متابعة هذه الفئة من الناس، فيجدر قياس محيط الوسط مع قياس وزن الجسم وحساب مؤشر كتلة الجسم، والالتفات إلى كليهما في التقييم الإكلينيكي. وللتوضيح، على الرغم من حقيقة أن مؤشر كتلة الجسم يتم استخدامه على نطاق واسع لتحديد السمنة في الممارسة الإكلينيكية، فإن أحد القيود المهمة لمؤشر كتلة الجسم هو أنه لا يميز بين أشكال مكونات تركيبات أجزاء الجسم المختلفة، حيث قد يكون لدى الفرد ذي الوزن الطبيعي نسبة شحوم متزايدة في منطقة من الجسم، ولكنها قد تكون مخفية بالقيمة الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم.

وحتى بين الأفراد ذوي الوزن الطبيعي، فإن أولئك الذين لديهم نسبة عالية من الشحوم في الجسم، لديهم انتشار أعلى لمتلازمة التمثيل الغذائي ومكوناتها من أولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم طبيعي، ونسبة شحوم في الجسم طبيعية.

25 % من البالغين ذوي الوزن الطبيعي لديهم سمنة تراكم شحوم البطن

تشخيص السمنة بالأساس مجرد حسابات من الأرقام

* عند التكلم عن السمنة في جانب التشخيص، علينا ابتداءً استخدام لغة الأرقام. ومن بين عدة «طرق» مطروحة لدى الأوساط العلمية والطبية، يظل «الأشهر»، و«الأقرب» هو الطرق الأربع التالية في تقييم وزن الجسم والسمنة:

- حساب «مؤشر كتلة الجسم» BMI يتم بقسمة مقدار الوزن بالكيلوغرامات على مربع طول الجسم بالمتر. و«الطبيعي» أن يكون مؤشر كتلة الجسم ما بين 20 إلى 25، أما ما بين 25 و30 فهو «زيادة في الوزن»، وما بين 30 إلى 35 فهو «سمنة»، وما بين 35 و40 فهو «سمنة شديدة»، وما فوق ذلك هو «سمنة مفرطة».

- حساب محيط الخصر Waist Circumference هو طريقة مهمة في تقييم سمنة البطن بالذات. وبدقة، يتم قياس محيط الخصر عند مستوى منتصف المسافة بين أدنى ضلع ملموس وبين الحافة الحرقفية لأعلى قوس عظمة الحوض، وذلك تقريباً أعلى قليلاً من السرّة، بعد إخراج هواء الزفير من النفس، أي قياس محيط أصغر جزء من الخصر. ولكن تجدر ملاحظة أن محيط الخصر يختلف في المجتمعات الجغرافية المختلفة وفق متوسط الطول فيها وعموم حجم الجسم.

ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة NIH، فإن محيط الخصر الذي يزيد على 102 سنتيمتر (40 بوصة) للرجال ويزيد على 88 سنتيمتراً (35 بوصة) للنساء (غير الحوامل)، هو سمنة البطن. بينما لدى ذوي الأصول من جنوب شرقي آسيا، فإن الطبيعي نحو 94 سنتيمتراً (37 بوصة) للرجال و80 سنتيمتراً (31 بوصة) للنساء. ولذا تحتاج المجتمعات المختلفة دراسات لتقييم الطبيعي وغير الطبيعي في ذلك.

- حساب نسبة محيط الخصر إلى محيط الورك WHR. ومحيط الورك Hip Circumference يختلف عن محيط الخصر، حيث إن محيط الورك هو قياس محيط الجزء الأكبر من الوركين، أي الجزء الأوسع من كتلة الأرداف. والطبيعي أن تكون تلك النسبة أقل من 0.95 للرجال، وأقل من 0.80 للنساء. وما فوق ذلك فهو سمنة. وهي طريقة يتم بها التغلب على وجود حجم أكبر في الأرداف التي تكون الشحوم فيها مختلفة عن نوعية الشحوم التي في البطن. وتحديداً شحوم بيضاء في الأرداف، وشحوم صفراء في البطن.

- حساب نسبة الخصر إلى الطول WHtR: يكون بقسمة مقدار محيط الخصر على مقدار الطول. والطبيعي أن يكون أقل من 0.5، وما فوق ذلك هو سمنة. وهي طريقة يتم من خلالها التغلب على الاختلافات العرقية في متوسط الطول لدى غالبية الناس في المجتمعات المختلفة.