كشفت أحدث دراسة نُشرت في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي في الإصدار الإلكتروني من مجلة الطب الحيوي eBioMedicine عن احتمالية أن تلعب الأدوية التي تعالج مرض الملاريا دوراً مهماً في الحفاظ على الأمعاء الدقيقة، إضافة إلى علاجها سوء التغذية المزمن في الأمهات الحوامل خاصة في الدول التي تعاني من حروب أو مجاعات وهو الأمر الذى يؤثر بالسلب على صحة حديثي الولادة ويجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المختلفة، نظراً لوزنهم المنخفض ومناعتهم الضعيفة مما يعرضهم لخطر الوفاة أيضاً.
أدوية علاج الملاريا
تبعاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية يجب أن يتم علاج الأمهات الحوامل في البلدان التي تنتشر فيها الملاريا بالأدوية المضادة لها، وعلى وجه التحديد خليط من عقارين هم السلفادوكسين وsulfadoxine البيريميثامين pyrimethamine أو اختصاراً (SP). ولاحظ العلماء أن الرضع الذين تمت ولادتهم للأمهات اللاتي حصلن على العلاج لم يعانوا من نقص الوزن عند الولادة وتحسنت أوزانهم بشكل كبير، بغض النظر عما إذا كانت الأمهات قد تعرضن للملاريا من عدمه.
وللتحقق من هذه الملاحظة قام فريق من العلماء في معهد ويس للأبحاث Wyss Institute بالولايات المتحدة بعمل تجارب على شريحة (رقيقة) مصنعة للأمعاء البشرية human Intestine Chip.
وتعد رقائق الأعضاء تطورا تكنولوجيا مذهلا يحاكي الأعضاء الحقيقية للجسم عن طريق زراعة خلايا بتقنية معينة تضمن أن تتصرف الخلايا الموجودة فى الرقيقة كما لو كانت في عضوها الأصلي، وبالتالي يمكن دراستها في المختبرات الطبية.
ووجد الفريق البحثي أن الرقائق التى تعرضت لظروف سوء التغذية أظهرت خللا وظيفيا وهذه المشاكل الوظيفية تم حلها بالكامل تقريباً عند استخدام أدوية الملاريا (SP).
قام الباحثون باستخدام هذه الرقائق بعمل نموذجين للأمعاء البشرية؛ الأول نموذج تمت تغذيته بشكل سليم وبالتالي كان هذا النموذج صحيا ويعمل بكفاءة. وتتحرك الزوائد المعوية الصناعية villi-like structures الموجودة فيه حركة طبيعية وتقوم بإفراز المخاط. وفى النموذج الثاني للأمعاء لم تكن هناك تغذية كافية وكان هناك بشكل أساسي نقص في بعض الفيتامينات المهمة (النياسيناميد niacinamide) وأيضاً نقص في الأحماض الأمينية الأساسية (التريبتوفان tryptophan) ما أدى إلى خلل وظيفي وعدم تمكن الأمعاء من القيام بوظائفها لأن الزوائد المعوية كانت أقصر ولم تفرز مخاطا بشكل كاف يساعد في عملية الهضم.
بحث مختبري
قام العلماء بإضافة التركيبة الدوائية للعقارين معاً (SP) إلى رقيقة الأمعاء التي تتمتع بالتغذية السليمة لمدة ثلاثة أيام ولم يلاحظوا أي تغييرات مهمة، ثم بعد ذلك قاموا بإضافة خليط الدواءين إلى الرقيقة المعوية التي عانت من نقص التغذية ولاحظوا تغييرات إيجابية مهمة، إذ حدث نمو واضح للزوائد المعوية وزيادة في إفراز المخاط وتحسن وظائف الهضم.
حاول العلماء التأكد من أن الرقيقة المعوية التي تمت إضافة أدوية الملاريا لها تحصل بالفعل على تغذية أفضل وليس فقط لمجرد أنها تبدو طبيعية أكثر ومعرفة على وجه التحديد كيفية تأثير الدواءين على امتصاص العناصر الغذائية من الرقيقة الصناعية عن طريق تحليل جزيئات الحمض النووى (RNA) التي كانت موجودة في الرقائق التى تمت تغذيتها بشكل صحيح أو التي أُصيبت بسوء التغذية وتلك التي تمت معالجتها بخليط أدوية الملاريا.
ووجد الباحثون أن المسارات الوراثية البالغة الأهمية لعملية الهضم والتمثيل الغذائي للدهون الثلاثية والأحماض الدهنية والفيتامينات حدث لها تلف suppressed فى الرقيقة التي عانت من نقص العناصر الغذائية، ومعنى ذلك أن سوء التغذية لا يؤثر فقط في الوزن ولكن يؤثر أيضاً على المسار الوراثي للهضم. وعندما تمت معالجة تلك الرقائق باستخدام أدوية الملاريا ظهر تنشيط في العديد من مسارات التمثيل الغذائي والامتصاص. كما تبين أن الشريحة التي تعاني من سوء التغذية وكانت قدرتها على الامتصاص أقل من السليمة بثلاثة أضعاف تحسنت جداً بعد إضافة الدواءين.
أوضح العلماء أن الأمر يحتاج إلى العديد من التجارب الإكلينيكية بالتأكيد. ولكن الدراسة توضح بشكل أساسي أهمية الاعتماد على خليط أدوية الملاريا (SP) بوصفه علاجا محتملا لمشكلة سوء التغذية في العالم كله خاصة في الأمهات الحوامل من أجل الحفاظ على صحتهم وصحة أطفالهم في المستقبل حتى يمكنهم مقاومة الأمراض المختلفة ولحمايتهم من خطر الوفاة خاصة في الأماكن التي تفتقر للغذاء والرعاية الصحية.
• استشاري طب الأطفال