«الملاريا» و«حمى الضنك» يتفشيان في صنعاء وضواحيها

منظمة ترصد 8 آلاف إصابة مرضية خلال 9 أشهر

عاملات صحيات يشاركن في حملة لتقديم اللقاحات باليمن (الأمم المتحدة)
عاملات صحيات يشاركن في حملة لتقديم اللقاحات باليمن (الأمم المتحدة)
TT

«الملاريا» و«حمى الضنك» يتفشيان في صنعاء وضواحيها

عاملات صحيات يشاركن في حملة لتقديم اللقاحات باليمن (الأمم المتحدة)
عاملات صحيات يشاركن في حملة لتقديم اللقاحات باليمن (الأمم المتحدة)

أفادت مصادر طبية يمنية بأن عدداً من الأمراض والأوبئة يتصدرها «الملاريا» و«حمى الضنك» عادت مجدداً للتفشي في صنعاء ومناطق أخرى تخضع لسيطرة الجماعة الحوثية، مُرجِعةً الأسباب إلى فساد الجماعة وإهمال قادتها ومنعهم المنظمات الدولية من تنفيذ حملات التحصين.

جاء ذلك بالتزامن مع رصد منظمة أممية 8328 إصابة بأوبئة وأمراض متنوعة سجَّلتها مناطق يمنية خلال تسعة أشهر.

طفلة يمنية تتلقى جرعة من اللقاحات (الأمم المتحدة)

وأقرَّت وزارة الصحة في حكومة الانقلاب الحوثية غير المعترَف بها بأن الملاريا وحمى الضنك بدأت في الظهور مجدداً في عدة مناطق بصنعاء ومحيطها، بحسب ما أفاد به القيادي الحوثي محمد المنصور، المعيَّن بمنصب وكيل وزارة الصحة الحوثية.

وتقول المصادر الطبية في صنعاء إن قادة الجماعة الذين يديرون قطاع الصحة لا يقومون بواجباتهم، من قبيل ترصُّد انتشار الأوبئة وتوفير الإجراءات الاحترازية واللقاحات، وفقاً لبرامج التحصين التي كانت معتمَدة.

واكتفى القيادي الحوثي بوصف التفشي الجديد للأمراض بصنعاء بأنه يُعدّ أمراً بغاية الخطورة، مؤكداً أن ذلك يحتاج إلى ما سماه استشعار المسؤولية وتفعيل اللجان الحوثية لتعزيز ما أطلق عليه «الوعي المجتمعي».

وسبق للجماعة أن شكّلت لجاناً تحت اسم «مجتمعية»، حيث إن من أبرز مهامها استهداف السكان بأعمال التطييف والتعبئة والتحشيد إلى الجبهات.

اتهامات بالعبث

على وقع التردّي المتسارع في القطاع الصحي بمناطق سيطرة الحوثيين، يتهم ناشطون ومنظمات حقوقية قيادات بارزة في الجماعة بالعبث والفساد والتدمير المنظم للقطاع الصحي الذي أدى إلى عودة تفشي العديد من الأوبئة بأغلب مناطق سيطرة الجماعة.

جانب من فعالية حوثية عقدت حديثا بصنعاء بخصوص تفشي الأوبئة (إعلام حوثي)

وتقول المصادر الطبية في صنعاء إن أسباب التدهور المستمر في القطاع الصحي الذي أدَّى لتفشي الأمراض تعود للحروب التي شنَّتها الجماعة منذ الانقلاب، واجتياح المدن اليمنية، وما خلَّفته من موجة نزوح كبيرة.

جاء ذلك في وقت تستمر فيه الجماعة بوضع مزيد من القيود والإجراءات المشدَّدة التي تعيق عمل ما تبقى من المنظمات المحلية والدولية، بما فيها تلك المعنية بتقديم الدعم الإنساني والصحي للسكان بمناطق سيطرة الجماعة.

وكان قادة الجماعة الحوثية المسيطرون على القطاع الصحي عقدوا في فترات سابقة مؤتمرات صحافية كشفوا فيها عن عودة انتشار أمراض وأوبئة، منها أمراض الملاريا وحمى الضنك، والحصبة، والكوليرا، والدفتيريا، وغيرها، بمناطق سيطرتهم.

وسبق أن أعلن قطاع الصحة الذي تديره الجماعة عن تلقيه في الستة الأشهر الأولى من العام قبل الماضي بلاغات، عبر المكاتب والمرافقة الصحية في 7 محافظات تحت سيطرتها، تؤكد تسجيل نحو 260 ألف حالة إصابة جديدة بالملاريا، منها 20 ألف حالة وفاة، معظمها من الأطفال دون الخامسة والنساء الحوامل.

انخفاض معدلات التحصين

في تقرير حديث لها، قالت «منظمة الصحة العالمية» إن الانخفاض الكبير بمعدلات التحصين أدى إلى عودة ظهور الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات بين الأطفال في اليمن، وارتفاعها إلى مستويات غير مسبوقة.

يمنية تجلس بجانب حصتها الغذائية وسط انعدام الأمن الغذائي في صنعاء (إ.ب.أ)

وسجّلت المنظمة ما مجموعه 8.328 حالة إصابة بأمراض «السعال الديكي» و«الدفتيريا» و«الشلل الرخو الحاد» بين الأطفال اليمنيين بالفترة بين يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (أيلول) الماضي، مع تراجع تغطية التحصين اللازمة للوقاية من أمراض الطفولة.

وأكدت المنظمة أن الحالات المشتبَه فيها من الأمراض البكتيرية التي يمكن الوقاية منها باللقاحات وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث إن هناك 6 آلاف حالة إصابة بالسعال الديكي، بالإضافة إلى نحو 1400 حالة بالدفتيريا بين الأطفال في اليمن.

وقالت المنظمة إن عودة ظهور فيروس شلل الأطفال في عام 2021 أعاد اليمن إلى خريطة العالم التي تضم 35 دولة تعاني حالياً من هذا المرض المنهك وغير القابل للشفاء، مشيرة إلى أنه في عام 2023 هناك 928 طفلاً مشتبهاً بإصابتهم بالشلل الرخو الحاد، الذي يسببه الفيروس من النوع الثاني.


مقالات ذات صلة

«المركزي اليمني» يواجه استحواذ الانقلابيين على شركتين دوائيتين

العالم العربي إجراءات ومساعٍ حوثية لاستعادة الأوراق النقدية القديمة التي أقر البنك المركزي إلغاءها (أرشيفية- رويترز)

«المركزي اليمني» يواجه استحواذ الانقلابيين على شركتين دوائيتين

أصدر البنك المركزي اليمني قرارين ألغى أولهما تراخيص خمس شركات صرافة وقضى الثاني بعدم التعامل المالي مع الإدارتين اللتين استحدثهما الحوثيون لشركتين دوائيتين.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي مقاتلة أميركية على متن حاملة الطائرات «أيزنهاور» (رويترز)

ضربات أميركية تستبق هجمات حوثية في البحر الأحمر

استبق الجيش الأميركي هجمات حوثية في البحر الأحمر ضد السفن، وقال إنه دمّر زورقين مسيّرين وموقع رادار، وذلك في سياق الضربات الدفاعية التي تقودها واشنطن.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي حوثيون يغلقون متجراً في صنعاء لعدم استجابة مالكه لدفع جبايات (إكس)

حملات تعسف استهدفت 1161 منشأة تجارية في صنعاء

تعرّض 1161 محلاً وشركة تجارية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء خلال الأسابيع الماضية لعمليات دهم وابتزاز وإغلاق على أيدي مشرفين حوثيين

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي مدير مكتب يحيى الحوثي بجوار التربوي أحمد النونو قبل اعتقالهما في صنعاء (إعلام حوثي)

اعتقال مدير مكتب يحيى الحوثي بتهمة التجسس لأميركا

امتدت حملة الاعتقالات التي ينفذها الحوثيون بإشراف من خبراء في الحرس الثوري الإيراني لأعلى سلم قيادة الجماعة، حيث اعتقل مدير مكتب يحيى الحوثي شقيق زعيم الجماعة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مشهد وزعه الحوثيون لمهاجمة سفينة «ترانس وورلد نافيجيتور» في البحر الأحمر بزورق مسير مفخخ (أ.ف.ب)

زعيم الحوثيين يتبنى مهاجمة 162 سفينة خلال 30 أسبوعاً

تبنى زعيم الحوثيين مهاجمة 162 سفينة منذ بدء التصعيد البحري في 19 نوفمبر الماضي، وأقر بتلقي جماعته 19 غارة غربية خلال أسبوع من دون ضحايا.

علي ربيع (عدن)

«المركزي اليمني» يواجه استحواذ الانقلابيين على شركتين دوائيتين

دعم كبير يحظى به البنك المركزي اليمني رسمياً وشعبياً بعد قراراته الأخيرة (موقع البنك)
دعم كبير يحظى به البنك المركزي اليمني رسمياً وشعبياً بعد قراراته الأخيرة (موقع البنك)
TT

«المركزي اليمني» يواجه استحواذ الانقلابيين على شركتين دوائيتين

دعم كبير يحظى به البنك المركزي اليمني رسمياً وشعبياً بعد قراراته الأخيرة (موقع البنك)
دعم كبير يحظى به البنك المركزي اليمني رسمياً وشعبياً بعد قراراته الأخيرة (موقع البنك)

عزَّز البنك المركزي اليمني مساعيه للسيطرة على العمليات المصرفية في البلاد، وتشديد قبضته لتجفيف إيرادات الجماعة الحوثية وعملياتها المالية، وأصدر قرارين؛ ألغى أولهما تراخيص خمس شركات ومنشآت صرافة، وقضى الثاني بعدم التعامل المالي مع الإدارتين اللتين استحدثتهما الجماعة لشركتين دوائيتين في صنعاء.

وأعلن محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد غالب، إيقاف تراخيص كل من: شركة هوام للصرافة، وشركة بيور موني للصرافة، ومنشأة توب توب للصرافة، ومنشأة السهم الأسرع للصرافة، ومنشأة القاسمي إكسبرس للصرافة، وذلك بناء على المخالفات المثبَتة بتقرير النزول الميداني المرفوع من قطاع الرقابة على البنوك.

كما أصدر البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، تعميماً موجهاً إلى كل البنوك والمصارف العاملة في البلاد بالتعامل فقط مع الإدارتين القانونيتين المخوَّلتين للشركة الدوائية الحديثة، والشركة العالمية لصناعة الأدوية، ومنع حجز أي أرصدة أو أي حسابات خاصة بهما أو التصرف بها بناءً على أي أوامر أو طلبات تصل إلى البنوك والمصارف من قِبل أي جهة غير قانونية.

جاء هذا القرار خلال أقل من شهر من استيلاء الجماعة الحوثية على مقرات الشركتين في صنعاء، ومحاولة استحواذها على أرصدتهما وأموالهما.

ويُعدّ قرار إيقاف شركات ومنشآت الصرافة الخمس هو الثالث من نوعه خلال أقل من أسبوعين، ليصل عدد الشركات التي جرى إيقاف تراخيصها حتى الآن إلى 15 شركة ومنشأة صرافة، بينما لأول مرة تصدر قرارات من البنك المركزي للرد على سيطرة الجماعة الحوثية على الشركات العمومية.

تعميم من البنك المركزي اليمني في عدن بشأن الشركة الدوائية الحديثة والشركة العالمية لصناعة الأدوية (إكس)

وأوضح مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني، لـ«الشرق الأوسط»، أن القرارات الأخيرة بإلغاء تراخيص شركات ومنشآت الصرافة جاء بعد التأكد من مخالفاتها قراراته الخاصة بضبط العمليات المصرفية، والعمل ضمن الشبكة الموحدة للحوالات.

وأضاف المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن بياناته، أنه ثبت تورط عدد من مالكي وإدارات الشركات والمنشآت التي جرى إيقافها بتهريب الأوراق النقدية المحلية والأجنبية لصالح الجماعة الحوثية، سواء إلى مناطق سيطرتها أم إلى خارج البلاد لخدمة أعمالها المشبوهة.

استهداف سوق الدواء

منذ قرابة الشهر، سيطرت الجماعة الحوثية على الشركة الدوائية الحديثة والشركة العالمية لصناعة الأدوية في العاصمة صنعاء، واقتحم مسلحو الجماعة مقراتهما واختطفوا موظفيهما وحققوا معهم، متخذة سلسلة من الإجراءات لتقليص وإزاحة أكبر المساهمين في الشركتين، ومنعهم من الحصول على أرباحهم تحت حجة موالاة الحكومة اليمنية، ورفض ضم قيادات حوثية إلى المساهمين فيهما.

يقول الباحث الاقتصادي عادل شمسان، لـ«الشرق الأوسط»، إن قرار البنك المركزي الخاص بمنع التعامل إلا مع الإدارتين القانونيتين للشركتين يأتي في إطار الحفاظ على الملكيات العامة للدولة، بعد مساعي الجماعة للسيطرة عليها، ويأتي للرد على إجراءاتها الهادفة إلى تصفية شركات القطاع العام والمختلط لصالح الجماعة، وضمان وحماية حقوق المساهمين ومنع تجييرها لصالح مشروع الجماعة.

شركتا أدوية تخاطبان أصحاب المديونيات بوقف تسديدهم الديون بعد استيلاء الحوثيين عليهما (إكس)

ويربط الباحث الاقتصادي رشيد الآنسي استحواذ الجماعة على الشركتين بحديث القيادي الحوثي مهدي المشاط، رئيس ما يُعرَف بالمجلس السياسي الأعلى للجماعة (مجلس الحكم الانقلابي)، منذ أكثر من عام، حول الاستثمار في مجال صناعة وتجارة الأدوية، حيث تعمل الجماعة على إزاحة الاستثمارات الكبرى في الصناعات الدوائية لإفساح المجال أمام استثماراتها الخاصة في هذا المجال.

وينوه الآنسي، في حديثه، لـ«الشرق الأوسط»، بأن الجماعة تسعى إلى تصفية سوق الدواء من كل الاستثمارات الدوائية، ومنع تطور وتوسع الشركات القائمة، ومحاصرة الصناعات المحلية، في مخطط لحصول رجال الأعمال التابعين لها على توكيلات وصفات التركيبات الدوائية لتصنيعها محلياً، واحتكارها، وتجريف سوق الدواء تماماً.

وأدانت الحكومة اليمنية استيلاء الجماعة الحوثية على الشركتين، وصنفت تلك الإجراءات على أنها تجريف للقطاع الخاص وتضييق على رؤوس الأموال والبيوت التجارية المعروفة في المناطق الخاضعة بالقوة لسيطرتها، لدفعها للمغادرة خارج البلد، لصالح شركات ومستثمرين تابعين للجماعة؛ بهدف السيطرة الكلية على القطاع التجاري.

تراجع الجرائم المالية

يتوقع أن تؤدي قرارات البنك المركزي اليمني وإجراءاته لإغلاق مؤسسات الصرافة المخالفة إلى تقليص عدد المنشآت العاملة في هذا المجال بشكل كبير؛ نظراً لأن الغالبية العظمى من هذه المؤسسات نشأت بسبب الخلل الكبير في القطاعين المالي والمصرفي، والذي كانت تغذيه وتستفيد منه الجماعة الحوثية للإضرار باقتصاد البلد، وتنمية إيراداتها وزيادة ثرائها.

ويذهب الباحث الاقتصادي اليمني رشيد الآنسي إلى أن هذا القطاع كان يدر أرباحاً مهولة من المضاربة بالعملة وغسيل وتهريب الأموال، وهي الجرائم التي كان العائد الأكبر منها يصب في صالح الجماعة الحوثية.

منذ سنوات بدأت الجماعة الحوثية إجراءات تعسفية ضد المستثمرين للسيطرة على سوق الأدوية (إعلام حوثي)

ونبه إلى أن المتاجرة بالأوراق المالية القديمة والجديدة لتحصيل فارق السعر الذي فرضته الجماعة الحوثية للإضرار بالعملة المحلية المعتمدة لدى الحكومة الشرعية، كانت تجري في مناطق الحكومة الشرعية، خصوصاً في محافظة مأرب التي استخدمتها الجماعة للمبادلة بين الأوراق النقدية القديمة والجديدة، ولتهريب الأموال لصالح الجماعة، سواء إلى مناطق سيطرتها أم إلى سلطنة عمان.

ويرجح أن عدداً كبيراً من هذه الشركات ستغلق أبوابها بعد قرارات البنك المركزي الأخيرة التي سدَّت أمامها قنوات الربح المهول الذي كانت تتحصل عليه بالإضرار بالعملة والاقتصاد المحليين.

ويلاحظ الباحث عادل شمسان أن قرارات البنك المركزي بدأت تؤتي ثمارها رغم تأخرها سنوات طويلة، ومع توقف تصدير النفط والغاز بفعل الأعمال العدائية الحوثية، فإن السياسة النقدية التي يقودها البنك المركزي سيكون لها أثر كبير في منع الانهيار المستمر للاقتصاد المحلي، إلى جانب محاصرة مصادر تمويل الجماعة الحوثية، والحد من تأثيرات جرائمها المالية.