تُعد آلام العنق من أشهر الآلام المزمنة للعضلات. وتكون مرتبطة في الأغلب بوضعية معينة تسبب انحناء الظهر والرقبة لساعات طويلة سواء كانت بسبب العمل أو الدراسة، خاصة مع تزايد الاعتماد على أجهزة الكومبيوتر بداية من الصفوف الدراسية الأولى، كما أن طبيعة وضعية الكتابة على لوحة المفاتيح تقتضي الانحناء مما يضغط على العضلات ويتسبب في تمزقها وحدوث الألم.
آلام الرقبة أهم أسباب الخلل الوظيفي المزمن لها
وفي التقرير العالمي لعبء الأمراض على الاقتصاد العالمي Global Burden of Disease الصادر في عام 2018 كانت آلام الرقبة من أهم أسباب الخلل الوظيفي المزمن لها بشكل عام. وبالنسبة لطلبة الجامعات كانت نسبة حدوث آلام الرقبة لديهم تتراوح بين 48 في المائة وحتى 78 في المائة.
ظهور مصطلح «متلازمة آلام الرقبة نتيجة لكتابة الهاتف»
ومع ظهور الهواتف المحمولة والألواح الكومبيوترية تفاقمت هذه الآلام بسبب الاستخدام المبالغ فيه لهذه الأجهزة وعدم استقامة الظهر بشكل كاف للتعامل مع الرسائل والإشعارات المختلفة لها، وهو الأمر الذي كان سبباً رئيسياً في ظهور مصطلح «متلازمة آلام الرقبة نتيجة لكتابة الهاتف» text neck syndrome.
وفى أحدث دراسة لآلام الرقبة قام الباحثون بتحديد العوامل المهنية والنفسية والشخصية المرتبطة بهذه الآلام بين طلاب الجامعات وإمكانية تجنبها.
الدراسة التي نُشرت في مجلة مركز الطب الحيوي للصحة العامة BMC Public Health Journal في مطلع شهر أغسطس (آب) من العام الحالي ذكرت أن الألم في منطقة الرقبة هو السبب الرئيسي لشعور الطلبة بالتعب وهو الأمر الذي يجعلهم أقل اهتماماً بالتعليم مما يؤدي إلى انخفاض التحصيل الأكاديمي والتعثر في الدراسة.
جائحة «كورونا» ساهمت في زيادة نسبة آلام الرقبة حول العالم بسبب التعليم الافتراضي
وأوضحت أن جائحة كورونا ساهمت بشكل كبير في زيادة نسبة آلام الرقبة حول العالم بسبب تحول التعليم في معظم الدول من الشكل الأكاديمي إلى التعليم في المنازل مما يتطلب المكوث أمام أجهزة الكومبيوتر لفترات أطول.
قام الباحثون بفحص بيانات خاصة بالعديد من الدراسات السابقة من المراكز البحثية المختلفة التي نُشرت في المجلات والمواقع الطبية باللغتين الإنجليزية والصينية مثل المجلة العلمية الصينية (VIP) وموقع PubMed الطبي حتى نهاية عام 2022 وتتعلق بمتاعب الرقبة سواء كانت هذه الدراسات على نطاق واسع أو تشمل مجموعة صغيرة من الطلبة وفي المجمل كان عدد الأشخاص الذين تم فحص حالتهم بالتفصيل 18395 طالباً.
عادات سيئة ضارة بالرقبة
من خلال هذه الدراسات حدد العلماء العديد من الأسباب التي تسبب آلام الرقبة مثل الاستخدام غير السليم للوسادة من حيث الارتفاع سواء كان مبالغا فيه بشكل يجعلها أعلى من مستوى الجسم أو انخفاضها بشكل يجعلها أقل من مستوى العمود الفقري مما يمثل ضغطا على العضلات وكذلك مدى سمكها أو نعومتها softness حيث يفضل أن تكون متوسطة النعومة خلافاً للتصور العام الذي يفضل الوسائد الجامدة.
ذكرت الدراسة أيضاً بعض العادات السيئة التي تزيد من الآلام مثل السهر حتى وقت متأخر خاصة في أيام الامتحانات المختلفة نتيجة للمذاكرة لفترات طويلة مما يؤدي إلى تشوه عضلات الكتفين والرقبة وكل ذلك مع وضعية جلوس غير صحيحة، إذ يفترض أن يكون الجلوس على مقعد له مسند مرتفع يجعل الظهر مستقيما حتى يمكن تجنب وضعية انحناء الرأس والرقبة إلى الأمام head - neck flexion الذي يضاعف من الألم.
أوضح الباحثون أن العامل الهرموني ربما يلعب دوراً في الإحساس بالألم أكثر في وقت معين حيث تبين أن الفتيات أكثر عرضة للتأثر بهذه الآلام من الذكور ولكن بشكل أساسي يعتمد الأمر على وقت حدوث الإصابة بالتمزق العضلي وعدم ممارسة الرياضة بشكل كافٍ مما يضعف من عضلات الرقبة ويجعلها أكثر عرضة للألم. وذكرت الدراسة أن العادات غير الصحية يمكن أن تؤثر بالسلب على الشعور بألم الرقبة مثل التدخين وتناول المشروبات الروحية باستمرار وعدم النوم بشكل كافٍ والوزن الزائد والبدانة وأيضاً الحالة النفسية والعاطفية للمراهقين التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث الأعراض الجسدية نفسية المنشأ symptoms psychosomatic ومن أهمها ألم العضلات بشكل عام وألم الرقبة بشكل خاص.
ركزت الدراسة على الاستخدام الإلكتروني كعامل مؤثر على العمود الفقري والعضلات وأوضحت أنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه الطالب أمام الكومبيوتر والأجهزة الأخرى ضاعف ذلك من الألم. ونصحت بضرورة وضع لوحة مفاتيح الكتابة الافتراضية بشكل أفقي في مستوى الرأس والعينين مع مراعاة أن يكون ارتفاع الكرسي في نفس المستوى بحيث يمكن تجنب الانحناء كلما أمكن مع ضرورة توفير وقت كاف للراحة والقيام ببعض التمرينات التي تقوي عضلات الظهر والرقبة.
ذكرت الدراسة بعض الأمور التي يمكن أن تزيد من الإحساس بالألم مثل التهاب الحلق واللوز بجانب التعرض للتيارات الباردة سواء الطبيعية في الدول شديدة البرودة أو من خلال استخدام المكيفات في الدول الحارة، ونصحت بضرورة ألا يكون الهواء البارد مسلطا بشكل مباشر على الرقبة.
وقال الباحثون أيضا إن الحقيبة المدرسية ثقيلة الوزن من أهم العوامل التي تضاعف من آلام الرقبة خاصة أن الطفل يحملها لعدة سنوات في بداية حياته، وأوضحوا أن الآلام المزمنة للرقبة تم تحديدها بفترة زمنية تتراوح بين 3 أشهر وعام كامل والآلام الحادة لا تستغرق أكثر من أسبوع ويمكن أن يكون الألم مصحوبا بألم في الظهر أيضا ويمكن أن يسبب الصداع.
في النهاية نصحت الدراسة بضرورة الاهتمام بالمحافظة على الظهر مستقيما والجلوس بشكل مستقيم والتعامل مع التكنولوجيا باعتدال. وفي حالة حدوث الألم يمكن استخدام مسكنات خفيفة مع الأقراص الباسطة للعضلات.