على الرغم من الانتقادات الحادة للحكومة في الشارع الإسرائيلي، والتي يظهر فيها أن نحو ثلثي الجمهور يعارض استمرار حرب غزة، ويتهمون الحكومة بالتسبب بفرض عزلة دولية خطيرة، يتمسك بنيامين نتنياهو بسياساته، ويدير ظهره للضغوط الدولية.
يتحدى نتنياهو، أصدقاء الأمس الأوروبيين، ويؤكد للمحيطين أنها «موجة عابرة». يقول بلسان عقله: «شهدنا في السابق مثيلاً لها، ونجحنا في مواجهتها وتجاوزها، وما دامت أن الولايات المتحدة معنا، فالدنيا بخير، فما بالنا إذا كان دونالد ترمب هو الذي يجلس في البيت الأبيض؟».
لكن هل تكفي تجربة الماضي للاستنتاج بأن الأزمة مع أوروبا ستكون عابرة؟ وإن عبرت، فإلى أين؟
وإذا قررت دول أوروبا الغربية الاعتراف بالدولة الفلسطينية مثلاً، فهل ستكون هناك رجعة إلى الوراء؟
وماذا لو قررت الدول التي صنعت إسرائيل في الماضي من وعد بلفور البريطاني، إلى عملية فرنسا لبناء قدرات الجيش الإسرائيلي طيلة 15 سنة منذ قيامها، أن تصحح مسارها وتسعى لوضع حد للإجحاف الذي تسببتا به للفلسطينيين والعرب لمصلحة النهج الإسرائيلي التوسع؟
ما السر وراء التجاهل؟
نتنياهو من جهته، وهو ملم بالتاريخ جيداً، وليس فقط من خلال أبحاث والده المؤرخ، لا يصدق بأن المسار الأوروبي سيستمر بالزخم الذي نراه اليوم.
لكم ثمة 5 أسباب مهمة، يقدر - بناء عليها - أنها ستتغلب على اللحظة الإسرائيلية - الأوروبية الراهنة، وقد تكون السر وراء تجاهله للتوتر الظاهر حالياً، وتظهر فيما يلي:
أولاً: الاقتصاد
هناك علاقات اقتصادية عميقة تخدم مصالح الطرفين، فأوروبا أكبر شريك لإسرائيل في التبادل التجاري. ولا أحد منهما يتنازل عن الآخر في العلاقات.
ثانياً: السلاح
العلاقات الأمنية راسخة بين الجانبين، فإسرائيل تُصدر لأوروبا الأسلحة بكميات هائلة، خصوصاً بعد الحرب الأوكرانية، وقرار بروكسل مضاعفة ميزانيات التسلح مرتين وثلاثاً، خوفاً من اتساع الهجوم الروسي.
حالياً تستحوذ أوروبا على 35 في المائة من صادرات السلاح الإسرائيلية (أكثر من 4 مليارات دولار)، وهي معجبة بالمضادات الجوية الإسرائيلية مثل القبة الحديدية وأسلحة الليزر.
ثالثاً: الخصومة تتسع
يؤمن نتنياهو بأن الإسرائيليين لا يحبون الأوروبيين، ويعتقد بأن استخفافه بهم يلقى آذاناً مصغية لدى جمهوره.
وبحسب استطلاع رأي أجراه معهد «ميتافيم» للسياسات الخارجية في تل أبيب في نهاية عام 2024، فإن 54 في المائة من الإسرائيليين يعدّون الأوروبيين خصماً مقابل 13 في المائة فقط يرون فيهم أصدقاء (فقط في سنة 2023 كانت نسبة الإسرائيليين الذين يرون أوروبا خصماً 39 في المائة، فيما كان 33 في المائة يرونها صديقاً).
وتعود هذه الخصومة إلى التاريخ، حيث إن اضطهاد اليهود في أوروبا ترك أثراً سيئاً لدى اليهود، لكنها ترتبط أيضاً بالذاكرة القصيرة والجحود؛ فأوروبا تقف إلى جانب إسرائيل منذ تأسيسها وقبل ذلك بكثير.
وتحاول التعويض عن الماضي بالدعم السياسي والعسكري والاقتصادي غير المحدود، مع أن المطالب الإسرائيلية هي أيضاً لا تعرف الحدود.
رابعاً: لا يوجد إجماع
يعرف نتنياهو أيضاً أن الحراك الأوروبي ضد إسرائيل سيكون محدوداً، فالقرار بإعادة النظر في الاتفاقيات بينهما، يحتاج إلى إجماع، ولا يمكن أن يكون أي إجماع في أوروبا ضد إسرائيل؛ لأن هناك عدة دول ترفض أي قرارات عقابية أو مقاطعة لإسرائيل منها: (المجر، والتشيك، وألمانيا على الأقل).
في أسوأ الأحوال، ستكون هناك إجراءات لتخفيف العلاقات الثنائية، ويتصدر مؤيدوها كل من: (إسبانيا، والنرويج، ومالطا، وبلجيكا).
خامساً: دعم واشنطن
وهذا هو الأهم، فإن نتنياهو يستند إلى دعم واشنطن، فما دامت الولايات المتحدة لا تقف ضد إسرائيل، يستطيع نتنياهو الاستمرار في غيّه، ويكون التأثير الأوروبي عليه ضحلاً.
الإدارة الأميركية تدير الدفة مع إسرائيل بنعومة شديدة، رغم أنها تبعث بالكثير من الرسائل التي تقول إن الرئيس ترمب يملّ من نتنياهو وأسلوبه القديم، ويقول إنه متفاجئ من ضعف شخصية نتنياهو أمام حلفائه الطائشين: إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
لكن ترمب لا ينوي الدخول في صدام مع نتنياهو حالياً، فهو يحتاج إليه لكي لا يشوش عليه المفاوضات مع إيران.
بيد أن هذا كله لا يعني أن نتنياهو لا يسعى لمواجهة الخطوات الأوروبية، وخصوصاً مؤتمر نيويورك لدعم حل الدولتين.
وفضلاً عن التهديد بالرد على مخرجات «مؤتمر الدولتين» بفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في الضفة الغربية، يسعى لدى ترمب لطرح بديل أميركي - إسرائيلي.
والاتجاه هو: نسخة معدلة لصفقة القرن، التي كان ترمب قد طرحها في الدورة السابقة، وفيها تضم إسرائيل 30 في المائة من الضفة الغربية، ويقام كيان فلسطيني أقل من دولة، وأكثر من حكم ذاتي.