حذَّر المرشد الإيراني، علي خامنئي، من «التفاؤل أو التشاؤم المفرطَين» بشأن المحادثات النووية الجارية مع الولايات المتحدة بوساطة عمانية. وأبدى ارتياحه من الجولة الأولى، لكنه قال إن المرحلة التالية «تتطلب الحذر»، مذكراً بـ«الخطوط الحمراء» للجمهورية الإسلامية.
وأكدت إيران والولايات المتحدة، يوم السبت، أنهما أجرتا محادثات «إيجابية» و«بنّاءة» في عُمان. وقالت طهران إنه من المقرر عقد جولة ثانية في مسقط، السبت المقبل.
وتهدف واشنطن إلى وقف أنشطة طهران الحساسة في تخصيب اليورانيوم، التي تعدّها، إلى جانب إسرائيل وقوى أوروبية، سبيلاً لامتلاك سلاح نووي. وتقول إيران إن برنامجها النووي مُخصَّص للأغراض المدنية فقط. وتقول «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»: «لا توجد دولة وصلت لهذا المستوى من التخصيب دون أن تنتج قنابل نووية».
وقال خامنئي لدى استقباله مجموعةً من كبار المسؤولين في السلطات الثلاث (الحكومة، والبرلمان، والقضاء): «يجب أن تستمر وتيرة أنشطة البلاد لتحقيق الأهداف في جميع المجالات بوتيرة أسرع، وألا يُربط أي شيء بنتائج المفاوضات»، مشدداً على أن «الخطوط الحمراء واضحة تماماً للجمهورية الإسلامية وللطرف الآخر».
وقال: «قد تنجح المفاوضات أو تفشل. نحن لسنا متفائلين كثيراً ولا متشائمين كثيراً. نحن فقط متشائمون من الطرف الآخر، لكننا في المقابل، واثقون من قدراتنا الذاتية».
وبذلك نبّه خامنئي إلى ضرورة تجنّب «التفاؤل أو التشاؤم المفرطَين» حيال المفاوضات الجارية، وقال: «الخطوات الأولى من تنفيذ قرار البلاد بالتفاوض، سارت بشكل جيد، لكن المرحلة التالية تتطلب الحذر، رغم أن الخطوط الحمراء واضحة تماماً بالنسبة لنا وللطرف الآخر».
بهذا الموقف، أغلق خامنئي الباب أمام محاولات تحميل الحكومة مسؤولية قرار التفاوض، خصوصاً بعد تصريحات مسؤولين في حكومة بزشكيان التي أشارت إلى أن التوجه نحو المفاوضات جاء بتكليف من القيادة العليا. ومع ذلك، حرص خامنئي على إبقاء مسافة واضحة بينه وبين نتائج هذه المفاوضات، متفادياً تبني تبعاتها المباشرة.
وهذه أول تعليقات مباشرة من خامنئي على المحادثات. وهذا ثاني لقاء بارز لخامنئي بعدما اجتمع بكبار قادة القوات المسلحة، الأحد الماضي، حيث أوصى بضرورة «تعزيز الاستعدادات القصوى المستمرة واليقظة الشاملة» في مواجهة «أي عدوان خارجي».

ودخلت إيران المحادثات بحذر، متشككةً في احتمال التوصُّل إلى اتفاق، وفي الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي هدَّد بقصفها إذا لم تتوصَّل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة.
ولا يثق خامنئي، صاحب القول الفصل في القضايا المهمة للدولة، بالولايات المتحدة وترمب، خصوصاً.
وتمثل هذه المحادثات تراجعاً عمّا قاله خامنئي في فبراير (شباط) الماضي إذ عدّ «التفاوض مع حكومة مثل أميركا يُعدّ تصرّفاً غير عقلاني، ويفتقر إلى الحكمة، وليس مشرّفاً».
وقال 4 مسؤولين إيرانيين لـ«رويترز»، في مارس (آذار)، إن خامنئي مضطر للتعامل مع واشنطن للتوصُّل لاتفاق نووي، مخافة انفجار احتجاجات حاشدة نتيجة الغضب الشعبي في الداخل الإيراني؛ بسبب المصاعب الاقتصادية مما قد يعرِّض وجود المؤسسة الدينية الحاكمة للخطر.
ورغم أن الجانبين وصفا المحادثات في عُمان بأنها «إيجابية»، فإن مسؤولاً إيرانياً رفيع المستوى قال لـ«رويترز» إن الهدف الوحيد من الاجتماع كان «تحديد شروط المفاوضات المحتملة في المستقبل».
ونقل موقع خامنئي الرسمي قوله للمسؤولين، اليوم، إن «المفاوضات الجارية عبر الوساطة العُمانية واحدة من عشرات المهام التي تضطلع بها وزارة الخارجية»، وكرَّر التحذير من «ربط القضايا الوطنية بنتائج هذه المحادثات»، مشيراً إلى أن «الخطأ الذي ارتُكب في الاتفاق النووي (عام 2015)، عبر ربط جميع شؤون البلاد بتقدم المفاوضات، يجب ألا يتكرر».
وقال خامنئي: «يجب أن تستمر الأنشطة الوطنية في جميع المجالات بوتيرة أسرع، وألا تُربط بأي شكل بنتائج هذه المفاوضات». وأضاف: «رفع العقوبات ليس بأيدينا، لكن تحييدها ممكن عبر قدراتنا المحلية، وإذا تحقَّق ذلك، فستكون البلاد منيعة ضد الضغوط».
وكرَّر خامنئي دعمه للفريق التفاوضي، عندما أعرب عن ارتياحه من أداء وزارة الخارجية، واتصالات الرئيس مسعود بزشكيان مع رؤساء الدول الأخرى، قائلاً إنه «جيد جداً، وفعال».
ومع ذلك، أكد خامنئي «مواصلة النشاطات الصناعية والاقتصادية والإنشائية والثقافية والمشروعات الكبرى دون توقف»، موضحاً أنه «لا علاقة لأي من هذه القضايا بمفاوضات عُمان». وحذَّر من أن «ربط كل شيء بتقدم المفاوضات - كما حدث في الاتفاق النووي - يجعل البلاد مشروطةً، ويجمِّد ملفات مهمة مثل الاستثمار».
ودعا خامنئي إلى تنشيط الاستثمار على الصعيدين الداخلي والخارجي، واصفاً الاستثمار بـ«الأداة الفعالة لتحييد العقوبات»، مضيفاً أن «الاستثمار في الإنتاج عمل مشرف، وتجب إزالة العقبات من طريق المستثمرين، وضمان أمن الاستثمار». وقال: «إذا تَحقَّق ازدهار الاستثمار المحلي، فسيتحمس المستثمر الأجنبي أيضاً للعمل في إيران».
والأسبوع الماضي، قال الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إن «المرشد لا يعترض على الاستثمارات الأجنبية، بما في ذلك الأميركية، بشرط ألا تكون مرتبطةً بمؤامرات أو محاولات لإطاحة النظام».
لطالما كانت إيران مترددةً بشأن إقامة علاقات تجارية مع الولايات المتحدة. ففي عام 2015، عارض خامنئي استيراد السلع الاستهلاكية الأميركية أو الشركات الأميركية إلى إيران، حيث صرَّح قائلاً: «نحن لا نسمح بالتأثير الاقتصادي، ولا بالتأثير السياسي، ولا بالحضور أو التأثير الثقافي للأميركيين في بلادنا. سنواجه ذلك بكل الوسائل، ولن نسمح به».
وفي وقت سابق من هذا الشهر، عرض علي لاريجاني، مستشار المرشد الإيراني، على الإدارة الأميركية، «تحديد مصالح اقتصادية مع إيران». وقال في مقابلة تلفزيونية: «السيد ترمب شخصية موهوبة، استطاع تحقيق ثروة كبيرة في مجال الأعمال». وأضاف: «من الممكن للولايات المتحدة تحديد مصالح اقتصادية مع إيران».
المحادثات باقية في مسقط
وأعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني، أن روما ستستضيف الجولة الثانية من المحادثات الأميركية - الإيرانية.
وقال تاياني، خلال معرض «إكسبو» العالمي في مدينة أوساكا اليابانية: «تلقينا طلباً من الطرفَين المعنيَّين، ومن سلطنة عمان التي تلعب دور الوسيط، وكان ردنا بالإيجاب».
وأكد عراقجي في اتصال هاتفي مع نظيره العراقي فؤاد حسين نقل مكان المحادثات، حسبما أوردت بيان لوزارة الخارجية العراقية.
لكن بعد ساعات أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، مساء أمس (الاثنين)، أنّ الجولة الثانية من المحادثات بين إيران والولايات المتّحدة ستُعقد السبت في مسقط، بحسب ما أفادت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا».
وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الإيراني، إسماعيل بقائي، قوله إنه: «بعد المشاورات، تقرّر أن تقوم مسقط أيضاً باستضافة الجولة الثانية من هذه المفاوضات، التي ستُعقد يوم السبت» في 19 أبريل (نيسان).
رواية إيرانية جديدة
نقلت صحيفة «طهران تايمز» عن مصادر أن الوفد الإيراني تعامَل مع المحادثات في مسقط بحذر شديد وسط انعدام ثقة عميق، مع وجود احتمال لاختراق دبلوماسي بعد شهور من الجمود. وأشارت إلى «ضبابية آفاق المسار الدبلوماسي» وإصرار طهران على ضمانات ملموسة قبل الالتزام بأي تفاهم جديد.
ووفقاً لرواية الصحيفة، أُجريت الجلسة داخل منزل وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي، بحضور ويتكوف و عراقجي، وتبادل الطرفان أقل من 10 رسائل مكتوبة بدأها عراقجي. وأشار الوزير الإيراني في تصريحات سابقة، إلى تبادل كل طرف 4 رسائل.
وبينما ذكر موقع «أكسيوس» أن اللقاء المباشر بين ويتكوف وعراقجي استمرَّ 45 دقيقة، أكدت «طهران تايمز» أن الجانبين لم يتبادلا سوى التحية عند المغادرة.
وذكرت أن عراقجي «أكد أن إيران لا تفاوض لأغراض شكلية، بل لاختبار جدية الولايات المتحدة»، مشدداً على «رفض تفكيك البرنامج النووي، مع استعداد لتقديم ضمانات عبر السماح فقط للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى المنشآت».

كما طالبت إيران برفع العقوبات عن قطاعات معينة، وضمان عدم إعادة فرضها، واشترطت استمرار الحوار بالاتفاق على إطار عام، داعية واشنطن لتقديم بديل في حال رفض المقترح الإيراني.
من جهته، أقرَّ ويتكوف بضرورة تقديم تنازلات من واشنطن، دون التطرق إلى تفكيك البرنامج النووي أو العودة للاتفاق السابق، حسب «طهران تايمز».
وتحاول فرنسا وألمانيا وبريطانيا عرقلة المحادثات بتهديد تفعيل آلية «سناب باك» إذا لم تتعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى نهاية يونيو (حزيران). وقالت الصحيفة إن «طهران أبلغت واشنطن بأن مسؤولية منع هذا الإجراء تقع على عاتقها».
كما اتهمت إيران القوى الأوروبية بالسعي لتصنيف «الحرس الثوري» منظمةً إرهابيةً، وشن حملات إعلامية تهدف لزعزعة علاقاتها مع الصين وروسيا، في محاولة لإضعاف موقفها التفاوضي أمام واشنطن.
وقال المحلل عباس عبدي لوكالة «إرنا» الرسمية: «هناك إرادة متبادلة بين واشنطن وطهران لحل الخلافات، لكن متشددين في الداخل والكيان الصهيوني قد يعرقلون المفاوضات». ورأى أن «التفاوض لمجرد التفاوض يضر بإيران، والاتفاقات التكتيكية مصيرها الفشل وتخدم ترمب أكثر من طهران».
ترمب يتهم إيران بالمماطلة
واشتكى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الاثنين، من وتيرة المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تبدأ الدولتان جولةً جديدةً من المفاوضات المحورية، السبت.
وقال ترمب إنه يعتقد أن إيران تؤخِّر عمداً التوصُّل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة، وإن عليها التخلي عن أي مسعى لامتلاك سلاح نووي، وإلا فسوف تواجه ضربةً عسكريةً محتملةً لمنشآتها النووية.
وأضاف ترمب للصحافيين، في تعليق على لقاء المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، في سلطنة عمان يوم السبت، وزير الخارجية الإيراني: «أعتقد أنهم (يسعون) لتضييع الوقت».
وعندما سُئل ترمب عمّا إذا كان الرد المحتمل قد يشمل توجيه ضربات إلى منشآت نووية إيرانية أجاب قائلاً: «بالتأكيد». وأضاف أن على الإيرانيين التحرك بسرعة لتجنب رد قاسٍ لأنهم «قريبون جداً» من تطوير سلاح نووي.
ولاحقاً، قال ويتكوف، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، إن أي اتفاق حول برنامج إيران النووي سيتوقف بشكل أساسي على التحقق من مستويات تخصيب اليورانيوم وقدرات التسلح النووي.
وأضاف ويتكوف، أن «الاتفاق المرتقب سيركّز على تعزيز آليات الرقابة والمراقبة، بدلاً من تفكيك البنية التحتية النووية الإيرانية بشكل كامل»، من غير أن يدعو إلى تفكيكه بالكامل.
وأكد ويتكوف أن التحقق من قدرات «عسكرة» البرنامج النووي يُشكِّل نقطةً «أساسيةً» في المفاوضات مع إيران، مشيراً إلى أن «هذا يشمل الصواريخ... والصواعق (لتفجير) قنابل».
وأضاف: «ليسوا بحاجة إلى التخصيب بأكثر من 3.67 في المائة»، وهي النسبة القصوى المسموح بها بموجب الاتفاق النووي المبرم في 2015، الذي انسحب منه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 2018.
ولفت ويتكوف إلى أنه «في بعض الحالات يصلون إلى 60 في المائة، وفي حالات أخرى 20 في المائة»، مضيفاً أن هذه النسبة تتعدى ما هو ضروري لبرنامج نووي مدني.
وقال إن «الاجتماع الأول كان إيجابياً وبنّاءً ومقنعاً»، لكنه رأى أن «الشيطان سيكمن في التفاصيل».
وتمثل تصريحات ويتكوف تحولاً ملحوظاً في الموقف الأميركي، في ظل مطالب من الجمهوريين وإسرائيل بتفكيك البرنامج النووي، على غرار النموذج الليبي.
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأسبوع الماضي، ضرورة منع إيران من حيازة أسلحة نووية، مشدداً على أن «أي اتفاق ينبغي أن يتبع النموذج الليبي»، الذي يتضمَّن تفكيكاً كاملاً للمنشآت والمعدات النووية تحت إشراف دولي مباشر، تقوده الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أبدى مسؤولون إسرائيليون ودبلوماسيون أوروبيون، في الأيام الأخيرة، قلقاً من أن تسوية محتملة قد لا تتضمن ضمانات كافية تحول دون تطوير إيران قدرات نووية مستقبلاً. وقال مسؤولون إسرائيليون لصحيفة «جيروزاليم بوست»: «مخاوفنا تتمحور حول ضعف محتمل في موقف واشنطن التفاوضي».
ناقوس الخطر
وتخشى القوى الغربية من تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، بعدما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مخزون إيران من اليورانيوم بنسبة 60 في المائة بات يكفي لإنتاج 6 قنابل، إذا أرادت طهران رفع نسبة التخصيب إلى 90 في المائة المطلوبة لإنتاج الأسلحة.
وتفاقمت مخاوف طهران؛ بسبب إسراع ترمب بإعادة استراتيجية «الضغوط القصوى» حين عاد إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني).
وفي فترة ولايته الأولى، انسحب ترمب في عام 2018 من الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران عام 2015 مع 6 قوى عالمية، وأعاد فرض العقوبات على الجمهورية الإسلامية. ومنذ عام 2019، تجاوزت إيران بكثير الحدود التي يضعها اتفاق 2015 على تخصيب اليورانيوم، وأنتجت مخزونات من اليورانيوم المخصب بدرجة تفوق ما تقول قوى غربية إن له مبررات في برنامج مدني، وبدرجة تقترب من المستوى المطلوب للرؤوس الحربية النووية.
ودقَّت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ناقوس الخطر بشأن زيادة مخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة لدى إيران، وأفادت بعدم إحراز أي تقدم حقيقي في حل القضايا العالقة منذ فترة طويلة، مثل وجود غير مبرَّر لآثار يورانيوم في مواقع سرية.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن رئيس «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، رافائيل غروسي، سيزور طهران، يوم الأربعاء، في محاولة لتضييق الفجوة بين طهران والوكالة بشأن القضايا العالقة. وقال غروسي على منصة «إكس»، الاثنين: «استمرار التواصل والتعاون مع الوكالة ضروري في وقت تشتد فيه الحاجة إلى حلول دبلوماسية».