«اعتراف ماكرون»... حجر في المياه الراكدة لحل الدولتين

إسرائيل ترفض... والسلطة الفلسطينية ترحب... وانقسام في الداخل الفرنسي

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
TT

«اعتراف ماكرون»... حجر في المياه الراكدة لحل الدولتين

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

بعد ثماني سنوات من الانتظار الذي أعقب التصويت على قرار في مجلس النواب الفرنسي يحثّ الحكومة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبعد تردد دام طويلاً بحجة تقول إن الاعتراف يجب أن يتم «في الوقت الملائم»، وأن يكون «مفيداً» لجهة الدفع باتجاه السلام، أقدم الرئيس إيمانويل ماكرون على الإعلان، أخيراً، أن بلاده «يمكن أن تعترف بالدولة الفلسطينية»، بمناسبة المؤتمر الدولي المفترض أن يلتئم برئاسة مشتركة فرنسية - سعودية، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، في يونيو (حزيران) القادم.

ورأي محللون أن نية ماكرون الاعتراف بفلسطين أن يرمي حجراً في المياه الراكدة لحل الدولتين، فيما أوضحت الخارجية الفرنسية في مؤتمرها الصحافي، يوم الخميس، أن المؤتمر «وليد تصويت جرى في الأمم المتحدة في فبراير (شباط) من العام الماضي وسيكون تحت عنوان: دعم حل الدولتين».

وإعلان ماكرون جاء، مساء الأربعاء، في إطار حديث لمحطة «فرانس 5» جرى تسجيله يوم الثلاثاء عقب عودته من زيارته لمصر، حيث كان ملف غزة أساسياً في المحادثات الثنائية مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، أو في إطار القمة الثلاثية التي ضمَّت العاهل الأردني، أو في التواصل الجماعي مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وكانت لافتةً الزيارة المشتركة التي قام بها مع الرئيس السيسي لمدينة العريش التي تعد القاعدة الخلفية لإيصال المساعدات إلى غزة.

ماكرون: ما سأفعله ليس إرضاءً لهذا أو ذاك

السيسي يتوسط ماكرون والملك عبد الله الثاني في القاهرة 7 أبريل 2025 (الرئاسة المصرية)

بدايةً، تجدر الإشارة إلى أن ماكرون كان جازماً بقوله إنه «يجب أن نتحرك نحو الاعتراف، وهذا ما سنفعله في الأشهر المقبلة». وقال ماكرون ما حرفيته: «هدفنا هو، في تاريخ ما خلال يونيو القادم، أن نترأس مع المملكة العربية السعودية، هذا المؤتمر (حول حل الدولتين)، حيث يمكننا وضع اللمسات الأخيرة على حركة الاعتراف المتبادل من كثير من الدول».

وتابع: «سأفعل ذلك ليس إرضاءً لهذا الشخص أو ذاك، بل لأنني أعتقد أنه، في مرحلة ما، سيكون أمراً عادلاً. ولأنني أريد أيضاً أن أشارك في ديناميكية جماعية، ينبغي أن تمكن أيضاً جميع الذين يدافعون عن فلسطين من الاعتراف بإسرائيل بدورهم، وهو ما لم يفعله كثير منهم». وخلاصته أن هذا المسار سيجعل من الممكن أيضاً «أن نكون واضحين في محاربة أولئك الذين ينكرون حق إسرائيل في الوجود، كما هو الحال مع إيران، وأن نلتزم بالأمن الجماعي في المنطقة».

وإذا أقدمت فرنسا على هذه الخطوة، فإنها ستكون أول دولة غربية تتمتع بالثقل السياسي والدبلوماسي، وهي قادرة على التأثير على دول أخرى أوروبية أو غير أوروبية، لكنها ستجد، بالطبع، إسرائيل والولايات المتحدة في وجهها، إضافةً إلى وضع ميداني صعب في الضفة الغربية أو غزة، مما يجعل قيام الدولة الفلسطينية الموعودة تحدياً استثنائياً.

ثلاث ملاحظات

طفل فلسطيني يجلس على أنقاض مبنى في موقع غارة إسرائيلية على منطقة سكنية بحي الشجاعية (أ.ف.ب)

ما يطرحه ماكرون يستوجب، وفق مصادر دبلوماسية، ثلاث ملاحظات؛ أولاها أنه يضع لمؤتمر نيويورك أهدافاً كثيرة تتخطى مجرد اعتراف بلاده بالدولة الفلسطينية، إذ إنه يريد اعترافاً «جماعياً» من الدول الأوروبية التي لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية، فيما أربع منها فعلت ذلك العام الماضي، وهي: إسبانيا وآيرلندا والنرويج وسلوفينيا.

وحتى اليوم، هناك 147 دولة اعترفت بالدولة الفلسطينية، لكنَّ دولاً رئيسية مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا لم تقم بعد بذلك. وهذا الاعتراف الجماعي هو ما يسميه ماكرون «الديناميكية الجماعية». وفي هذا الخصوص، وتبريراً لها، تساءلت مصادر فرنسية عن «الفائدة العملية» التي أفضى إليها اعتراف الدول الأربع المشار إليها، حيث إن مبادرتها «بقيت رمزية» ومن غير أي تأثير ميداني وعملي على الأحداث.

أما الملاحظة الثانية الرئيسية فهي تتناول ربط ماكرون بين الاعتراف بالدولة الفلسطينية والاعتراف بإسرائيل من جانب الدول العربية والشرق أوسطية التي لم تعترف بها حتى اليوم.

ويثير هذا الربط إشكالية حقيقية: فهل يعني ماكرون أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يرى النور إلا إذا قبلت الدول العربية أو دول أخرى مثل إيران، التي قال عنها إنها «تُنكر حق إسرائيل في الوجود»، شرط الاعتراف بإسرائيل؟ والمعروف أن كثيراً من الدول العربية تربط اجتياز هذه الخطوة بانطلاق مسار جدي يُفضي إلى قيام الدولة الفلسطينية، فيما الحكومة الإسرائيلية تقوم بكل ما هو في مستطاعها، ميدانياً وسياسياً وعسكرياً واستيطانياً، لمنع قيام هذه الدولة.

والملاحظة الثالثة تتناول، تحديداً، المطلوب من إسرائيل، إذ إن كلام ماكرون لا يأتي على ذلك، ولا ينص على أن أحد أهداف المؤتمر هو أن تقبل إسرائيل، أخيراً، بأن تقوم إلى جانبها دولة فلسطينية.

ردود الفعل

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (أ.ب)

لم يتأخر رد الفعل الإسرائيلي على قرار ماكرون. فقد سارع جدعون ساعر، وزير الخارجية، إلى التعبير عن رفض تل أبيب هذه الخطة، وكتب على منصة «إكس»، بعد وقت قصير من بث كلام الرئيس الفرنسي، أن اعترافاً أحادياً بدولة فلسطينية وهمية من جانب أي دولة، ضمن الواقع الذي نعرفه جميعاً، سيكون مكافأة للإرهاب وتعزيزاً لحركة (حماس)».

وأضاف ساعر أن «هذا النوع من الأفعال لن يجلب السلام والأمن والاستقرار إلى منطقتنا، بل على العكس ستُبعدها عنَّا». ومن جانبه، سارع سفير إسرائيل في باريس جوشوا زاركا، وبعيداً عن كل الأعراف الدبلوماسية، إلى مهاجمة ماكرون، قائلاً لإذاعة «فرانس إنفو» صباح الخميس، إن «الحديث عن دولة فلسطينية، اليوم، فيما الحرب متواصلة، يعد في نظرنا أمراً غير مسؤول».

وأضاف أنه «يعد تشجيعاً لـ(حماس) على البقاء في السلطة، ولأن السلطة الفلسطينية تريد الجدولة، ولكن من غير توفير السلام». وعدَّد السفير الإسرائيلي مجموعة شروط تبدأ بتحرير الرهائن، وتخلي «حماس» عن سلاحها، وتوفير شروط الاستقرار التي تُفضي إلى السلام، ومنها تنشئة الأجيال الجديدة على العيش بسلام «لأن ما يتعلمونه أن في رام الله أو غزة هو قتل اليهود».

في المقابل، رأت الخارجية الفلسطينية، في تغريدة على موقعها في منصة «فيسبوك»، أن ما صدر عن ماكرون يعد «خطوة في الاتجاه الصحيح لحماية حل الدولتين وتحقيق السلام، في انسجام صريح مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية». ودعت الخارجية الفلسطينية، استباقياً، الدول التي ستشارك في مؤتمر نيويورك إلى توفير الدعم والإسناد لتطبيق حل الدولتين، معتبرة أن «الوقف الفوري لجرائم الإبادة والتهجير والضم، واستعادة الأفق السياسي لحل الصراع وتمكين الشعب الفلسطيني من تجسيد دولته على الأرض، كل ذلك يعد مفتاحاً لحل الصراع وتحقيق أمن وازدهار المنطقة واستقرارها».

كذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن وزيرة الدولة الفلسطينية للشؤون الخارجية، فارسين أغابكيان، أن اعتراف فرنسا بدولة فلسطين «سيكون خطوة في الاتجاه الصحيح بما يتماشى مع حماية حقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين».

انقسامات في الداخل الفرنسي

البرلمان الفرنسي (أرشيفية لجلسة عامة بالجمعية الوطنية)

لم يمر كلام ماكرون دون إحداث انقسامات في الداخل الفرنسي؛ فاليسار، ممثَّلاً في «الحزب الاشتراكي» وحزب «فرنسا الأبية» وكذلك «الخضر»، أبدى تأييداً كاملاً لما طرحه ماكرون. وقال أوليفيه فور، أمينه العام، إن الاعتراف «لا بديل عنه، ويتعين أن يحصل في يونيو، ويجب أن يترافق مع حركة جماعية للأوروبيين بحيث نستطيع، كأوروبيين، أن نضغط على القرار الإسرائيلي».

وبالتوازي، أشار فور إلى ضرورة أخذ أمن إسرائيل بعين الاعتبار. ومن جانبه، رأى فرنسوا هولاند، رئيس الجمهورية (الاشتراكي) السابق، أنه إذا أتاحت مبادرة ماكرون اعترافات متبادلة فإنه «سيشكل مساراً جيداً». بيد أنه سارع إلى التنبيه إلى أن «المهم هو قيام دولة فلسطينية، ولكن من غير (حماس)، وأن تكون غزة منطقة يتمكن سكانها، ببساطة، من العيش فيها».

وقالت ماتيلد بانو، رئيسة المجموعة النيابية لحزب «فرنسا الأبية»: «أخيراً، وبعد عامين على انطلاق مجزرة غزة، فرنسا تخطط للاعتراف بالدولة الفلسطينية». كذلك عدَّت «الحركة الديمقراطية» على لسان النائب مارك فيسنو، أن ما دعا إليه ماكرون «فكرة جيدة»، متمنياً أن تُفضي إلى «اعترافات متبادلة» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، و«بحقهم في العيش بأمن في إطار نظام ديمقراطي».

وأعرب جيرار لارشيه، رئيس مجلس الشيوخ، المنتمي إلى حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي، عن تأييده لمبادرة ماكرون، لكنه تساءل: «هل الشروط متوافرة للذهاب إلى الاعتراف بالدولة؟» وأجاب عن سؤاله بـ«كلا»، معللاً ذلك بوجود رهائن إسرائيليين في غزة وبهجمات «حماس» ضد إسرائيل. كذلك، فإن رئيسة مجلس النواب يائيل براون - بيفيه، دعمت بفتور مبادرة ماكرون، شرط «أن تدفع بالتوجه نحو إقامة دولتين مع توفير ضمانات أمنية لهما».

يبقى أن اليمين المتطرف ممثلاً بحزب «التجمع الوطني»، رأى أن ما اقترحه ماكرون «سابق لأوانه». ورأى سيباستيان شينو، نائب رئيس الحزب، أنه رسالة مضمونها: «الجأوا إلى الإرهاب وسوف نعترف بحقوقكم». وفي هذا السياق، هاجمت مجلة «تريبيون جويف» التي تُصدرها الطائفة اليهودية، مبادرة الرئيس الفرنسي التي رأت فيها «شرعنة ما قامت به (حماس) يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)» في عام 2023.


مقالات ذات صلة

فرنسا لإطلاق مبادرة لـ«تسوية تفاوضية» بين إسرائيل وإيران

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ)

فرنسا لإطلاق مبادرة لـ«تسوية تفاوضية» بين إسرائيل وإيران

طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من وزير خارجيته أن يطلق في الأيام المقبلة مبادرة مع الشركاء الأوروبيين القريبين لاقتراح تسوية بين إسرائيل وإيران.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية صورة مركبة للمرشد الإيراني علي خامنئي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب) play-circle

الفلسطينيون يتكبدون «التغييب» ثمناً للحرب الإسرائيلية - الإيرانية

كانت حرب إسرائيل على غزة الغائب الأكبر عن مناقشات قادة مجموعة الدول السبع؛ إذ تكبد الفلسطينيون التغييب ثمناً للحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية.

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث في ألبرتا بكندا (أ.ف.ب)

ماكرون: محاولة تغيير النظام في إيران بالسبل العسكرية أكبر خطأ

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، أن «أكبر خطأ اليوم هو محاولة تغيير النظام في إيران بالسبل العسكرية».

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون: لا أعتقد أن روسيا «يمكن أن تكون وسيطاً» بين إسرائيل وإيران

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الأحد، إنه لا يعتقد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمكن أن يؤدي دور الوسيط في النزاع بين إسرائيل وإيران.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (واس)

محمد بن سلمان يبحث مع ترمب وماكرون وميلوني عمليات إسرائيل ضد إيران

بحث ولي العهد السعودي مع الرئيسين الأميركي والفرنسي ورئيسة الوزراء الإيطالية التطورات التي تشهدها المنطقة بما في ذلك العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران.

«الشرق الأوسط» (جدة)

قيادي شيعي عراقي: سنستهدف كل أميركي بالمنطقة في حال استهداف خامنئي

المرشد الإيراني خامنئي (أ.ف.ب)
المرشد الإيراني خامنئي (أ.ف.ب)
TT

قيادي شيعي عراقي: سنستهدف كل أميركي بالمنطقة في حال استهداف خامنئي

المرشد الإيراني خامنئي (أ.ف.ب)
المرشد الإيراني خامنئي (أ.ف.ب)

حذّر زعيم فصيل شيعي مسلح في العراق، الخميس، الإدارة الأميركية من أن استهداف المرشد الإيراني علي خامنئي سيُقابل بالرد على جميع حاملي الجنسية الأميركية في المنطقة.

وخاطب الشيخ أكرم الكعبي، الأمين العام لحركة «النجباء» الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في تغريدة على منصة «إكس»، قائلاً: «إن لمستم شعرة من الإمام خامنئي فستكونون أنتم وحلفاؤكم وأذنابكم تحت ملاحقتنا ونيراننا في كل منطقتنا الإسلامية».

وأضاف: «لن يسلم منكم عسكري أو دبلوماسي، بل كل مَن يحمل جنسيتكم في منطقتنا وكل مصالحكم المباشرة وغير المباشرة ستكون أهدافاً مشروعة».

وشدد الكعبي: «نحن لا نخاف الموت ولا التهديدات».

وفي وقت سابق اليوم، جدّد المرجع الشيعي في العراق علي السيستاني، إدانة «العدوان العسكري» الإسرائيلي على إيران، محذّراً من أن استمراره والتهديد باستهداف القيادة الإيرانية العليا ينذران بحدوث «فوضى عارمة» في المنطقة.

وجاء في ثاني بيان يصدر عن مكتبه منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية: «تُجدد المرجعية الدينية العليا في النجف إدانتها الشديدة لتواصل العدوان العسكري على الجمهورية الإيرانية، وأي تهديد باستهداف قيادتها الدينية والسياسية العليا».

وحذّر من أن «القيام بخطوة إجرامية من هذا القبيل... ينذر بعواقب بالغة السوء في أوضاع هذه المنطقة برمّتها، وربما يؤدي إلى خروجها عن السيطرة تماماً، وحدوث فوضى عارمة تزيد من معاناة شعوبها، وتضر بمصالح الجميع إلى أبعد الحدود».

وباشرت إسرائيل هجوماً غير مسبوق على إيران في 13 يونيو (حزيران)، مؤكدة امتلاك معلومات استخباراتية تُفيد بأن البرنامج النووي الإيراني شارف «نقطة اللاعودة».

واستهدفت إسرائيل مئات المواقع العسكرية والنووية، وقتلت مسؤولين عسكريين كباراً وعلماء نوويين.