تركيا تحدث وثيقة «الأمن القومي» للمرة السادسة في عهد إردوغان

تُعرف بـ«الكتاب الأحمر» أو «الدستور السري» ووضعت عام 1961

جانب من اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة إردوغان في 5 ديسمبر (الرئاسة التركية على «إكس»)
جانب من اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة إردوغان في 5 ديسمبر (الرئاسة التركية على «إكس»)
TT

تركيا تحدث وثيقة «الأمن القومي» للمرة السادسة في عهد إردوغان

جانب من اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة إردوغان في 5 ديسمبر (الرئاسة التركية على «إكس»)
جانب من اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة إردوغان في 5 ديسمبر (الرئاسة التركية على «إكس»)

انتهت تركيا من تحديث وثيقة الأمن القومي التي توصف بأنها «الدستور السري» للدولة، والمعروفة علناً بـ«الكتاب الأحمر». وكشف نائب الرئيس التركي، جودت يلماظ، عن الانتهاء من تحديث الوثيقة خلال اجتماع سرّي عُقد في الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي بأوامر من الرئيس رجب طيب إردوغان.

وعقد الاجتماع الذي ترأسه يلماظ، مطلع شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في ظل تدابير مشددة، حيث جرى سحب الهواتف النقالة والساعات الذكية من المشاركين فيه منعاً لتسريب أي معلومات من المناقشات الدائرة حول تحديث الوثيقة.

نائب الرئيس التركي جودت يلماظ متحدثاً أمام البرلمان الخميس (من حسابه في «إكس»)

وذكر يلماظ، رداً على أسئلة نواب البرلمان خلال مناقشة موازنة تركيا لعام 2025 بالبرلمان، الأربعاء، أنه تم تجميع آراء الوزارات والمنظمات ذات الصلة في الأشهر الأولى من العام الحالي، وتم إجراء الدراسات في ضوء المعلومات التي تم جمعها، ويتمّ عرض الوثيقة على اجتماع مجلس الأمن القومي المقبل برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان، وأضاف أن «وثيقة سياسة الأمن القومي هي وثيقة شاملة للغاية، وذات مؤهلات عالية، سنضفي عليها طابعاً رسمياً بقرار من مجلس الأمن القومي، وستوجه العمل الذي يتعين على مؤسسات الدولة القيام به».

ما «الكتاب الأحمر»؟

يرجع تاريخ «الكتاب الأحمر»، الذي يُعد حجر زاوية استراتيجيات الأمن القومي التركي، إلى تأسيس مجلس الأمن القومي عام 1961، وكان مؤسس حزب «الحركة القومية» ممثل تركيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في ذلك الوقت، ألب أرسلان توركيش، أول من كشف النقاب عن الوثيقة بالغة الأهمية، التي كانت مكونة من 10 إلى 15 صفحة مربوطة بغلاف جلدي أحمر، وعرفت بـ«مبادئ سياسة الأمن القومي».

ويعد «الكتاب الأحمر» عنصراً محورياً في تشكيل الاستراتيجيات الدفاعية لتركيا، ويتضمن تحليلاً معمقاً للتهديدات التي تواجه وجود تركيا، سواء كانت داخلية أم خارجية، مع التركيز بشكل خاص على تدابير مكافحة الإرهاب.

ولا يمكن إقرار قوانين أو مراسيم تتعارض مع مبادئ السياسة الوطنية المنصوص عليها بالكتاب، الذي يعد وثيقة بالغة السرية، حتى بالنسبة لنواب البرلمان، الذي يفرض على صانعي القرار الالتزام بمبادئه، بصرامة شديدة، دون الحق في الاطلاع عليها أو مناقشتها.

جانب من اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة إردوغان (الرئاسة التركية)

ويتم تداول «الكتاب الأحمر» في أروقة السلطة في إطار من السرية الشديدة والحرص الأمني البالغ، ويسلمه رئيس البلاد إلى خلفه، بعد انتهاء حكمه، ضمن إجراءات انتقال السلطة، ويتولى جهاز المخابرات مسؤولية نقله بأمان إلى المستشارين المختصين.

تحديثات متعاقبة

وجرى تحديث الكتاب 3 مرات فقط خلال الـ30 عاماً التي سبقت تولي حزب «العدالة والتنمية» برئاسة إردوغان السلطة، ثم 6 مرات منذ تولي الحزب قيادة البلاد. وكان آخر تحديث أُجري في 30 سبتمبر (أيلول) 2019.

ولا يمكن الوصول إلى معلومات عما يحتويه «الكتاب الأحمر» فيما يتعلق بالتهديدات الداخلية والخارجية، إلا من خلال ما يرد من عبارات في البيانات التي تصدر عن اجتماعات مجلس الأمن القومي الدورية، أو عبر التسريبات الإعلامية شديدة الندرة.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (الرئاسة التركية على «إكس»)

وفيما يخص التهديدات الداخلية، استطاع إردوغان إعادة صياغة توجهات «الكتاب الأحمر» بخصوص «الجماعات الدينية»، التي كانت مدرجة سابقاً فيما يعرف بـ«الفعاليات الدينية الرجعية»، وتوجيه الأنظار نحو الجماعات الإرهابية التي تسيء استخدام الدين لزعزعة استقرار الدولة.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك استبعاد حركة «الخدمة» التابعة لفتح الله غولن، التي كانت تعرف بـ«تنظيم الدولة الموازية»، من كونها عنصراً من عناصر التهديد الداخلي تحت بند «الجماعات الدينية» في الفترة التي كان فيها غولن، الذي توفي مؤخراً في أميركا، أقرب وأوثق حلفاء حزب «العدالة والتنمية» وإردوغان.

لكن حركة «غولن» عادت لتتصدر قائمة التهديدات بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو (تموز) 2016، بينما كان تنظيم «القاعدة» و«حزب الله» بين أبرز التهديدات الخارجية حينها.

وبحسب ما رشح من معلومات تداولتها وسائل الإعلام التركية، تم استبعاد سوريا وإيران واليونان «جزئياً»، وبلغاريا وأرمينيا وجورجيا من لائحة الدول التي تهدد أمن تركيا، بعدما كانت تعد الأكثر تهديداً له.

وركز التعديل، الذي أجرى على الكتاب عام 2010، بشكل أساسي، على إسرائيل، إذ عدَّ أن عدم الاستقرار في المنطقة سببه النشاط الإسرائيلي وسياسة تل أبيب التي تسببت في سباق التسلح بالمنطقة.

وشهد ذلك العام توتراً وقطيعة دبلوماسية بين تركيا وإسرائيل على خلفية حادث اعتداء إسرائيل على سفينة «مرمرة الزرقاء» (مافي مرمرة)، في شرق البحر المتوسط في 30 مايو (أيار) من ذلك العام، وهي في طريقها ضمن «أسطول الحرية» الذي كان يسعى لكسر الحصار على غزة.

واستشهدت الحكومة التركية بـ«الكتاب الأحمر» للرد على اتهامات المعارضة لإردوغان بتحويل نظام الحكم في تركيا إلى نظام الرجل الواحد، إذ قال نائب الرئيس، جودت يلماظ، إن «الكتاب الأحمر» يُعدّ شاهداً على مدى التزام الإدارة بالإجراءات المنصوص عليها، واتخاذ جميع التدابير الخاصة بعمليات التشاور اللازمة، ما يعكس بنية الحكم المؤسسي بدلاً من التركيز على القوة الفردية للرئيس.


مقالات ذات صلة

هدوء حذر في منبج وعين العرب بعد تمديد وقف إطلاق النار

المشرق العربي عناصر من قوات «قسد» في عين العرب (كوباني) بعد إعلان تمديد وقف إطلاق النار (رويترز)

هدوء حذر في منبج وعين العرب بعد تمديد وقف إطلاق النار

ساد هدوء حذر في محيط مدينة عين العرب (كوباني) في شرق الفرات ومنبج في غرب النهر (شمال شرقي سوريا) بعد توافق أميركي - تركي على تمديد وقف إطلاق النار.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا صور نشرتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) لجانب من نقاش قادتها حول مخاطر الإرهاب وتشكيل القوة العسكرية لمواجهته

دول غرب أفريقيا تبدأ تشكيل لواء عسكري لمحاربة «الإرهاب»

قررت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، تسريع العمل من أجل تفعيل قوة عسكرية مشتركة، هدفها الأول مواجهة خطر الجماعات الإرهابية التي بدأت تتوسع.

الشيخ محمد (نواكشوط)
يوميات الشرق شعار منصة «تلغرام» (رويترز)

دراسة: خوارزميات «تلغرام» تروج للمحتوى المتطرف

كشفت دراسة جديدة أن منصة التواصل الاجتماعي «تلغرام» تستخدم خوارزمية تروج للمحتوى المتطرف.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أفريقيا بعد الهجوم على عناصر حركة «الشباب» في الصومال (أرشيفية - متداولة)

مقتل 30 من قادة وعناصر حركة «الشباب» الإرهابية شرق الصومال

قتل 30 مسلحاً من قادة وعناصر حركة «الشباب» الإرهابية خلال عمليات عسكرية واسعة النطاق، في الأيام الأخيرة بمحافظة شبيلي الوسطى في جنوب شرقي الصومال

آسيا يقف شرطي حارساً عند نقطة تفتيش بعد أن أطلق مسلحون مجهولون النار على فريق تطعيم ضد شلل الأطفال مما أسفر عن مقتل حارس شرطة في كاراك بإقليم خيبر بختونخوا (باكستان) 16 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

مقتل شرطيين في هجوم على مركز للشرطة بشمال غربي باكستان

فتح مسلحون على متن دراجة نارية النار الثلاثاء، على مركز للشرطة في شمال غربي باكستان، مما أسفر عن مقتل رجلي شرطة

«الشرق الأوسط» (بيشاور )

مستوطنو ترمب هايتس في الجولان السوري المحتل مستعدون للتوسع

مستوطنة «ترمب هايتس» (أ.ف.ب)
مستوطنة «ترمب هايتس» (أ.ف.ب)
TT

مستوطنو ترمب هايتس في الجولان السوري المحتل مستعدون للتوسع

مستوطنة «ترمب هايتس» (أ.ف.ب)
مستوطنة «ترمب هايتس» (أ.ف.ب)

في نهاية طريق متعرج أعلى تلة ترابية في مرتفعات الجولان السوري المحتل التي ضمتها إسرائيل، تفتح بوابات صفر ببطء لتسمح بدخول مركبات تمر بجانب تمثال نسر ولافتة ذهبية تحمل اسم الرئيس الأميركي المنتخب.

يوجد علمان إسرائيلي وأميركي على لافتة مدخل مستوطنة «ترمب هايتس» (مرتفعات ترمب) على اسم دونالد ترمب؛ امتناناً له لاعترافه في عام 2019 بضم إسرائيل للهضبة ذات الموقع الاستراتيجي، لتكون الولايات المتحدة الدولة الأولى والوحيدة حتى الآن التي أقدمت على هذه الخطوة.

وبعد خمس سنوات، يعيش في المستوطنة نحو 26 عائلة في منازل مؤقتة ومتنقلة بانتظار تنفيذ خطط توسيعها على نطاق كبير.

يقول مسؤول التجمع ياردن فريمان إن عدد سكان مستوطنة مرتفعات ترمب سيتضاعف في غضون ثلاث سنوات. وهو يتوقع أن تنتقل 99 عائلة إلى منازل جديدة على أراض واسعة مع بنية تحتية جديدة تناسبها.

ويتوقع فريمان أن تحظى الخطة بدعم رسمي مع انتظار موافقة الحكومة الإسرائيلية الأحد على خطة لإنفاق 40 مليون شيقل (11 مليون دولار) لمضاعفة عدد المستوطنين اليهود في الجولان.

أعلنت الخطة بعد الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد ودخول قوات الجيش إلى المنطقة العازلة مع سوريا والسيطرة عليها.

كما نفذت إسرائيل مئات الضربات على المنشآت العسكرية السورية فيما تقول إنها محاولة لمنع وقوعها في أيد معادية، كما حذرت مراراً وتكراراً من التهديد الذي يشكله قادة سوريا الجدد.

احتلت إسرائيل معظم مرتفعات الجولان عام 1967 وأعلنت ضمها عام 1981 في خطوة لم تعترف بها سوى الولايات المتحدة.

«جبهة مدنية قوية»

رحب المستوطنون بالميزانية الجديدة، خاصة بعد أكثر من عام من هجمات نفذها «حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة.

ويقول نائب رئيس المجلس الإقليمي يعقوب سيلفان: «نحن سعداء جداً لأن الحكومة تدرك أهمية الجولان وضرورة الاستثمار فيه، ليس فقط في الأمن، ولكن أيضاً في تنمية المجتمع فيه».

ويضيف: «بصفتنا الجبهة الشمالية الشرقية لإسرائيل، نحن لسنا هنا لمجرد إمعان النظر بالمشاهد الخلابة».

ويرى سيلفان أن هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل أظهر «ضرورة وجود جبهة مدنية قوية».

ويؤكد سيلفان المقيم في تجمع «يوناتان» الاستيطاني المجاور: «بعد أسوأ مأساة في تاريخ دولة إسرائيل، الآن نحتاج إلى الاستمرار في البناء وإعادة البناء بشكل أفضل».

ويشير إلى أن هناك خطة استراتيجية لتطوير المنطقة، التي يبلغ عدد سكانها اليهود نحو 30.000 نسمة، إلى جانب نحو 23.000 من الدروز الذين لم يغادروا أرضهم عند احتلالها ويفخرون لكونهم سوريين.

وإلى جانب تحسين الطرق ومنشآت البنية التحتية الأخرى وتوسيع التجمعات الاستيطانية القائمة، بما في ذلك بلدة كاتسرين الوحيدة في الجولان، تشمل الخطة إنشاء ثلاثة تجمعات جديدة، واحد بجانب مرتفعات ترمب وآخر قد يُبنى على أرض متنازع عليها مع لبنان.

ويقول سيلفان: «لقد حصلنا للتو على الأوراق من سلطة الأراضي الإسرائيلية»، مشيراً إلى المنطقة التي يسميها الإسرائيليون «جبل دوف» والمعروفة لدى اللبنانيين بمزارع شبعا.

ويشير إلى أن فريقاً كان يستعد لاستكشاف إمكانية البناء هناك. لكن سلطة الأراضي لم تعلق على الفور على أقواله.

«هذا هو واقعنا»

في مرتفعات ترمب، وبجانب مبان قيد الإنشاء، تم تمهيد الأرض لوضع أساسات لبناء نحو 50 منزلاً جديداً.

ويقول فريمان إنه منذ وصول أول عائلة إلى المنطقة في عام 2021، يضم التجمع اليوم نحو 70 شخصاً بالغاً وأكثر من 60 طفلاً تحت سن الثالثة عشرة.

ويضيف أن جميع العائلات بقيت رغم الحرب التي اندلعت في 2023 بفضل الروابط الشخصية بينها، موضحاً أن التجمع الاستيطاني يضم يهوداً متدينين وعلمانيين.

ورغم محاولات الحكومة تشجيع النمو السكاني، فإنه كان بطيئاً.

خارج أحد المنازل الصغيرة، كان يديديا أوستروف (31 عاماً) يقوم بجمع فروع الأشجار المتساقطة والأوراق.

أوستروف الذي انتقل مع زوجته إلى مرتفعات ترمب الثلاثاء، قال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «جئنا إلى هنا لأننا نتفق مع رؤية التجمع، والناس هنا، وطموحاتهم بشأن المستقبل».

وعند سؤاله عن مخاوفه بشأن الوضع الأمني المتقلب، قال أوستروف: «لست قلقاً... هذا ما اعتدنا عليه للأسف. آمل أن يبقى الوضع هادئاً، لكن هذا هو واقعنا».