الاستراتيجية الإقليمية لطهران على المحك بعد مقتل نصر الله

رجل دين إيراني يحمل ملصقاً كُتب عليه بالفارسية «تخطى الخط الأحمر» خلال تجمع في طهران (أ.ف.ب)
رجل دين إيراني يحمل ملصقاً كُتب عليه بالفارسية «تخطى الخط الأحمر» خلال تجمع في طهران (أ.ف.ب)
TT

الاستراتيجية الإقليمية لطهران على المحك بعد مقتل نصر الله

رجل دين إيراني يحمل ملصقاً كُتب عليه بالفارسية «تخطى الخط الأحمر» خلال تجمع في طهران (أ.ف.ب)
رجل دين إيراني يحمل ملصقاً كُتب عليه بالفارسية «تخطى الخط الأحمر» خلال تجمع في طهران (أ.ف.ب)

مع اشتداد الضربات الإسرائيلية على معاقل «حزب الله» اللبناني، خصوصاً مقتل حسن نصر الله، أبرز حلفاء طهران في «محور المقاومة»، ومقتل القيادي في «الحرس الثوري» عباس نيلفروشان، اتسعت علامات الاستفهام بشأن الاستراتيجية التي ستتبعها طهران في المرحلة المقبلة.

ويشكل مقتل نصر الله أقوى ضربة للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد مقتل العقل المدبر لعملياتها الخارجية، وصاحب أعلى رتبة عسكرية في إيران، اللواء قاسم سليماني، بضربة جوية أميركية، أمر بها الرئيس السابق والمرشح الحالي للانتخابات الرئاسية، دونالد ترمب، مطلع 2020.

ولا تزال طهران تعاني من الإرباك الذي سببه مقتل سليماني، سواء على صعيد استراتيجيتها الإقليمية، أو السياسة الداخلية، رغم أنها حاولت تقديم صورة جديدة، خلال عهد الرئيس السابق إبراهيم رئيسي، ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان، خصوصاً بعد «طوفان الأقصى»، بوجود سياسة إقليمية متماسكة، سواء على صعيد دعم أنشطة «محور المقاومة»، أو تحسين العلاقات مع دول الجوار، في إطار استراتيجية «التطلع نحو الشرق».

عمال يركبون لافتة دعائية ضخمة لأمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في ساحة انقلاب (الثورة) وسط طهران (أ.ب)

تهدئة مع الغرب

ومع انتخاب الرئيس المدعوم من الإصلاحيين، مسعود بزشكيان، في أعقاب وفاة رئيسي وعبداللهيان في تحطم طائرة مروحية، مايو (أيار) الماضي، ظهرت مؤشرات على رغبة طهران إلى التهدئة مع الغرب، خصوصاً القوى الأوروبية.

وتأكدت هذه المؤشرات مع بناء بزشكيان هيكل سياسته الخارجية على أساس الفريق الذي نجح في إبرام اتفاق نووي مع القوى العالمية في 2015، وجرى بموجبه تجميد عقوبات أقرها مجلس الأمن.

لكن بزشكيان يواجه تحديات كبيرة للمضي قدماً في خطته لرفع العقوبات، أو خفض التوتر مع القوى الأوروبية، كإجراء استباقي تحسباً لفوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية، واحتمال إحيائه استراتيجية الضغوط القصوى، إذا رفضت طهران شروطه لإبرام اتفاق نووي جديد، قد يشمل تعديل سلوكها الإقليمي، ويقيد برنامجها للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

ويأمل فريق الرئيس الإيراني الجديد أن يكون تحسين العلاقات مع الأوروبيين مؤثراً في التأثير على قرار ترمب، خصوصاً إذا ما قررت الولايات المتحدة تفعيل آلية لإعادة العقوبات الأممية المنصوص عليها في الاتفاق النووي. ومن غير الواضح، إذا ما كانت ستتمكن طهران من تكرار تجربة التعاون بين الأوروبيين وحكومة حسن روحاني.

وسيكون ملف الاتفاق النووي أولوية العلاقات بين إيران والغرب، مع تولي الحكومة الأميركية الجديدة، بغض النظر عن الفائز في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتخصب إيران حالياً اليورانيوم نسبة 60 و20 في المائة، ويكفي مخزونها بالمجموع ما يصل لعشر قنابل، إذا قررت رفع التخصيب إلى 90 في المائة.

وكان أكبر التحديات أمام الحكومة الجديدة قد بدأ مع اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في 30 يوليو (تموز) الماضي، بعد ساعات فقط من حضوره مراسم اليمين الدستورية للرئيس الجديد.

وألقى اغتيال هنية وتفاقم التوتر بظلاله على ولادة حكومة بزشكيان، وذلك وسط مخاوف من أن يقدم «الحرس الثوري» على شن ضربة مماثلة لهجوم منتصف أبريل (نيسان). وتحدث كبار المسؤولين الإيرانيين والقادة العسكريين حينها عن «واجب الرد» ومناقشة الخطط و«رد مفاجئ».

ماذا قال بزشكيان في نيويورك؟

وعلى هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة قدمت الإدارة الجديدة، على رأسها بزشكيان، تفاصيل لافتة عما جرى خلف الكواليس من اغتيال هنية في أول يوم يتولى منصبه.

وقال بزشكيان في لقاء مع صحافيين: «حاولنا عدم الرد. لقد ظلوا يقولون لنا إن اتفاقاً لوقف إطلاق النار في متناول اليد، ربما في غضون أسبوع أو أسبوعين، لكن هذا الأسبوع لم يأت قط وبدلاً من ذلك واصلت إسرائيل توسيع هجماتها».

واتهم إسرائيل بالسعي لجر الشرق الأوسط إلى الحرب باستفزاز بلاده. وتمسك بالرد على اغتيال هنية، قائلاً: «سنرد في الوقت والمكان المناسبين، وبالطريقة المناسبة».

وقال: «لا نرغب في أن نكون سبباً لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط لأن عواقبه ستكون لا رجعة فيها». وأضاف: «نريد أن نعيش في سلام ولا نريد الحرب». ونقلت وسائل إعلام أميركية قوله إن بلاده «مستعدّة لخفض التوترات مع إسرائيل، ما دامت ترى التزاماً مماثلاً من الجانب الآخر».

بزشكيان يلقي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

وبعد نفي الرئاسة الإيرانية لتصريحات بزشكيان، انتشر تسجيل صوتي من تصريحاته، يقول فيه إن «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، وأضاف: «الإرهابي هو إرهابي، لا فرق إن كان عربياً أو أعجمياً، فارسياً أو إسرائيلياً أو أميركياً، إذا ارتكبوا اغتيالاً فهم إرهابيون».

وفي اللقاء نفسه، قال بزشكيان رداً على سؤال عما إذا كانت إيران ستدخل الصراع بين إسرائيل و«حزب الله»: «سندافع عن أي مجموعة تدافع عن حقوقها وعن نفسها». ولم يجب في شكل مباشر على سؤال يتصل بمعرفة ما إذا كانت طهران سترد بصورة مباشرة على إسرائيل. وفي وقت لاحق، ذهب بزشكيان إلى أبعد من ذلك، عندما قلل من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل. وقال: «لا يمكن أن يواجه (حزب الله) بمفرده دولة تدافع عنها وتدعمها وتزودها بالإمدادات دول غربية ودول أوروبية والولايات المتحدة».

خيبة أمل

وبينما أثار الترقب بشأن الرد على اغتيال هنية خيبة أمل بين أنصار طهران، وبرر مسؤولون إيرانيون بـ«خدع الحرب»، و«تأخر الرد بأشد العقاب»، وتحدثوا عن صيانة رد «دقيق ومحسوب مع مراعاة جميع الجوانب».

وأشار الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، الأسبوع الماضي، في نيويورك، إلى ضغوط تعرضت لها طهران، بشأن احتمال تأثير ردها على جهود دولية للتوصل إلى هدنة في حرب غزة. وتعرض بزشكيان لانتقادات داخلية، بسبب تأكيده على رغبة طهران خفض التوتر الإقليمي، بما في ذلك مع إسرائيل.

وتخشى الحكومة الجديدة من أن تنعكس أي مواجهة جدية بين إيران وإسرائيل إيجاباً على حظوظ ترمب في الانتخابات الرئاسية. وكذلك محاولة تبريد التوتر مع الأوروبيين والاقتراب منهم.

وعلى ضوء هذه المخاوف، حذر مسؤولون في حكومة بزشكيان من الوقوع في «فخ» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لجر إيران إلى حرب.

وبعد مقتل نصر الله، مع القيادي في «الحرس الثوري» عباس نيلفروشان، عادت تلك التحذيرات بقوة إلى الواجهة.

وكان بيان المرشد الإيراني علي خامنئي قد توعد إسرائيل برد مؤلم من «جبهة المقاومة». ويقصد المسؤولون الإيرانيون من الجبهة، جماعات مسلحة، يقودها في الأغلب «فيلق القدس»، الذراع الخارجية في «الحرس الثوري».

وقال خامنئي إن «جماعات محور المقاومة، بما في ذلك (حزب الله)، سيحددون مصير المنطقة».

ودأبت طهران بعد «طوفان الأقصى» على النأي بنفسها عن التدخل في قرارات الجماعات المسلحة الموالية لها، رغم أنها تعهدت بمواصلة العمل ودعم تلك الجماعات.

وفي الواقع، مثلت الاستراتيجية التي وضعها سليماني في تعزيز الجماعات المسلحة وتنشيط دورها الميداني الخيار الأول لطهران في المعادلات الإقليمية والدولية. وكان سليماني قبل أشهر من مقتله تعهد بشن حرب غير متكافئة ضد القوات الأميركية في المنطقة، ومواجهة العقوبات الأميركية.

وقال سليماني حينها إن قواته في «فيلق القدس» ستواجه الولايات المتحدة دون أن يتطلب ذلك دخول إيران في الحرب.

اجتاحت لافتات دعائية تحمل صورة أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله شوارع وميادين العاصمة طهران (أ.ف.ب)

السيناريوهات

لا يزال «الحرس الثوري» الذي يدير كيانات اقتصادية وثقافية ويحظى بنفوذ سياسي كبير في البلاد يعول على استراتيجية الحرب عبر الجماعات المسلحة الحليفة دون الدخول في حرب مباشرة.

وعليه، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً لـ«الحرس الثوري» لا يزال متمثلاً بتفعيل جبهات متعددة، ومواجهة إسرائيل في حرب بالوكالة، وتصعيد وتيرة المواجهة.

وكشفت تصريحات القيادي في «الحرس الثوري» محسن رضائي، الأسبوع الماضي، عن مخاوف في طهران من امتداد الحرب الإسرائيلية لتطول جماعات مسلحة موالية لطهران في سوريا والعراق واليمن، تمهيداً لضرب طهران.

أما السيناريو الثاني، فهو أن يطلق «الحرس الثوري» مئات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، في ضربة لحفظ ماء الوجه.

وكان الحديث يدور أصلاً عن تكرار الضربة للانتقام من مقتل هنية، بعدما تمسكت طهران برد لا يدخلها في حرب مباشرة.

والآن مع مقتل نصر الله والقيادي في «الحرس الثوري»، عباس نيلفروشان، قال محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني في الشؤون الاستراتيجية، إن «القرار سيؤخذ من قِبَل أعلى المستويات»، في إشارة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يصادق المرشد الإيراني علي خامنئي على قراراته.

ويعد نيلفروشان ثاني أكبر قيادي في «الحرس الثوري» يُقتل هذا العام، بعد مقتل الجنرال محمد رضا زاهدي في قصف طال القنصلية الإيرانية في دمشق.

وبدأت سلسلة الخسائر الكبيرة لـ«الحرس الثوري» بعد «طوفان الأقصى» في أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، بمقتل رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا ولبنان، وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، قُتل حجت الله أميدوار، مسؤول استخبارات «الحرس الثوري» في سوريا، في غارة جوية على مبنى بحي المزة غرب دمشق، حيث تقع مقرات أمنية وعسكرية وأخرى لقيادات فلسطينية وسفارات ومنظمات أممية.

وسيلقي عدم الرد من الجهاز العسكري بظلال الشك بين أنصاره حول قدرته على التصرف في الأوقات المتأزمة.

أما السيناريو الثالث أن يوجه «الحرس الثوري» ضربةً صاروخيةً واسعة النطاق للمنشآت والبنية التحتية الإسرائيلية، وهو مستبعد جداً لحسابات الانتخابات الأميركية، وكذلك احتمال تعرض إيران لرد أميركي، بما يهدد سلامة المنشآت النووية الإيرانية، فضلاً عن الرفض الشعبي الواسع لفكرة إدخال إيران في حرب مدمرة.

والسيناريو الرابع، هو أن تدخل طهران في مواجهة محدودة مع إسرائيل، دون المساس بحسابات الانتخابات الأميركية، وذلك في مسعى لتبرير حاجتها إلى سلاح استراتيجي رادع، أوسع نطاقاً من الصواريخ الباليسيتة، وهو ما يعني اتخاذها قراراً حاسماً بتغيير مسار برنامجها النووي، والانتقال لمستويات إنتاج الأسلحة.


مقالات ذات صلة

7 أسباب تدفع إيران لتغليب الحوار مع «الترويكا»

شؤون إقليمية رافاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً للصحافة يوم 20 نوفمبر بمناسبة اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي ندد بفقدان التعاون من قبل إيران (أ.ف.ب)

7 أسباب تدفع إيران لتغليب الحوار مع «الترويكا»

تجد إيران نفسها مضطرة إلى تغليب خيار الحوار مع «الترويكا» الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بسبب مجموعة من العوامل المتشابكة داخلياً وخارجياً.

ميشال أبونجم (باريس)
تحليل إخباري رافاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً للصحافة يوم 20 نوفمبر بمناسبة اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي ندد بفقدان التعاون من قبل إيران (أ.ف.ب)

تحليل إخباري دوافع إيران لطرح برنامجها النووي على طاولة الحوار الأوروبية

7 أسباب رئيسية تدفع إيران اليوم لتغليب الحوار مع «الترويكا» الأوروبية على السير بسياسة المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.

ميشال أبونجم (باريس)
خاص شغل الدكتور جمال مصطفى السلطان منصب السكرتير الثاني للرئيس صدام حسين وهو متزوج من ابنته حلا play-circle 02:19

خاص جمال مصطفى: الرئيس قال «عبد الكريم قاسم نزيه لكن الحزب كلفنا باغتياله»

يؤكد جمال مصطفى السلطان أن الرئيس صدام رفض اغتيال ضيفه الخميني، ويعتبر تسمية «الكيماوي» ظلماً لعلي حسن المجيد.

غسان شربل
شؤون إقليمية مجلس الأمن يصوت بالإجماع على القرار «2231» بعد أسبوع على توقيع الاتفاق النووي بفيينا في 20 يوليو 2015 (أرشيفية - الأمم المتحدة)

«سناب باك»... إيران تواجه شبح العقوبات الأممية

لوّحت بريطانيا، الأحد، بتفعيل آلية «سناب باك» لمواجهة الخروقات الإيرانية في الاتفاق النووي لعام 2015؛ ما يعرض طهران لخطر العودة التلقائية إلى العقوبات الأممية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية الأحد عن فقدان منظومة الكهرباء لـ5500 ميغاواط بسبب توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل.

فاضل النشمي (بغداد)

المحكمة توافق على تأجيل شهادة نتنياهو 7 أيام

رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

المحكمة توافق على تأجيل شهادة نتنياهو 7 أيام

رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو (رويترز)

على الرغم من أنها ألمحت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحاول عرقلة محاكمته بتهم الفساد وإطالة أبحاثها، وافقت المحكمة المركزية في القدس على طلبه بشكل جزئي، وقررت تأجيل بدء الاستماع لشهادته 7 أيام، من الاثنين المقبل إلى الاثنين الذي يليه.

ورفضت المحكمة ادعاءات نتنياهو بأنه يطلب التأجيل لأسباب أمنية، أو لأخرى تتعلق بانشغالاته الكثيرة في شؤون الدولة، خصوصاً صدور مذكرة اعتقال ضده وضد وزير دفاعه السابق يوآف غالانت من المحكمة الجنائية الدولية، وقالت إن المحكمة المستمرة منذ 4 سنوات، يجب أن تسرع من وتيرة انعقادها، ولا يجوز تأجيلها أكثر مما حصل حتى الآن.

وهذا يعني أن نتنياهو سيضطر إلى المثول أمام المحكمة 3 أيام في الأسبوع، كل مرة 7 ساعات. وستعقد المحكمة العليا جلسة لها خلال الأسبوع المقبل، لتقرر إن كان يستطيع في هذه الحالة أن يدير شؤون الدولة، أو تقرر عزله عن منصب رئيس الحكومة، على الأقل خلال ساعات الإدلاء بشهادته.

3 قضايا

والمعروف أن نتنياهو واجه تحقيقات في الشرطة طيلة سنتين، انتهت في سنة 2020 بتقديم لائحة اتهام ضده في 3 قضايا، هي: «قضية 1000»: الغش وخيانة الأمانة، إذ يُتهم بتلقي هدايا، خصوصاً السيجار وزجاجات الشمبانيا، من رجال أعمال ذوي نفوذ، مقابل خدمات سياسية. و«قضية 2000»: الغش وخيانة الأمانة؛ حيث يُتهم بعرض مساعدة لصحيفة «يديعوت أحرونوت» المحلية على تحسين توزيعها مقابل تغطية صحافية في صالحه. و«قضية 4000»: تلقي الرشوة والغش وخيانة الأمانة.

وبنيت هذه الاتهامات على واقع قيام نتنياهو باستغلال منصبه في رئاسة الوزراء ووزارة الاتصالات وقت حدوث المخالفات المزعومة؛ إذ يُتهم بتشجيع اتخاذ قرارات حكومية في صالح كبير حاملي أسهم شركة «بيزيك» للاتصالات، شاؤول إلوفيتش، مقابل تغطية إيجابية من موقع «واللا» الإخباري، الذي يملكه إلوفيتش. وينفي نتنياهو بشدة جميع التهم الموجهة إليه، ويصفها بحملة من خصومه السياسيين ضده، وتعهد «بتطهير سمعته».

ولكنه، من وراء الكواليس، يدير محادثات غير مباشرة مع النيابة لإنهاء المحاكمة باتفاق يقضي بإلغاء التهم القاسية والإبقاء على تهم بسيطة. وقد فشلت المحادثات حتى اليوم؛ لأن النيابة تطالب بأن يعترف بالتهم ويترك الحياة السياسية، وعندها تتنازل عن طلب الحكم عليه بالسجن، وهو يرفض الاعتراف، ويرفض اعتبار التهم «عاراً يستوجب الاستقالة»، ويصر على البقاء في الحكم حتى نهاية الدورة البرلمانية التي انتخب فيها، أي في أكتوبر (تشرين الأول) من سنة 2026.

كما يستغل ثغرة في القانون تتعلق بمنصبه، ففي إسرائيل يجبر القانون الوزير بالاستقالة من الحكومة في حال توجيه لائحة اتهام ضده، باعتبار أن من الصعب على الوزير بهذا المنصب أن يدير شؤون وزارة وهو يدير محاكمته، فضلاً عن أن سمعة الدولة تُمس إذا كان فيها وزراء متهمون. لكن القانون لا يلزم رئيس حكومة بهذا المبدأ. وحاول نتنياهو نفسه تعديل هذا القانون في سنة 2008، عندما كان زعيماً للمعارضة، وكان رئيس الوزراء يومها إيهود أولمرت. فقد وجهت اتهامات تلقي رشى لأولمرت، وخرج نتنياهو في حملة لعزله باعتبار أن «إسرائيل دولة ديمقراطية حضارية لا يجوز أن يكون فيها رئيس حكومة متهم بالفساد».

وقد رضخ أولمرت يومها واستقال من رئاسة الحكومة والحزب، وجرت انتخابات فاز فيها نتنياهو.

وينقسم المجتمع الإسرائيلي بخصوص استمرار نتنياهو في أداء مهامه رئيساً للوزراء، فمنتقدوه يقولون إن المحاكمة تجعله غير ملائم لرئاسة الوزراء، لكن مَن يدعمونه في حزبه وخارجه، يقولون إنه انتخب بشكل ديمقراطي، ويجب عدم إجباره على الاستقالة.

وحتى لو صدر حكم ضد نتنياهو فلن يجبر على الاستقالة قبل استنفاد كل فرص الاستئناف، وهو الأمر الذي قد يستغرق شهوراً أو سنوات. ومن الواضح أن نتنياهو يسعى لإطالة المحكمة لأكبر قدر ممكن. وليس هذا فحسب، بل يعمل بكل قوته لإطالة عمر حكومته، مهما بلغ الثمن. وقد كان يعرف أن الحرب هي أفضل ضمانة لاستمرار حكمه، لكن الجيش كان يرفض شنّ حرب. وفي 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما شنّت «حماس» هجومها على إسرائيل، توفرت هذه الأداة له. وهو يواصل الحرب للشهر الرابع عشر على التوالي، وقام بتوسيعها إلى لبنان، عندما قرر «حزب الله» شن حرب إسناد لغزة.

ويتهمه خصومه بالمقامرة بحياة الرهائن الإسرائيليين لدى «حماس»، والتضحية بحياة الجنود الإسرائيليين في سبيل بقائه في الحكم. وهو يرمي بذلك أن يكون في المحكمة بمكانة أقوى بصفته رئيس حكومة.

وقد توجهت جمعيات حقوقية إلى المحكمة العليا لإجباره على الاعتزال، حتى لو لم يكن هناك قانون يلزمه بذلك، باعتبار أن وجود رئيس حكومة متهم بالفساد يلحق ضرراً بسمعة إسرائيل، كما قال نتنياهو نفسه عندما طالب أولمرت بالاستقالة، وهذا فضلاً عن أنه لن يستطيع إدارة شؤون الدولة وهو يدير محاكمة طويلة ومريرة مثل هذه. وقد قررت المحكمة منح النيابة والدفاع مهلة حتى يوم الأحد المقبل لإعطاء رأيها في هذا الموضوع، حتى تبت في الالتماس المذكور.