في وقت تقرر فيه الإدارة الأميركية ودول أوروبا اتخاذ إجراءات عقابية ضد المستوطنين اليهود المتطرفين الذين يمارسون اعتداءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية، يتجاهلون ممارسات الجيش الإسرائيلي ذات الطابع الأشد عنفاً؛ إذ شكت مجموعة من نساء مدينة الخليل من التعرض لتحرشات جنسية قام بها عدد من الجنود، وقد اعترف الجيش ببعضها لكنه لم يتخذ إجراءات جدية لوقفها.
ونشرت صحيفة «هآرتس» العبرية، تقريراً لها، الجمعة، نقلت فيه شكاوى النساء الفلسطينيات؛ إذ قالت فلسطينية من سكان الخليل، إن أحد الجنود تحرش بها على الحاجز (العسكري) في المدينة، وقام بأفعال خادشة للحياء.
هذه الحادثة استدعت شهادات نساء أخريات من الخليل بشأن المعاملة المهينة للجنود تجاه النساء في الحواجز منذ اندلاع الحرب، في الفترة الأخيرة تحديداً، وضمن ذلك تقييدهن والتطرق لمظهرهن الخارجي والتفتيش في هواتفهن والتفوّه بأقوال بذيئة. وأفاد المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، بأنه بعد تقديم الشكوى فُتح تحقيق في الجيش، لكن لم يتقرر بعدُ ما إذا كان سيُفتح تحقيق في الشرطة العسكرية.
وقالت الصحيفة: «الحادثة التي قدمت المرأة شهادة حولها، جرت مساء السبت الجاري، عند حاجز تمار بتل الرميدة في الخليل. نحن دائماً نمر في هذا الحاجز، يعطوننا بطاقات الهوية ونمر في جهاز كشف المعادن، وهو الأمر الذي أصبح روتينياً»، قالت: «فعلت ذلك وعندما أردت الخروج من الحاجز قام جندي آخر بتوقيفي وقال لي إنه يريد رؤية حقيبتي». بعدها قام الجندي بأفعال خادشة، وتروي للصحافية التي أجرت التحقيق من «هآرتس»: «من شدة الصدمة خرجت من الحاجز ولم أستوعب ما يحدث. وعندما وصلت إلى البيت رويت ما حدث معي لأختي وجارتها، وبعد ذلك انهرت لأني لم أعرف ماذا يجب أن أفعل».
في مساء اليوم نفسه، نقلت الفتاة إلى أحد سكان الحي، وهو بسام أبو عيشة، قائد مجتمعي محلي، ما واجهته على الحادث، وبدوره أجرى اتصالاً مع إدارة التنسيق والارتباط الفلسطينية.
في أعقاب الشكوى وصل إلى المكان ضابط رفيع من الإدارة المدنية يدعى أيمن بيسان، وعسكري آخر، والتقيا مع الفتاة وأمها، ثم انتقلوا جميعهم إلى الحاجز. وهناك تعرفت الفتاة على الجندي، ووعد الجيش بمعالجة هذه الحادثة. ولكن، في اليوم التالي اتصل ضابط الإدارة المدنية، شادي شوباش، وهو المسؤول عن بؤرة الاستيطان اليهودية في الخليل، وطلب من أبو عيشة أن يلتقيا عند مفترق طرق قريب.
وبحسب أقوال أبو عيشة، فإنه عندما وصل كان هناك ثمانية جنود طوّقوه: «وبدأ الضابط الإسرائيلي يهددني. من أنت؟ وماذا تفعل هنا؟ هذا ليس من شأنك. أنا هنا الحكومة»، قال أبو عيشة، مضيفاً: «هددني بأن كل القصة كذب... وقال أنتم (الفلسطينيون) تختلقون القصص والأفلام، وسترون وجهي الآخر».
تقول الصحيفة إن مسؤولي الإدارة المدنية أكدوا حصول المحادثة بين الطرفين، لكنهم نفوا كلياً أن اللقاء تضمن التهديد أو التشكيك في موثوقية أقوال الفتاة، أو أنهم قالوا عن ادعائها إنه «كذب».
بعد الحادثة قررت عائلة الفتاة التي تقيم في المنطقة المحتلة من المدينة «إتش 2»، الانتقال لبعض الوقت إلى بيت أقارب للعائلة في الجانب الذي يقع تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في الخليل «إتش 1».
أربعة أشخاص من سكان الحي ممن تحدثوا مع «هآرتس»، أكدوا أن «قصة هذه الفتاة خطيرة، بشكل خاص؛ لأنها تجسد الروح العامة التي تسمح بالتحرش الجنسي وإهانة النساء اللواتي يعبرن الحاجز». ونقلت الصحيفة شهادة طالبة بالثانوية من سكان الحي، أفادت بأنها قبل أسبوعين عندما كانت تمر في حاجز تمار مع شقيقتها، لم يسمح لهما أحد الجنود بالعبور: «اتصل مكالمة فيديو مع صديقه وبدأ يتحدث معنا ويقول له إننا جميلات». تضيف: «راح يصورنا وهو يقول: انظر إلى جمالهن». وأثناء حديثه مع صديقه استخدم تعابير بذيئة: «وبعد نصف ساعة من التعطيل سمح لنا بالعبور».
وفي مرة أخرى، قالت نفس الفتاة إن أحد الجنود طلب منها السماح بتفتيش الصور في هاتفها وهو ممسك بيدها وطلب منها فتح الهاتف. الفتاة المحجبة قالت له: «هذه صوري الخاصة، فلماذا أفتحها؟!». روت القصة مشيرة إلى أن هاتفها يحوي صوراً لها من دون حجاب: «شاهد كل شيء، مرّر صورة تلو الأخرى لربع ساعة وهو يمسك بيدي ويفتش الهاتف».
شهادة أخرى لامرأة خليلية قالت إن التحرش أصبح «أمراً روتينياً»، مضيفة: «عندما أعبر الحاجز يرسل لي جندي قبلة. وعندما أحاول الخروج يغلق البوابة كي أعود مرة أخرى إلى الوراء. ويعاود الكرّة»، وقالت للصحيفة: «تدخلين إلى الحاجز ويقولون لك أموراً غير لائقة مثل (زانية) وغيرها من الشتائم البذيئة. يكررون هذه الكلمات كثيراً بصورة عادية، ويفعلون حركات بأيديهم. وأصواتهم مسموعة من مكبر الصوت على الحاجز». وشددت على أن «الحديث لا يجري عن جندي واحد فقط».
امرأة أخرى قالت إنه منذ اندلاع الحرب، صار يفرض عليهن المرور على جهاز كشف المعادن على الحاجز أثناء العودة إلى البيت. التعليمات الجديدة تجعل الجنود أحياناً يطلبون من النساء خلع بعض الملابس، رغم حقيقة أنهن يرتدين الحجاب: «هذا الجهاز يطلق صوتاً على كل معدن. إذا كنت ترتدين قميصاً تحت الحجاب وعليه سلسلة، فالجهاز يصدر صوتاً. أحياناً يطلبون إنزال الحجاب. نحن جميعنا مسلمات».