«لا ملاجئ ولا خطط طوارئ»... الإيرانيون «في الظلام» وبلا أي توجيهات بشأن الاستعداد للحرب

إيرانيون يسيرون بالقرب من لوحة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (يمين) وزعيم «حماس» الراحل إسماعيل هنية في ميدان ولي عصر في طهران (إ.ب.أ)
إيرانيون يسيرون بالقرب من لوحة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (يمين) وزعيم «حماس» الراحل إسماعيل هنية في ميدان ولي عصر في طهران (إ.ب.أ)
TT

«لا ملاجئ ولا خطط طوارئ»... الإيرانيون «في الظلام» وبلا أي توجيهات بشأن الاستعداد للحرب

إيرانيون يسيرون بالقرب من لوحة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (يمين) وزعيم «حماس» الراحل إسماعيل هنية في ميدان ولي عصر في طهران (إ.ب.أ)
إيرانيون يسيرون بالقرب من لوحة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (يمين) وزعيم «حماس» الراحل إسماعيل هنية في ميدان ولي عصر في طهران (إ.ب.أ)

وسط استعدادها للرد على اغتيال إسرائيل لزعيم «حماس»، إسماعيل هنية على أراضيها الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الإيرانية، أمس (الأربعاء)، إغلاق الهيئات والمكاتب الحكومية كافة في طهران، كما حددت ساعات عمل المكاتب الحكومية في 13 محافظة، بما في ذلك بعض المحافظات الواقعة على طول الحدود الغربية والشرقية، من الساعة 6 صباحاً حتى الساعة 10 صباحاً، هذا بالإضافة إلى إصدارها إشعاراً للطيارين بتجنب مجالها الجوي، محذّرة من أن «إطلاق النار سوف يستمر» ساعات عدة، مساء الأربعاء وحتى يوم الخميس فوق أجزاء من البلاد.

وأثارت أخبار الاستعداد لحرب محتملة مع إسرائيل كثيراً من المخاوف بين المواطنين الإيرانيين، الذين قالوا إن حكومتهم لم تصدر أي توجيهات بشأن ما يجب عليهم فعله إذا وقعت هذه الحرب بالفعل وردت إسرائيل على طهران بضربات مضادة.

وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فقد قال المواطنون إن الدولة لم تكشف لهم عن أي ملاجئ مؤقتة قد يحتمون بها إذا وقعت الحرب، ولم تصدر أي تحذيرات بشأن تخزين الإمدادات الطارئة، ولم تحدد أي خطط طوارئ للمستشفيات في حالة وقوع ضربة.

وقالت الحكومة إن إغلاق المكاتب الحكومية يوم الأربعاء حدث فقط بسبب الحرارة الشديدة، وإن إغلاق المجال الجوي كان من أجل القيام بـ«تدريبات عسكرية».

جانب من عملية تشييع هنية في طهران الأسبوع الماضي (أ.ب)

وفي حين لا يزال الوقت ونطاق رد إيران غير واضحَين - سواء أكانت ستتصرف بمفردها أم بالتنسيق مع الجماعات التي تدعمها مثل «حزب الله» في لبنان والحوثيين في اليمن - فإن التناقض بين الخطاب المتصاعد للمسؤولين بأن «رد إيران على إسرائيل سيكون حاسماً وشديداً»، واللامبالاة بشأن إعداد الجمهور لهذا الرد وكيفية التعامل معه، يعدّ أمراً غير مفهوم بالنسبة للمواطنين، الذين قالوا في مقابلات مع «نيويورك تايمز» إنهم قلقون ومرتبكون.

وقالت مليحة (66 عاماً) وهي متقاعدة تعيش في طهران: «نحن نعيش في الظلام. نعتمد على برامج الأخبار على القنوات الفضائية لمعرفة ما يحدث لأن مسؤولينا لا يخبروننا بأي شيء».

ومن جهته، قال إحسان، وهو صاحب عمل يبلغ من العمر 41 عاماً ويعيش في طهران أيضاً، عندما سُئل عمّا إذا كان قد سمع بأي تعليمات للسلامة العامة: «لم نتلقَّ أي تعليمات على الإطلاق. الناس مجرد فكرة ثانوية في بلدنا».

وقالت باريسا (37 عاماً): «الوضع يتجاوز قدرتنا على التحمل. كثير من الناس الذين لم يرغبوا أبداً في مغادرة البلاد يفكرون الآن في الهجرة. الجميع حزناء وعدوانيون وقلقون».

لكن البعض الآخر تساءل عمّا إذا كانت المخاوف بشأن اندلاع حرب مبررة، وشكّكوا في أن ضربة إسرائيلية مضادة لأي شيء تقرر إيران القيام به من شأنها أن تعطل الروتين اليومي أو الخدمات الحيوية مثل الكهرباء والمياه.

وانتقد مصطفى (36 عاماً)، وهو مهندس كومبيوتر يعيش في رشت في شمال غربي إيران، دعم الحكومة للجماعات المسلحة في المنطقة، قائلاً إنه «وضع إيران في مرمى نيران إسرائيل». ومع ذلك، قال مصطفى إنه لا يعتقد بأن حرباً شاملة مقبلة. وقال: «ستكون حرباً بعيدة المدى وفي شكل تدمير أهداف محددة. لذا فأنا لست قلقاً إلى هذا الحد».

لوح إعلاني مناهض لإسرائيل كُتب عليه بالخط الفارسي «ابتسم لبعض الوقت لأنك ستبكي كثيراً قريباً» في ميدان فلسطين بطهران (إ.ب.أ)

وقال آخرون إنهم كانوا بالفعل منهكين نفسياً منذ أشهر من الأحداث المضطربة، بما في ذلك الهجوم الإرهابي الذي أعلن تنظيم «داعش» مسؤوليته عنه، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص؛ وتبادل الضربات الصاروخية مع الدول المجاورة؛ والذهاب إلى شفا الحرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل، ووفاة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية في حادث تحطم مروحية.

والأسبوع الماضي، هبطت العملة المتضررة بالفعل من جديد مقابل الدولار، بينما تراجعت سوق الأسهم.

وقال بهداد (39 عاماً)، الذي يعمل في الاستيراد والتصدير: «لقد سئمنا من الاستيقاظ كل يوم على أنباء عن وفاة شخص ما، أو انفجار شيء ما، أو ارتفاع سعر الدولار، وأخيراً علينا أن نقلق بشأن اندلاع حرب بيننا وبين دولة أخرى كل بضعة أشهر».

وبالإضافة لهذه الأحداث السياسية الخطرة، فقد عصفت التحديات المحلية بالبلاد.

وأثار مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع تظهر فيه ضابطات شرطة يضربن فتاتين مراهقتين ويَجْرُرْنَهما إلى شاحنة صغيرة لعدم ارتدائهما الحجاب، موجةَ من الغضب. ويطالب عديد من الإيرانيين الرئيس الإصلاحي المنتخب حديثاً، مسعود بزشكيان، بالوفاء بوعده الانتخابي للنساء وإنهاء فرض الحجاب الإلزامي.


مقالات ذات صلة

وزير الخارجية الإيراني بالإنابة: اغتيال هنية سيكون «مكلفاً» لإسرائيل

شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني في حديث لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»

وزير الخارجية الإيراني بالإنابة: اغتيال هنية سيكون «مكلفاً» لإسرائيل

قال وزير الخارجية الإيراني بالإنابة علي باقري كني الخميس إن اغتيال هنية في طهران «خطأ استراتيجي» سيكون «مكلفاً» لإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي نصر الله متحدثاً في حفل تأبين فؤاد شكر بالضاحية الجنوبية (إ.ب.أ)

نصر الله يتوعّد إسرائيل بضربة أكثر من رد وأقل من حرب

يحتفظ نصر الله لنفسه باختيار التوقيت المناسب على نحو لا يؤدي إلى توسعة الحرب، تاركاً كلمة الفصل للميدان.

محمد شقير (بيروت)
شؤون إقليمية سيارات تمر من أمام لوح إعلاني مناهض لإسرائيل كُتب عليه بالخطين الفارسي والعبري: «ابتسم لبعض الوقت لأنك ستبكي كثيراً قريباً» في ميدان «فلسطين» بطهران (إ.ب.أ)

إيران تتكتم على تدريبات عسكرية... وتقديرات بتراجعها عن ضرب إسرائيل

تكتمت طهران على مناورات عسكرية بغرب البلاد، خلال وقت مبكر من يوم الخميس، في وقت رجّحت مصادر أميركية أن تعيد إيران النظر بشن هجوم متعدد الجبهات على إسرائيل.

هبة القدسي (واشنطن) «الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
شؤون إقليمية عناصر من «حزب الله» يحملون نعش قائدهم العسكري فؤاد شكر خلال تشييعه في ضاحية بيروت الجنوبية (أ.ف.ب)

«سي إن إن»: «حزب الله» يستعد لمهاجمة إسرائيل بشكل مستقل عن إيران

نقلت لشبكة (سي إن إن) الأميركية عن مصدرين وصفتهما بالمطلعين على المعلومات الاستخباراتية، أن «حزب الله» اللبناني يبدو أنه سيهاجم إسرائيل بشكل مستقل عن إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (ا.ف.ب)

ماكرون يحضّ نتانياهو على «تجنّب دوامة أعمال انتقامية»

حضّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، في اتصال هاتفي الأربعاء، على «تجنّب دوامة أعمال انتقامية"، وذلك في ظلّ تصاعد…

«الشرق الأوسط» (باريس)

المعارضة التركية تتساءل عن اختفاء 700 ألف لاجئ سوري

أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية - السورية (أرشيفية)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية - السورية (أرشيفية)
TT

المعارضة التركية تتساءل عن اختفاء 700 ألف لاجئ سوري

أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية - السورية (أرشيفية)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية - السورية (أرشيفية)

فجّرت معلومات كشف عنها وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، عن أن أكثر من 700 ألف سوري داخل تركيا لم يُعثر عليهم في عناوينهم المسجلة لدى سلطات الهجرة، جدلاً واسعاً، ودفعت بالمعارضة إلى تقديم مذكرة إلى البرلمان تتساءل فيها عن مصيرهم.

وكشف يرلي كايا عن أن 729 ألفاً من أصل 3 ملايين و103 آلاف سوري في تركيا لا يوجدون في العناوين المسجلين عليها، محذراً بأن السوريين الذين لا يحدّثون عناوينهم خلال 5 أشهر، لن يتمكنوا من الاستفادة من الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة.

وقال يرلي كايا، أمام اجتماع للتثقيف حول حقوق الإنسان عقده «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، الاثنين، إنه جرى إرسال رسائل تحذيرية بالعربية والإنجليزية والتركية إلى الأشخاص الذين لا يمتلكون عناوين، لتحديث عناوينهم خلال 150 يوماً، وأنهم سيُحرمون من جميع الخدمات التي تقدمها الدولة؛ بما فيها التعليم والصحة.

ولفت إلى أن عدد المهاجرين في تركيا يبلغ 4 ملايين و437 ألفاً؛ منهم السوريون الخاضعون لنظام «الحماية المؤقتة»، بالإضافة إلى مليون و109 آلاف شخص يحملون تصاريح إقامة، و224 ألفاً تحت الحماية الدولية.

وأعلن «حزب الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، الخميس، أنه تقدم بسؤال إلى رئاسة البرلمان التركي، موجهٍ إلى وزير الداخلية، حول وضع هذا العدد من السوريين غير الموجودين في عناوينهم المسجلة لدى مديرية الهجرة التابعة لوزارة الداخلية، وهل يوجدون حتى الآن داخل تركيا، وأين يقيمون؟

وعلق الكاتب الصحافي مراد يتكين، في مقال على مدونته، الخميس: «لن نفاجأ إذا جرى إسقاط سؤال المعارضة من جانب نواب حزبَي (العدالة والتنمية) و(الحركة القومية) الذين يشكلون الأغلبية في البرلمان».

وأضاف: «لا أناقش ما إذا كان عدد الـ3 ملايين و103 آلاف الذي قدمه يرلي كايا يعكس العدد الحقيقي للاجئين السوريين في تركيا أم لا، لكن الأرقام التي تحدث عنها تعني أن الدولة لا تعرف مكان وجود كل واحد من 4 ملايين يُفترض أنهم مسجلون، وأنهم قادمون من سوريا، وماذا يفعلون».

توابع حادثة قيصري

وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا (حسابه على إكس)

ولفت يتكين إلى أن «هناك ما هو أكثر مأسوية»، في إشارة إلى خبر موقع «دوار» الإخباري التركي، الذي ذكر أن 3 آلاف سوري غادروا مدينة قيصري (وسط تركيا) على خلفية أعمال العنف التي اندلعت، وإغلاق 24 مصنعاً كانوا يعملون فيها. متسائلاً: «إذا خرج 3 آلاف سوري من قيصري بعد الأحداث الأخيرة فأين ذهبوا؟ عادوا إلى بلادهم أم ذهبوا إلى مدن أخرى، وهل عناوينهم معروفة؟ وماذا يفعلون؟».

وتابع أن «التصريحات القاسية تدفع بالجماهير، التي لا تدرك الوضع الحقيقي، إلى توجيه ردود الفعل على هذا الوضع المشوه نحو السوريين العابرين من البوابات المفتوحة، وليس نحو من فتح البوابات لهم دون حدود (الحكومة التركية). إن الانفجارات التي تنزلق إلى العنصرية خاطئة وخطرة في الوقت نفسه».

محال مملوكة للسوريين تعرضت للحرق في أحداث قيصري أواخر يونيو الماضي (إكس)

وشهدت ولاية قيصري، في 30 يونيو (حزيران) الماضي أعمال عنف استهدفت ممتلكات السوريين، حيث أقدم مواطنون أتراك على حرق محال السوريين، وتحطيم سياراتهم، وقذف منازلهم بالحجارة، على خلفية انتشار أخبار مغلوطة تتعلق باتهام شاب سوري بالتحرش بطفلة تركية عمرها 5 سنوات، تبين بعد ذلك أنها سوريةٌ وأنها ابنةُ عمه. ورغم ذلك، فإن أعمال العنف ضد السوريين لم تتوقف عند قيصري، بل امتدت إلى ولايات أخرى.

وفي مطلع يوليو (تموز) الماضي، قال وزير الداخلية، علي يرلي كايا، إن السلطات اتخذت إجراءات ضد مشغلي حسابات على منصات التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى مشاركة 343 ألف منشور يحرض على السوريين من نحو 79 ألف حساب، عقب اندلاع أحداث قيصري، وتبين أن 68 % منها كانت استفزازية وسلبية، و37 في المائة من حسابات وهمية.

العودة غير آمنة

ووفق يتكين، أوضح بعض استطلاعات الرأي أن اللاجئين السوريين جاءوا في المرتبة الثانية بعد الأزمة الاقتصادية في البلاد، من بين الأسباب التي أدت إلى هزيمة حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية» (تحالف الشعب) في الانتخابات المحلية يوم 31 مارس (آذار) الماضي.

وقال إنه «من الضروري رؤية أن الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي حاول إطاحة الرئيس السوري منذ عام 2011، هو أكثر من يحاول الآن صنع السلام معه، وهذا ليس بسبب إصرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقط، لكن ربما يحتاج الأمر إلى إدراك أن اتخاذ بعض الخطوات الآن أصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى».

وتشكل مشكلة اللاجئين ورغبة حكومة إردوغان في إعادة أكثر من مليون ونصف المليون سوري إلى بلادهم بطريقة طوعية وآمنة، أحد أهداف إعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى طبيعتها بعد أن أصبحوا يشكلون عبئاً كبيراً على الحكومة بسبب مشاعر الغضب في الشارع التركي.

سوريون عند إحدى البوابات الحدودية التركية إلى سوريا (إكس)

في السياق ذاته، أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنها لا تشجع العودة الطوعية للاجئين السوريين على نطاق واسع في الوقت الحالي، نظراً إلى عدم توفر الظروف الأمنية والمادية اللازمة للعودة بعد.

وذكرت المفوضية، في تقرير الثلاثاء، أن الأزمة السورية في عامها الـ14، لكن الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية مستمرة في التدهور، وأنها تواصل العمل على معالجة مخاوف العائدين من النازحين داخلياً، واللاجئين المعرضين للخطر، من خلال خدمات الحماية والمساعدة في مناطق عودتهم، بغض النظر عن طريقة العودة.

وسبق أن أكدت منظمة العفو الدولية، في تقرير يوم 27 مايو (أيار) الماضي، أن منظمات حقوق الإنسان تتفق بالإجماع على أنه لا يوجد أي مكان في سوريا يمكن عَدّه آمناً لعودة اللاجئين.