لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة

معطيات عن صعوبات تعرقل إجلاء القوات والمعدات الروسية من طرطوس

جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
TT
20

لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة

جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)

أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد بلاده للمساهمة في دفع مسار العملية السياسية في سوريا، وقال إن موسكو «لم ولن تنسحب من الشرق الأوسط» مشدداً على استمرار التواصل مع القيادة السورية الجديدة.

وحمل الوزير الروسي خلال مؤتمر صحافي في موسكو، الثلاثاء، النظام السوري السابق المسؤولية عن تدهور الوضع في البلاد. وقال إن «عدم رغبة النظام السوري السابق في تغيير أي شيء، وتقاسم السلطة مع المعارضة كان من أهم أسباب انهياره».

وأوضح أنه «على مدار السنوات العشر الماضية بعد أن طلب الرئيس السوري السبق بشار الأسد من روسيا التدخل، وبعد إطلاق صيغة أستانا، ورغم المساعدة التي برزت من جانب الدول العربية، أبدت السلطات في دمشق مماطلة في العملية السياسية ورغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه».

صورة نشرتها وكالة «سانا» الرسمية في 26 يونيو للقاء الرئيس بشار الأسد مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق (أ.ف.ب)
صورة نشرتها وكالة «سانا» الرسمية في 26 يونيو للقاء الرئيس بشار الأسد مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق (أ.ف.ب)

وزاد أن موسكو «دعت الحكومة السورية مراراً لدعم عمل اللجنة الدستورية التي أنشأت في سوتشي خلال المؤتمر السوري السوري في 2018، ودفع جهود وضع الدستور».

ووفقاً للافروف، فإن «الحكومة السورية لم تبد أي استعداد لتقاسم السلطة مع المعارضة، ولا يدور الحديث هنا عن المعارضة الإرهابية»، مضيفاً أن هذه المماطلة رافقتها مشكلات ناتجة عن العقوبات الاقتصادية التي خنقت الاقتصاد السوري، بينما تعرض الجزء الشرقي من سوريا الغني بالنفط للاحتلال من الولايات المتحدة، وتم استغلال الموارد المستخرجة هناك لصالح دعم الروح الانفصالية في شمال شرقي سوريا.

وكشف لافروف عن جانب من الحوارات التي أجرتها موسكو في وقت سابق مع الجانب الكردي، وقال إن موسكو «تحدثت مع الأكراد عن ضرورة وجود سلطة مركزية (في سوريا)، لكنهم قالوا إن الولايات المتحدة ستساعدهم على إنشاء حكومتهم، فقلنا لهم إن تركيا وإيران لن تسمحا بقيام دولة خاصة بكم»، مؤكداً على أن الموقف الروسي ركز على أن حقوق الأكراد يجب أن تؤمن في إطار الوضع الدستوري للبلدان سوريا والعراق وإيران وتركيا.

وأعرب عن قناعة بأن تجاهل دمشق (بشار الأسد) للنقاش في عهد السلطات السابقة: «أوصل الإصلاحات التي تحدثت عنها الأمم المتحدة ومنصة موسكو ومنصة القاهرة والمعارضة التي كانت في إسطنبول، وكذلك الاتصالات بين هذه الأطراف، إلى طريق مسدود وإلى فراغ أسفر عن هذا الانفجار».

جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)
جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)

وانتقد لافروف الاستنتاجات التي تحدثت عن أن «خروج روسيا من سوريا يعني مغادرة مواقعها في الشرق الأوسط»، وقال إن روسيا «لم ولن تغادر المنطقة». ومن دون أن يتطرق مباشرة لوضع القواعد العسكرية الروسية في سوريا، قال الوزير إن «سفارتنا لم تغادر دمشق، ولدينا تواصل دائم مع السلطات هناك».

وأكد أن موسكو «ترغب في أن تكون ذات فائدة في الأوضاع الراهنة، فيما يتعلق بإقامة حوار جامع بمشاركة كل القوى القومية والسياسية والطائفية، وبمشاركة جميع الأطراف الخارجية المعنية».

وذكر لافروف أن اتصالاته مع تركيا ودول الخليج العربي ونتائج الاجتماعات الأخيرة حول التسوية السورية بمشاركة دول عربية وتركيا وبعض الدول الغربية، تظهر أن «الجميع ينطلقون من أن هذه العملية يجب أن تشارك بها روسيا وإيران، إذا كانت هناك رغبة حقيقية في الوصول إلى نتائج مستدامة وملموسة، وليس فقط تصفية الحسابات بين المتنافسين على الأراضي السورية».

دمشق... أولويات موسكو

بدوره، قال نائب الوزير ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إن روسيا تتابع باهتمام تطورات الوضع في سوريا، وتنظر إلى العلاقات مع دمشق بوصفها «من أولويات سياستها الخارجية»، وشدد على أن «علاقات الشراكة والتعاون بين الشعبين والدولتين تمتد إلى عقود طويلة، بل إنها تغور عميقاً في التاريخ السحيق».

وأضاف أن موسكو السوفياتية ومن ثم روسيا، أسدت الدعم والمساعدة لسوريا في تحقيق السيادة والاستقلال، وحرصت دوماً وفي مختلف المراحل على مبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية وبناء علاقات متكافئة تقوم على المصالح المشتركة.

ووفقاً له، فإن «العلاقات بين روسيا الاتحادية وسوريا تدخل اليوم في منعطف نوعي جديد، وعلى الجانبين الانطلاق من الإرث العميق للصداقة بين الشعبين الروسي والسوري للحفاظ على المكتسبات والمنجزات والمضي إلى الأمام في خلق مناخات جديدة للتعاون البنَّاء».

وأشار إلى ارتياح الدبلوماسية الروسية لـ«التصريحات الإيجابية الصادرة عن الإدارة السورية الجديدة تجاه روسيا، والحرص على العلاقات الاستراتيجية بين بلدينا». وأكد أن موسكو ترى في المواقف الإيجابية «أرضية قوية للانطلاق نحو الأفضل».

وترددت معطيات، الثلاثاء، بأن بوغدانوف سوف يرأس وفداً روسياً إلى دمشق قريباً، لكن مصدراً دبلوماسياً روسياً أبلغ «الشرق الأوسط»، أنه لم يتم بعد تحديد موعد لهذه الزيارة» التي بدا أنها كانت مقررة، وتم إرجاؤها لوقت لاحق. وفي حال تم تحديد موعد للزيارة سيكون بوغدانوف أول مسؤول روسي يزور العاصمة السورية منذ سقوط نظام الأسد.

عنصر سوري يحرس مدخل قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية الساحلية السورية (رويترز)
عنصر سوري يحرس مدخل قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية الساحلية السورية (رويترز)

قيود سورية

في غضون ذلك، أكدت معلومات متطابقة نشرتها وسائل إعلام روسية وغربية، على أن عملية إخلاء أسلحة ومعدات القوات المسلحة الروسية من سوريا، تواجه صعوبات بسبب قيود فرضتها السلطات السورية على تحرك السفن الروسية في المياه الإقليمية.

ووفقاً لمعطيات نشرتها النسخة الإنجليزية لقناة «آر تي» على موقعها الإلكتروني، فقد منعت السفينة الروسية «سبارتا 2»، التي كانت مخصصة لنقل المعدات والأسلحة الروسية من دخول ميناء طرطوس، حيث توجد القاعدة البحرية الأجنبية الوحيدة لروسيا الاتحادية.

وأكدت بيانات محللي «OSINT» وخدمات مراقبة الشحن المفتوحة وتقارير المدونين العسكريين الروس، أن السفينة التي غادرت بالتييسك (منطقة كالينينغراد في الاتحاد الروسي) في 11 ديسمبر (كانون الأول) تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير (كانون الثاني)، دون الحصول على إذن لدخول الميناء.

صورة للسفينة الروسية «سبارتا 2» نشرتها صحيفة «آر بي كا» الروسية تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير دون الحصول على إذن لدخول الميناء
صورة للسفينة الروسية «سبارتا 2» نشرتها صحيفة «آر بي كا» الروسية تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير دون الحصول على إذن لدخول الميناء

وتخضع سفينة «سبارتا 2» التي كانت تستخدم سابقاً لنقل المعدات بين شبه جزيرة القرم وسوريا، لعقوبات أميركية، ما قد يكون أسهم أيضاً في منع الوصول إلى الميناء. في حين تقول مصادر سورية، إن السلطات الجديدة فرضت قيوداً للحد من مجالات تهريب أنصار النظام السابق على متن سفن روسية.

وتشير صور الأقمار الاصطناعية من «ماكسار» تراكماً كبيراً للمعدات العسكرية الروسية في الميناء، بما في ذلك أكثر من 100 شاحنة ومعدات دفاع جوي. ويقول المحللون إنه إذا فشلت السفن في الرسو، فإن البديل الوحيد يظل قاعدة حميميم الجوية. وهناك، تستمر الرحلات الجوية المنتظمة لوزارة الدفاع الروسية لضمان نقل الأفراد والبضائع. وفي الوقت نفسه، أرسلت الولايات المتحدة طائرة دورية إلى المنطقة لمراقبة الوضع.

جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)
جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)

إضافة إلى ذلك، وبينما تؤكد موسكو استمرار المفاوضات مع السلطات السورية الجديدة، لكن محللين في روسيا رأوا أن «احتمال انسحاب روسيا الكامل من البلاد آخذ في الازدياد»، وفقاً لما نقلته صحيفة «موسكو تايمز»، بالإضافة إلى ذلك، أشارت تقديرات محللي الصحيفة إلى أن الوحدات الروسية في سوريا «غدت محاصرة فعلياً في أماكن انتشارها».

في هذا الإطار، قال الخبير السياسي روستيسلاف إيفاتشينكو، في مقابلة مع موقع «برافدا رو»، إن القواعد العسكرية الروسية في المنطقة، فقدت عملياً أهميتها الاستراتيجية. ويكمن السبب في رأيه في «تغيير ميزان القوى: فتركيا، التي تتمتع بالسيطرة الجغرافية على المضائق والمنطقة كلها، يمكنها أن تمنع الوصول إلى هذه القواعد في أي وقت».

ووفقاً لإيفاشتشينكو، فإن هذا لا يعني ضرورة سحب القواعد، لكن الحفاظ عليها يصبح مكلفاً سياسياً واقتصادياً، مبرراً بأن «اعتماد روسيا المتزايد على تركيا في هذا الشأن يضع موسكو في موقف صعب».


مقالات ذات صلة

تشكيل لجنة لتنفيذ اتفاق الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية

المشرق العربي احتفالات في القامشلي بعد توقيع «قسد» ودمشق اتفاق اندماج الاثنين الماضي

تشكيل لجنة لتنفيذ اتفاق الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية

أفادت تقارير إعلامية (الخميس)، بتشكيل لجنة مركزية معنية بالعمل على تنفيذ اتفاق الحكومة السورية مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

المشرق العربي جلسة جمعت الرئيس السوري مع وفد من محافظة السويداء ضم نخبة من المثقفين والأكاديميين نشرتها قناة الرئاسة السورية على منصة «تلغرام» مارس الحالي

«محضر تفاهم» لإعادة الدولة السورية الجديدة إلى السويداء

عضو مؤتمر الحوار الوطني السوري، زياد أبو حمدان، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الدولة تعهَّدت بتقديم خدمات للسويداء كانت ممنوعة عنها.

موفق محمد (دمشق)
المشرق العربي الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع يوقع الإعلان الدستوري للبلاد والذي سيتم تنفيذه خلال فترة انتقالية مدتها 5 سنوات في القصر الرئاسي بدمشق... 13 مارس 2025 (رويترز)

ما أبرز بنود الإعلان الدستوري الذي وقعه الرئيس السوري؟

صادق الرئيس السوري أحمد الشرع، اليوم (الخميس)، على الإعلان الدستوري، وجرى تحديد فترة المرحلة الانتقالية بـ5 سنوات.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع (أ.ب)

الشرع يصدر قراراً رئاسياً بتشكيل مجلس الأمن القومي في سوريا

أعلنت الرئاسة السورية، اليوم (الأربعاء)، تشكيل مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس أحمد الشرع، بهدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية جندي إسرائيلي عند معبر القنيطرة في مرتفعات الجولان (أرشيفية - رويترز)

كاتس: إسرائيل مستعدة للبقاء في الجنوب السوري «لفترة غير محدودة»

أكّد وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مجدداً عزم بلاده على احتلال مساحة من الأراضي السورية الواقعة خارج حدود إسرائيل الشمالية «لفترة غير محدودة».

«الشرق الأوسط» (القدس)

ويتكوف في موسكو لبحث الهدنة... والكرملين يستبق وصوله بتحفظات على «وقف مؤقت للنار»

تُظهر صورةٌ التقطتها طائرةٌ دون طيار مركزَ مدينة سودزا في سياق الصراع الروسي - الأوكراني (رويترز)
تُظهر صورةٌ التقطتها طائرةٌ دون طيار مركزَ مدينة سودزا في سياق الصراع الروسي - الأوكراني (رويترز)
TT
20

ويتكوف في موسكو لبحث الهدنة... والكرملين يستبق وصوله بتحفظات على «وقف مؤقت للنار»

تُظهر صورةٌ التقطتها طائرةٌ دون طيار مركزَ مدينة سودزا في سياق الصراع الروسي - الأوكراني (رويترز)
تُظهر صورةٌ التقطتها طائرةٌ دون طيار مركزَ مدينة سودزا في سياق الصراع الروسي - الأوكراني (رويترز)

استبقت موسكو جولة محادثات مهمة مع المبعوث الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، بإعلان أولوياتها في التعامل مع الملفات المطروحة. وفي مقابل التركيز الأميركي على إعلان هدنة مؤقتة لمدة شهر، وفقاً للتوافقات الأميركية - الأوكرانية التي تم التوصل إليها في ختام اجتماعات جدة قبل يومين، أبدت موسكو تحفظات على فكرة الوقف المؤقت لإطلاق النار، وقال الكرملين إنه يتطلع إلى نقاش مثمر مع الجانب الأميركي يسفر عن خطة لتسوية سياسية مستدامة في أوكرانيا تأخذ في الاعتبار «مصالح روسيا ومخاوفها».

الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

ويتكوف يصل إلى موسكو

وبالتزامن مع إعلان موسكو عن وصول طائرة ويتكوف إلى مطار «فنوكوفو» الحكومي، لإجراء جولة محادثات مع المسؤولين الروس، أعلن مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف إن «الخطوات التي تحاكي إجراءات سلمية في أوكرانيا لن تفيد أحداً»، في إشارة مباشرة إلى عدم قبول موسكو تدابير مؤقتة لا تضع ملامح محددة للتسوية المقبلة. وقال المسؤول إنه يحافظ على اتصالات هاتفية منتظمة مع مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز، وإنه أوضح له موقف روسيا بشأن سبل حل الصراع في أوكرانيا. ورأى أن «وقف إطلاق النار المؤقت المقترح في أوكرانيا ليس أكثر من مجرد هدنة مؤقتة للجيش الأوكراني». في المقابل، شدد على سعي روسيا إلى التوصل إلى «تسوية سلمية طويلة الأمد في أوكرانيا تأخذ في الاعتبار مصالح موسكو ومخاوفها». وقال إن بلاده «تتوقع أن تأخذ الولايات المتحدة في الاعتبار موقف روسيا في العمل المشترك المقبل».

وحرص المسؤول الروسي على تأكيد استعداد موسكو لمواصلة العمل مع إدارة الرئيس دونالد ترمب لتطبيق رؤية الأخير للتسوية العاجلة في أوكرانيا، وقال إن ما يجري هو «تبادل طبيعي للآراء بين روسيا والولايات المتحدة بطريقة هادئة».

بوتين مع الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف (أرشيفية - رويترز)
بوتين مع الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف (أرشيفية - رويترز)

موسكو تحدد أولوياتها

ومن بين الأولويات التي حددها لإجراء محادثات ناجحة، أكد أوشاكوف على ملف الضمانات المطلوبة لتأكيد حياد أوكرانيا، وقال إن «الولايات المتحدة تدرك أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي أمر غير وارد».

في السياق ذاته، جدد الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، التأكيد على واحدة من أولويات موسكو الأساسية للانخراط في التسوية المحتملة، وقال إن ملف شبه جزيرة القرم والجمهوريات الأربع التي جرى ضمها إلى روسيا رسمياً في 2022، لن يكون مطروحاً للنقاش في أي شكل.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلع على وثائق خلال زيارة مفاجئة لمنطقة كورسك (د.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطلع على وثائق خلال زيارة مفاجئة لمنطقة كورسك (د.ب.أ)

وأوضح بيسكوف: «هذه مناطق تعد جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد الروسي، وهو أمر منصوص عليه دستورياً، ولا مكان لأي مفاوضات على جزء من أراضينا». ورأى أن الموقف يشكل «خطاً أحمر» بالنسبة إلى روسيا.

وحمل هذا رداً مباشراً على حديث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حول ملف «عدم الاعتراف بالاحتلال الروسي لمناطق أوكرانية». وقال زيلينسكي إن الجانب الأوكراني بحث هذا الموضوع في جدة مع الوفد الأميركي، وهناك تفاهم على أنه «لا يمكن الإقرار بشرعية الاحتلال الروسي لمناطق أوكرانية». اللافت هنا أن واشنطن كانت أكدت في وقت سابق ضرورة إدراك كييف أنها ستكون مضطرة لتقديم تنازلات عن أراض.

بوتين يصدر تقييمه

في الإطار ذاته، وقبل بدء المفاوضات الروسية الأميركية التي ينتظر أن تنطلق مساء الخميس، أعلن الكرملين أنه «من المرجح أن يصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قريباً تقييماً محدداً، تعليقاً على المفاوضات التي جرت في جدة بخصوص أوكرانيا».

وقال المتحدث باسم الكرملين إن بوتين سيجيب عن أسئلة الصحافيين خلال لقائه مع نظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى روسيا. وقال بيسكوف، لوكالة «تاس»، رداً على سؤال عما إذا كان بوتين سيعلق على قضايا تتجاوز العلاقات بين مينسك وموسكو، إن «كل شيء سيعتمد على ما سيسأله الصحافيون».

واعتبر الرئيس الأوكراني، الخميس، أن عدم صدور رد «جاد» من موسكو على المقترح الأميركي لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً يعني بأن الكرملين يسعى لمواصلة القتال في أوكرانيا.

وقال زيلينسكي في بيان: «للأسف، بعد أكثر من يوم، ما زال العالم لم يسمع أي رد جاد من روسيا على المقترحات المقدمة. يظهر ذلك مرة أخرى بأن روسيا تسعى لإطالة أمد الحرب وتأجيل السلام إلى أطول فترة ممكنة. نأمل بأن يكون الضغط كافياً لإجبار روسيا على إنهاء الحرب»، مضيفاً، الخميس، أن المحادثات الأوكرانية الأميركية التي جرت في السعودية كانت «بناءة». وعبّر عن التزام بلاده بالتحرك بشكل سريع نحو السلام. وأضاف زيلينسكي على منصة «إكس» أن أوكرانيا ترحب بإضافة العمليات البرية إلى مقترح بوقف إطلاق النار الذي يشمل العمليات البحرية والجوية. وعبر الرئيس الأوكراني عن أمله في أن يكون الضغط الأميركي كافياً لإجبار روسيا على إنهاء الحرب.

تراجع في كورسك

زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منطقة كورسك غرب روسيا لأول مرة منذ سيطرة القوات الأوكرانية على بعض الأراضي في المنطقة. وظهر بوتين على شاشة التلفزيون الروسي مرتدياً زياً عسكرياً، وزار مركز تحكم في منطقة كورسك تستخدمه القوات الروسية. وأعلن قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي، الأربعاء، أن قواته تتراجع في منطقة كورسك الروسية، حيث أعلنت قوات موسكو تحقيق تقدم سريع في الأيام الأخيرة.

وقال سيرسكي عبر «فيسبوك»: «في وضع هو الأكثر صعوبة، فإن أولويتي كانت وستبقى إنقاذ حياة الجنود الأوكرانيين. ولهذا الغرض، تقوم وحدات قوات الدفاع عند الضرورة بمناورات نحو مواقع أكثر ملاءمة»، مستخدماً صيغة يلجأ إليها للحديث عن تراجع.

وكان بوتين قد قال في تصريحات سابقة إن هدف تسوية النزاع في أوكرانيا يجب ألا يكون وقف إطلاق نار مؤقتاً أو استراحة لإعادة تجميع القوات وإعادة التسليح لاستئناف الصراع لاحقاً، بل يكون سلاماً طويل الأمد، مشدداً على أن الحديث يجب أن يدور «ليس عن تجميد النزاع، بل عن إيجاد حل نهائي له».

إلى ذلك، دعا بيسكوف إلى عدم «بناء أوهام عريضة» حول مسار سريع للمفاوضات حول التسوية النهائية في أوكرانيا، وقال في إفادة يومية أمام الصحافيين: «علينا عدم نسيان أن المفاوضات بشأن أوكرانيا لم تبدأ بعد». وأوضح الناطق الرئاسي أن روسيا ستحدد موقفها بشأن أوكرانيا بعد تلقي معلومات من ممثلي الولايات المتحدة بشأن المفاوضات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا في السعودية. وأوضح ممثل الكرملين: «بمجرد أن نتلقى هذه المعلومات ليس من خلال الصحافة، بل من خلال الحوار الثنائي، فسيأتي الوقت للتفكير وبلورة موقف».

تقارير حول مطالب موسكو

في الوقت ذاته، تجنب بيسكوف التعليق على تقارير إعلامية أفادت بأن روسيا سلمت الولايات المتحدة قائمة مطالب لإبرام اتفاق بشأن أوكرانيا. وكانت وكالة «رويترز» للأنباء، نقلت الخميس، عن مصادر لم تسمها، أن روسيا سلمت بالفعل للولايات المتحدة قائمة بمطالبها لإبرام اتفاق بشأن الصراع في أوكرانيا واستئناف العلاقات الروسية - الأميركية.

وقال مصدران مطلعان إن روسيا قدمت للولايات المتحدة قائمة مطالب. لكن لم تتضح بعد مطالب روسيا على وجه الدقة، أو ما إذا كانت مستعدة للدخول في محادثات سلام مع كييف قبل قبولها. وقال المصدران إن مسؤولين روساً وأميركيين ناقشوا الشروط خلال محادثات حضورية وافتراضية على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية.

ووصف المصدران شروط الكرملين بأنها فضفاضة ومشابهة للمطالب التي سبق أن قدمها لأوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وشملت تلك الشروط السابقة: عدم انضمام كييف إلى الحلف، وإبرام اتفاق بعدم نشر قوات أجنبية في أوكرانيا، واعترافاً دولياً بتبعية شبه جزيرة القرم وأربع مقاطعات لروسيا. كما طالبت روسيا الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي خلال السنوات الأخيرة بمعالجة ما وصفتها «بالأسباب الجذرية» للحرب، بما في ذلك توسع حلف الأطلسي شرقاً. ويخشى بعض المسؤولين والمشرعين والخبراء الأميركيين من أن يستغل بوتين الهدنة لتكثيف ما يصفونها بمحاولة لإحداث شقاق بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وأوروبا، وتقويض أي محادثات. قال بيسكوف للصحافيين: «لا، لا أستطيع تأكيد ذلك أو التعليق عليه. لا يسعني إلا أن أكرر مرة أخرى أن هناك كمية هائلة من المعلومات التي لا تتوافق مع الواقع، والتي لا تتوافق إلا مع أجزاء صغيرة منه».

رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف (يمين) يتفقد القوات المشاركة بموقع محدد كمنطقة كورسك بروسيا في 11 مارس 2025 (رويترز)
رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف (يمين) يتفقد القوات المشاركة بموقع محدد كمنطقة كورسك بروسيا في 11 مارس 2025 (رويترز)

«نزاع مسلح مباشر» مع موسكو

اعتبرت روسيا، الخميس، أن البلدان التي تنشر قوات لحفظ السلام في أوكرانيا ستنخرط في «نزاع مسلح مباشر» مع موسكو، مؤكدة أنها سترد على ذلك «بكل الوسائل المتاحة». وطلبت أوكرانيا من حلفائها الأوروبيين نشر «وحدات» على أراضيها فور انتهاء النزاع الذي بدأ قبل ثلاث سنوات، لحمايتها من أي هجمات روسية مستقبلاً. وأبدت فرنسا وبريطانيا استعدادهما لنشر قوات لحفظ السلام، لكن موسكو عارضت الفكرة، سواء في إطار وقف إطلاق النار، أو كضمانة أمنية بعيدة الأمد لأوكرانيا.

وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا: «إنه أمر غير مقبول إطلاقاً بالنسبة لنا أن تتمركز وحدات من جيوش دول أخرى في أوكرانيا تحت أي راية كانت». وأضافت: «سواء كانت وحدة أجنبية أو قاعدة عسكرية... سيعني ذلك كله مشاركة لهذه البلدان في نزاع مسلح مباشر ضد بلدنا». واجتمع قادة الجيوش في 36 دولة في باريس، مساء الثلاثاء، لمناقشة إمكانية نشر قوات حفظ سلام في أوكرانيا.

جندي من الجيش الروسي يسير على طول شارع مدمَّر في مستوطنة مالايا لوكنيا التي استعادتها القوات المسلحة الروسية مؤخراً من الجيش الأوكراني بمنطقة كورسك اليوم (رويترز)
جندي من الجيش الروسي يسير على طول شارع مدمَّر في مستوطنة مالايا لوكنيا التي استعادتها القوات المسلحة الروسية مؤخراً من الجيش الأوكراني بمنطقة كورسك اليوم (رويترز)

في غضون ذلك، اتهم مساعد الرئيس الروسي، نيكولاي باتروشيف، الدول الأوروبية بتصعيد التوتر ووضع عراقيل إضافية أمام جهود الولايات المتحدة لإيجاد تسوية مقبولة للصراع في أوكرانيا.

وقال في حديث لمجلة «الدفاع الوطني» الروسية إن التهديدات العسكرية من قبل الدول الأوروبية الأعضاء في حلف «الناتو» ستشهد تصاعداً ملحوظاً. وأضاف: «تعود فنلندا مرة أخرى كما حدث في عام 1939 لتصبح منصة محتملة للعدوان ضد روسيا، ولكن هذه المرة تحت مظلة (الناتو)». وتابع أن «مثال فنلندا يوضح كيف تعمل القوى الغربية بشكل مستمر على تقويض استقلال الدول في مختلف أنحاء العالم، وتحويلها إلى أدوات طيّعة لتنفيذ إرادتها». واتهم المسؤول الروسي المملكة المتحدة أيضا بأنها «تلعب دوراً رئيسياً لتقويض فرص السلام، وعرقلة إحراز أي تقدم في العلاقات الروسية - الأميركية وملف التسوية في أوكرانيا».

أعلنت وزارة الدفاع الفنلندية، الخميس، أن فنلندا وأوكرانيا وقّعتا اتفاقية ثنائية للتعاون الدفاعي. وأوضحت الوزارة في بيان أن البلدين اتفقا على تعميق تعاونهما الدفاعي، بما في ذلك في مجال التسلح وتبادل المعلومات الاستخبارية وإنتاج الذخيرة. وأضافت الوزارة أنها ستقدم حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة نحو 200 مليون يورو (217.48 مليون دولار)، تشمل ذخيرة مدفعية للمساعدة في الحرب مع روسيا.