القضاء الإيراني يحضّ على تشكيل حكومة جديدة تتماشى مع النظام

بزشكيان تلقى أول اتصال من بوتين... وظريف يطالب العالم تنحية العقوبات جانباً

الرئيس بزشكيان يجري مشاورات مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي (جماران)
الرئيس بزشكيان يجري مشاورات مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي (جماران)
TT

القضاء الإيراني يحضّ على تشكيل حكومة جديدة تتماشى مع النظام

الرئيس بزشكيان يجري مشاورات مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي (جماران)
الرئيس بزشكيان يجري مشاورات مع الرئيس الأسبق محمد خاتمي (جماران)

دعا القضاء الإيراني إلى تشكيل حكومة «تتماشي مع نظام الحكم»، في حين جدد الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان، عزمه على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في إيران، بينما قال مستشاره في الشؤون الدبلوماسية، وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف إن على العالم «تنحية العقوبات جانباً بعد مشاركة الإيرانيين في الانتخابات».

وقال رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إجئي: «يجب أن نكون نشطين في تشكيل الحكومة، وأن نساعد الرئيس المنتخب في تشكيل حكومة تتماشى مع الجمهورية الإسلامية».

وتطرق إجئي إلى ارتفاع الإقبال على صناديق الاقتراع بنسبة 9 في المائة في الجولة الثانية، بعدما بلغت نسبة الإحجام 60 في المائة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 يونيو (حزيران).

وقال في هذا الصدد: «التجربة في إيران والعالم أظهرت أن الناس يميلون أقل للمشاركة في المرحلة الثانية من الانتخابات، لكن في الانتخابات الأخيرة رأينا زيادة في نسبة المشاركة في الجولة الثانية مقارنة بالأولى، وحتى عدد الأصوات الباطلة قد انخفض، وهذا بوضوح يعكس ذكاء ويقظة شعبنا».

وكرر إجئي عبارات وردت على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، الأحد، وأعرب فيها عن أرتياحه لإجراء الانتخابات في «أجواء آمنة»، دون أن تحدث أضطرابات. وقال إجئي: «كانت ضربة قوية في وجه الأعداء والخصوم للنظام والشعب الإيراني، وأحبطت آمالهم في إلحاق الضرر ببلادنا، وأحياناً خلقت انقسامات وفجوات بينهم».

وقال إجئي إن الرئيس المنتخب «وُضعت على عاتقه مسؤولية جسيمة وثقيلة في مختلف الأمور... نحن ملزمون بدعمه ومساعدته»، مشيراً إلى وعود بزشكيان في حملته الانتخابية. ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن إجئي: «قال الرئيس المنتخب مراراً، في سبيل تنفيذ السياسات العامة للنظام (المبلغة من قِبل قائد الثورة) وبرنامج التنمية السابع وتلبية توقعات الشعب المشروعة وتوسيع العدالة الاجتماعية والعناية بالمحرومين والفئات المهمشة وتعزيز البلاد والنظام وتقدم وازدهار البلاد ورفاهية الشعب».

في الأثناء، واصل بزشكيان مشاوراته مع مقربيه في مسعى لاكتشاف خيارات تشكيلته الحكومة. وتوجه مساء الأحد إلى مكتب الرئيس الإصلاحي الأسبق، محمد خاتمي، وقدم الرئيس الإصلاحي الأسبق التهاني لبزشكيان «لحصوله على ثقة الناخبين»، ولم تذكر تفاصيل عن مشاورتهما.

وبثّ التلفزيون الرسمي الإيراني، تقريراً مقتضباً من لقاء بزشكيان وخاتمي، في خطوة نادرة بعد القيود التي فرضت على قادة التيار الإصلاحي في أعقاب احتجاجات 2009 جراء رفضهم نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. ولم يذكر التقرير اسم خاتمي واكتفى بتسمية «رئيس الحكومتين السابعة والثامنة».

والتقى بزشكيان صباح الاثنين وزير الاقتصاد الأسبق، علي طيب نيا؛ لمناقشة الوضع الاقتصادي. ومن المتوقع أن يكون طيب نيا، الخيار الأساسي لتولي حقيبة الاقتصاد والشؤون المالية، في الحكومة الجديدة. وذكرت وكالة «إيسنا» الحكومية أن بزشكيان جدد عزمه على تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية خلال اللقاء.

ويعول بزشكيان على رفع العقوبات، وإحياء الاتفاق النووي للوفاء بوعوده الاقتصادية، بعدما ألقى الوضع المعيشي المتدهور بظلاله على الانتخابات الرئاسية. وأجمع المرشحون في الجولتين الأولى والثانية على ارتفاع نسبة الاستياء العام، من الأزمة المعيشية.

وتلقى بزشكيان، أول اتصال خارجي بعد فوزه بالرئاسة، من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ونسبت وكالة «تاس للأنباء» إلى الكرملين قوله إن الزعيمين اتفقا على عقد «لقاء شخصي» هذا العام.

وفي وقت سابق، الاثنين، هنأ الكرملين إيران على انتخاب بزشكيان رئيساً للبلاد، وقال إن موسكو تأمل في استمرار شراكتها مع طهران.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن علاقات روسيا مع إيران إيجابية للغاية في مجالات متعددة.

من جانبه، قال وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، حليف بزشيكان في الحملة الانتخابات الأخيرة إن على العالم «أن ينحي أسلوب العقوبات جانباً».

وقال ظريف في حديث لوكالة «إيسنا» الحكومية إن «بزشكيان انتُخب في انتخابات جادة وتنافسية من قِبل الشعب، وهو غير مستعد بأي حال من الأحوال للتفريط بحقوق الشعب الإيراني».

ونبّه ظريف إلى الصورة الخارجية للانتخابات الإيرانية. وقال: «شهدنا منافسة حقيقية بين المرشحين ووجود حماس كبير في الانتخابات الأخيرة»، وأضاف: «القوى الخارجية تهتم بهذه الأمور وترى أن الحياة السياسية في إيران نشطة وملهمة، على الرغم من أن الناس لديهم مواقف مختلفة ولم يشارك جزء كبير منهم في الانتخابات لأسباب مختلفة». وأضاف: «تم انتخاب شخصية تسعى لتقديم القضايا بناءً على العقلانية والتعاون والتفاعل».

ظريف يقف إلى جانب بزشكيان على هامش خطابه الأول بعد الفوز بالرئاسة في مرقد المرشد الإيراني الأول (الخميني) السبت (رويترز)

وأضاف ظريف: أن «الآن الدور على العالم لكي يحترم اختيار ورغبات الشعب الإيراني وأن يبتعد عن الأساليب القائمة على العقوبات».

ووجّه ظريف تهماً إلى الرئيس الأميركي جو بايدن بمواصلة سياسة سلفه دونالد ترمب. وقال: «حتى ترمب نفسه وصل في نهاية ولايته إلى نتيجة أن العقوبات غير مجدية، ومن المدهش أن السيد بايدن واصل هذه السياسة»، وقال: «عندما يصلون إلى الاستنتاج الصحيح ويتصرفون بشكل صحيح، يمكنهم احترام رأي ورغبة الشعب الإيراني، ويمكنهم التحدث في إطار القوانين الدولية حول قضايا مثل الاتفاق النووي، وفي ذلك الوقت، سيكون الحضور القوي للشعب في صناديق الاقتراع دعماً كبيراً للمفاوضين والجهاز السياسي الخارجي للبلاد».

وتمثل تصريحات ظريف تراجعاً كبيراً مما قاله في برنامج تلفزيوني قبل نحو ثلاثة أسابيع، عندما فصل في أحاديثه بين طريقتَي بايدن وترمب في تنفيذ العقوبات على إيران.

وحذّر ظريف خلال برنامج تلفزيوني مع بزشكيان من عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وقال: «إن ارتفاع مبيعات النفط الخام لم يكن من عمل أصدقائنا، ولكن عندما جاء بايدن إلى السلطة كانت لديهم سياسة لتخفيف حدة العقوبات، دع ترمب يأتي ويكتشف ما سيفعله أصدقاؤنا».

وعزا ظريف نشاطه الانتخابي إلى جانب بزشكيان، إلى «قلقه» بشأن مستقبل البلاد. و«ليس لأجل الحصول على منصب في الحكومة». وقال: «مستعد لمواصلة هذه المشاورات والتعاون إذا لزم الأمر وبناءً على بزشکیان».

وكانت مواقع إيرانية قد ذكرت، الأحد، أن ظريف «يفضّل العودة إلى منصب مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بدلاً من منصب وزير الخارجية».

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني في مؤتمر صحافي أسبوعي، الاثنين، إن الحكومة الحالية تواصل المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، عبر الوسطاء بهدف إحياء الاتفاق النووي، منوهاً أن التفاصيل «سيتم الكشف عنها عند الضرورة».

وأفاد كنعاني للصحافيين بأن المفاوضات «لها آليات واضحة»، لافتاً إلى أن حكومة إبراهيم رئيسي «بذلت كل الجهود الدبلوماسية في هذا الإطار، وستواصلها حتى اليوم الآخر من ولايتها». وصرح: «كيف ستتم الأمور في المستقبل، يتوقف على بدء عمل الحكومة الجديدة».

ولفت كنعاني إلى الجهاز الدبلوماسي «سيعمل بكل طاقته لخدمة الرئيس المنتخب»، وأضاف: «تجري المشاورات على أعلى مستويات وزارة الخارجية، وستسمر حتى تشكيل الحكومة الجديدة، وبعدها». وبشأن احتمال دعوة مسؤولين أوروبيين في مراسم تنصيب الرئيس المنتخب، أوضح كنعاني أن «الترتيبات جارية».

وأجاب عن سؤال حول مستقبل العلاقات مع الصين بعدما تلقى بزشكيان تهنئة من بكين على الرغم من الهجوم الحاد الذي شنّه خلال حملته الانتخابات، منتقداً «بيع النفط بسعر منخفض للعسكريين الصينيين»، على حد تعبيره.  

وصرح: «ستستمر العلاقات مع الصين كواحدة من الدول المهمة والمؤثرة في المنطقة، بفضل السياسة العامة للجمهورية الإسلامية».

وبشأن العلاقات مع روسيا، سئل كنعاني عن تقارير إيرانية ذكرت أن روسيا قد أوقفت عملية انضمام إيران إلى منظمة التعاون الاقتصادي (بريكس)، وقال: «لم أسمع شيئاً من هذا القبيل وأنا أنفي ذلك».

وانتقد كنعاني التشكيك الأميركي بالانتخابات الرئاسية الإيرانية. وقال «المواقف السياسية الأميركية غير مقبولة وتدخلية وتعكس السياسات غير البنّاءة للحكومة الأميركية تجاه الشعب الإيراني»، مضيفاً أن «إيران ملتزمة بمسار المفاوضات، وتسعى دائماً لاستخدام الطرق الدبلوماسية لتحقيق المصالح الوطنية».

وانتقد كنعاني عدداً من الدول الأوروبية لعدم توفيرها «الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات بهدوء» في السفارات الإيرانية، دون أن يذكر أسماء.

وقال كنعاني إن بلاده ستردّ «على كل خطوة إيجابية بخطوة إيجابية»، مضيفاً أن «المبدأ الثابت لإيران تجاه الدول الأخرى هو السعي لتوسيع التفاعلات».

وأضاف: «إيران على استعداد لتوسيع العلاقات مع مختلف الدول، بما في ذلك أوروبا؛ بناءً على التفاعل البناء»، مضيفاً أن «التفاعل البنّاء يمكن أن يحقق المصالح المشتركة للطرفين». لكنه اتهم بعض الدول الأوروبية بـ«إعاقة تقدم العلاقات» مع طهران عبر «السلوكيات غير بنّاءة».

وعلق كنعاني على رسائل التهنئة من قادة في المنطقة، قائلاً إن هذه الانتخابات «ستعزز دور إيران على الساحة الدولية. بلا شك، الدول المختلفة والمنظمات الإقليمية والدولية بعد هذه الانتخابات ستقيم إيران بطريقة جديدة ومميزة تتفوق على ما كان عليه قبل الانتخابات».

وأضاف: «شهدنا في السنوات الثلاث الماضية إنجازات بارزة وواضحة نتيجة التوجه نحو الجوار والاهتمام الخاص بالتعددية الجانبية واستخدام الآليات المتعددة الأطراف. وتمثلت هذه الإنجازات في تعزيز العلاقات مع الدول الجارة في مختلف»، وتحدث عن إعادة ترميم العلاقات السياسية التي تضررت لأسباب مختلفة مع بعض الدول في المنطقة».


مقالات ذات صلة

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مسيرات انتحارية من طراز «شاهد 136» خلال العرض العسكري السنوي للجيش الإيراني بطهران (تسنيم)

تقرير: إيران تخفي برامج الصواريخ والمسيرات تحت ستار أنشطة تجارية

قالت شبكة «فوكس نيوز» الأميركية إن إيران لجأت إلى قطاعها التجاري لإخفاء تطويرها للصواريخ الباليستية، في خطوة للالتفاف على العقوبات الدولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

تشييع عسكري قُتل في معارك جنوب لبنان يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
تشييع عسكري قُتل في معارك جنوب لبنان يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
TT

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

تشييع عسكري قُتل في معارك جنوب لبنان يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)
تشييع عسكري قُتل في معارك جنوب لبنان يوم 20 نوفمبر (أ.ف.ب)

في وقت تواصل فيه وسائل الإعلام الإسرائيلية، باستثناء حالات قليلة، تنفيذ سياسة التعتيم على ما يقوم به الجيش في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان من ممارسات معادية للإنسانية، حسب رأي منظمات حقوقية، نشرت صحيفة «هآرتس»، الجمعة، مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في السنة الأخيرة في كل من لبنان وقطاع غزة. وقرر أن يروي للإسرائيليين ما الذي يجري هناك بفعل ممارسات الجيش. وجاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو الجمهور العام إلى الاستيقاظ والتحرك لوقف الحرب، معتبراً أن الممارسات التي يقوم بها الجيش يمكن أن تؤثر على الإسرائيليين لأجيال عدة.

وجاء في المقال:

«الأمر المفاجئ وبحق هو السرعة التي أصبح فيها كل شيء طبيعياً ومنطقياً. بعد بضع ساعات تجد نفسك تحاول رغم إرادتك التأثر بأبعاد الدمار والقول لنفسك أقوالاً مثل (ما هذا الجنون؟). ولكن الحقيقة هي أننا نتعود بسرعة كبيرة على ذلك. هذا أصبح أمراً تافهاً. موجة أخرى من الحجارة. هذا يبدو مبنى لمؤسسة رسمية، هذه كانت أبنية سكنية. هذه المنطقة كانت حياً. في كل اتجاه تنظر إليه، أكوام من الحديد والرمال والباطون والطوب. (...) العين تنظر إلى مبنى معين ما زال قائماً. لماذا بالذات هذا المبنى لم يتم هدمه؟ تساءلت شقيقتي على (واتساب) بعد أن أرسلت إليها الصورة. وأضافت: لماذا دخلت إلى هناك، بربك؟

لماذا أنا هنا، هذا أمر أقل أهمية. أنا لست القصة هنا. وهذا أيضاً ليس لائحة اتهام ضد الجيش الإسرائيلي. لهذا يوجد مكان في أماكن أخرى. في مقالات هيئات التحرير، في المحكمة الدولية في لاهاي، في الجامعات الأميركية وفي مجلس الأمن. المهم هو أن نجعل الجمهور الإسرائيلي يشاهد. حتى لا يقولوا لاحقاً بأنهم لم يعرفوا. أنا أردت أن أعرف ما الذي يحدث هناك. هذا ما قلته لأصدقائي الكثيرين، الذين سألوني: لماذا دخلت إلى غزة؟

الدمار في كل مكان. يقفز أمام العيون عندما نقترب مما كان أحياء سكنية. حديقة تم الاعتناء بها بشكل جيد وحولها سور مهدم وبيت مدمر، طاولة، أرجوحة، كوخ صغير له سقف من الصفيح وراء الزقاق، نقاط قاتمة في الرمال، قرب بعضها، كما يبدو كان هنا حقل، ربما كرم زيتون. هذا هو موسم قطف الزيتون.

كلما اقتربنا من المحاور اللوجستية (نتساريم، كيسوفيم، وفيلادلفيا) فإن عدداً قليلاً من المباني بقيت قائمة. الدمار الكبير هنا من أجل أن يبقى. ها هو ما يجب أن تعرفوه، هذا لن يتم محوه في المائة سنة المقبلة. مهما حاولت إسرائيل إخفاء ذلك وطمسه فإن الدمار في غزة سيقرر حياتنا وحياة أولادنا. نحن هائجون بلا كوابح. أحد الأصدقاء كتب على حائط غرفة العمليات: هدوء، مقابل هدوء. حفلة نوفا مقابل نكبة. قادة الجيش الإسرائيلي تبنوا المكتوب.

بنظرة عسكرية الدمار أمر لا مناص منه. القتال في منطقة مدنية مكتظة أمام عدو مزود بشكل جيد يعني دماراً بحجم كبير جداً للمباني، أو موتاً مؤكداً للجنود. إذا كان يجب على قائد اللواء الاختيار بين حياة الجنود الذين تحت مسؤوليته وتسوية الأرض، فإن طائرة (إف 15) محملة بالقنابل ستسير على المدرج في (نفاتيم)، وبطارية مدافع ستوجه الفوهات. لا أحد سيخاطر، هذه هي الحرب.

أمهات مع أولادهن يمشون ببطء على طول الشارع. إذا كان يوجد لدينا مياه نحن نعطيهم. القدرات التكنولوجية التي طورها الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب هي قدرات مثيرة. قوة النيران، استخدام النار الدقيقة وجمع المعلومات بواسطة الطائرات الحوامة. هذه تعطي وزناً مضاداً للعالم السفلي الذي قامت (حماس) و(حزب الله) ببنائه خلال سنوات.

أنت تجد نفسك تنظر من بعيد لساعات إلى مواطن وهو يجر حقيبة لمسافة بضعة كيلومترات على شارع صلاح الدين. أشعة الشمس تحرقه وأنت تحاول الفهم: هل هذا عبوة ناسفة؟ هل هذ ما بقي من حياته؟ أنت تنظر إلى أشخاص وهم يتجولون قرب منشأة خيام في وسط المخيم. أنت تبحث عن عبوات وترى رسومات على حائط بلون رمادي من الفحم. مثلاً صورة فراشة.

جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

أنا قمت في هذا الأسبوع بمراقبة من حوامة فوق مخيم للاجئين. رأيت امرأتين وهما تسيران معاً. رأيت شاباً دخل إلى بيت شبه مدمر واختفى. هل هو أحد أعضاء (حماس) الذي جاء لنقل نبأ لنفق مخطوفين من خلال فتحة نفق سرية؟ تابعت من ارتفاع 250 متراً شخصاً يركب على دراجة ويسافر على ما كان ذات يوم شارعاً في حي؛ نزهة بعد الظهر في داخل كارثة. في أحد المفترقات توقف راكب الدراجة قرب بيت، خرج منه عدد من الأولاد، بعد ذلك واصل إلى داخل المخيم نفسه.

جميع الأسطح مثقبة بسبب القنابل، عليها كلها توجد براميل باللون الأزرق لجمع مياه الأمطار. إذا لاحظنا برميلاً على الشارع يجب نقله إلى غرفة العمليات، واعتباره عبوة ناسفة محتملة. ها هو رجل يقوم بخبز الأرغفة وقربه شخص مستلقٍ على فرشة. بقوة أي شيء تستمر الحياة؟ كيف يستيقظ شخص في ظل ذعر كهذا ويجد لديه القوة للنهوض والبحث عن الطعام ومحاولة البقاء؟ أي مستقبل يقدمه له هذا العالم؟ درجة حرارة مرتفعة، ذباب، قذارة، مياه ملوثة، وها هو يوم آخر انقضى.

أنا أنتظر كاتباً كي يأتي ويكتب عن ذلك، ومصوراً لتوثيق ذلك. ولكن لا يوجد إلا أنا. جنود آخرون، إذا كانت لديهم أفكار كافرة فهم يحتفظون بها لأنفسهم. لا يتحدثون عن السياسة لأنه طُلب منهم ذلك، لكن الحقيقة هي أن ذلك ببساطة لم يعد يهم لمن قضى 200 يوم في خدمة الاحتياط في هذه السنة. جهاز الاحتياط ينهار، من يأتي أصبح لامبالياً، يقلق لمشكلات شخصية أو أمور أخرى مثل الأولاد، الإعفاء، الدراسة، الزوجة، إقالة (يوآف) غالانت، عيناف سنغاوكر (والدة جندي محتجز لدى حماس)، وصول خبز مع شنيتسل. الوحيدون الذين ينفعلون هنا من شيء هم الحيوانات. الكلاب، الكلاب. الكلاب تهز الذيل وتركض بمجموعات، وتلعب مع بعضها، تبحث عن بقايا الطعام التي تركها الجيش. هنا وهناك تتجرأ على الاقتراب في الظلام من السيارة، وتحاول جر صندوق، ويتم صدها بالصراخ. يوجد أيضاً الكثير من الجراء.

في الأسابيع الأخيرة اليسار في إسرائيل يقلق من تمركز الجيش الإسرائيلي على محاور العرض في القطاع مثل محور نتساريم. ما الذي لم نقله عنه؟ أنه تم شقه وتوجد عليه قواعد خمس نجوم، وأن الجيش الإسرائيلي موجود هناك ليبقى، وأنه على أساس هذه البنى التحتية ستتم إعادة مشروع الاستيطان في القطاع. أنا لا أستخف بهذه التخوفات. هناك ما يكفي من المجانين الذين فقط ينتظرون الفرصة. ولكن محاور نتساريم وكيسوفيم هي مناطق قتال، توجد بين تجمعات كبيرة للسكان الفلسطينيين، كتلة حاسمة لليأس والجوع والضائقة. هنا ليست الضفة الغربية. الوجود في المحور هو تكتيكي، أكثر من هدف الاحتفاظ المدني في منطقة، هو يهدف إلى ضمان وجود روتيني وحماية الجنود المتعبين. القواعد والمواقع العسكرية تتكون من مبانٍ غير ثابتة يمكن تفكيكها وإخراجها خلال بضعة أيام، وتحميلها على الشاحنات. هذا يمكن أن يتغير بالطبع.

جميعنا، بدءاً بالذي يخدم في غرفة العمليات في القاعدة وحتى آخر جندي، واضح لنا أن المستوى السياسي لا يعرف كيفية مواصلة الطريق إلى جهنم. لا توجد أهداف من أجل التقدم نحوها، وهم غير قادرين سياسياً على الانسحاب. باستثناء جباليا، تقريباً لا يوجد قتال. وفقط على مداخل المخيمات، هذا جزئي أيضاً، خوفاً من وجود مخطوفين. المشكلة هي سياسية، ليست عسكرية أو تكتيكية. لذلك، من الواضح لنا جميعاً بأنه سيتم استدعاؤنا لجولة أخرى ولنفس المهمات. حتى الآن يأتي رجال احتياط ولكن بشكل أقل.

أين تمر الحدود بين معرفة (التعقيد) وبين الخضوع الأعمى؟ متى يكون لك الحق في رفض أن تكون جزءاً من جريمة الحرب؟ هذا أقل أهمية. الأكثر أهمية هو متى سيستيقظ التيار العام في إسرائيل. متى سيقوم زعيم ويشرح للمواطنين أي مؤامرة فاسدة نحن نعيش فيها. ومن سيكون من يرتدي القبعة المنسوجة الأول الذي سيطلق عليه (خائن)، لأنه قبل (قرار محكمة) لاهاي، والجامعات الأميركية (المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين)، والإدانة في مجلس الأمن، هذا قبل أي شيء هو شأننا الداخلي، نحن والمليونا فلسطيني».