دعا القضاء الإيراني إلى تشكيل حكومة «تتماشي مع نظام الحكم»، في حين جدد الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان، عزمه على تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في إيران، بينما قال مستشاره في الشؤون الدبلوماسية، وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف إن على العالم «تنحية العقوبات جانباً بعد مشاركة الإيرانيين في الانتخابات».
وقال رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إجئي: «يجب أن نكون نشطين في تشكيل الحكومة، وأن نساعد الرئيس المنتخب في تشكيل حكومة تتماشى مع الجمهورية الإسلامية».
وتطرق إجئي إلى ارتفاع الإقبال على صناديق الاقتراع بنسبة 9 في المائة في الجولة الثانية، بعدما بلغت نسبة الإحجام 60 في المائة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 28 يونيو (حزيران).
وقال في هذا الصدد: «التجربة في إيران والعالم أظهرت أن الناس يميلون أقل للمشاركة في المرحلة الثانية من الانتخابات، لكن في الانتخابات الأخيرة رأينا زيادة في نسبة المشاركة في الجولة الثانية مقارنة بالأولى، وحتى عدد الأصوات الباطلة قد انخفض، وهذا بوضوح يعكس ذكاء ويقظة شعبنا».
وكرر إجئي عبارات وردت على لسان المرشد الإيراني علي خامنئي، الأحد، وأعرب فيها عن أرتياحه لإجراء الانتخابات في «أجواء آمنة»، دون أن تحدث أضطرابات. وقال إجئي: «كانت ضربة قوية في وجه الأعداء والخصوم للنظام والشعب الإيراني، وأحبطت آمالهم في إلحاق الضرر ببلادنا، وأحياناً خلقت انقسامات وفجوات بينهم».
وقال إجئي إن الرئيس المنتخب «وُضعت على عاتقه مسؤولية جسيمة وثقيلة في مختلف الأمور... نحن ملزمون بدعمه ومساعدته»، مشيراً إلى وعود بزشكيان في حملته الانتخابية. ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن إجئي: «قال الرئيس المنتخب مراراً، في سبيل تنفيذ السياسات العامة للنظام (المبلغة من قِبل قائد الثورة) وبرنامج التنمية السابع وتلبية توقعات الشعب المشروعة وتوسيع العدالة الاجتماعية والعناية بالمحرومين والفئات المهمشة وتعزيز البلاد والنظام وتقدم وازدهار البلاد ورفاهية الشعب».
في الأثناء، واصل بزشكيان مشاوراته مع مقربيه في مسعى لاكتشاف خيارات تشكيلته الحكومة. وتوجه مساء الأحد إلى مكتب الرئيس الإصلاحي الأسبق، محمد خاتمي، وقدم الرئيس الإصلاحي الأسبق التهاني لبزشكيان «لحصوله على ثقة الناخبين»، ولم تذكر تفاصيل عن مشاورتهما.
وبثّ التلفزيون الرسمي الإيراني، تقريراً مقتضباً من لقاء بزشكيان وخاتمي، في خطوة نادرة بعد القيود التي فرضت على قادة التيار الإصلاحي في أعقاب احتجاجات 2009 جراء رفضهم نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها محمود أحمدي نجاد بولاية ثانية. ولم يذكر التقرير اسم خاتمي واكتفى بتسمية «رئيس الحكومتين السابعة والثامنة».
والتقى بزشكيان صباح الاثنين وزير الاقتصاد الأسبق، علي طيب نيا؛ لمناقشة الوضع الاقتصادي. ومن المتوقع أن يكون طيب نيا، الخيار الأساسي لتولي حقيبة الاقتصاد والشؤون المالية، في الحكومة الجديدة. وذكرت وكالة «إيسنا» الحكومية أن بزشكيان جدد عزمه على تحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية خلال اللقاء.
ويعول بزشكيان على رفع العقوبات، وإحياء الاتفاق النووي للوفاء بوعوده الاقتصادية، بعدما ألقى الوضع المعيشي المتدهور بظلاله على الانتخابات الرئاسية. وأجمع المرشحون في الجولتين الأولى والثانية على ارتفاع نسبة الاستياء العام، من الأزمة المعيشية.
وتلقى بزشكيان، أول اتصال خارجي بعد فوزه بالرئاسة، من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ونسبت وكالة «تاس للأنباء» إلى الكرملين قوله إن الزعيمين اتفقا على عقد «لقاء شخصي» هذا العام.
وفي وقت سابق، الاثنين، هنأ الكرملين إيران على انتخاب بزشكيان رئيساً للبلاد، وقال إن موسكو تأمل في استمرار شراكتها مع طهران.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن علاقات روسيا مع إيران إيجابية للغاية في مجالات متعددة.
من جانبه، قال وزير الخارجية الأسبق، محمد جواد ظريف، حليف بزشيكان في الحملة الانتخابات الأخيرة إن على العالم «أن ينحي أسلوب العقوبات جانباً».
وقال ظريف في حديث لوكالة «إيسنا» الحكومية إن «بزشكيان انتُخب في انتخابات جادة وتنافسية من قِبل الشعب، وهو غير مستعد بأي حال من الأحوال للتفريط بحقوق الشعب الإيراني».
ونبّه ظريف إلى الصورة الخارجية للانتخابات الإيرانية. وقال: «شهدنا منافسة حقيقية بين المرشحين ووجود حماس كبير في الانتخابات الأخيرة»، وأضاف: «القوى الخارجية تهتم بهذه الأمور وترى أن الحياة السياسية في إيران نشطة وملهمة، على الرغم من أن الناس لديهم مواقف مختلفة ولم يشارك جزء كبير منهم في الانتخابات لأسباب مختلفة». وأضاف: «تم انتخاب شخصية تسعى لتقديم القضايا بناءً على العقلانية والتعاون والتفاعل».
وأضاف ظريف: أن «الآن الدور على العالم لكي يحترم اختيار ورغبات الشعب الإيراني وأن يبتعد عن الأساليب القائمة على العقوبات».
ووجّه ظريف تهماً إلى الرئيس الأميركي جو بايدن بمواصلة سياسة سلفه دونالد ترمب. وقال: «حتى ترمب نفسه وصل في نهاية ولايته إلى نتيجة أن العقوبات غير مجدية، ومن المدهش أن السيد بايدن واصل هذه السياسة»، وقال: «عندما يصلون إلى الاستنتاج الصحيح ويتصرفون بشكل صحيح، يمكنهم احترام رأي ورغبة الشعب الإيراني، ويمكنهم التحدث في إطار القوانين الدولية حول قضايا مثل الاتفاق النووي، وفي ذلك الوقت، سيكون الحضور القوي للشعب في صناديق الاقتراع دعماً كبيراً للمفاوضين والجهاز السياسي الخارجي للبلاد».
وتمثل تصريحات ظريف تراجعاً كبيراً مما قاله في برنامج تلفزيوني قبل نحو ثلاثة أسابيع، عندما فصل في أحاديثه بين طريقتَي بايدن وترمب في تنفيذ العقوبات على إيران.
وحذّر ظريف خلال برنامج تلفزيوني مع بزشكيان من عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وقال: «إن ارتفاع مبيعات النفط الخام لم يكن من عمل أصدقائنا، ولكن عندما جاء بايدن إلى السلطة كانت لديهم سياسة لتخفيف حدة العقوبات، دع ترمب يأتي ويكتشف ما سيفعله أصدقاؤنا».
وعزا ظريف نشاطه الانتخابي إلى جانب بزشكيان، إلى «قلقه» بشأن مستقبل البلاد. و«ليس لأجل الحصول على منصب في الحكومة». وقال: «مستعد لمواصلة هذه المشاورات والتعاون إذا لزم الأمر وبناءً على بزشکیان».
وكانت مواقع إيرانية قد ذكرت، الأحد، أن ظريف «يفضّل العودة إلى منصب مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، بدلاً من منصب وزير الخارجية».
اقرأ أيضاً
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني في مؤتمر صحافي أسبوعي، الاثنين، إن الحكومة الحالية تواصل المحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، عبر الوسطاء بهدف إحياء الاتفاق النووي، منوهاً أن التفاصيل «سيتم الكشف عنها عند الضرورة».
وأفاد كنعاني للصحافيين بأن المفاوضات «لها آليات واضحة»، لافتاً إلى أن حكومة إبراهيم رئيسي «بذلت كل الجهود الدبلوماسية في هذا الإطار، وستواصلها حتى اليوم الآخر من ولايتها». وصرح: «كيف ستتم الأمور في المستقبل، يتوقف على بدء عمل الحكومة الجديدة».
ولفت كنعاني إلى الجهاز الدبلوماسي «سيعمل بكل طاقته لخدمة الرئيس المنتخب»، وأضاف: «تجري المشاورات على أعلى مستويات وزارة الخارجية، وستسمر حتى تشكيل الحكومة الجديدة، وبعدها». وبشأن احتمال دعوة مسؤولين أوروبيين في مراسم تنصيب الرئيس المنتخب، أوضح كنعاني أن «الترتيبات جارية».
وأجاب عن سؤال حول مستقبل العلاقات مع الصين بعدما تلقى بزشكيان تهنئة من بكين على الرغم من الهجوم الحاد الذي شنّه خلال حملته الانتخابات، منتقداً «بيع النفط بسعر منخفض للعسكريين الصينيين»، على حد تعبيره.
وصرح: «ستستمر العلاقات مع الصين كواحدة من الدول المهمة والمؤثرة في المنطقة، بفضل السياسة العامة للجمهورية الإسلامية».
وبشأن العلاقات مع روسيا، سئل كنعاني عن تقارير إيرانية ذكرت أن روسيا قد أوقفت عملية انضمام إيران إلى منظمة التعاون الاقتصادي (بريكس)، وقال: «لم أسمع شيئاً من هذا القبيل وأنا أنفي ذلك».
وانتقد كنعاني التشكيك الأميركي بالانتخابات الرئاسية الإيرانية. وقال «المواقف السياسية الأميركية غير مقبولة وتدخلية وتعكس السياسات غير البنّاءة للحكومة الأميركية تجاه الشعب الإيراني»، مضيفاً أن «إيران ملتزمة بمسار المفاوضات، وتسعى دائماً لاستخدام الطرق الدبلوماسية لتحقيق المصالح الوطنية».
وانتقد كنعاني عدداً من الدول الأوروبية لعدم توفيرها «الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات بهدوء» في السفارات الإيرانية، دون أن يذكر أسماء.
وقال كنعاني إن بلاده ستردّ «على كل خطوة إيجابية بخطوة إيجابية»، مضيفاً أن «المبدأ الثابت لإيران تجاه الدول الأخرى هو السعي لتوسيع التفاعلات».
وأضاف: «إيران على استعداد لتوسيع العلاقات مع مختلف الدول، بما في ذلك أوروبا؛ بناءً على التفاعل البناء»، مضيفاً أن «التفاعل البنّاء يمكن أن يحقق المصالح المشتركة للطرفين». لكنه اتهم بعض الدول الأوروبية بـ«إعاقة تقدم العلاقات» مع طهران عبر «السلوكيات غير بنّاءة».
وعلق كنعاني على رسائل التهنئة من قادة في المنطقة، قائلاً إن هذه الانتخابات «ستعزز دور إيران على الساحة الدولية. بلا شك، الدول المختلفة والمنظمات الإقليمية والدولية بعد هذه الانتخابات ستقيم إيران بطريقة جديدة ومميزة تتفوق على ما كان عليه قبل الانتخابات».
وأضاف: «شهدنا في السنوات الثلاث الماضية إنجازات بارزة وواضحة نتيجة التوجه نحو الجوار والاهتمام الخاص بالتعددية الجانبية واستخدام الآليات المتعددة الأطراف. وتمثلت هذه الإنجازات في تعزيز العلاقات مع الدول الجارة في مختلف»، وتحدث عن إعادة ترميم العلاقات السياسية التي تضررت لأسباب مختلفة مع بعض الدول في المنطقة».