منع شركات السلاح الإسرائيلية من المشاركة في معرض دولي بفرنسا

وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت يهاجم باريس... وغانتس يتدخل دون جدوى

سيارة «فرتريس إم كي 2» المصفحة تشارك في معرض «يوروساتوري» (أ.ف.ب)
سيارة «فرتريس إم كي 2» المصفحة تشارك في معرض «يوروساتوري» (أ.ف.ب)
TT

منع شركات السلاح الإسرائيلية من المشاركة في معرض دولي بفرنسا

سيارة «فرتريس إم كي 2» المصفحة تشارك في معرض «يوروساتوري» (أ.ف.ب)
سيارة «فرتريس إم كي 2» المصفحة تشارك في معرض «يوروساتوري» (أ.ف.ب)

عندما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي، في اليوم الأول من قمة «مجموعة السبع» في إيطاليا، عن اتفاقه مع نظيره الأميركي جو بايدن، على إطلاق آلية ثلاثية، تضم فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل، لنزع فتيل التوتر على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، جاءه ردّ مباشر من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، المعروف بكلامه الفجّ البعيد كل البعد عن الدبلوماسية.

فقد سارع غالانت إلى إصدار بيان مختصر على منصة «إكس»، جاء فيه: «بينما نخوض حرباً عادلة دفاعاً عن شعبنا، تبنت فرنسا سياسات عدائية ضد إسرائيل. وعبر قيامها بذلك، تتجاهل فرنسا الفظائع التي ترتكبها (حماس)، ولذا لن تكون إسرائيل طرفاً في الإطار الثلاثي الذي اقترحته فرنسا».

وسارعت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى تفكيك القنبلة الدبلوماسية التي رماها وزير الدفاع بوجه دولة وقفت إلى جانبها منذ بداية حرب غزة، ورأى مسؤولون كبار فيها أن اتهامات غالانت «غير صائبة، وليست في محلها»، مذكرين بأن باريس «منذ بداية الحرب تميزت بسياسة واضحة من الإدانة والعقوبات ضد (حماس)». كما أنها «تحارب بنشاط آفة معاداة السامية»، فضلاً عن أنها «شاركت بفاعلية في الدفاع عن أجواء دولة إسرائيل» ليلة 13 - 14 أبريل (نيسان) في التصدي لهجوم غير مسبوق شنّته إيران ضد إسرائيل. الملفت أنه لم تصدر ردة فعل رسمية فرنسية على اتهامات غالانت، إلا أن أوساطاً دبلوماسية عبّرت عن «امتعاضها» إزاء ما صدر من مسؤول إسرائيلي كبير، نافية الاتهامات التي صدرت بحقّ فرنسا.

وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت هاجم فرنسا لمنعها مشاركة الصناعات الدفاعية الإسرائيلية في معرض «يوروساتوري» (إ.ب.أ)

استبعاد إسرائيل

حقيقة الأمر أن السبب الرئيسي لنقمة غالانت يعود لقرار اتخذته وزارة الدفاع الفرنسية، نهاية مايو (أيار) الماضي، منعت فيه شركات السلاح الإسرائيلية من المشاركة في معرض «يوروساتوري» للصناعات الدفاعية الأرضية، الذي تنطلق فعالياته يوم الاثنين. وسبق لـ74 شركة إسرائيلية أن أعلنت رسمياً عن مشاركتها في المعرض الذي يلتئم مرة كل عامين في ضاحية فيلبانت، الواقعة شمال باريس، قريباً من مطار شارل ديغول - رواسي الدولي.

ويعدّ «يوروساتوري» من أحد أهم معارض السلاح في العالم، ويشارك فيه هذا العام ما لا يقل عن 2000 شركة فرنسية وأوروبية وعالمية، تعرض فيه آخر منتجات الصناعات الدفاعية الأرضية والسيبرانية والإلكترونية، والأهم أنه يوفر الفرصة للشركات المصنعة للتواصل بعضها مع بعض من جهة، ومع المسؤولين العسكريين الدوليين الذين يؤمون المعرض بالعشرات. وتتواصل أنشطة المعرض حتى 21 من الشهر الحالي.

واستبقت مجموعة من الجمعيات الداعمة للشعب الفلسطيني بداية فعاليات المعرض بإرسال رسالة إلى الهيئة المنظمة، طلبت فيها «منع إسرائيل من أن يكون لها جناح في المعرض، ومنع مجيء بعثة إسرائيلية، وكذلك منع الشركات التي تكون قد باعت أسلحة لإسرائيل منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)، أو أي شخص أو هيئة اعتبارية، يمكن أن تلعب دور الوسيط لبيع أسلحة لإسرائيل».

صدر أول تعليق حول استبعاد إسرائيل من الهيئة المنظمة للمعرض «كوجيس إيفانتس» المنبثقة عن «تجمع الصناعات الدفاعية الأرضية»، التي أفادت، نهاية مايو الماضي، أن السلطات الحكومية (أي وزارة الدفاع الفرنسية) أصدرت قراراً طلبت بموجبه «ألا يكون هناك جناح مخصص لصناعة الدفاع الإسرائيلية».

وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي في باريس 7 يونيو (أ.ف.ب)

الظروف غير مواتية

أعقبه بيان آخر صادر هذه المرة عن وزارة الدفاع نفسها، جاء فيه أن «الظروف لم تعد مواتية لاستقبال الشركات الإسرائيلية في المعرض. في الوقت الذي يدعو فيه رئيس الجمهورية إلى وقف العمليات الإسرائيلية في رفح». وجدّدت وزارة الدفاع التأكيد على أنه «من الملحّ التوصل إلى وقف إطلاق النار، الذي يضمن حماية المدنيين في غزة، وإطلاق سراح جميع الرهائن، والسماح بالوصول الكامل للمساعدات الإنسانية».

جاء قرار وزارة الدفاع، وعبرها الهيئة المنظمة للمعرض، بعد حملة قوية قامت بها مجموعة من المنظمات والجمعيات التي تدافع عن حقوق الإنسان، رأت أن شركات السلاح الإسرائيلية مرتبطة، بشكل أو بآخر، بالحرب الجارية في غزة، وبما يقوم به الجيش الإسرائيلي مما يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وبالتالي فإن حضورها الترويجي في معرض «يوروساتوري» أمر لا يمكن قبوله.

وجاء في خلاصة تقرير صادر في 12 يونيو (حزيران) عن الهيئة الخاصة للتحقيق بمجريات حرب غزة، المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان، أن هناك اتهامات بارتكاب جرائم حرب بحق 7 تنظيمات فلسطينية وبحق إسرائيل.

أمر قضائي

بيد أن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، إذ إن التنظيمات والجمعيات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني تقدمت بدعوى أمام القضاء الفرنسي، وتحديداً أمام محكمة مدينة بوبينيي، الواقعة شمال شرقي باريس، مفادها أن غياب جناح إسرائيلي لا يعني غياب إسرائيل. وصدر حكم المحكمة المتشدد يوم الجمعة الماضي، أي بعد يوم واحد من تقديم الشكوى. ولا ينصّ الحكم على منع حضور الشركات الإسرائيلية فقط، بل منع حضور كل من له صفة تمثيلية للشركات الإسرائيلية أيضاً أو يعمل لصالحها كوسيط، وهذا هو الجديد.

وعدّت المحكمة في حكمها أن «الضمانات» التي قدّمتها الهيئة المنظمة للمعرض «غير كافية»، لأنها تترك المجال مفتوحاً أمام حضور الشركات، أو من يمثلها، كما أنه منع الشركات الأخرى الحاضرة من استضافة ممثلي الشركات الإسرائيلية في أجنحتها.

هذا القرار الحكومي من جهة، والقضائي من جهة أخرى، لا سابق له. وما زاد من غضب إسرائيل أن الحكم القضائي، الذي يعد انتصاراً واضحاً للجمعيات المدافعة عن الفلسطينيين، يفرض على المنظمين أن يعلقوا الحكم الصادر عن محكمة بوبينيي على مداخل المعرض.

وعملياً، كان بوسع الشركة المنظمة أن تتقدم باستئناف أمام المحاكم. إلا أن الوقت اللازم ينقصها باعتبار أن فعاليات المعرض تنطلق يوم الاثنين. وقال ماتنيو بوناغليا، محامي الجمعيات المشار إليها، لصحيفة «لو باريزيان»، في عدد يوم الجمعة، إن الحكم يذكر بـ«الضرورة الملحة لتجنب جرائم الإبادة. والحكم، من الناحيتين القانونية والرمزية، يضع فرنسا في مصافّ الدول الأخرى من حيث احترامها للالتزامات الدولية». ورحّبت الجمعيات المقدمة للشكوى بقرار المحكمة، معتبرة أنه «كان يتعين اتخاذ قرار من هذا النوع منذ زمن طويل من أجل فرض احترام القانون الدولي».

غانتس سعى للضغط على رئيس الحكومة الفرنسية لإلغاء قرار المنع (إ.ب.أ)

الضغط على الحكومة الفرنسية

تجدر الإشارة إلى أن باريس دعت إلى احترام القرارات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وتحديداً عن المدعي العام كريم خان، الذي طلب في أمر صادر عنه توقيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بتهم مختلفة، منها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ولم تكتفِ إسرائيل بردّة فعل غالانت العنيفة، بل تدخل بيني غانتس، الوزير من غير وزارة، والعضو السابق في مجلس الحرب الإسرائيلي، بالضغط على الحكومة الفرنسية، من خلال اتصال مع رئيس الحكومة غبريال أتال، للمطالبة بـ«تراجع فرنسا عن قرارها». وما دفع باريس إلى قرارها كان، وفق مصادر حكومية، القصف الذي قامت به القوات الإسرائيلية ضد معسكر للنازحين في رفح ليلة 26 مايو، والذي قضى على عشرات المدنيين، بينهم كثير من الأطفال والنساء. ووصف ماكرون، بعدها مباشرة، ما حصل في المخيم بأنه أمر «لا يمكن القبول به».

بالتوازي مع مسألة المعرض، سعت هيئات وجمعيات إلى دفع الحكومة الفرنسية إلى وقف أي مبيعات أسلحة إلى إسرائيل. وردّت باريس بأن مبيعاتها لإسرائيل لا تشكل، بحسب أرقام عام 2022، سوى 0.02 في المائة من مشتريات إسرائيل الدفاعية. وتفيد أرقام المعهد الدولي لبحوث السلام السويدي أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى في مبيعات الأسلحة لإسرائيل بنسبة 69 في المائة، تليها ألمانيا بنسبة 30 في المائة. وتؤكد باريس أن مبيعاتها لإسرائيل عبارة عن مكونات مخصصة لأنظمة الدفاع الجوي «القبة الحديدية» أو إعادة التصدير. وطالبت عدة جمعيات بمنع تصدير أي سلاح أو مكون إلى إسرائيل، على غرار ما فعلته كندا وإيطاليا وإسبانيا، إلا أن وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو رفض الطلب.


مقالات ذات صلة

حزام أمني على محور فيلادلفيا... إحدى عقبات مفاوضات هدنة غزة

المشرق العربي محور فيلادلفيا كما يُرى من غرب رفح بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

حزام أمني على محور فيلادلفيا... إحدى عقبات مفاوضات هدنة غزة

في إطار العقبات الجديدة التي تقف في طريق التقدم نحو اتفاق إطلاق النار... مخطط إسرائيلي لإقامة حزام أمني على طول محور فيلادلفيا بمسافة 15 كيلومتراً وعرض 800 متر.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي جانب من الاحتجاجات الدورية التي تنظمها أُسر المحتجَزين الإسرائيليين في غزة (رويترز)

آلاف الإسرائيليين يوقظون وزراء من نومهم في نفس ساعة هجوم «طوفان الأقصى»

خرج آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع صباح الأحد إحياء لذكرى مرور 9 أشهر على هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي نيران مشتعلة على الجانب الإسرائيلي من الحدود بعد استهدافه بعشرات الصواريخ من جانب «حزب الله» اللبناني الأسبوع الماضي (رويترز)

«حزب الله» يعلن قصف قاعدة رئيسية إسرائيلية بعشرات الصواريخ

أعلن «حزب الله» اللبناني، اليوم الأحد، قصف قاعدة «نيمرا» غرب طبريا بعشرات صواريخ الـ«كاتيوشا»، وفق ما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

غارات وقتال في غزة... وتصعيد على الحدود مع لبنان

يواصل الجيش الإسرائيلي، السبت، قصف قطاع غزة ويخوض معارك مع مسلحين من «حماس» في عدة مناطق من القطاع المدمر، فيما جرى تبادل إطلاق نار مع «حزب الله» عبر الحدود.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريش (يمين) وإيتمار بن غفير (يسار) (وسائل إعلام إسرائيلية)

مبادرة إسرائيلية يمينية بين الحكومة والمعارضة على رفض الدولة الفلسطينية

تعاون نادر بين الجناح اليميني للمعارضة الإسرائيلية مع الائتلاف اليميني الحاكم، في مبادرة لتمرير مشروع قرار في الكنيست يعارض بشدة فكرة قيام دولة فلسطين.

نظير مجلي (تل أبيب)

«صيانة الدستور» يصادق على نتائج انتخابات الرئاسة... وبزشكيان يؤدي القسم مطلع أغسطس

بزشكيان وحليفه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال الاحتفال بالفوز في مرقد المرشد الإيراني الأول (رويترز)
بزشكيان وحليفه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال الاحتفال بالفوز في مرقد المرشد الإيراني الأول (رويترز)
TT

«صيانة الدستور» يصادق على نتائج انتخابات الرئاسة... وبزشكيان يؤدي القسم مطلع أغسطس

بزشكيان وحليفه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال الاحتفال بالفوز في مرقد المرشد الإيراني الأول (رويترز)
بزشكيان وحليفه وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف خلال الاحتفال بالفوز في مرقد المرشد الإيراني الأول (رويترز)

أعلن «مجلس صيانة الدستور» المصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الإصلاحي مسعود بزشكيان، قبل نحو 3 أسابيع من أدائه القسم الدستوري أمام البرلمان.

وباشر الرئيس المنتخَب، الأحد، اجتماعاته مع مسؤولين وشخصيات سياسية، تمهيداً لنقل صلاحيات الرئاسة، وتشكيل الحكومة.

وقال المتحدث باسم «مجلس صيانة الدستور»، هادي طحان نظيف، للتلفزيون الرسمي، إن مراجعة صحة الانتخابات انتهت قبل ساعات في «مجلس صيانة الدستور»، لافتاً إلى تأكيد صحة جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية.

وأضاف: «أبلغنا هذا الموضوع رسمياً لوزارة الداخلية بوصفها الجهة المنفذة للانتخابات»، لافتاً إلى أن المجلس لم يتلقَّ أي شكاوى أو تقارير عن مخالفات تؤثر في نتائج الانتخابات.

ولفت طحان نظيف إلى أن المجلس يعمل على إعداد وثيقة اعتماد الرئيس المنتخب، على أن ترسَل لمكتب المرشد الإيراني للمصادقة على حكم الرئاسة.

ويشرف «مجلس صيانة الدستور»، الهيئة غير المنتخبة التي يختار المرشد الإيراني علي خامنئي نصف أعضائها الـ12 على تنفيذ الانتخابات، ويبتّ بأهلية المرشحين، ويراقب تشريعات البرلمان، ويفصل بين خلافات الحكومة والمشرعين.

ومن المقرر أن يقام حفل التنصيب بعد نيل بزشكيان موافقة المرشد علي خامنئي، رسمياً.

ونقلت وكالة «إرنا» عن عضو الهيئة الرئاسية بالبرلمان مجتبى يوسفي، قوله إن «مراسم تنصيب الرئيس ستقام في الرابع أو الخامس من أغسطس المقبل»، على أن «يعين خلال 15 يوماً الوزراء للتصويت على الثقة».

وكان المتحدث باسم هيئة رئاسة البرلمان، علي رضا سليمي، قد أبلغ وكالة «إيسنا» الحكومية، السبت، أن بزشكيان سيؤدي القسَم في الأسبوع الذي يلي يوم 21 يوليو (تموز) الحالي.

بزشكيان يستقبل مخبر في مكتبه اليوم (الرئاسة الإيرانية)

وتوجه الرئيس المؤقت محمد مخبر إلى مكتب الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان، وأطلعه على آخر مستجدات القضايا التنفيذية، وفق ما ذكرت مواقع إيرانية.

وقال مكتب مخبر في بيان إن اللقاء الودي تناول الأمور الجارية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

خامنئي يستقبل فريق رئيسي

في وقت لاحق، استقبل المرشد الإيراني، علي خامنئي، مخبر، وأعضاء الحكومة المنتهية ولايتها، مشيداً بالرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث تحطم مروحية 19 مايو (أيار) الماضي.

وأعرب خامنئي عن رضاه عن أداء رئيسي، عادّاً صفاته: «العمل الدؤوب لحل مشاكل عامة الناس (وليس الخاصة والمستفيدين الخاصين)، والاعتقاد العميق بقدرات البلاد، والصراحة في إعلان المواقف الدينية والثورية، وعدم الكلل، وعدم اليأس، ومراعاة التفاعل والكرامة في السياسة الخارجية، والاهتمام بتنفيذ المشاريع الكبيرة».

وقال خامنئي إن حكومة رئيسي كانت حكومة «العمل والأمل والحركة»، وأشار إلى إجابة رئيسي عن سؤال حول ما إذا كان يريد إقامة علاقات مع الولايات المتحدة، وذلك في أول مؤتمر صحافي عقده بعد توليه الرئاسة.

وقال خامنئي: «رئيسي كان ملتزماً بما يقوله بصراحة؛ مثلاً في أول مقابلة سئل عما إذا كان سيتواصل مع بلد معين، أجاب: (لا)، وبقي مخلصاً لهذا الموقف الواضح والصريح حتى النهاية».

صورة نشرها موقع خامنئي من صورته التذكارية مع فريق حكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي

وبشأن السياسة الخارجية، قال خامنئي إن رئيسي تصرف مع «مراعاة التفاعل والكرامة في نفس الوقت». وقال: «تفاعل من موقف الكرامة مع جميع الدول التي كان يمكن التواصل معها ومع أولوية الجيران... بعض القادة البارزين في العالم يذكرون رئيسي كشخصية بارزة وليس كسياسي عادي».

من جانب آخر، كشف خامنئي عن توصياته للرئيس السابق بشأن الخلافات الداخلية، قائلاً: «كان رئيسي يتألم من الخلافات، لكنه كان يتعامل مع الجميع. في إحدى الحالات كان هناك خلاف جدي وكان من الممكن أن ينشب نزاع كبير في البلاد، فقلت له ألا يتفاعل معها؛ كان ذلك صعباً عليه، لكنه لم يتفاعل وتعامل مع الأمر».

وقال خامنئي: «هذه الصفات تم توضيحها كنموذج (...)». وطالب خامنئي الرئيس المنتخَب بتنبي نهج رئيسي، ومواصلة مسار سياساته.

ووجه خامنئي الشكر إلى المسؤولين الحكوميين ووزارة الداخلية وقوات الأمن والشرطة، ووسائل الإعلام على «تنظيم الانتخابات بشكل جيد ودون أحداث». وقال: «في بعض دول العالم، تكون الانتخابات مصحوبة بالخلافات والمشاجرات. بينما في بلدنا تم تنظيم الانتخابات بأفضل طريقة».

تخفيف التوترات

وتعهَّد بزشكيان (69 عاماً) بتبني سياسة خارجية عملية، وتخفيف التوتر المرتبط بالمفاوضات المتوقفة الآن مع القوى الكبرى لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وتحسين آفاق الحريات الاجتماعية والتعددية السياسية، لكن كثيراً من الإيرانيين يشككون في قدرته على الوفاء بوعوده الانتخابية؛ لأن الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، وليس الرئيس، هو صاحب السلطة الأعلى في الجمهورية الإسلامية.

وكان الرئيس الأسبق حسن روحاني قد نشر بياناً السبت، مشيراً إلى تنافس رؤيتين في مجال السياسة الخارجية، وقال: «هذا الاستفتاء الوطني أظهر أنه يفضل التفاعل البنّاء مع العالم واستخدام الدبلوماسية الذكية والمحترمة وإحياء الاتفاق النووي»، مشدداً على أنه «الآن لدينا فرصة لتعويض الفرص الضائعة واستعادة حق الوجود المحترم للبلاد في المجتمع الدولي».

وخاطب روحاني الإيرانيين: «أظهرتم للعالم أنه على الرغم من الصعوبات واليأس، لا تتنازلون عن حق تقرير مصيركم، ولأولئك الذين راهنوا على هندسة الانتخابات أرسلتم رسالة واضحة أنكم تستمعون بصبر إلى مختلف الأحاديث، ولكن إذا أتيحت لكم الفرصة تختارون الأفضل».

وأضاف: «أظهر تصويت الشعب في هذه الانتخابات أنهم لا يريدون السياسات الاقتصادية والإدارية التي تسببت في أعلى معدلات التضخم وأشد مستويات الفقر خلال السنوات الثلاث الماضية، كما أنهم يرفضون عدم احترام النساء وسلب حقهن في المشاركة الفاعلة في المجالين الاجتماعي والافتراضي».

وقالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي نبيلة مصرالي إن التكتل المكون من 27 عضواً «مستعد للتعامل مع الحكومة الإيرانية الجديدة بما يتماشى مع سياسة الاتحاد الأوروبي».

من جهته، كتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس على منصة «إكس» أن «الشعب الإيراني وجّه رسالة واضحة يطلب فيها التغيير ويعبر عن معارضة نظام (الملالي)».

مشاركة منخفضة

وكانت نسبة المشاركة في الجولة الثانية من الانتخابات التي أُجريت، الجمعة، نحو 50 في المائة من أصل 61 مليون ناخب. وشهدت الجولة الأولى في 28 يونيو (حزيران) إقبالاً منخفضاً لم يسبق له مثيل؛ إذ أحجم أكثر من 60 في المائة من الناخبين عن التصويت في الانتخابات المبكرة لاختيار خليفة رئيسي.

وفي الجولة الثانية، حصل بزشكيان على 16.3 ملیون صوت، ما يعادل 53.6 في المائة من الأصوات، بينما حصل منافسه المتشدد سعيد جليلي على 13.5 مليون صوت (ما يعادل 44.3 في المائة)، من أصل نحو 30 مليون صوت. وفي الجولة الأولى حصل بزشكيان على 10 ملايين و415991 صوتاً من أصل 24 مليوناً و535185 صوتاً جرى فرزها، بينما حصل جليلي على 9 ملايين و473298 صوتاً.

وقبل 3 سنوات، حصل رئيسي على 17.9 مليون (61.9 في المائة) من أصل 28.9 مليون شاركوا في الانتخابات. وكانت السلطات قد استدعت 59.3 مليون ناخب.

ويقول منتقدو الحكام في إيران إن نسبة المشاركة المنخفضة التي تراجعت في الانتخابات السابقة تظهر تآكل شرعية النظام. وشارك 48 في المائة فقط من الناخبين في انتخابات 2021 التي أوصلت رئيسي إلى السلطة، بينما وصلت نسبة المشاركة إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 41 في المائة في الانتخابات البرلمانية قبل 3 أشهر.

وتمكن بزشكيان من الفوز، بفضل ثقة قاعدة انتخابية يُعتقد أنها تتألف من أبناء الطبقة الوسطى في المناطق الحضرية والشبان المصابين بخيبة أمل كبيرة من الحملات الأمنية التي سحقت على مدى السنين أي معارضة علنية للحكم الثيوقراطي، بحسب «رويترز».

بزشكيان يشم وردة حمراء على هامشه خطابه الأخير خلال تجمع انتخابي في طهران الأربعاء الماضي (أ.ب)

أولويات الرئيس

وتوقعت صحيفة «دنياي اقتصاد» أن «ترحب الأسواق» بفوز بزشكيان. وتساءلت: «ما هي الأولوية الرئيسية للرئيس الجديد؟ يبدو أن الخطوة الأولى لتحقيق الانفراج الاقتصادي هي الرفع الدائم للعقوبات».

وكتب عالم الاجتماع أحمد بخارائي عن «ثلاثية جديدة في الخريطة السياسية لإيران»، لافتاً إلى أنها «تشمل المحافظين، والمجموعات الخارجة عن الإصلاحية والأصولية، ومجموعة وسطية تبحث عن حل النزاعات». وأشار إلى انكسار النظم الاجتماعية في إيران وخضوعها لتغييرات جذرية.

وقال إن البلاد تدخل فترة جديدة يتشكل فيها قطبان رئيسيان: الأصوليون والإصلاحيون، بالإضافة إلى 60 في المائة من الذين لديهم وجهة نظر مختلفة ولم يشاركوا في الانتخابات. وأشار أيضاً إلى زيادة المشاركة بنسبة 9 في المائة في الجولة الثانية، موضحاً أن الناخبين «صوتوا في الغالب بدافع الخوف بدلاً من الانتماء الحقيقي للمرشحين». وقال: «معظم الناخبين كانوا يبحثون عن التغيير والتحول».

وزاد في نفس السياق: «كانت أجواء الانتخابات خاصة، وكانت المشاركة بسبب الخوف من رئيس سيئ أكثر من الأمل في رئيس جيد».

وقال إن بزشكيان «انتُخب ممثلاً للتغييرات الحقيقية والإصلاح». ورأى أن «المجتمع لم يتخذ قراره مسبقاً، وكثير من الناس صوتوا في اللحظات الأخيرة... الطبقة المتوسطة والفقيرة صوتت لأسباب سياسية واقتصادية مختلفة».

وخلص إلى أن «المجتمع الإيراني يمر بتغيير جدي، والرئيس الجديد يجب أن يلتفت إلى مطالب التغيير والتحول من الشعب».

وفي افتتاحية صحيفة «سازندكي» الناطقة باسم فصيل الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، كتب الناشط السياسي عماد الدين باقي: «على الرغم من الجهود الكبيرة من قبل الإصلاحيين والأجهزة الإعلامية لتحفيز مشاعر الناس، كانت نسبة المشاركة في الانتخابات أقل من 50 في المائة، وكانت معظم الأصوات احتجاجية وليست تأييدية».

وأضاف: «كان معظم الناس غير راضين عن السياسات الداخلية والخارجية، وشارك الناخبون لصالح بزشكيان بسبب معارضتهم للطرق التقليدية». وعزا زيادة المشاركة في الجولة الثانية إلى «الاحتجاج على الوضع الحالي».

وعن رسالة الانتخابات، قال إن النتائج أظهرت أن «نصف الناس يعارضون السياسات الجارية ولا يمكن إرضاؤهم بالطرق السابقة». وحذر من أن عدم تحقق وعود بزشكيان، واستمرار قمع الاحتجاجات «سيزيدان احتمال وقوع الثورة».

وتطرق إلى الاستياء العام من قمع الاحتجاجات والعنف خصوصاً في حراك مهسا أميني قبل نحو عامين، و«الإعدامات غير المقبولة» والتضييق على النساء والفقر والتضخم، مؤكداً أن «استخدام القوة والدعاية لم يحقق نتائج»، و«يجب على المسؤولين التفكير في تغييرات جوهرية».

أما صحيفة «كيهان» المتشددة فقد جمعت عدد الأصوات في الجولة الأولى والثانية، وتحاشت التطرق إلى المقاطعة. وقالت إن «مشاركة 55 مليون شخص في هذه الانتخابات أبطلت ادعاءات المعارضين». ووصفت نصاب الانتخابات بـ«المقبول».

وأضاف المحلل سعد الله زارعي في افتتاحية «كيهان»، أن «التيارين المحافظ والإصلاحي تنافسا بأصوات متقاربة». وتابع: «أظهرت هذه الانتخابات إمكانية استخدام الأصوات من التيارين لتنظيم المجتمع السياسي».

ونوّه زارعي بما قاله بزشكيان حول ضرورة التعاون الوطني، و«تجنب السلوكيات المتطرفة»، و«ترميم الفجوة بين المجتمع وتحسين الوضع الاقتصادي». وقال: «في تصريحات الرئيس المنتخب تم التأكيد على أهمية الإجماع الوطني لتنفيذ السياسات الداخلية والخارجية بنجاح. يجب أن يكون الإجماع الوطني محوراً يُرتكز عليه»، وأضاف: «إيران بعد الثورة لديها محور واحد هو المرشد وولاية الفقيه من الناحية العقائدية، والدستور من الناحية القانونية».

وتابع: «يمكن للحكومة الجديدة أن تخلق فرصاً كبيرة في عالم يتغير بسرعة حالياً، وقد تكون حكومة متخبطة وتهدر الفرص الكبيرة في الداخل والمنطقة والعالم».