أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء الخميس، جولة محادثات هاتفية مع القائم بأعمال الرئاسة الإيرانية محمد مخبر، ركز خلالها الطرفان على الاهتمام المشترك بتطوير التعاون في مجالات عدة، ودفع العمل في تنفيذ مشروعات ضخمة في قطاع الطاقة، وزيادة مستوى التنسيق في الملفات الإقليمية والدولية.
وبدا أن المكالمة التي جرت بمبادرة من الجانب الإيراني، كما أفاد الكرملين، سعت إلى تخفيف تأثيرات الإعلان الروسي قبل يومين، حول تجميد العمل على صياغة اتفاق استراتيجي شامل لتطوير التعاون بين روسيا وإيران، كان الطرفان قد عملا على بلورته لعامين.
ورغم أن البيان الذي أصدره الكرملين حول مجريات المكالمة، لم يتطرق لهذا الملف بشكل مباشر، كما خلت البيانات الإيرانية بدورها من إشارة إلى موضوع الاتفاق المجمد، لكن توقيت إجراء المكالمة وتركيز الجانبين على إعطاء أولوية لزيادة التنسيق في كل الملفات وتعزيز آليات العمل المشترك، دلت على الأهمية التي توليها موسكو وطهران لتجاوز الملفات الخلافية التي أسفرت عن تعليق العمل على الاتفاق الاستراتيجي.
وأفاد بيان الكرملين بأن رئيس روسيا والقائم بأعمال رئيس إيران شددا على اهتمامهما بمواصلة تطوير التعاون بين البلدين، بما فيه تنفيذ المشاريع المشتركة الواعدة في مجالي الطاقة والنقل.
وزاد البيان الروسي أن المكالمة تناولت أيضاً بعض قضايا التعاون على الساحة الدولية، بما في ذلك ما يتعلق بالرئاسة الروسية لمجموعة «بريكس» التي أصبحت إيران عضواً كامل العضوية فيها بدءاً من مطلع العام الحالي.
وأشار البيان إلى أن مخبر هنأ رئيس روسيا وشعبها بمناسبة العيد الوطني الذي يحتفل به في 12 يونيو (حزيران)، وأعرب عن شكره على الدعم في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها إيران «بعد الوفاة المأساوية للرئيس إبراهيم رئيسي».
بدوره، هنأ بوتين جميع المسلمين في إيران بمناسبة حلول عيد الأضحى، وتمنى لإيران النجاح في الحملة الانتخابية الجارية، و«طلب نقل تمنياته إلى المرشد الإيراني علي خامنئي»، حسب بيان الكرملين.
«علاقات استراتيجية»
بدورها، أشارت وكالة «إرنا» الرسمية إلى أن مخبر وصف العلاقات بين طهران وموسكو بـ«الاستراتيجية»، وقال إنها «تقوم على مبادئ غير قابلة للتغيير»، ورأى أن «التنفيذ الكامل لجميع الاتفاقيات المبرمة، بما في ذلك في قطاعات التجارة والترانزيت والطاقة، يشكل جدول الأعمال الرئيسي للعلاقات الثنائية»، مؤكداً عزم إيران على تنفيذها.
وأفادت «إرنا» بأن مخبر استعرض كذلك التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف بين إيران وروسيا، وخاصة في ملف ممر الترانزيت بين الشمال والجنوب، وفي إطار مجموعة «بريكس» والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وشدد على أهمية ترسيخ الأسس القانونية للتعاون المتبادل.
وكانت موسكو أعلنت بشكل أحادي قبل يومين، تجميد العمل على إنجاز اتفاقية شاملة أطلق الجانبان مفاوضات تفصيلية بشأنها منذ بداية عام 2022. وكان من المفترض، وفقاً لتأكيدات موسكو وطهران، أن «تحدد أطر تعزيز التعاون وإرساء علاقات وثيقة بين روسيا وإيران لعقود مقبلة».
وعزت موسكو القرار المفاجئ إلى «مشاكل عند الجانب الإيراني»، وتحدثت أوساط دبلوماسية روسية عن أن طهران سعت إلى إدخال تعديلات عدة على بنود الاتفاقية، ما تطلب إجراء مراجعة شاملة على مستوى الهياكل والإدارات الروسية المختصة.
لكن وزير الخارجية سيرغي لافروف سعى إلى التخفيف من أهمية قرار التجميد، وقال إن الطرفين توصلا خلال الفترة الماضية إلى توافقات على نصف بنود الوثيقة، معرباً عن ثقة بقدرة الطرفين على «حل القضايا الإجرائية العالقة، بشكل أساسي من جانب زملائنا الإيرانيين».
ورأت تغطيات الصحافة الروسية أن عناصر التباين التي ما زالت تعرقل التوصل إلى صياغة نهائية للاتفاقية الكبرى، تنطلق من تطورات داخلية في إيران، من دون أن تشير مباشرة إلى تكهنات بأن النخب الإيرانية تخوض نقاشات حول شكل وآليات تطوير التعاون مع روسيا.
وكتب معلقون أن «الحديث لا يدور عن اتفاق دبلوماسي عادي، إنما عن اتفاقية ينبغي أن تحدد العلاقات بين البلدين لعقود مقبلة. والاتفاقيات الاستراتيجية من هذا النوع تتضمن أيضاً عنصراً آيديولوجياً».
ورأى خبراء أنه «في بعض الأحيان يستغرق إعداد هذا النوع من الاتفاقيات سنوات عديدة، وليس هناك شيء لافت في تأخير التوقيع عليها. إنما في حالة إيران، هناك العديد من المزالق».
تأثير وفاة رئيسي
وفقاً للتقييم الروسي، فقد أدت الوفاة المفاجئة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وفريقه في حادث تحطم المروحية إلى «إدخال تعديلات على الأجندة الإيرانية»؛ كون إيران مشغولة حالياً باستحقاق انتخاب رئيس جديد للبلاد، ووضع الترتيبات الداخلية اللازمة للمرحلة المقبلة.
وأعرب خبراء روس عن ثقة بأنه «من شبه المؤكد أن فريق الرئيس الإيراني الجديد سيقوم بإجراء تعديلاته الخاصة على الاتفاقية الاستراتيجية مع روسيا. وربما لن تكون هذه التغييرات جوهرية، ولن تكون هناك حاجة لإطلاق عملية تفاوض جديدة كاملة، ولكن من المرجح أن تجري مناقشة المقترحات الجديدة من قبل الفريق الإيراني الجديد».
وكان لافتاً أن تعليقات الخبراء الروس، والتصريحات الصادرة عن المستوى الرسمي الروسي، ركزتا على الحاجة إلى مزيد من الوقت، وتحدثتا عن تباينات محدودة بسبب مشاكل لدى الإيرانيين، من دون أن توضحا تفاصيل محددة حول البنود الخلافية أو طبيعة التعديلات التي طلبت طهران إدخالها على بعض بنود الاتفاقية، ما أسفر عن وقف العمل عليها حالياً.
في الوقت ذاته، حرصت موسكو على إظهار تمسكها بمواصلة تعزيز التعاون مع الشريك الإيراني، وبالإضافة إلى التصريحات التي صدرت عن الكرملين ووزارة الخارجية حول أن خيار إبرام الاتفاق الشامل «لا تراجع عنه»، فقد سار بوتين خطوة عملية لإظهار تمسك موسكو بهذا المسار، من خلال توقيعه أول من أمس، قانون التصديق على اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران.
وتم توقيع الاتفاقية في سان بطرسبرغ، نهاية العام الماضي، بهدف تحرير وتبسيط التجارة بين دول الاتحاد الاقتصادي الأوراسي وإيران، من خلال تقليل أو إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية، ودعم التفاعل الاقتصادي والتجاري.
وكما قال نائب رئيس وزارة التنمية الاقتصادية في الاتحاد الروسي، فلاديمير إيليتشيف، فإن الاتفاقية ستساهم في زيادة التجارة المتبادلة: وبالتالي، بحلول عام 2025، من المتوقع زيادة قدرها 1.1 مليار دولار. كما ترى الوزارة أن هذه الاتفاقيات ستساعد في تنفيذ مشاريع تطوير ممر النقل بين الشمال والجنوب.
وقال إن تنفيذ الاتفاق لن يترتب عليه نفقات إضافية من الميزانية الاتحادية. وفي الوقت نفسه، فإن حجم الأفضليات الجمركية المقدمة لإيران سيصل إلى نحو 50 مليون دولار، وسيتم تعويضها من خلال إيرادات إضافية من ضريبة القيمة المضافة، حسب تقديرات الوزارة.
واللافت أن اختيار بوتين المصادقة على الاتفاقية في هذا التوقيت حمل إشارة إلى حرص الكرملين على تقليل تأثيرات تجميد العمل على الاتفاقية الشاملة للتعاون بين موسكو وطهران، لحين انتهاء إيران من تنفيذ الخطوات اللازمة لاستئناف الحوار حول بنودها وبلورتها بصياغتها النهائية.