قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يزداد بما في ذلك المخصب بنسبة 60 في المائة، القريبة من المستوى المطلوب للأسلحة النووية، معرباً عن قلقه من تصريحات مسؤولين إيرانيين بشأن تغيير العقيدة النووية.
وأفاد غروسي في مستهلّ الاجتماع الفصلي لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية، المكون من 35 دولة، بأن «الوكالة فقدت قدرتها على استمرارية الاطلاع على إنتاج وجرد أجهزة الطرد المركزي والدوارات والمنافيخ والمياه الثقيلة وتركيز خام اليورانيوم».
وأشار إلى مضيّ ثلاث سنوات منذ تجميد إيران العمل بالبروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار، الذي أتاح للوكالة الدولية الاطلاع على أنشطة إيران الحساسة. وقال غروسي إن ذلك يعني أنه «مرّ أكثر من ثلاث سنوات على آخر مرة تمكنت الوكالة من وصول تكميلي داخل إيران».
وأرسل غروسي تقريرين إلى الدول الأعضاء الأسبوع الماضي، أحدهما يتعلق باتفاق الضمانات الذي يلزم إيران بإطلاع الوكالة الدولية على ما تمتلكه من مواد نووية وأجهزة بموجب عضويتها في معاهدة حظر الانتشار النووي.
وقال غروسي إن الوكالة الدولية لم تحرز أي تقدم في حل القضايا المرتبطة باتفاق الضمانات، بما في ذلك تقديم أي «تفسيرات موثوقة» من الناحية التقنية لوجود جزيئات اليورانيوم، في موقعي ورامين وتورقوز آباد، مشدداً على أن إيران «لم تُخطر الوكالة بالموقع الحالي الذي توجد فيه المواد النووية أو المعدات الملوثة».
ودعا غروسي إيران إلى الامتثال إلى قضايا الضمانات العالقة؛ لكي تتمكن الوكالة من التأكيد على أن برنامج إيران النووي سلمي حصراً.
وقال غروسي في جزء من تصريحاته إن «التصريحات العلنية التي صدرت في إيران بخصوص قدراتها الفنية لإنتاج الأسلحة النووية واحتمالات إدخال تغييرات على العقيدة النووية الإيرانية، تؤجج مخاوفي بشأن صحة واكتمال البيانات الإيرانية بخصوص الضمانات».
وزار غروسي طهران مطلع الشهر الماضي، في محاولة لتنشيط تفاهم مارس (آذار) العام الماضي، بشأن تسوية القضايا العالقة بين الجانبين، ومعاودة الحوار، مطالباً بـ«نتائج ملموسة بأسرع وقت ممكن». لكن مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث مروحية علّق المحادثات.
وقال غروسي لأعضاء مجلس المحافظين إنه أجرى مفاوضات مع وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبداللهيان، ومحمد إسلامي، نائب الرئيس الإيراني ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية. وصرح: «قد أطلعتهما على بعض المقترحات الملموسة لتنفيذ البيان المشترك الصادر في الرابع من مارس 2023».
وأعرب غروسي عن أسفه لأن إيران «لم تتراجع بعد عن قرارها بسحب تعيينات العديد من مفتشي الوكالة المخضرمين».
ومع ذلك، رحب بموافقة إيران على أن «البيان المشترك لا يزال يوفر إطاراً للتعاون مع الوكالة، ومعالجة القضايا العالقة». وبذلك، دعا غروسي إيران إلى «تنفيذ البيان المشترك عبر التعاطي الجاد مع المقترحات الملموسة التي قدمتها الوكالة». وقال: «أكرر استعدادي ودعوتي للحكومة المرتقبة في إيران، لمواصلة الحوار على مستوى رفيع، والتبادلات الفنية اللاحقة، التي بدأت نتيجة اجتماعاتي مع وزير الخارجية الراحل والقائم بأعمال وزير الخارجية الحالي علي باقري كني يومي 6 و7 يونيو (حزيران) في طهران وأصفهان».
وقال غروسي في مؤتمر صحافي: «نعلم إن إيران لديها القدرة للازمة على صنع أسلحة نووية، لكن ليس لدينا معلومات محدثة بشأن برنامجها النووي».
وحض غروسي إيران على «إظهار المزيد من الشفافية» بشأن برنامجها النووي، لافتاً إلى حاجة الوكالة الدولية إن «مزيد من أنظمة الرقابة والتحقق في إيران». وقال: «يجب أن تكون الوكالة قادرة في الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية».
في غضون ذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسيين إن القوى الأوروبية قررت التحرك لإصدار قرار ضد إيران في مجلس المحافظين، رغم التردد الأميركي. وأفاد هؤلاء بأن «هناك حاجة ملحة إلى التحرك أمام خطورة الوضع».
وتقول الوكالة الدولية إن إيران «الدولة الوحيدة من بين البلدان التي لا تملك السلاح الذري، القادرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 في المائة، وتشكيل مخزونات تزيد باستمرار». وهذه العتبة قريبة من مستوى الـ90 في المائة اللازم لصنع قنبلة نووية وتتجاوز بكثير السقف المسموح به والبالغ 3,67 في المائة، وهو يُعادل ما يُستخدم لتوليد الكهرباء.
ورغم أن واشنطن تنفي رسمياً أن تكون تلجم جهود حلفائها الأوروبيين، فإنها تخشى أن يفاقم تحرك كهذا التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني).
«أساسي ومُلحّ»
إلا أنّ مصادر دبلوماسية ترى أن هذه السياسة غير قابلة للاستمرار نظراً إلى التصعيد الحاصل، مضيفة أن «الموقف الأميركي قد يتبدل» بحلول موعد التصويت على مشروع القرار في وقت لاحق من الأسبوع.
وتدهورت العلاقات بين إيران والوكالة الدولية بشكل كبير وتواجه الوكالة الأممية صعوبة في ضمان «الطابع السلمي» لبرنامج طهران النووي.
ورأى الدبلوماسيون أن تعليق محادثات الوكالة الدولية وطهران بسبب وفاة الرئيس الإيراني «ذريعة في غير مكانها». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عنهم قولهم: «إن الوقت حان لتشديد الضغوط على إيران».
ويتناول مشروع القرار نقاط الخلاف كلها. وعلى رأسها، العثور على آثار يورانيوم في موقعين غير مصرح عنهما. ويشدد مشروع القرار على أنه «من الأساسي والملح» أن توفر إيران أسباباً «ذات صدقية من الناحية التقنية»، وقد يٌطلب من غروسي «تقرير شامل» في هذا الشأن.
من جهة أخرى، يشير مشروع القرار إلى «القلق» المحيط «بالتصريحات العلنية الأخيرة في إيران حول القدرات الفنية للبلاد لإنتاج أسلحة نووية واحتمال حصول تغييرات في العقيدة النووية».
والسبت الماضي، حذّر علي شمخاني، المستشار السياسي للمرشد الإيراني، القوى الأوروبية من تبعات تحريك قرار ضد إيران في الاجتماع الفصلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يبدأ أعماله الاثنين في فيينا. وقال شمخاني، في منشور على منصة «إكس»، باللغة العربية: «إذا سعت بعض الدول الأوروبية المُخاتلة، عشية الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلى تبني موقف عدائي تجاه البرنامج النووي السلمي الإيراني في الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة، فإنها ستواجه رداً جدياً وفعالاً من بلدنا».
«العودة إلى اللعبة»
وقد تخلت إيران تدريجياً، عن التزاماتها ضمن اتفاق دولي أُبرم العام 2015 مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بشأن برنامجها النووي. وكان من شأن هذا الاتفاق وضع إطار للنشاطات الذرية الإيرانية في مقابل رفع العقوبات الدولية.
إلا أن الاتفاق سقط بعد الانسحاب الأميركي منه بقرار من الرئيس آنذاك دونالد ترمب. وفشلت مباحثات لإحيائه في فيينا في صيف العام 2022.
وترى الباحثة في مركز دراسات الأمن في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إيلويز فاييه، أنه من خلال هذه المبادرة، «يظهر الأوروبيون أنهم عائدون إلى اللعبة» و«أنهم يدركون» النوايا الإيرانية.
وتضيف أن الولايات المتحدة تفضّل «عدم صبّ الزيت على النار» في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط حرباً في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» حليفة إيران. وترى «ربما من الأجدى انتظار استقرار النظام السياسي الإيراني» مع انتخاب رئيس جديد في 28 يونيو.
أما بالنسبة لموسكو التي تقربت من طهران في السنتين الأخيرتين، فقد حذّر سفيرها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا ميخائيل أوليانوف عبر منصة «إكس» من أن مشروع القرار هذا «معاد لإيران (...) ومن شأنه تصعيد الوضع».