غروسي يحذّر من مستوى تخصيب اليورانيوم الإيراني... وتحرك أوروبي ضد «خطورة» طهران

مدير «الذرية الدولية» يأمل مواصلة نتائج مباحثات الوكالة في أصفهان

غروسي في جلسة افتتاح الاجتماعات الفصلية للوكالة «الذرية الدولية» في فيينا (أ.ف.ب)
غروسي في جلسة افتتاح الاجتماعات الفصلية للوكالة «الذرية الدولية» في فيينا (أ.ف.ب)
TT

غروسي يحذّر من مستوى تخصيب اليورانيوم الإيراني... وتحرك أوروبي ضد «خطورة» طهران

غروسي في جلسة افتتاح الاجتماعات الفصلية للوكالة «الذرية الدولية» في فيينا (أ.ف.ب)
غروسي في جلسة افتتاح الاجتماعات الفصلية للوكالة «الذرية الدولية» في فيينا (أ.ف.ب)

قال مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يزداد بما في ذلك المخصب بنسبة 60 في المائة، القريبة من المستوى المطلوب للأسلحة النووية، معرباً عن قلقه من تصريحات مسؤولين إيرانيين بشأن تغيير العقيدة النووية.

وأفاد غروسي في مستهلّ الاجتماع الفصلي لمجلس المحافظين في الوكالة الدولية، المكون من 35 دولة، بأن «الوكالة فقدت قدرتها على استمرارية الاطلاع على إنتاج وجرد أجهزة الطرد المركزي والدوارات والمنافيخ والمياه الثقيلة وتركيز خام اليورانيوم».

وأشار إلى مضيّ ثلاث سنوات منذ تجميد إيران العمل بالبروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر الانتشار، الذي أتاح للوكالة الدولية الاطلاع على أنشطة إيران الحساسة. وقال غروسي إن ذلك يعني أنه «مرّ أكثر من ثلاث سنوات على آخر مرة تمكنت الوكالة من وصول تكميلي داخل إيران».

وأرسل غروسي تقريرين إلى الدول الأعضاء الأسبوع الماضي، أحدهما يتعلق باتفاق الضمانات الذي يلزم إيران بإطلاع الوكالة الدولية على ما تمتلكه من مواد نووية وأجهزة بموجب عضويتها في معاهدة حظر الانتشار النووي.

وقال غروسي إن الوكالة الدولية لم تحرز أي تقدم في حل القضايا المرتبطة باتفاق الضمانات، بما في ذلك تقديم أي «تفسيرات موثوقة» من الناحية التقنية لوجود جزيئات اليورانيوم، في موقعي ورامين وتورقوز آباد، مشدداً على أن إيران «لم تُخطر الوكالة بالموقع الحالي الذي توجد فيه المواد النووية أو المعدات الملوثة».

ودعا غروسي إيران إلى الامتثال إلى قضايا الضمانات العالقة؛ لكي تتمكن الوكالة من التأكيد على أن برنامج إيران النووي سلمي حصراً.

وقال غروسي في جزء من تصريحاته إن «التصريحات العلنية التي صدرت في إيران بخصوص قدراتها الفنية لإنتاج الأسلحة النووية واحتمالات إدخال تغييرات على العقيدة النووية الإيرانية، تؤجج مخاوفي بشأن صحة واكتمال البيانات الإيرانية بخصوص الضمانات».

وزار غروسي طهران مطلع الشهر الماضي، في محاولة لتنشيط تفاهم مارس (آذار) العام الماضي، بشأن تسوية القضايا العالقة بين الجانبين، ومعاودة الحوار، مطالباً بـ«نتائج ملموسة بأسرع وقت ممكن». لكن مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث مروحية علّق المحادثات.

غروسي مع حسين أمير عبداللهيان في طهران 6 مايو 2024 (الخارجية الإيرانية)

وقال غروسي لأعضاء مجلس المحافظين إنه أجرى مفاوضات مع وزير الخارجية الراحل حسين أمير عبداللهيان، ومحمد إسلامي، نائب الرئيس الإيراني ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية. وصرح: «قد أطلعتهما على بعض المقترحات الملموسة لتنفيذ البيان المشترك الصادر في الرابع من مارس 2023».

وأعرب غروسي عن أسفه لأن إيران «لم تتراجع بعد عن قرارها بسحب تعيينات العديد من مفتشي الوكالة المخضرمين».

ومع ذلك، رحب بموافقة إيران على أن «البيان المشترك لا يزال يوفر إطاراً للتعاون مع الوكالة، ومعالجة القضايا العالقة». وبذلك، دعا غروسي إيران إلى «تنفيذ البيان المشترك عبر التعاطي الجاد مع المقترحات الملموسة التي قدمتها الوكالة». وقال: «أكرر استعدادي ودعوتي للحكومة المرتقبة في إيران، لمواصلة الحوار على مستوى رفيع، والتبادلات الفنية اللاحقة، التي بدأت نتيجة اجتماعاتي مع وزير الخارجية الراحل والقائم بأعمال وزير الخارجية الحالي علي باقري كني يومي 6 و7 يونيو (حزيران) في طهران وأصفهان».

وقال غروسي في مؤتمر صحافي: «نعلم إن إيران لديها القدرة للازمة على صنع أسلحة نووية، لكن ليس لدينا معلومات محدثة بشأن برنامجها النووي».

وحض غروسي إيران على «إظهار المزيد من الشفافية» بشأن برنامجها النووي، لافتاً إلى حاجة الوكالة الدولية إن «مزيد من أنظمة الرقابة والتحقق في إيران». وقال: «يجب أن تكون الوكالة قادرة في الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية».

في غضون ذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن دبلوماسيين إن القوى الأوروبية قررت التحرك لإصدار قرار ضد إيران في مجلس المحافظين، رغم التردد الأميركي. وأفاد هؤلاء بأن «هناك حاجة ملحة إلى التحرك أمام خطورة الوضع».

مفتش من الطاقة الذرية يركب كاميرات للمراقبة في منشأة «نطنز» أغسطس 2005 (أ.ب)

وتقول الوكالة الدولية إن إيران «الدولة الوحيدة من بين البلدان التي لا تملك السلاح الذري، القادرة على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى 60 في المائة، وتشكيل مخزونات تزيد باستمرار». وهذه العتبة قريبة من مستوى الـ90 في المائة اللازم لصنع قنبلة نووية وتتجاوز بكثير السقف المسموح به والبالغ 3,67 في المائة، وهو يُعادل ما يُستخدم لتوليد الكهرباء.

ورغم أن واشنطن تنفي رسمياً أن تكون تلجم جهود حلفائها الأوروبيين، فإنها تخشى أن يفاقم تحرك كهذا التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني).

«أساسي ومُلحّ»

إلا أنّ مصادر دبلوماسية ترى أن هذه السياسة غير قابلة للاستمرار نظراً إلى التصعيد الحاصل، مضيفة أن «الموقف الأميركي قد يتبدل» بحلول موعد التصويت على مشروع القرار في وقت لاحق من الأسبوع.

وتدهورت العلاقات بين إيران والوكالة الدولية بشكل كبير وتواجه الوكالة الأممية صعوبة في ضمان «الطابع السلمي» لبرنامج طهران النووي.

طهران عرضت الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي في يوم الطاقة النووية الإيراني 10 أبريل 2021 (رويترز)

ورأى الدبلوماسيون أن تعليق محادثات الوكالة الدولية وطهران بسبب وفاة الرئيس الإيراني «ذريعة في غير مكانها». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عنهم قولهم: «إن الوقت حان لتشديد الضغوط على إيران».

ويتناول مشروع القرار نقاط الخلاف كلها. وعلى رأسها، العثور على آثار يورانيوم في موقعين غير مصرح عنهما. ويشدد مشروع القرار على أنه «من الأساسي والملح» أن توفر إيران أسباباً «ذات صدقية من الناحية التقنية»، وقد يٌطلب من غروسي «تقرير شامل» في هذا الشأن.

من جهة أخرى، يشير مشروع القرار إلى «القلق» المحيط «بالتصريحات العلنية الأخيرة في إيران حول القدرات الفنية للبلاد لإنتاج أسلحة نووية واحتمال حصول تغييرات في العقيدة النووية».

والسبت الماضي، حذّر علي شمخاني، المستشار السياسي للمرشد الإيراني، القوى الأوروبية من تبعات تحريك قرار ضد إيران في الاجتماع الفصلي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي يبدأ أعماله الاثنين في فيينا. وقال شمخاني، في منشور على منصة «إكس»، باللغة العربية: «إذا سعت بعض الدول الأوروبية المُخاتلة، عشية الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلى تبني موقف عدائي تجاه البرنامج النووي السلمي الإيراني في الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة، فإنها ستواجه رداً جدياً وفعالاً من بلدنا».

«العودة إلى اللعبة»

وقد تخلت إيران تدريجياً، عن التزاماتها ضمن اتفاق دولي أُبرم العام 2015 مع الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بشأن برنامجها النووي. وكان من شأن هذا الاتفاق وضع إطار للنشاطات الذرية الإيرانية في مقابل رفع العقوبات الدولية.

إلا أن الاتفاق سقط بعد الانسحاب الأميركي منه بقرار من الرئيس آنذاك دونالد ترمب. وفشلت مباحثات لإحيائه في فيينا في صيف العام 2022.

مفتش من «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» يُجري فحصاً بالمحطة النووية في «نطنز» 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)

وترى الباحثة في مركز دراسات الأمن في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إيلويز فاييه، أنه من خلال هذه المبادرة، «يظهر الأوروبيون أنهم عائدون إلى اللعبة» و«أنهم يدركون» النوايا الإيرانية.

وتضيف أن الولايات المتحدة تفضّل «عدم صبّ الزيت على النار» في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط حرباً في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» حليفة إيران. وترى «ربما من الأجدى انتظار استقرار النظام السياسي الإيراني» مع انتخاب رئيس جديد في 28 يونيو.

أما بالنسبة لموسكو التي تقربت من طهران في السنتين الأخيرتين، فقد حذّر سفيرها لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا ميخائيل أوليانوف عبر منصة «إكس» من أن مشروع القرار هذا «معاد لإيران (...) ومن شأنه تصعيد الوضع».


مقالات ذات صلة

إيران تقول إنها ستشغل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة

شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (رويترز)

إيران تقول إنها ستشغل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة

أعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي اليوم الثلاثاء أن بلاده ستقوم بتشغيل عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية صورة عامة لمفاعل بوشهر النووي في إيران على بعد 1200 كيلومتر جنوب طهران في 21 أغسطس 2010 (رويترز)

طهران مستعدة للتفاوض مع واشنطن «بناء على الثقة»

قالت الحكومة الإيرانية، (الثلاثاء)، إن المفاوضات المرتقبة في جنيف حول مصير البرنامج النووي، ستعتمد على «أوامر المرشد علي خامنئي ومصالح الإيرانيين».

«الشرق الأوسط» (لندن)
تحليل إخباري رافاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً للصحافة يوم 20 نوفمبر بمناسبة اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي ندد بفقدان التعاون من قبل إيران (أ.ف.ب)

تحليل إخباري دوافع إيران لطرح برنامجها النووي على طاولة الحوار الأوروبية

7 أسباب رئيسية تدفع إيران اليوم لتغليب الحوار مع «الترويكا» الأوروبية على السير بسياسة المواجهة مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام.

ميشال أبونجم (باريس)
شؤون إقليمية مجلس الأمن يصوت بالإجماع على القرار «2231» بعد أسبوع على توقيع الاتفاق النووي بفيينا في 20 يوليو 2015 (أرشيفية - الأمم المتحدة)

«سناب باك»... إيران تواجه شبح العقوبات الأممية

لوّحت بريطانيا، الأحد، بتفعيل آلية «سناب باك» لمواجهة الخروقات الإيرانية في الاتفاق النووي لعام 2015؛ ما يعرض طهران لخطر العودة التلقائية إلى العقوبات الأممية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرتها «الخارجية الإيرانية» من لقاء الوزير عباس عراقجي وعلى يمينه المتحدث إسماعيل بقائي مع رؤساء التحرير الأسبوع الماضي

لاريجاني: تحضيراتنا مستمرة للرد على إسرائيل

أكد علي لاريجاني، أحد كبار مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس، استمرار التحضيرات لهجوم ثالث على إسرائيل، وذلك بعد تراجع نسبي في تهديدات طهران بتوجيه.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
TT

سموتريتش يدعو مجدداً إلى تهجير نصف سكان غزة

مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)
مستوطنون يرقصون في مؤتمر يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة 21 أكتوبر الماضي (تايمز أوف إسرائيل)

دعا وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، مجدداً، إلى احتلال قطاع غزة، وتشجيع نصف سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة على الهجرة خلال عامين، معززاً المخاوف حول وجود خطة فعلية لذلك.

وفي حديثه خلال مؤتمر نظمه مجلس «يشع»، وهو منظمة تمثل بلديات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قال سموتريتش: «يمكننا احتلال غزة، وتقليص عدد سكانها إلى النصف خلال عامين، من خلال استراتيجية تشجيع الهجرة الطوعية». وأضاف: «من الممكن خلق وضع كهذا... لن يكلف الكثير من المال، وحتى لو كان مكلفاً، فلا ينبغي لنا أن نخاف من دفع ثمنه».

وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش (أ.ب)

ومطالب سموتريتش باحتلال غزة ليست جديدة، لكنها تعزز المخاوف الكثيرة من أن هذه المطالب المتكررة تعكس وجود أهداف غير معلنة للحرب الحالية في غزة، وتشمل احتلالاً طويلاً وحكماً عسكرياً واستئناف الاستيطان هناك. وعلى الرغم من أن الأهداف المعلنة للحرب، ما زالت كما هي، «القضاء على (حماس)» و«استعادة المحتجزين»، لكن ما يجري في تل أبيب وقطاع غزة نفسها، لا يؤيد ذلك، ويشير إلى أهداف أخرى، إذ يمتنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن وضع خطة لليوم التالي في قطاع غزة، وتعمل إسرائيل في غزة على تعميق السيطرة عبر توسيع المحاور، وإنشاء ما يشبه «المواقع العسكرية» الدائمة.

ولا يبدو أن إسرائيل تخطط لحكم عسكري وحسب، إذ أصبح هذا مكشوفاً إلى حد ما، لكن أيضاً لاستئناف الاستيطان هناك، وهي الخطوة الأكثر إثارة للجدل لو حدثت.

وتثير العملية العسكرية الدامية في شمال قطاع غزة القائمة على تهجير الفلسطينيين تحت النار، وعزل جزء من الشمال عن بقية مناطق القطاع المقسمة، المخاوف من أن الجيش يمهد المكان لعودة المستوطنين.

وفي وقت سابق الأسبوع الماضي، في ذروة الهجوم الإسرائيلي المنظم، قام جنود إسرائيليون في غزة بمساعدة قيادية استيطانية على دخول القطاع لمسح المواقع المحتملة للمستوطنات اليهودية دون الحصول على إذن من قادتهم.

وقالت «هيئة البث الإسرائيلية» آنذاك إن دانييلا فايس، التي تقود الجهود لإعادة الاستيطان في شمال غزة، قامت بجولة على الجانب الإسرائيلي من السياج الحدودي لغزة، وقد عبرت مع مجموعتها الحدود، من خلال وسائل غير واضحة، وسارت مسافة قصيرة داخل القطاع، مؤكدة أنها تنوي الاستفادة من الوجود العسكري في غزة لتوطين اليهود هناك تدريجياً.

وثمة ربط مباشر بين تهجير الفلسطينيين وإقامة مستوطنات جديدة في غزة. وكانت إسرائيل تقيم في غزة 21 مستوطنة، فككت جميعها بموجب خطة فك الارتباط عام 2005، والتي أدت كذلك إلى انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع.

ويتضح من تصريحات سموتريتش أنه يضع ميزانية لاحتلال غزة. وقال سموتريتش إن «احتلال غزة ليس كلمة قذرة. إذا كانت تكلفة السيطرة الأمنية (على القطاع) 5 مليارات شيقل (1.37 مليار دولار)، فسأقبلها بأذرع مفتوحة. إذا كان هذا هو المطلوب لضمان أمن إسرائيل، فليكن».

وكانت سموترتيش يرد على مخاوف أثارتها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ووزارة الخزانة من العواقب الهائلة التي قد يخلفها احتلال غزة على الاقتصاد الإسرائيلي.

وأصر سموتريتش على أن الطريقة الوحيدة لهزيمة «حماس» هي استبدال حكمها في غزة، وأن إسرائيل هي الطرف الوحيد القادر على القيام بذلك، حتى لو كان ذلك يعني تكليف الجيش الإسرائيلي بإدارة الشؤون المدنية للفلسطينيين في غزة.

وزعم سموتريتش أنه بمجرد إثبات نجاح سياسة «تشجيع الهجرة» في غزة، يمكن تكرارها في الضفة الغربية، حيث يعيش 3 ملايين فلسطيني.

وينادي رئيس حزب «الصهيونية الدينية» منذ فترة طويلة بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وأعلن في وقت سابق من هذا الشهر أن فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في الانتخابات يوفر فرصة لتحقيق هذه الرؤية.

وكان سموتريتش واحداً من بين الكثير من الوزراء في الحكومة الذين حضروا حدثاً، الشهر الماضي، يدعو إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة. وقال سموتريتش قبيل مشاركته في المؤتمر إن الأراضي التي تخلت عنها إسرائيل في الماضي تحولت إلى «قواعد إرهابية أمامية إيرانية»، وعرضت البلاد للخطر.

فلسطينيون على طول الطريق بعد هطول الأمطار في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

لكن هل يستطيع سموترتيش إعادة احتلال واستيطان غزة؟ بالنسبة للكثيرين نعم، وهناك آخرون يعتقدون أنه لا يمكن ذلك، وعلى الأغلب فإن الأمر منوط بكيف ستنتهي الحرب في القطاع. وكتب عيران هلدسهايم في «تايمز أوف إسرائيل» متهماً سموتريتش بأنه يحاول أن يقنع الجمهور بسرد جديد يقوم على أنه إذا حققت إسرائيل أهدافها في الحرب وهزمت أعداءها، فإن السلام والأمن سيعودان إلى المنطقة.

وقال هلدسهايم: «في الظاهر، تبدو هذه الرواية منطقية، لكنها في الواقع شعار فارغ. ويبدو أن هذه الرواية تهدف بالأساس إلى إعداد الرأي العام لاستمرار الحرب، وفي الوقت نفسه الترويج لرؤية الاستيطان في قطاع غزة، وهو الهدف المركزي لسموتريتش ومؤيديه، لكن التاريخ يروي قصة مختلفة تماماً».

وأضاف: «يظهر التاريخ أن الحروب المطولة انتزعت ثمناً اقتصادياً باهظاً من إسرائيل، ولم تسهم في النمو». وتابع: «نهاية الحرب، كما طرحها سموتريتش، تعني الاستيلاء على مساحات واسعة في قطاع غزة. في المرحلة الأولى، يضغط الوزير بأن يكون الجيش هو من يقوم بتوزيع المواد الغذائية على السكان. وبعد أن تحظى هذه الخطوة بقبول الجمهور، يخطط سموتريتش للانتقال إلى المرحلة التالية: تطبيق الحكم العسكري الكامل في القطاع وإدارة حياة السكان الفلسطينيين بشكل مباشر. والهدف النهائي لهذه الخطة العظيمة هو إعادة الاستيطان في قطاع غزة».

ورأى الكاتب أن «رؤية سموتريتش تضع عبئاً مالياً ثقيلاً لا يطاق على كاهل إسرائيل»، مشيراً إلى أن التقديرات إلى تكلفة إضافية تبلغ نحو 20 مليار شيقل سنوياً، وهو مبلغ لا تملكه الدولة، ودون الأخذ في الحسبان تكاليف إعادة إعمار القطاع والثمن الباهظ المتمثل في حياة الجنود. ستُضطر إسرائيل إلى اعتماد خطة «الاقتصاد بعون الله» للخروج من هذا الوضع بسلام.

وتحدث الكاتب عن تهديدات خارجية أهم من «حماس» مثل إيران، وأخرى داخلية متمثلة بالتهديد الذي يقوض قدرة «الصمود الوطنية» أكثر من أي عدو. وقال: «إن ادعاء سموتريتش بأن النصر سوف يجلب الأمن، والأمن سوف يؤدي إلى النمو، يتجاهل الواقع المعقد»، وحقيقة أن الأمن الاقتصادي والاجتماعي لا يتحقق من خلال الحروب التي لا نهاية لها والحكم العسكري، بل من خلال الاستقرار الإقليمي. وأردف: «لكن كل هذه الأمور تتعارض مع الهدف الرئيسي لسموتريتش وهو الاستيطان في قطاع غزة؛ لذلك لا يمكنه إلا الاستمرار في بيع الأوهام للجمهور».