طهران وتل أبيب... رسائل «استعراض القوة» على هامش غزة

خامنئي يقف أمام جثث 7 من ضباط «الحرس الثوري» قضوا في ضربة القنصلية الإيرانية (إ.ب.أ)
خامنئي يقف أمام جثث 7 من ضباط «الحرس الثوري» قضوا في ضربة القنصلية الإيرانية (إ.ب.أ)
TT

طهران وتل أبيب... رسائل «استعراض القوة» على هامش غزة

خامنئي يقف أمام جثث 7 من ضباط «الحرس الثوري» قضوا في ضربة القنصلية الإيرانية (إ.ب.أ)
خامنئي يقف أمام جثث 7 من ضباط «الحرس الثوري» قضوا في ضربة القنصلية الإيرانية (إ.ب.أ)

منذ اللحظات الأولى لانطلاق الحرب في قطاع غزة في أعقاب هجوم حركة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ضد إسرائيل، بدت إيران منخرطةً في الأزمة الإقليمية، سواء على صعيد علاقتها بأنشطة الجماعات المسلحة الموالية لها في المنطقة (العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن)، أو على مستوى التحرك سواء السياسي أو الدبلوماسي أو العسكري أخيراً لحكومة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

وبالوسائل كافة، تنامت إجراءات الاستعراض بين تل أبيب وطهران على مدار 200 يوم من الحرب ضد غزة، حتى الوصول إلى لحظة الذروة - حتى الآن - بانتقال «حرب الظل» الإيرانية - الإسرائيلية المستمرة منذ سنوات إلى مستويات جديدة تصل إلى الحرب المباشرة، خصوصاً من الجانب الإيراني.

اعتماداً على المستوى السياسي، سعى المسؤولون الإيرانيون في الأيام الأولى من اندلاع الحرب في قطاع غزة، إلى إظهار ما أرادوا أن تكون «لحظة تفوق»، فلوّحوا بقدرتهم على توسيع نطاق الحرب ومواجهة إسرائيل عبر «توحيد الجبهات»، إذا ما واصلت قصف قطاع غزة. كانت تلك إذن محاولة استعراض سياسي.

الإيحاءات الإيرانية بضلوع ما في المواجهة دون إقرار رسمي، تباينت معها التقارير والتقديرات الغربية، خصوصاً الأميركية بشأن دور إيران في «طوفان الأقصى» (التسمية التي اعتمدتها «حماس» لعمليتها في 7 أكتوبر).

وفي لعبة تبادل الاتهامات ومحاولة جلب أطراف دولية إلى المواجهة، اتهمت بعض الصحف الغربية إيران بتدبير الهجوم استناداً إلى مصادر إسرائيلية، وفي المقابل، استندت وسائل إعلام ووكالات إلى مصادر إيرانية لدحض الرواية الإسرائيلية.

وفي مسار محاولة الاستثمار الإيراني في لحظة الصدمة الإسرائيلية من «طوفان الأقصى»، جاءت رسالة استعراضية جديدة على لسان قادة في «الحرس الثوري» الإيراني تتحدث عن دوافع إيرانية وراء الهجوم، من بينها الثأر لمسؤول العمليات السابق، قاسم سليماني الذي قضى بضربة جوية أميركية في بغداد مطلع 2020، لكن سرعان ما سعت طهران لتدارك ذلك، عبر إعلان نفي تلك العلاقة التي كانت ستجلب عليها حينها ما يعكر صفو توازناتها.

استعراض دبلوماسي

بشكل عام، سارعت طهران على الصعيد الدبلوماسي، إلى تنشيط اتصالاتها الإقليمية مع مختلف الأطراف، وإعطاء دفعة للسياسة المعلنة للسلطات بعد تولي إبراهيم رئيسي الرئاسة الإيرانية، بهدف تحسين علاقاتها مع دول المنطقة، في محاولة لكسر العزلة الدولية، خصوصاً بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، التي أضعفت فرص التوصل إلى صفقة لإحياء «الاتفاق النووي».

ويصعب تصور تفسير آخر بخلاف «الاستعراض الدبلوماسي»، لفهم ما قاله وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في خطاب بجامعة طهران، ديسمبر (كانون الأول) الماضي من أنه «لا يمكن التوصل لأي اتفاق حول فلسطين دون استشارة إيران» وفق زعمه.

على أي حال، فقد زار عبداللهيان جدة وجنيف ونيويورك؛ لحضور مؤتمرات واجتماعات دولية حول فلسطين. وتساءلت مجموعة من الصحف الإيرانية حول تعطل القضايا الأساسية والملحة في البلاد، بما في ذلك المفاوضات النووية الهادفة لرفع العقوبات الأميركية. لكن تبعات الحرب أسهمت أيضاً في تخفيف بعض من الضغط الغربي على طهران بشأن برنامجها النووي المتسارع، إذ قررت القوى الغربية، لمرتين، خلال الأشهر الماضية، إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن أو إدانتها، نظراً للتطورات الإقليمية. وتقول القوى الغربية إنها لا تريد تفاقم الأزمة مع إيران في ظل الحرب في قطاع غزة.

استعراض العلاقات

بموازاة تحركها الدبلوماسي، تمسّكت طهران باستعراض مدى تشعب علاقاتها من حول إسرائيل، وواصلت دعم حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، كما زار المسؤولون الإيرانيون، وعلى رأسهم عبداللهيان الدوحة، وبيروت، ودمشق؛ بهدف التواصل والتنسيق مع الحركتين، بالإضافة إلى تنشيط الجماعات المسلحة والفصائل التي تربطها صلات آيديولوجية مع طهران، وعلى وجه الخصوص «حزب الله» اللبناني، وجماعة الحوثي في اليمن، وفصائل عراقية مسلحة.

يعتقد الإيرانيون بأن حرب غزة تمثل أكبر دليل على التنسيق بين الدبلوماسية و«الميدان» أي التسمية الرمزية لأنشطة «الحرس الثوري» والجماعات التي تتلقى الأوامر منه في المنطقة. ومع ذلك، نأت طهران «على المستوى الرسمي» بنفسها عن إعلان التدخل في قرارات تلك الجماعات، أو توجيه عملياتها، رغم أنها واصلت سياسة تأييد تصرفات تلك الجماعات.

 

استعراض بحري

 

وفي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى «قطع الشرايين الحيوية لإسرائيل»، مطالباً بقطع الطريق البحرية لإمدادات الطاقة والغذاء والتجارة. وبعد أسبوعين من خطاب خامنئي، بدأت جماعة الحوثي عمليات عسكرية ضد سفن تجارية في البحر الأحمر، بدعوى ارتباط تلك السفن بإسرائيل.

وأعادت هجمات الحوثيين، جولة جديدة من التوترات البحرية إلى المياه الإقليمية. وشنّت القوات الأميركية والبريطانية هجمات على مواقع الحوثيين؛ لردع تلك الهجمات، كما أعلنت دول غربية وإقليمية تحالفات بحرية لضمان أمن الملاحة.

ودخل «الحرس الثوري» على خط التوترات، بإعلان مرافقة سفن إيرانية للبحر الأحمر، والتهديد بإغلاق مضيقَي باب المندب وجبل طارق، وعرقلة الملاحة في البحر الأبيض المتوسط. وكذلك إعلان تشكيل «باسيج بحري» يضم وحدة بحرية للجماعات الموالية لإيران.

إسرائيل ترد

مع توسع الهجمات في البحر الأحمر، وتصاعد هجمات الفصائل الموالية لإيران، على القوات الأميركية، شنّت إسرائيل غارتين جويتين بالغتَي الدقة في ديسمبر الماضي، كانت أولاهما في الثاني من ديسمبر بدمشق، وأسفرت عن مقتل ضابطين من «الحرس الثوري»، وهما: العميد بناه تقي زاده، والعميد محمد علي عطايي شورجه. وقال «الحرس الثوري» في بيان حينها إنهما «قُتلا في عمليات استشارية». وذكر موقع مقرب من «الحرس الثوري» أنهما قُتلا في قاعدة عسكرية بمنطقة السيدة زينب، بـ3 صواريخ أُطلقت من أجواء الجولان، ولم تحدد مهام الضابطين.

وفي 25 ديسمبر، قُتل رضي موسوي، مسؤول إمدادات قوات «الحرس الثوري» في سوريا ولبنان بضربة جوية إسرائيلية استهدفت منزله في منطقة السيدة زينب، بعد ساعة من مغادرة مكتبه في مجمع السفارة الإيرانية، حسب تصريح تلفزيوني للسفير الإيراني في دمشق، حسين أكبري.

وأتت ثالث الضربات الإسرائيلية، في 20 يناير (كانون الأول) الماضي على منزل في منطقة المزة، وقضى في القصف العميد حجت الله أميدوار، مسؤول استخبارات قوات «الحرس الثوري» في سوريا، وقُتل معه أربعة من الضباط الإيرانيين.

وأعلن «الحرس الثوري» لاحقاً مقتل 3 ضباط آخرين في عمليات منفصلة شهدتها دمشق وحمص ودير الزور، ما بين فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين.

خسارة وتصعيد

ومع توالي التصعيد، كانت دمشق مسرحاً لتسجيل أكبر خسائر «الحرس الثوري» في مضمار استعراض القوة بين طهران وتل أبيب، عندما قُصفت القنصلية الإيرانية بمنطقة المزة في العاصمة السورية، حيث قُتل العميد محمد رضا زاهدي قائد قوات «الحرس الثوري» في سوريا ولبنان، وعضو المجلس الاستشاري لـ«حزب الله»، كما قُتل في الهجوم نفسه، نائبه محمد هادي حاج رحيمي، وخمسة من كبار ضباط «الحرس».

بدورها توعّدت إيران بالرد على هجوم قنصليتها، وتباينت التكهنات والتوقعات بشأن شكل الرد، إذ قال المرشد علي خامنئي إن القنصلية أرض إيرانية وإن بلاده سترد.

وفي كل الهجمات التزمت إسرائيل الصمت، لكن إيران أطلقت بعد أسبوعين من مقتل زاهدي، أكثر من 300 صاروخ «باليستي» و«كروز» وطائرة مسيّرة انتحارية. وقالت إسرائيل إنها نجحت في اعتراض 99 في المائة، بمساعدة الحلفاء.

وقال المرشد علي خامنئي، عن الهجوم الإيراني، إن الهدف ليس عدد الصواريخ وإصابتها للأهداف، إنما «إظهار قوة إيران».

ورداً على إيران، هددت إسرائيل بشنّ هجوم انتقامي في عمق الأراضي الإيرانية. وحاولت القوى الغربية إثناء إسرائيل عن الهجوم. لكن إسرائيل شنّت هجوماً محدوداً، فجر الجمعة الماضي، على مطار عسكري في شمال مدينة أصفهان. وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية تضرر منظومة رادار «إس 300» المكلف حماية منشأتي نطنز وأصفهان للأبحاث النووية.

رد أمام آخر إذن - حتى الآن - لكن يبدو أن دروسه ودلالاته ستجعل مسار استعراض القوة بين إسرائيل وطهران مفتوحاً، حتى بعد أن تضع «حرب غزة» أوزارها.


مقالات ذات صلة

«الحرس الثوري» يحتكر نصف صادرات إيران النفطية

شؤون إقليمية اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال لقاء مجموعة «خاتم الأنبياء» (وكالة مهر الحكومية)

«الحرس الثوري» يحتكر نصف صادرات إيران النفطية

يسيطر «الحرس الثوري» على نصف الصادرات التي تدرّ معظم إيرادات إيران وتمول جماعات تدعمها في الشرق الأوسط، وفقاً لمسؤولين غربيين ومصادر أمنية ومطلعين إيرانيين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع خامنئي من خطابه أمام مجموعة من الإيرانيات الثلاثاء

خامنئي: تصور أميركا وإسرائيل بشأن نهاية المقاومة خاطئ

قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن «الأعداء» يتصورون أن قضية «المقاومة» انتهت مع سقوط بشار الأسد، مكرراً تهديداته بمحو «إسرائيل».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية سلامي متحدثاً خلال مراسم في طهران أمس (دانشجو)

قائد «الحرس الثوري»: يجب استخلاص العبر... وسوريا ليست مكاناً للتدخل الأجنبي

قال قائد قوات «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي إن سوريا «ليست مكاناً للتدخل الأجنبي»، متوعداً إسرائيل بـ«دفع ثمن باهظ».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية قائد «الحرس الثوري» يتحدث أمام مؤتمر لقادة قواته اليوم (إرنا)

قائد «الحرس الثوري»: لم نفقد أذرعنا الإقليمية

دافع قائد «الحرس الثوري» حسين سلامي عن انسحاب قواته من سوريا، وتحدث عن «تغيير الاستراتيجيات بما يتناسب مع الظروف»، نافياً أن تكون طهران قد فقدت أذرعها الإقليمية

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي سهيل الحسن مع عناصر لواء 25 المدربة في روسيا

تفاصيل الساعات الأخيرة قبل فرار الأسد من سوريا

تفاصيل الساعات الأخيرة قبل فرار «الطاغية»... الأسد تخلى عن الجميع ليلة الهروب، وطائرته لم تتسع لكل المقربين، وسهيل الحسن قائد «لواء 25» لجأ لمطار حميميم الروسي.


هدنة غزة: تقدم كبير بالمفاوضات... لكن الخواتيم تتطلب أسابيع

أقارب أسرى لدى «حماس» يتظاهرون خارج مكتب السفارة الأميركية في القدس (أرشيفية - أ.ب)
أقارب أسرى لدى «حماس» يتظاهرون خارج مكتب السفارة الأميركية في القدس (أرشيفية - أ.ب)
TT

هدنة غزة: تقدم كبير بالمفاوضات... لكن الخواتيم تتطلب أسابيع

أقارب أسرى لدى «حماس» يتظاهرون خارج مكتب السفارة الأميركية في القدس (أرشيفية - أ.ب)
أقارب أسرى لدى «حماس» يتظاهرون خارج مكتب السفارة الأميركية في القدس (أرشيفية - أ.ب)

على الرغم من تصاعد أنباء متفائلة، تتحدث عن «تقدم كبير» في المفاوضات الجارية في الدوحة بين إسرائيل و«حماس» لإبرام اتفاق لوقف النار في غزة، تؤكد عناصر مقربة من المفاوضين أن الخواتيم ما زالت تحتاج إلى مزيد من الوقت، ربما عدة أسابيع. وتشير إلى أن الخلافات ما زالت قائمة في عدة بنود، منها عدد المحتجزين الإسرائيليين الذين سيُفرج عنهم في النبضة الأولى ونوعية الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم بالمقابل.

ونقلت وسائل الإعلام العبرية، الجمعة، عن مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن التقدم الحالي في المفاوضات قد يُفضي إلى إتمام صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار «خلال أسبوعين، إذا استمرت المباحثات بالوتيرة نفسها». ولكن هناك فجوات معينة لا يمكن تجاوزها عبر المباحثات الجارية في الدوحة، وتتطلب قرارات من القيادات السياسية في كلا الجانبين، خصوصاً في موضوع الأسرى الفلسطينيين الكبار المطلوب تحريرهم، أمثال مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعباس السيد وعبد الله البرغوثي، وموضوع الحزام الأمني الذي تطالب به إسرائيل على طول الحدود وموضوع اليوم التالي بعد الحرب.

آليات عسكرية إسرائيلية في الجانب الفلسطيني من معبر رفح (أرشيفية - رويترز)

وذكرت مصادر فلسطينية أن من بين العراقيل الأساسية، الإصرار الإسرائيلي على ألا يعلن عن وقف الحرب. فهذا الموقف يثير مخاوف الفلسطينيين من أن تقوم إسرائيل باستئناف الحرب بعد النبضة الأولى تماماً. وتحاول الولايات المتحدة ودول الوساطة، مصر وقطر، إقناعهم بأن هناك دينامية تسير في الاتجاه المعاكس وأنه من اللحظة التي سيبدأ فيها تطبيق المرحلة الأولى، سيصعب على رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الانسحاب من الاتفاق؛ لأن تفجير الصفقة في الفترة الانتقالية بين المرحلتين سيؤدي إلى استئناف الحرب وإبقاء المخطوفين المتبقين بالأسر في قطاع غزة. والحكومة لن تتمكن من الصمود أمام الضغط الذي سيستخدم عليها، سواء من الخارج أو من داخل المجتمع الإسرائيلي.

وقد بدأت عائلات المحتجزين والأسرى الإسرائيليين معركة من نوع مختلف حول الصفقة، تحذر فيها من سياسة نتنياهو، الذي لا يريد صفقة كاملة. ويتضح أن منتدى هذه العائلات قام بتغيير طاقمه القيادي بالكامل في الأسابيع الأخيرة، من وراء الكواليس ومن دون ضجيج إعلامي. وبدلاً من المستشارين الاستراتيجيين الذين لعبوا دوراً رئيسياً في النضال وساروا في خط متشدد تجاه نتنياهو وحكومته، تسلم مهمة القيادة أشخاص يتبنون موقف اليمين الإسرائيلي الذي يطلب صفقة كاملة بلا مراحل.

رجال أمن يواجهون متظاهرين يطالبون بالعمل على إطلاق الأسرى لدى «حماس» في تل أبيب (أرشيفية - أ.ب)

وحسب المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، فإن «العائلات تتصرف الآن في عدد من قنوات العمل الموازية، وإلى جانب تنظيم المظاهرات وخطوات احتجاج أخرى، تحاول استخدام تأثيرها أيضاً على نشطاء يمين، وحتى يمين متطرف، في محاولة لتخفيف المعارضة للصفقة. والتفكير هو أن اليسار والوسط، وحتى الأحزاب الحريدية، ستؤيد أصلاً تمرير كل صفقة يصادق عليها نتنياهو. والصعوبة تكمن في تخفيف المعارضة من اليمين بهدف ضمان أكبر قدر من التأييد».

ويقول هرئيل إنه «ليس سراً أن رئيس الحكومة يعتمد في بقائه السياسي على شركائه في اليمين، وأن معارضتهم لتقديم التنازلات في السنة الأخيرة كانت اللغم الأساسي في الطريق إلى الصفقة. بعض هذه الجهود وجدت التعبير في تطبيق خطوات علنية. هكذا، نشرت رسائل لحاخامات الصهيونية الدينية عبرت عن التأييد المبدئي لتحرير المخطوفين بواسطة صفقة، وتم تنظيم زيارات لحاخامات ومراسلين من اليمين في كيبوتسات غلاف غزة. مع ذلك، معظم عائلات المخطوفين تأتي من كيبوتسات الغلاف ومن معسكر آيديولوجي بعيد جداً عن اليمين، وهي تجد صعوبة في إجراء حوار مفتوح مع أعضاء الكنيست وحاخامات الصهيونية الدينية. لذلك فإن هذه الخطوات تتركز في عدد قليل نسبياً من النشطاء».

نازحة فلسطينية في خان يونس الخميس (رويترز)

ويدعي هؤلاء النشطاء أن اليمين العميق، أحزاب الصهيونية الدينية وقوة يهودية وبعض أعضاء الكنيست في الليكود، مصمم على العودة إلى القتال بعد النبضة الأولى، ليس بسبب الرغبة في إعادة الاستيطان إلى القطاع، بل بالأساس لأنه حسب رؤيته لم تتحقق حتى الآن كل الإنجازات الجوهرية المطلوبة في الحرب. لذلك، يجب السعي إلى عقد الصفقة التي تأخذ في الحسبان الخطوط الحمراء لهذا اليمين العميق. وهذه تشمل إعادة جميع المخطوفين كشرط للانسحاب شبه الكامل من القطاع، وإنشاء حزام أمني على حدود القطاع داخل الأراضي الفلسطينية، وأي دخول إليه سيتم الرد عليه بإطلاق النار، وإيجاد فصل كامل بين القطاع ومصر (بواسطة إغلاق تكنولوجي كامل لمحور فيلادلفيا، دون وجود إسرائيلي مادي، وإقامة معبر حدودي تحت سيطرة إسرائيل في «كرم أبو سالم»، ومنع إشراك «حماس» والسلطة الفلسطينية أو مبعوثيهم في الإدارة المستقبلية في القطاع، والتصميم على أن الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة لن يعودوا إلى الضفة الغربية أو شرقي القدس، بل سيتم طردهم إلى القطاع أو إلى الخارج. ويرون أن تطبيق هذه الأهداف مرهون بخطوات أخرى من ناحية إسرائيل، التي ستتأثر أيضاً بتسلم الرئيس دونالد ترمب منصبه في الولايات المتحدة، وهو ما يحتاج إلى تنسيق كبير مع الأميركيين.

جنديان إسرائيليان يحرسان معبراً في غزة الخميس (أ.ب)

تجدر الإشارة إلى أن 74 في المائة من الجمهور في إسرائيل عبروا عن تأييدهم للسعي الآن إلى صفقة تبادل أسرى كاملة وإعادة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، مقابل وقف الحرب على غزة، وفقاً لاستطلاع صحيفة «معاريف»، الجمعة. ولقي هذا الموقف تأييداً من 84 في المائة من ناخبي أحزاب المعارضة، و57 في المائة من ناخبي أحزاب الائتلاف اليميني. وأيد 16 في المائة صفقة جزئية ولم يعبر 10 في المائة عن موقفهم.