إسرائيل و«حماس» متمسّكتان بمطالبهما وتخوّف من اتساع رقعة الحرب بعد تهديدات إيران

الدخان يتصاعد عقب غارة جوية إسرائيلية في شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)
الدخان يتصاعد عقب غارة جوية إسرائيلية في شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل و«حماس» متمسّكتان بمطالبهما وتخوّف من اتساع رقعة الحرب بعد تهديدات إيران

الدخان يتصاعد عقب غارة جوية إسرائيلية في شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)
الدخان يتصاعد عقب غارة جوية إسرائيلية في شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)

يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» ما زالتا متمسّكتين بمطالبهما إزاء اقتراح هدنة جديد في قطاع غزة، فيما تتزايد المخاوف من اتساع رقعة الحرب المستمرة منذ ستة أشهر إلى المنطقة مع تهديدات إيران بالرد على استهداف مبنى قنصليتها في دمشق.

والخميس، استهدف قصف إسرائيلي قطاع غزة، خصوصاً جنوبه، بحسب شهود عيان، فيما ينتظر الوسطاء رداً من المعسكرين على مقترحها الأخير للتهدئة الذي يشمل إطلاق سراح رهائن محتجزين في غزة منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه بدأ «عملية دقيقة في وسط غزة خلال الليل للقضاء على إرهابيين»، استناداً إلى معلومات استخباراتية جمعها الجيش، مشيراً إلى أن قوات بحرية وجوية شاركت في العملية.

وأفادت منظمة «يونيسيف» بأن إحدى مركباتها التي كانت تنتظر الدخول إلى شمال غزة أصيبت بالذخيرة الحية الأربعاء.

والأربعاء، أكّد رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية أن مقتل ثلاثة من أبنائه في قصف جوي إسرائيلي في غزة لن يغيّر موقف حركة المقاومة الإسلامية التي تسيطر على القطاع منذ عام 2007 في المفاوضات.

وأضاف: «هذا التوقيت في ذروة المفاوضات التي تجري. ونحن قلنا بكل وضوح، ما لم يأخذه بالقتل والتدمير والمجازر وحرب الإبادة، لن يأخذه مطلقاً على طاولة المفاوضات».

وتابع: «مطالبنا واضحة ومحددة ولا تنازل عنها. وإذا كان يعتقد أن استهداف أبنائي... في ذروة هذه المفاوضات وقبل أن يصل رد الحركة، أن هذا سيدفع (حماس) إلى أن تغير موقفها فهو واهم. المواقف ثابتة، لا تتغير ولا تتبدل بكل الأحوال».

وأعلنت حركة «حماس» الأربعاء أن ثلاثة من أبناء إسماعيل هنية وأربعة من أحفاده قتلوا في قصف على مخيم الشاطئ للاجئين في مدينة غزة، حيث كانت العائلة تزور أقارب لها في أول أيام عيد الفطر.

وأكدت إسرائيل قتل أبناء هنية وقال الجيش في بيان إنه وجهاز الأمن العام (الشاباك) «قضيا على ثلاثة عناصر في الجناح العسكري لـ(حماس) في وسط قطاع غزة. العناصر الثلاثة هم من أبناء إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لـ(حماس)».

وفيما تستمر المفاوضات بشأن هدنة، تتزايد المخاوف الدولية من أن تتّسع رقعة الحرب في غزة إلى المنطقة.

والأربعاء، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن مجدداً دعمه «الثابت» لإسرائيل في مواجهة تهديدات إيران بالرد على الهجوم على قنصليتها في دمشق.

وأكد المرشد الإيراني علي خامنئي الأربعاء أن إسرائيل سوف «تنال العقاب» بعد الهجوم الذي نسب إليها في الأول من أبريل في سوريا.

ودمر الهجوم القنصلية الإيرانية في دمشق وأدى إلى مقتل 16 شخصاً، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. ونعى الحرس الثوري الإيراني سبعة من أفراده في الهجوم، بينهم ضابطان كبيران.

وصرح الرئيس الأميركي: «سنفعل كل ما في وسعنا لحماية أمن إسرائيل»، وحضّ «حماس» على الرد على مقترح الهدنة.

وأمام هذا التوتر نصحت روسيا «بقوة» الخميس رعاياها بتجنب زيارة المنطقة «ولا سيما إسرائيل ولبنان والأراضي الفلسطينية».

اندلعت الحرب في السابع من أكتوبر مع شن حركة «حماس» هجوماً غير مسبوق على جنوب إسرائيل أوقع 1170 قتيلاً غالبيتهم من المدنيين، بحسب تعداد أجرته «وكالة فرانس برس» استناداً إلى أرقام إسرائيلية رسمية.

كذلك، خُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصاً ما زال 129 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.

وتعهّدت إسرائيل «القضاء» على «حماس» وشنت حملة عسكرية مكثفة ومدمرة على قطاع غزة أسفرت عن مقتل 33482 شخصاً معظمهم من النساء والأطفال وفق آخر حصيلة لوزارة الصحة التابعة لـ«حماس».

وينص المقترح في البداية على إطلاق سراح 42 رهينة إسرائيلية في مقابل إطلاق سراح 800 إلى 900 فلسطيني تعتقلهم إسرائيل، ودخول 400 إلى 500 شاحنة من المساعدات الغذائية يومياً وعودة النازحين من شمال غزة، إلى بلداتهم، بحسب مصدر من «حماس».

من جهتها، تطالب «حماس» بوقف نهائي لإطلاق النار وسحب إسرائيل قواتها من كل أنحاء قطاع غزة والسماح بعودة النازحين وزيادة تدفق المساعدات في وقت تقول الأمم المتحدة إن جميع السكان وعددهم نحو 2.4 مليون شخص يتضورون جوعاً.

ويستمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالإصرار على أن الحرب ستستمر حتى هزيمة «حماس» وإطلاق سراح جميع الرهائن. وهو متمسك كذلك بخطته لشن هجوم بري على مدينة رفح، في جنوب قطاع غزة عند الحدود مع مصر، التي يعدّها المعقل الرئيسي الأخير لـ«حماس».

ويثير هذا المشروع معارضة الكثير من الدول بدءاً بالولايات المتحدة التي تحذّر من وقوع خسائر فادحة في أرواح المدنيين في هذه المدينة التي أصبحت ملجأ لمليون ونصف مليون شخص، بحسب الأمم المتحدة، غالبيتهم نازحون فروا من شمال القطاع.

وأعلنت إسرائيل في 7 أبريل (نيسان) سحب قواتها من جنوب قطاع غزة، خصوصاً مدينة خان يونس بعد قتال استمر عدة أشهر. والآن لم يبق هناك إلا لواء واحد منتشر في وسط قطاع غزة بحسب الجيش.

وتواجه إسرائيل التي تفرض حصاراً مطبقاً على قطاع غزة منذ بداية الحرب، ضغوطاً دولية من أجل السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع المهدد بالمجاعة.

وتحت الضغط، زادت إسرائيل عدد شاحنات المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى غزة.

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: «الشهر الماضي، كان المعدل اليومي 213 (شاحنة) وقبل ذلك كان 170». وأضاف أن الهدف هو الوصول إلى 500 شاحنة مساعدات في المتوسط يومياً، وإدخالها عبر مصر وميناء أسدود الإسرائيلي ومعبر بري جديد إلى غزة.


مقالات ذات صلة

تململ في إسرائيل حول «صفقة غزة» بعد «قائمة الـ34» المثيرة للجدل

المشرق العربي فلسطيني يجلس أمام متعلقاته التي تم انتشالها من أنقاض مبنى مدمر في أعقاب غارة إسرائيلية على مخيم البريج وسط قطاع غزة الاثنين (أ.ف.ب)

تململ في إسرائيل حول «صفقة غزة» بعد «قائمة الـ34» المثيرة للجدل

يبدو أن الزخم الذي أخذته «مفاوضات الدوحة» الرامية إلى إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الرهائن والأسرى، تراجع قليلاً.

كفاح زبون (رام الله) كفاح زبون (رام الله) «الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي تصاعد الدخان جرَّاء الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

مقتل 13 فلسطينياً بغارات إسرائيلية على غزة

أفاد الدفاع المدني في غزة بأن 13 فلسطينياً بينهم عدد من الأطفال قُتلوا في غارات جوية إسرائيلية في قطاع غزة، اليوم (الاثنين).

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

2025... عام ملء الفراغات؟

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم... فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات أو خلق بعضها؟

المحلل العسكري (لندن)
المشرق العربي صورة من موقع الحادث في الضفة الغربية (ذا تايمز أوف إسرائيل)

«حماس» تشيد بعملية الضفة الغربية وتدعو إلى «تصعيد المقاومة»

أشادت حركة «حماس» بعملية إطلاق نار، شمال الضفة الغربية، اليوم الاثنين، أدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين، وإصابة ثمانية آخرين، ووصفتها بـ«البطولية».

«الشرق الأوسط» (رام الله)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (د.ب.أ)

إسرائيل: لم نتلق رداً من «حماس» بشأن «وضع الرهائن»

قالت إسرائيل، اليوم الاثنين، إن حركة «حماس» لم تقدم أي معلومات بشأن وضع 34 رهينة محتجَزين في قطاع غزة، أبدت الحركة استعدادها للإفراج عنهم.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
TT

ماكرون يرسم خطوطاً حمراء للتعاون مع دمشق

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)
الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم في قصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

احتلت ملفات الشرق الأوسط حيزاً واسعاً في الكلمة التي ألقاها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ظهر الاثنين، في قصر الإليزيه، بحضور سفراء فرنسا عبر العالم وكبار المسؤولين المدنيين والعسكريين. وبالنظر للتطورات الجارية في سوريا، فقد حرص ماكرون على إبراز موقف واضح، مشدداً على أن بلاده «لم تصدق أبداً أن الديكتاتور (في إشارة إلى بشار الأسد) يمكن إعادة تأهيله».

إلا أنه في الوقت عينه، دعا إلى التزام الحذر «من خلال النظر إلى تغيير النظام في سوريا من دون سذاجة». وما حرص عليه ماكرون يكمن في رسم ما يمكن تسميته «خريطة طريق» لكيفية التعامل مع السلطات الجديدة في دمشق، وما تتوقعه باريس والعواصم الأوروبية الأخرى، من السلطة الجديدة، مع التذكير بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، ونظيرته الألمانية أنالينا بايربوك مؤخراً إلى دمشق.

الأكراد «الحلفاء الأوفياء»

قوات من «قسد» في تدريب مشترك مع القوات الأميركية شمال شرقي سوريا (أ.ف.ب)

وفيما تتصاعد المعارك في الشمال السوري بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، والقوات الحليفة لتركيا، حرص ماكرون على التأكيد بقوة على موقف بلاده من الأكراد الذين وصفهم بـ«الحلفاء الأوفياء» في محاربة تنظيم «داعش»، ملمحاً إلى أن بعض الدول كانت مستعدة للتخلي عنهم، في تلميح للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي كان مستعداً في عام 2018 لسحب القوات الأميركية لتسهيل سيطرة تركيا على المنطقة.

وقال ماكرون: «نحن نعي الدين الذي ندين به لمجمل (القوات الديمقراطية السورية) وللمقاتلين من أجل الحرية مثل الأكراد، الذين تحلوا بالشجاعة في محاربة المجموعات الإرهابية». وأضاف أن بلاده «لم تتخل عنهم أبداً، ولن نتخلى عنهم في المسار الجديد، ونحن متيقظون لعملية الانتقال السياسي» الجارية حالياً في سوريا.

وتابع: «ما تريده فرنسا هو قيام سوريا ذات سيادة وحرة وتحترم تعدديتها الإثنية والسياسية والطائفية». وشدد ماكرون على أهمية أن تضم العملية الانتقالية الديمقراطية «كل مكونات المعارضة» للنظام السابق، بالتوازي مع «توفير الأمن للاجئين للعودة إلى بلادهم ومواصلة محاربة الإرهاب بشكل واضح، وتدمير كل البنى المنتجة للسلاح الكيماوي وشبكات إنتاج وتهريب المخدرات».

ويرى ماكرون، في إشارة على الأرجح للبنان، أنه «يتعين على سوريا أن تشارك في ضمان الأمن والاستقرار الإقليميين»، مذكراً بـ«مؤتمر بغداد» في نسخته الثالثة التي ستعقد في الربيع القادم، دون أن يحدد مكان انعقادها، لعرض تنفيذ مشاريع إقليمية «لمصلحة الجميع ولتحقيق السلام والأمن».

وسبق لوزير الخارجية الفرنسي أن شدد، في حديث صحافي، الأحد، على ضرورة ألا تستغل أي قوة أجنبية سقوط حكم نظام الأسد لإضعاف سوريا، مشيراً إلى أن سوريا «تحتاج بطبيعة الحال إلى مساعدة، لكن من الضروري ألا تأتي قوة أجنبية، كما فعلت لفترة طويلة روسيا وإيران، تحت ذريعة دعم السلطات أو دعم سوريا... وتُضعفها بشكل إضافي».

وبحسب جان نويل بارو، فإن «مستقبل سوريا يعود إلى السوريين. وانطلاقاً من وجهة النظر هذه، فإن هدف السيادة الذي أظهرته السلطة الانتقالية وممثلو المجتمع المدني و(أفراد المجتمعات) الذين التقيناها كذلك هو أمر سليم». وكان بارو يلمح للدور المتعاظم الذي لعبته وتلعبه تركيا في العملية الانتقالية الجارية حالياً.

الدور الإيراني

قاآني يستقبل الرئيس مسعود بزشكيان خلال مراسم ذكرى قاسم سليماني في طهران الخميس الماضي (الرئاسة الإيرانية)

بيد أن أشد العبارات استخدمها ماكرون في الحديث عن إيران التي اعتبرها «التحدي الأمني والاستراتيجي الرئيسي» في الشرق الأوسط. وجاء في حرفية كلام ماكرون أن إيران «تشكل التحدي الاستراتيجي والأمني الرئيسي لفرنسا والأوروبيين والمنطقة بكاملها، وأبعد من ذلك بكثير»، محذراً من أن «تسارع برنامجها النووي يقودنا إلى حافة القطيعة».

وما يعنيه الرئيس الفرنسي أن طهران اقتربت كثيراً من الحصول السلاح النووي. واللافت أن ماكرون يعد أحد القادة الغربيين القلائل الذين يحافظون على خط تواصل دائم مع القيادة الإيرانية. لكن يبدو أن قرب عودة ترمب إلى البيت الأبيض يجعل الأوروبيين ومنهم فرنسا يلجأون إلى خطاب أكثر تشدداً إزاء طهران.

وجاء لافتاً أن ماكرون أشار في كلامه، وفي إطار نظرته لما تمثله إيران، إلى «أنها ستكون، بلا شك، واحدة من القضايا الرئيسية في الحوار الذي سنقيمه مع الإدارة الأميركية الجديدة». ومن المرجح أن ينتهج الرئيس ترمب خطاً بالغ التشدد إزاء طهران، بحيث يذهب أبعد من التدابير التي اتخذها بحقها إبان ولايته الأولى. وثمة مراكز بحثية أميركية لا تتردد في الحديث عن اللجوء إلى ضربات عسكرية مشتركة إسرائيلية - أميركية ضد البرنامج النووي الإيراني.

حقيقة الأمر أن ماكرون أقام «مضبطة اتهام» بحق طهران وقادتها. وتشمل هذه المضبطة ما تعتبره باريس دوراً مزعزعاً للاستقرار في الشرق الأوسط وأبعد منه تقوم به طهران؛ في الإشارة إلى الدعم الذي تقدمه «للمجموعات التي تشكل خطراً في جميع مناطق المواجهة في الشرق الأوسط»؛ في إشارة إلى «حزب الله» و«حماس» و«المجموعات الميليشياوية في العراق»، فضلاً عن الحوثيين في اليمن.

غير أن أهم إعلان صدر عن ماكرون تناول إشارته إلى احتمال تفعيل الآلية المسماة «سناب باك» التي يعاد بفضلها الملف النووي إلى مجلس الأمن، ويمكن أن تعقبه إعادة فرض العقوبات الدولية على طهران.

وذهب ماكرون أبعد من ذلك، بإشارته إلى أن أمراً كهذا يمكن أن يحل في الخريف القادم. وقال ماكرون: «خلال الأشهر المقبلة، سيتعين أن نسأل أنفسنا ما إذا كان يتعين علينا استخدام... آلية إعادة فرض العقوبات على إيران»، مشيراً إلى أن أكتوبر (تشرين الأول) 2025، هو الموعد الذي تنتهي فيه اتفاقية 2015 رسمياً.

يأخذ الغربيون على إيران انخراطها في الحرب الروسية على أوكرانيا، كما أنهم يتخوفون من البرنامج الصاروخي - الباليستي الإيراني الذي يمكن أن يشكل تهديداً لأوروبا.

وتخطط باريس لأن يدور حوار واضح بينها وبين واشنطن حول سبل التعاطي مع إيران، التي تزايدت المخاوف الغربية منها بعد أن وصلت صواريخها إلى الأراضي الإسرائيلية. وخلال الاجتماعات الأخيرة لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، صدرت قرارات قوية بخصوص إيران. بيد أن الدول الغربية وعلى رأسها الموقعة على الاتفاق النووي لعام 2015، امتنعت عن تفعيل آلية «سناب باك» لأسباب مختلفة ومتغيرة.

لكن يبدو أن الغربيين عازمون، أخيراً، على اجتياز خطوة مهمة فيما إيران أصيبت إقليمياً بالضعف بسبب حرب إسرائيل على «حماس» ولبنان وضرباتها ضد الأراضي الإيرانية نفسها وضد الحوثيين، ومؤخراً تدمير قدرات الجيش السوري العسكرية. لكن هذا التصعيد يترافق مع محاولات دبلوماسية للدول الأوروبية الثلاث - فرنسا وبريطانيا وألمانيا - للبحث عن مخارج دبلوماسية للأزمة مع إيران، ومن ذلك الاجتماع المقرر في 13 الجاري. وآخر ما تشكو منه باريس هو محاولات إيران الانغراس في أفريقيا، التي ترى فيها فرنسا إضراراً بمصالحها.

لبنان

المبعوث الأميركي آموس هوكستين مجتمعاً مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون (أ.ف.ب)

لم يأت الرئيس الفرنسي بجديد بالنسبة للبنان «حيث لفرنسا تاريخ طويل والكثير من المواطنين والأصدقاء». وما يسعى إليه ماكرون هو توفير الهدوء على طول «الخط الأزرق»، من خلال مشاركة وحدات فرنسية في قوة «اليونيفيل»، وتسهيل انتشار الجيش اللبناني «بشكل حاسم» جنوب نهر الليطاني وامتداداً حتى الحدود مع إسرائيل.

ولم يتوقف ماكرون طويلاً عند العقبات التي يواجهها وقف إطلاق النار والشكاوى الكثيرة التي تقدم بها لبنان ضد الانتهاكات الإسرائيلية، التي لا تحترم الآلية التي توصلت إليها فرنسا بالتشارك مع الولايات المتحدة. كذلك بقي ماكرون عند العموميات فيما يخص موضوع الفراغ المؤسساتي وعملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، مذكراً بالحاجة لإنجاح المسار السياسي، ومشيراً إلى الجهود التي يبذلها ممثله الوزير السابق جان إيف لو دريان في هذا الخصوص.

وبحسب ماكرون، فإن انتخاب رئيس جديد «يمثل الخيار الحاسم الذي من شأنه توفير السيادة اللبنانية، ويفتح الطريق لتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات الضرورية».

الاعتراف بدولة فلسطين

الدمار والخراب في قطاع غزة بعد أكثر من عام من القصف الإسرائيلي المتواصل (أ.ف.ب)

كالعادة، ذكّر ماكرون بـ«الصداقة التاريخية» بين فرنسا وإسرائيل وتضامنه معها «في مواجهة الهمجية التي ظهرت في هجمات» «حماس» في 7 أكتوبر 2023، وضرورة إطلاق سراح الرهائن. كذلك أعرب ماكرون عن «تفهم بلاده لحاجة إسرائيل بألا تتكرر أمور كهذه وأن تضمن أمنها... ومما شدد عليه اعتباره أن الضربات الإسرائيلية (المستهدفة) في لبنان وسوريا وإسرائيل غيرت الوضع الاستراتيجي في الشرق الأوسط، ما يرتب علينا جميعاً استخلاص النتائج وفتح أفق لسلام صلب ودائم وآمن للجميع في المنطقة».

وبحسب ماكرون «لا يمكن بناء هذا النوع من السلام على الأمن وحده، إذ يجب أن ينطوي على العمل الإنساني والسياسي، وهو شرط أساسي مطلق، أولاً وقبل كل شيء في غزة». وأضاف ماكرون: «لا يوجد أي مبرر عسكري لاستمرار العمليات الإسرائيلية والعرقلة المتعمدة للمساعدات الإنسانية، ولاستمرار العوز الشديد وحالة الجوع التي وصل إليها السكان المدنيون» في القطاع، معتبراً أنه ينبغي على إسرائيل «أن تضع حداً للحرب دون مزيد من التأخير، وأن تعترف بأن لديها شركاء للسلام، وأن تلتزم بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق مع جميع دول المنطقة بشأن غزة، والحفاظ على الأوضاع السياسية في الضفة الغربية وغزة».

ورغم سوداوية الوضع، يرى ماكرون أن «السلام ممكن، حيث إن المملكة العربية السعودية وشركاءنا العرب من ذوي النوايا الحسنة، (الأردن ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة) على وجه الخصوص، ملتزمون بذلك، وفرنسا قدمت ولا تزال تقدم دعمها الكامل».

وحث ماكرون الأوروبيين على العمل في هذا الاتجاه، وبالتنسيق مع الشركاء العرب، «من أجل حل الدولتين، مع احترام الاحتياجات الأمنية للإسرائيليين والتطلعات المشروعة للفلسطينيين».

ودعا الرئيس الفرنسي إلى «بناء إطار جديد للأمن والتعاون في الشرق الأوسط» مشيراً إلى أن «هذا هو هدف المؤتمر الدولي الذي بادرنا به مع المملكة العربية السعودية، والذي سيعقد في نيويورك في يونيو (حزيران) المقبل. وسيكون علينا أن نجعل من هذا المؤتمر لحظة حاسمة». واختتم كلامه بالإشارة إلى أن فرنسا «يمكنها من هذا المنطلق التحرك نحو الاعتراف بدولة فلسطين».