النووي الإيراني بلغ مرحلة «الخطر الشديد» وسط وضع إقليمي متقلب

معهد العلوم والأمن الدولي: طهران أقرب من أي وقت مضى إلى تطوير قنبلة

مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في نطنز 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)
مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في نطنز 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)
TT

النووي الإيراني بلغ مرحلة «الخطر الشديد» وسط وضع إقليمي متقلب

مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في نطنز 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)
مفتش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتفقد المحطة النووية في نطنز 20 يناير 2014 (أ.ف.ب)

حذر «معهد العلوم والأمن الدولي» في واشنطن من بلوغ البرنامج النووي الإيراني مرحلة «الخطر الشديد» بسبب الوضع المتقلب في المنطقة.

وأكد خبراء المعهد أن التهديد الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني ارتفع «بشكل كبير» منذ آخر تقرير لهم في مايو (أيار) العام الماضي.

وعزا خبراء المعهد هذا الارتفاع إلى الحرب في غزة في أعقاب هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والهجمات اللاحقة التي نفذتها الجماعات الوكيلة لإيران.

وقال الخبراء إن «الوضع المتقلب في المنطقة يوفر لإيران فرصة فريدة ومبررات داخلية جمة لبناء أسلحة نووية» في حين تراجعت قدرة الولايات المتحدة وإسرائيل لرصد إيران وردعها عن التقدم في برنامجها النووي و«باتت محدودة».

وقال المعهد «تؤدي الصراعات الحالية إلى إهمال التهديد النووي الإيراني في وقت لم تكن فيه قدرات إيران النووية أكبر من أي وقت مضى، وإلى جانب تراجع الشفافية بشأن برنامجها النووي، نواجه للمرة الأولى منذ سنوات الاحتمال الحقيقي المتمثل في أن تختار إيران تسليح قدراتها النووية وبناء أسلحة نووية».

وبذلك فإن التطورات الخطيرة والمقلقة، دفعت الخبراء إلى رفع درجة التهديد الإجمالي الإيراني إلى منطقة الخطر الشديد بواقع 151 نقطة من أصل 180، وهو أعلى مقياس يحدده المعهد في «عداد الخطر الإيراني».

ويُحلل عداد المعهد، التهديدات والأنشطة الإيرانية إلى 6 فئات، ويخصص ما يصل إلى 30 نقطة لكل فئة. وتنقسم كل فئة إلى أقل من ستة مستويات لكل واحد منها خمس نقاط: وهي أقل خطر، وخطر منخفض، وخطر معتدل وخطر كبير وخطر مرتفع وخطر شديد.

وتظهر فئة الأعمال العدائية الإيرانية 28 نقطة، وخطابها المعادي للولايات المتحدة 29 نقطة. أما وقت الاختراق النووي الإيراني فقد حدث منذ العام الماضي الذي امتلكت فيه مواد كافية لصنع قنبلة على الأقل.

وتظهر بقية النتائج تقدما أحرزته إيران في تطوير قدراتها النووية الحساسة حيث وصلت إلى 22 نقطة حالياً، بينما بلغت جهودها في مجال التسلح النووي إلى ما هو أبعد من مجرد اختراق إلى 21 نقطة، بالإضافة إلى ذلك، بلغت عدم كفاية الشفافية 21 نقطة.

إسلامي يشرح لخامنئي مجسمات لسلسلة أجهزة الطرد المركزي يونيو الماضي (إرنا)

وفيما يلي أهم ما ورد في تقرير معهد العلوم والأمن الدولي:

انعدام الشفافية

يقول المعهد إن إيران تواصل خداع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وانتهاك اتفاق الضمانات، واتفاقات المراقبة الخاصة بالاتفاق النووي لعام 2015.

وفيما يتعلق بتعاون إيران مع الوكالة الدولية، صرح المدير العام رافائيل غروسي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، الشهر الماضي: «إنه وضع محبط للغاية. ونحن نواصل أنشطتنا هناك، ولكن على أدنى درجة من العمل». وأضاف قائلا: «إنهم يقيدون التعاون بطريقة غير مسبوقة للغاية».

صورة نشرتها «الذرية الإيرانية» لعامل في غرفة تحكم داخل منشأة نووية (أرشيفية)

انخفاض الرقابة

تخلت إيران عن تنفيذ البروتوكول الإضافي المحلق بمعاهدة حظر الانتشار النووي، منذ فبراير 2021، أي بعد أسابيع من تولي الرئيس جو بايدن الذي تعهد بإحياء الاتفاق النووي. وبررت إيران الخطوة بأنها ضمن قانون أقره البرلمان الإيراني في ديسمبر 2020، لاتخاذ خطوات نووية متقدمة رداً على العقوبات الأميركية.

وبدأت إدارة بايدن مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي في أبريل 2021، لكن المسار المتعرج للمفاوضات وصل إلى طريق مسدود في سبتمبر (أيلول) 2022.

ومنذ تخليها عن البروتوكول الإضافي، ترفض إيران تسليم تسجيلات كاميرات المراقبة، الخاصة بالأنشطة الحساسة.

وزادت إيران من تدهور قدرة الوكالة في مراقبة المنشآت النووية الخاضعة للضمانات في إيران.

وفي 16 سبتمبر 2023، سحبت إيران تراخيص العديد من كبار مفتشي الوكالة الدولية الذين يباشرون أنشطة التحقق والمراقبة. و أدى سحب التراخيص هذا إلى استبعاد مجموعة من المفتشين من إيران الذين يعتبرون أن لديهم الخبرة الأكبر في تكنولوجيا التخصيب. وذلك رداً على إدانة غربية لها في مجلس محافظي الوكالة الدولية، بسبب التقاعس في تقديم أجوبة شفافة في تحقيق يتعلق بالمواقع السرية.

مفتش من «الطاقة الذرية» أثناء تركيب كاميرات مراقبة في منشأة نطنز أغسطس 2005 (أرشيفية - أ.ب)

اتفاق الضمانات

ويتهم معهد العلوم والأمن الدولي إيران بانتهاك اتفاقية الضمانات، الذي يشكل جزءا رئيسياً من معاهدة حظر الانتشار النووي. وأشار إلى خلافات إيران والوكالة الدولية خلال العامين الماضيين، بشـأن عدد مرات التفتيش والوصول السريع إلى المواقع النووية الإيرانية، بما في ذلك رفض التعاون مع الوكالة الدولية بشأن جزيئات اليورانيوم في أربعة مواقع سرية ارتبطت بأنشطة إيرانية سابقة. وقال المعهد «ربما إيران مستمرة في العمل في مجال التسلح النووي».

حقائق

ما هو اتفاق الضمانات؟

  • يحدد التزامات كل دولة من الدول الأعضاء الموقعة على «معاهدة حظر الانتشار النووي».
  • تراقب «وكالة الطاقة الذرية» المنشآت الإيرانية المعلنة التي تضم أنشطة نووية أساسية ولها سلطة الدخول المنتظم إليها بمقتضى الاتفاق.
  • ينص على إلمام «الطاقة الذرية» بكل المواد النووية في إيران، بما في ذلك كمية المواد النووية التي لديها وأماكن تخزينها واستخدامات تلك المواد.

قدرة التخصيب

تُشكل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في إيران ما يقرب من 80 في المائة من قدرة التخصيب الإيرانية، وتستحق اهتماما خاصا لأنها تشكل خطرا جسيما على الأمن الدولي، مما يسمح لإيران بإنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع سلاح نووي بسرعة أكبر، إما في المواقع النووية المعلنة أو في المواقع السرية.

ويقول المعهد إن وجود أجهزة الطرد المركزي المتقدمة في محطة «فوردو» للتخصيب تحت الأرض، يُعزز قدرة إيران على الانطلاق باستخدام منشأة معلنة لكنها شديدة التحصين.

اعتباراً من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كان لدى إيران 6277 جهاز طرد مركزي متقدما من أنواع مختلفة مثبتة في منشآت التخصيب «نطنز» و«فوردو»، ارتفاعا من 5919 (في مايو 2023)، فضلا عن 7230 جهاز طرد مركزي طراز (IR - 1) مُثبتة. وذلك بعدما قامت إيران بتشغيل 350 جهازاً إضافياً متطوراً للطرد المركزي في صيف وخريف 2023.

وبهذا فإن لدى إيران قدرة تخصيب اسمية مُثبتة بنحو 30800 وحدة فصل سنويا، حيث تمثل أجهزة الطرد المركزي المتقدمة نحو 24300 وحدة فصل سنويا، بينما تمثل أجهزة الطرد المركزي طراز (IR - 1) عدد 6500 وحدة فصل سنويا.

 فترة الاختراق… 6 قنابل في شهر

يُعد التغير في كمية اليورانيوم المستخدم في الأسلحة والذي يمكن أن تنتجه إيران في حالة الاختراق أحد المؤشرات على الأنشطة النووية الحساسة.

وإذا أرادت إيران فإنها  لن تتمكن فقط من إنتاج اليورانيوم المستخدم في الأسلحة لصناعة أول سلاح نووي لديها في غضون أيام فحسب، إنما يمكنها أيضا إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في الأسلحة لصناعة 6 أسلحة في غضون شهر واحد، وبعد 5 أشهر من إنتاج اليورانيوم المستخدم في الأسلحة، يمكن أن يكون لديها ما يكفي لصناعة 12 سلاحاً نووياً.

ويلفت المعهد إلى أن إيران تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة أو اليورانيوم عالي التخصيب لصنع قنبلة نووية مباشرة، في غضون أسبوع، وقد يكون من الصعب على المفتشين الكشف عن هذا الاختراق على وجه السرعة، إذا اتخذت إيران خطوات لعرقلة وصول المفتشين.

صورة التقطها قمر «بلانيت لابس» لحفريات تحت جبل قرب منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم وسط إيران في 14 أبريل 2023 (أ.ب)

وإذا أرادت إيران زيادة تخصيب اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة بما يصل إلى نسبة 90 في المائة من اليورانيوم الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة النووية، والمعروف في إيران باسم «الخطة آماد»، يمكنها القيام بذلك بسرعة.

وباستخدام مخزونها المتبقي من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة ومخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة تقريبا، يمكن أن يكون لديها ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لستة أسلحة في شهر واحد، وبعد 5 أشهر من إنتاج اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة، يمكن أن يكون لديها ما يكفي من اليورانيوم لصناعة 12 سلاحا نوويا.

درجة القدرات النووية الحساسة

تمتلك إيران القدرة على إنتاج كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب وتحقيق مستويات تخصيب تصل إلى 90 في المائة، وهي القدرة التي أشار إليها «محمد إسلامي» رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في أبريل 2023.

واصلت إيران زيادة كمية ونوعية مخزونها من اليورانيوم المخصب وتعزيز قدرتها على تخصيب اليورانيوم. ولا يزال تخصيب اليورانيوم هو النشاط الأكثر حساسية في برنامج إيران النووي. وقد تطور إيران أيضا القدرة على إنتاج وفصل البلوتونيوم الصالح لصنع الأسلحة، رغم أن هذا الجهد غير فعال إلى حد كبير حاليا.

خلال الصيف والخريف الماضي ، خفضت إيران معدل إنتاجها لليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 60 في المائة، إذ أنتجت ما يقرب من 3 كيلوغرامات فقط تقريبا (كتلة اليورانيوم). ومع ذلك، في أواخر نوفمبر 2023، استأنفت إيران زيادة إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60 في المائة، لتنتج نحو 9 كيلوغرامات شهريا، على غرار ما كانت تنتجه قبل التباطؤ.

والأسبوع الماضي، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مدير الوكالة الدولية، رافائيل غروسي أن الزيادة التي بدأت بعد حرب غزة، يبدو أنها تراجعت. وقال غروسي إن  «هناك بعض التباطؤ، ما زالوا يضيفون إلى المخزون ولكن بوتيرة أبطأ».

منشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم كما تبدو من الداخل في وسط محافظة أصفهان (رويترز)

إنتاج معدن اليورانيوم

في السنوات القليلة الماضية، طوّرت إيران قدرات في موقع أصفهان لإنتاج معدن اليورانيوم المخصب، وهي خطوة ضرورية في بناء الأسلحة النووية. فقد طورت القدرة على تحويل سداسي فلوريد اليورانيوم المخصب، وهو ناتج محطات الطرد المركزي، إلى معدن اليورانيوم المخصب. وعلى نطاق صغير جرى تحويل سداسي فلوريد اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة إلى معدن. ويعني هذا الإنجاز أن إيران يمكن أن تفعل الشيء نفسه مع سداسي فلوريد اليورانيوم المستخدم في صناعة الأسلحة.

إطلاق صاروخ يحمل ثلاثة أقمار اصطناعية في محطة سمنان الفضائية 28 يناير الماضي (إ.ب.أ)

ما بعد الاختراق

حتى الآن، لم تحول إيران اليورانيوم المخصب إلى أسلحة نووية. ومع ذلك، على مدى السنوات القليلة الماضية، زادت قدرة إيران على القيام بذلك، فضلا عن سرعتها في إنجاز هذه المهمة. وبالتالي، فإن قدرات إيران في مجال الأسلحة النووية أصبحت أكثر خطورة مما كانت عليه في أي وقت مضى، في حين أن علاقاتها مع الغرب وصلت إلى نقطة متدنية.

وبدأ برنامج إيران للأسلحة النووية ببطء، وبدأ في البناء لبرنامج أسلحة نووية فاشل في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، أطلق عليه اسم «خطة آماد»، لإنشاء 5 أسلحة نووية في مجمع صناعي قادر على إنتاج المزيد.

ويقول المعهد إن إيران احتفظت بهيكل تنظيمي للحفاظ على أصول ومهارات التسلح النووي وربما صقلها. وخلص تقرير المعهد إلى أن إيران يمكن أن تنتج بسرعة ما يكفي من اليورانيوم الصالح لصنع ترسانة نووية صغيرة. إضافة إلى ذلك، لدى إيران وسائل متعددة لإطلاق الأسلحة النووية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية. والجزء المفقود هو التسلح النووي.

ووفقاً لخبراء المعهد، فإن البرنامج الإيراني المتسارع لن يهدف إلى إنتاج رؤوس حربية للصواريخ الباليستية، بل إنتاج رأس حربي يمكن اختباره أو إطلاقه بوسائل بدائية (سفينة أو شاحنة)، ويمكن إنجازه في غضون 6 أشهر تقريبا. وقد يستغرق بناء رأس حربي نووي لصاروخ باليستي فترة أطول من 6 أشهر.


مقالات ذات صلة

سوليفان: إيران قد تطور سلاحاً نووياً بعد انتكاسات إقليمية

شؤون إقليمية مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)

سوليفان: إيران قد تطور سلاحاً نووياً بعد انتكاسات إقليمية

تشعر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالقلق من سعي إيران، التي اعتراها الضعف بعد انتكاسات إقليمية، إلى امتلاك سلاح نووي.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)
شؤون إقليمية المفاعل النووي الإيراني في بوشهر بجنوب العاصمة الإيرانية طهران (أ.ب)

أنظار نتنياهو على إيران بعد «حماس» و«حزب الله» وسوريا

يتأهب نتنياهو لتوجيه كل الاهتمام لطموحات إيران النووية وبرنامجها الصاروخي، والتركيز على تفكيك وتحييد هذه التهديدات الاستراتيجية لإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (لندن - تل أبيب)
شؤون إقليمية مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان يتحدث بمؤتمر صحافي في القدس (رويترز)

واشنطن: فرصة للمنطقة بعد إضعاف «محور إيران»

أفاد مستشار الأمن القومي الأميركي للبيت الأبيض، جايك سوليفان، بأن إيران باتت في «أضعف نقطة لها منذ عقود»، مشيراً إلى وجود «فرصة ضخمة» لتعزيز التكامل في المنطقة

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن متحدثاً في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك الأربعاء (أ.ف.ب)

أميركا تلوّح لإيران بـ«الجزرة والعصا» نووياً

لوّح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بـ«الجزرة والعصا» التي يمكن لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترمب فيما يتعلق بالطموحات النووية لدى إيران.

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية جلسة مجلس الأمن حول حظر الانتشار النووي وإيران الثلاثاء (د.ب.أ)

طهران: نظام «الهيمنة» يريد استخدام «الذرية الدولية» لبلوغ أهدافه

انتقدت طهران ضغوط القوى الغربية بشأن برنامجها النووي، ووجهت أصابع الاتهام إلى «نظام الهيمنة» باستخدام الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحقيق «أهدافه».

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)

عميلان سابقان بالموساد يرويان تفاصيل جديدة عن تفجيرات «البيجر» في لبنان

سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت بعد انفجار أجهزة «البيجر» في عناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت بعد انفجار أجهزة «البيجر» في عناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
TT

عميلان سابقان بالموساد يرويان تفاصيل جديدة عن تفجيرات «البيجر» في لبنان

سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت بعد انفجار أجهزة «البيجر» في عناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)
سيارة إسعاف تنقل جرحى إلى المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت بعد انفجار أجهزة «البيجر» في عناصر من «حزب الله» (أ.ف.ب)

أدلى اثنان من عملاء الاستخبارات الإسرائيلية السابقين بتفاصيل جديدة عن عملية سرية قاتلة كانت تخطط لها إسرائيل على مدار سنوات، واستهدفت قبل ثلاثة أشهر، عناصر «حزب الله» في لبنان وسوريا باستخدام أجهزة نداء «بيجر» وأجهزة اتصال لاسلكية «ووكي توكي» مفخخة.

وبدأ «حزب الله» في ضرب إسرائيل في أعقاب الهجوم الذي شنته حركة «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والذي أشعل الحرب بين إسرائيل و«حماس».

وتحدث العميلان مع برنامج «60 دقيقة» على قناة «سي بي إس»، في جزء من تقرير تم بثه مساء أمس الأحد، وهما يرتديان أقنعة ويتحدثان بصوت معدل لإخفاء هويتهما، حسب ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية.

عنصر أمن في «حزب الله» يحمل جهاز «توكي ووكي» بعد إزالة البطارية خلال تشييع عناصر في الحزب قتلوا في تفجيرات «البيجر» الثلاثاء (أ.ف.ب)

وقال أحد العملاء إن العملية بدأت قبل عشر سنوات باستخدام أجهزة «ووكي توكي» تحتوي على متفجرات مخفية، والتي لم يدرك «حزب الله» أنه كان يشتريها من إسرائيل، عدوته. ولم تنفجر هذه الأجهزة إلا في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد يوم من تفجير أجهزة الإرسال المفخخة (البيجر).

وأضاف الضابط الذي أطلق عليه اسم «مايكل»: «أنشأنا عالماً وهمياً».

أما المرحلة الثانية من الخطة، والتي جرى فيها استخدام أجهزة «البيجر» المفخخة، فقد بدأت في عام 2022 بعد أن علم جهاز الموساد الإسرائيلي أن «حزب الله» كان يشتري أجهزة البيجر من شركة مقرها تايوان، كما ذكر العميل الثاني.

وزعم أنه كان لا بد من جعل أجهزة «البيجر» أكبر قليلاً لتناسب كمية المتفجرات المخفية بداخلها. وتم اختبارها على دمى عدة مرات للعثور على الكمية المناسبة من المتفجرات التي ستسبب الأذى للمقاتل فقط دون أي ضرر للأشخاص القريبين.

كما اختبر الموساد العديد من نغمات الرنين للعثور على نغمة تبدو عاجلةبما فيه الكفاية لجعل الشخص يخرج جهاز البيجر من جيبه، حسب ما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية.

وقال العميل الثاني، الذي أطلق عليه اسم «غابرييل»، إن إقناع «حزب الله» بتغيير الأجهزة إلى أجهزة بيجر أكبر استغرق أسبوعين، جزئياً باستخدام إعلانات مزيفة على «يوتيوب» تروج للأجهزة بأنها مقاومة للغبار والماء وتتمتع بعمر بطارية طويل.

كما وصف استخدام الشركات الوهمية، بما في ذلك شركة مقرها المجر، لخداع شركة «غولد أبولو» التايوانية لدفعها بشكل غير واعٍ للتعاون مع الموساد.

وكان «حزب الله» أيضاً غير مدرك أن الشركة الوهمية كانت تعمل مع إسرائيل. وقال غابرييل: «عندما يشترون منا، ليس لديهم أي فكرة أنهم يشترون من الموساد. كنا نبدو مثل (ترومان شو)، كل شيء تحت السيطرة من وراء الكواليس. في تجربتهم، كل شيء طبيعي. كل شيء كان أصيلاً بنسبة 100في المائة، بما في ذلك رجال الأعمال والتسويق والمهندسون وصالة العرض وكل شيء».

وبحلول سبتمبر، كان لدى «حزب الله» 5 آلاف جهاز بيجر في جيوبهم.

وشنت إسرائيل الهجوم في 17 سبتمبر، عندما بدأت أجهزة البيجر في جميع أنحاء لبنان بالرن. وكانت الأجهزة ستنفجر حتى إذا فشل الشخص في الضغط على الأزرار لقراءة الرسالة المشفرة الواردة.

مقاتلون من «حزب الله» يحملون أحد نعوش رفاقهم الأربعة الذين قُتلوا بعد انفجار أجهزة «البيجر» الخاصة بهم في الضاحية الجنوبية لبيروت بلبنان يوم الأربعاء 18 سبتمبر 2024 (أ.ب)

وفي اليوم التالي، قام الموساد بتفعيل أجهزة «الووكي توكي»، وانفجرت بعض الأجهزة في جنازات نحو 30 شخصاً قتلوا في هجمات أجهزة البيجر.

وقال غابرييل إن الهدف كان يتعلق بإرسال رسالة أكثر من قتل عناصر «حزب الله».

وفي الأيام التي تلت الهجوم، ضربت الطائرات الحربية الإسرائيلية أهدافاً في جميع أنحاء لبنان، مما أسفر عن مقتل الآلاف. وتم اغتيال زعيم «حزب الله»، حسن نصر الله، عندما ألقت إسرائيل قنابل على ملجئه.

وقال العميل الذي استخدم اسم (مايكل) إن اليوم التالي لانفجارات أجهزة البيجر، كان الناس في لبنان يخافون من تشغيل مكيفات الهواء خوفاً من أن تنفجر أيضاً. وأضاف: «كان هناك خوف حقيقي».

وعند سؤاله إذا كان ذلك مقصوداً، قال: «نريدهم أن يشعروا بالضعف، وهم كذلك. لا يمكننا استخدام أجهزة البيجر مرة أخرى لأننا قمنا بذلك بالفعل. لقد انتقلنا بالفعل إلى الشيء التالي. وسيتعين عليهم الاستمرار في محاولة التخمين حول ما سيكون الشيء التالي».