خطة إعلامية إسرائيلية لاستعادة التأييد بعد «تدمير غزة»

الحكومة ضاعفت تمويل حملتها... وتجنّد نجوماً عالميين

متظاهرون في باريس الخميس يرفعون أعلام فلسطين دعماً لغزة ويطالبون بوقف الحرب (إ.ب.أ)
متظاهرون في باريس الخميس يرفعون أعلام فلسطين دعماً لغزة ويطالبون بوقف الحرب (إ.ب.أ)
TT

خطة إعلامية إسرائيلية لاستعادة التأييد بعد «تدمير غزة»

متظاهرون في باريس الخميس يرفعون أعلام فلسطين دعماً لغزة ويطالبون بوقف الحرب (إ.ب.أ)
متظاهرون في باريس الخميس يرفعون أعلام فلسطين دعماً لغزة ويطالبون بوقف الحرب (إ.ب.أ)

في خطوة طارئة، قررت الحكومة الإسرائيلية تنظيم «حملة إعلامية ضخمة» إضافية، بعدما بدا أن ثمة انقلاباً في الرأي العام الدولي من التأييد، في بداية الحرب، إلى «الرفض والاحتجاج» على التفجير والتدمير ضد أهل غزة، وارتفاع المطالبات الدولية بوقف هذه الحرب والتفتيش عن وسائل سياسية لتسوية الصراع.

وقررت الحكومة «مضاعفة الموارد المالية لتمويل الحملة ونشر أشرطة فيديو توثِّق العمليات التي قامت بها عناصر (حماس) وغيرها ضد المدنيين الإسرائيليين، وتجنيد شخصيات تتمتع بنجومية عالمية تُقنع العالم بأن الحرب التي تخوضها إسرائيل هي حرب دفاعية تردُّ فيها على (تنظيم إرهابي) يريد تدمير (الدولة اليهودية) وتقويض الاستقرار في دول الغرب».

وكانت إسرائيل قد اكتسبت تأييداً في أوساط واسعة حول العالم، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما نشرت بعض الأشرطة التي تُظهر شباباً فلسطينيين مسلَّحين وهم يهاجمون 22 مستوطنة تحيط بقطاع غزة ويقتلون «جنوداً ومدنيين»، ويهاجمون حفلاً موسيقياً.

لكن الموقف بدأ يتغير مع الرد الإسرائيلي بإعلان الحرب، ورغم أن الإسرائيليين أعلنوا «حرباً لإبادة (حماس) وإسقاط حكمها»، انجلت صورة أخرى بدا فيها أن الحرب موجّهة إلى سكان غزة المدنيين.

وبسبب انتشار صور الضحايا في غزة على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، ورواج قصص قتل مئات العائلات الفلسطينية، وقصف المستشفيات، والترحيل بقوة أطنان المتفجرات لأكثر من مليون فلسطيني، ارتفعت حدة الغضب العالمي من الإجراءات الإسرائيلية، التي تزامنت مع تنديد دولي وإقليمي بـ«التجويع والتعطيش، وقطع الماء والدواء والغذاء عن المدنيين».

وخرجت مئات المظاهرات في مختلف دول العالم تطالب بوقف الحرب وجرائمها. وفي دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا، خرج كثير من اليهود يعلنون رفضهم هذه الممارسات، ويقولون إنهم يرفضون أن تقوم إسرائيل بحرب كهذه باسم اليهود، ويهتفون «ليس باسمنا».

داعمون لفلسطين يتظاهرون في باريس الخميس وينادون بوقف الحرب ضد غزة (إ.ب.أ)

ومع قيام الحكومات الغربية والإدارة الأميركية بدعم حكومة إسرائيل علناً في هذه الحرب، أخذت جماهير غفيرة لديها تطالب حكوماتها بالكفّ عن تقديم الدعم لآلة الحرب الإسرائيلية. ويطالبون بالتفريق بين ممارسات «حماس» وبين الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لواحدة من أبشع حروب التدمير منذ الحرب العالمية الثانية.

وقد بات واضحاً أن التعاطف الدولي مع المأساة التي شهدتها إسرائيل آخذٌ في النفاد بسرعة. والجمهور الغربي، ووسائل الإعلام لديه وكثير من السياسيين، مصابون بالصدمة من المشاهد القادمة من غزة. فيخرجون بحملات الاحتجاج. وهذه الحملات بدأت تؤثر على الحكومات، التي يهبّ بعضها لمطالبة إسرائيل بالتوقف. لكن حكومة بنيامين نتنياهو، وبدلاً من إدراك هذا التغيير، والتجاوب مع مطالب الرأي العام، تنوي الاستمرار في الحرب وإعلان حرب إعلامية أخرى ضد «حماس» في العالم.

بيد أنه حتى في إسرائيل يلفتون نظر الحكومة إلى أن «حماس» غير مقبولة في العالم أصلاً، وأصبحت منبوذة في دول الغرب وعدد من دول العالم، ولا يمكن مقارنة أدائها بأداء دولة. والنتائج المدمرة للحرب والخطط الإسرائيلية التي تشير إلى نيات استعمارية تقضي بتفريغ غزة من أهلها وتحويلهم جميعاً إلى لاجئين، ومسح كل بيوتها ومدارسها وجوامعها وكنائسها عن وجه الأرض، وإقامة مشروعات السياحة والاستيطان الإسرائيلي، تعيد الرأي العام إلى موقف رافض للجريمة.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تتوسَّع لبنانياً في «الوقت الضائع»

المشرق العربي الحدود اللبنانية - الإسرائيلية (رويترز)

إسرائيل تتوسَّع لبنانياً في «الوقت الضائع»

سعت إسرائيل، أمس (الجمعة)، إلى التوسّع داخل لبنان فيما يمكن وصفه بـ«الوقت الضائع»، بانتظار بدء لجنة المراقبة عملها لتنفيذ اتفاق وقف النار الذي بدأ تنفيذه.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون بجوار مبانٍ مدمرة بهجمات إسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تقتل عشرات في غزة... ومصر تستضيف قادة من «حماس» لمناقشة وقف النار

قال مسعفون إن ما لا يقل عن 40 فلسطينياً لقوا حتفهم في ضربات للجيش الإسرائيلي في غزة، في حين تلقت جهود إحياء محادثات وقف إطلاق النار في غزة دفعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

ذكرت قناة «تلفزيون الجديد»، اليوم الجمعة، أن طائرة مسيّرة إسرائيلية أطلقت صاروخين على منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان. ولم يذكر التلفزيون تفاصيل أخرى عن القصف.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون الدمار في موقع غارة جوية إسرائيلية في مخيم النصيرات وسط غزة (أ.ف.ب)

انتشال جثامين 19 قتيلاً من شمال مخيم النصيرات بوسط غزة

أفادت وكالة «شهاب» الفلسطينية للأنباء اليوم الجمعة بانتشال جثامين 19 قتيلا بعد تراجع آليات إسرائيلية من شمال مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية امرأة إيرانية تمرّ بجانب لوحة جدارية مناهضة للولايات المتحدة بالقرب من مبنى السفارة الأميركية السابقة في طهران الأربعاء (إ.ب.أ)

تقرير: إيران تتبنى لهجة تصالحية مع عودة ترمب وإضعاف «حزب الله»

قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن إيران، التي تواجه تحديات داخلية وخارجية، تتبنى حالياً لهجة تصالحية مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )

لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
TT

لقاء جنيف... الخلاف يتسع بين أوروبا وإيران

مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)
مفتش من «الطاقة الذرية» يركّب كاميرات للمراقبة بمنشأة «نطنز» في أغسطس 2005 (أ.ب)

رغم الصخب الذي سبق المحادثات الأوروبية - الإيرانية في جنيف، فإنها لم تحمل مبادرات جديدة أو تحدد «خريطة طريق» للمفاوضات النووية، كما روج إعلام مقرب من النظام الإيراني قبيل اللقاء. كما لم تكن محصورة فقط بالملف النووي الإيراني بل تناولت علاقة إيران العسكرية بروسيا، بحسب ما قال دبلوماسيان أوروبيان رفيعا المستوى لـ«الشرق الأوسط».

واعترف دبلوماسي أوروبي بأن اللقاءات التي جمعت بين مسؤولين إيرانيين وأوروبيين في جنيف، أثبتت أن «حجم الخلافات» يتسع بين الطرفين على أكثر من صعيد.

وكان دبلوماسي أوروبي رفيع ثان قال لـ«الشرق الأوسط» قبل أيام، إن اللقاءات في جنيف «جزء من إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع الإيرانيين»، وإنها «ستكون شاملة، وإنه لا قرارات ستتخذ حول كيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني قبل اتضاح الرؤية الأميركية مع تسلم ترمب مهامه مطلع العام المقبل».

غروسي ونائبه يتوسطان المتحدث باسم «الذرية الإيرانية» بهروز كمالوندي ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي أمام مدخل منشأة نطنز في أصفهان (إرنا)

جنيف استكمال لنيويورك

وعلمت «الشرق الأوسط» أن اللقاءات كانت مُعدّة مسبقاً، وجاءت استكمالاً لما جرى في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تم التركيز بشكل أساسي على التصعيد النووي الإيراني، والتعاون العسكري الإيراني مع روسيا.

والتقى مديرو الأقسام السياسية في وزارات خارجية الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الجمعة، بكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين مجيد تخت روانجي، ونائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي، غداة لقاء المسؤولين الإيرانيين بأنريكي مورا، الوسيط الأوروبي في المفاوضات النووية.

نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي (حسابه على منصة «إكس»)

وكتب مورا في تغريدة على منصة «إكس» أن اللقاء كان «صريحاً»، وأنه نقل للمسؤولين الإيرانيين ضرورة أن توقف طهران «تعاونها العسكري مع روسيا»، إضافة إلى الحاجة للتوصل «لحل دبلوماسي للمسألة النووية، ووقف تدخلات إيران الإقليمية».

ورد غريب آبادي بتغريدة أخرى، ينتقد فيها الاتحاد الأوروبي، وقال إن «أوروبا فشلت بأن تكون لاعباً جدياً بسبب غياب الثقة والمسؤولية». وكتب أيضاً أنه وجّه انتقادات لمورا تتعلق بالسياسات العامة للاتحاد الأوروبي تجاه المسائل الإقليمية والدولية، واصفاً تصرف التكتل «بغير المسؤول».

وبعد لقائه بالمسؤولين من الترويكا الأوروبية، كتب غريب آبادي على منصة «إكس» أن المحادثات «ركزت على الملف النووي ورفع العقوبات». وأضاف: «نحن ملتزمون بمصلحة شعبنا وتفضيلنا هو للطريق الدبلوماسي والحوار». وأشار إلى أنه تم الاتفاق على إبقاء الحوار الدبلوماسي مفتوحاً في المستقبل القريب.

ما فرصة «سناب باك»؟

جاءت لقاءات جنيف بعد أيام على تقديم الدول الأوروبية الثلاث: فرنسا وبريطانيا وألمانيا، مشروع قرار ضد إيران في مجلس المحافظين في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تم تبنيه من قبل المجلس.

وأدان القرار عدم تعاون إيران مع الوكالة، وتصعيدها تخصيب اليورانيوم. وردت طهران بعد أيام بإبلاغ الوكالة الدولية بأنها تنوي تركيب الآلاف من أجهزة الطرد المركزي الجديدة.

ومع ذلك، قال الدبلوماسي الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»، إن الحديث عن إعادة تفعيل آلية الزناد أو «سناب باك» ما «زال مبكراً».

وكانت بريطانيا قد لمحت قبل أيام إلى إمكانية تفعيل الآلية، وقالت الخارجية في بيان قبل أيام على لقاء جنيف: «ما زلنا ملتزمين باتخاذ جميع الخطوات الدبلوماسية لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية، بما في ذلك عبر آلية (سناب باك) إذا لزم الأمر».

وتسمح هذه الآلية بإعادة فرض كامل العقوبات الدولية على إيران لخرقها لالتزاماتها النووية ضمن الاتفاق الذي عقد عام 2015 مع دول 5 زائد واحد، وانسحبت منه الولايات المتحدة عام 2018 في الولاية الأولى للرئيس الأميركي دونالد ترمب.

وتخشى إيران من أن يعود ترمب إلى استراتيجية «الضغوط القصوى»، بما في ذلك السعي لتفعيل آلية «سناب باك». وفضلاً عن ترمب، يسود القلق في إيران أيضاً من تفعيل آلية «سناب باك» من قبل قوى أوروبية.

ويمر تفعيل آلية «سناب باك» عبر تفعيل بند يعرف بـ«فض النزاع». وكانت إدارة ترمب الأولى أقدمت على تفعيلها، لكنها واجهت معارضة أوروبية حالت دونها، رغم أن وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو، أعلن تفعيل بلاده للآلية.

ضجيج مبالغ فيه

مع ذلك، لم تكن لقاءات جنيف محصورة فقط بالمفاوضات النووية، كما ألمحت وسائل إعلام إيرانية. ورغم تغريدة غريب آبادي التي لم تحمل الكثير من الدبلوماسية، قال الدبلوماسي الأوروبي الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن الاجتماع حصل «كما كان متوقعاً»، مضيفاً أنه لا يفهم «الضجيج الإعلامي المبالغ به الذي سبق اللقاءات» التي أُعدّ لها مسبقاً.

وكانت وكالة أنباء «رويترز» قد نقلت عن مسؤول إيراني قبيل اجتماع جنيف قوله إنه إذا «اتفقت إيران مع الترويكا الأوروبية على الانتهاء من وضع خريطة طريق» حول الاتفاق النووي، فإن «الولايات المتحدة ستقرر إما إحياء اتفاق عام 2015 وإما إنهاءه».

وينتهي العمل بالاتفاق النووي أصلاً في أكتوبر (تشرين الأول) من العام المقبل، وسيتعين على المجتمع الدولي بدء مفاوضات حول اتفاق جديد مع إيران، بسبب قرب انتهاء الاتفاق الحالي الذي تخرقه إيران باستمرار منذ انسحاب واشنطن منه.

وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية كانت على صلة بالمفاوضات، إن الاتفاق الحالي «لم يعد بالإمكان إحياؤه، ولكنه سيشكل أرضية لأية مفاوضات جديدة» يمكن أن تبدأها دول 5 زائد واحد مع إيران، بهدف التوصل لاتفاق ثانٍ يقيد نشاطات إيران النووية.