وجّه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، اليوم، «تحذيراً» إلى الولايات المتحدة، وحليفتها إسرائيل؛ إذا لم تتوقف هجمات الأخيرة على قطاع غزة، «فإن جميع الاحتمالات واردة في أي لحظة»، وإن «المنطقة ستخرج عن السيطرة»، متحدثاً عن عواقب وخيمة قد تطول المصالح الأميركية في المنطقة.
وقال عبداللهيان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور: «نعلن بصوت عالٍ أن المنطقة أشبه ببرميل بارود، وأي حسابات مغلوطة في استمرار الحرب والإبادة والتهجير القسري لأهالي غزة والصفة الغربية، يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة ومريرة وواسعة في المنطقة، وأيضاً ضد مصالح دعاة الحرب».
وأوضح عبداللهيان أن مشاوراته مع نظيرته الأفريقية الجنوبية تناولت التطورات في المنطقة واستمرار الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، فضلاً عن القضايا الثنائية.
والأسبوع الماضي، ألقى المرشد الإيراني، علي خامنئي، باللوم على الولايات المتحدة، في الهجوم الذي تشنّه إسرائيل على قطاع غزة.
واتهم عبداللهيان الولايات المتحدة بخوض «حرب بالوكالة» عبر إسرائيل ضد أهالي غزة وفلسطين، منتقداً بشدة زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل.
وقال، في جزء من تصريحاته، إن «الكيان الإسرائيلي المزيّف يقاتل ضد المدنيين في غزة، نيابة عن الولايات المتحدة». وتابع: «الرئيس الأميركي أعلن رسمياً في تل أبيب أنه سيقدم مزيداً من الأسلحة للصهاينة؛ لارتكاب مَجازر ضد فلسطين وغزة، وهذا إجراء مُخزٍ، ومن جانب آخر يعلن الرئيس الأميركي أنه استطاع تنسيق دخول 20 شاحنة من المساعدات لأهل غزة».
وتابع: «أودّ أن أوجه هذا التحذير إلى الولايات المتحدة، والنظام الإسرائيلي المزيّف التابع لأميركا، بأنه إذا لم يوقف فوراً جرائمه ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة، فإن هناك احتمالاً في أي لحظة أن تكون المنطقة خارج السيطرة وسيذهب دخان هذه الحالة إلى أعين الناس الذين مزّقتهم الحرب ومرتكبي الحادث».
معضلة إيران
وليست المرة الأولى التي يوجه فيها عبداللهيان مثل هذا التحذير، ففي 15 أكتوبر (تشرين الأول) قال: «أوقفوا هجومكم على غزة، وإلا سنضطر إلى اتخاذ إجراء».
وبعد ساعات فقط، خففت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة لهجتها المتشددة، وطمأنت العالم بأن قواتها المسلحة لن تتدخل في الصراع ما لم تهاجم إسرائيل مصالح إيران أو مواطنيها. لكن وسائل إعلام رسمية في وقت لاحق نفت أن تكون البعثة الإيرانية أصدرت هذا الموقف.
ونسبت «رويترز» إلى 9 مسؤولين إيرانيين، على اطلاع مباشر على طريقة التفكير داخل المؤسسة الحاكمة، أن إيران، الداعمة منذ فترة طويلة لحركة «حماس» التي تدير قطاع غزة، تجد نفسها أمام معضلة، بينما تحاول إدارة الأزمة المتفاقمة.
وأوضح المسؤولون الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المناقشات في طهران أن الوقوف موقف المتفرج وقت أي اجتياح بري إسرائيلي واسع لقطاع غزة من شأنه أن يقوض بشكل كبير الاستراتيجية التي تتبعها إيران منذ أكثر من 4 عقود، والمتعلقة ببسط نفوذها وتعزيزه إقليمياً.
لكن من الممكن أيضاً أن يكبد أي هجوم كبير ضد إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة إيران خسائر فادحة، ويثير غضباً شعبياً ضد المؤسسة الدينية الحاكمة في دولة تعاني بالفعل من أزمة اقتصادية، حسبما قال المسؤولون الذين استعرضوا مختلف الأولويات العسكرية والدبلوماسية والداخلية التي تعمل المؤسسة على الموازنة بينها.
وقال 3 مسؤولين أمنيين إنه تم التوصل إلى توافق في الآراء بين كبار صناع القرار في إيران في الوقت الحالي على إعطاء مباركتهم للضربات المحدودة التي يشنها «حزب الله» اللبناني عبر الحدود ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، على بعد أكثر من 200 كيلومتر من غزة، فضلاً عن هجمات ضيقة النطاق تشنها جماعات أخرى حليفة في المنطقة على أهداف أميركية، مع تفادي أي تصعيد كبير من شأنه أن يجر إيران نفسها إلى الصراع.
ويبدو الأمر لإيران أشبه بالسير على خيط رفيع. فقد أوضحت مصادر «رويترز» أن خسارة قاعدة قوة أسستها إيران في القطاع الفلسطيني عبر «حماس» و«الجهاد» من شأنها أن تحدث صدعاً في خطط إيران التي قامت ببناء شبكة جماعات مسلحة تعمل بالوكالة في أنحاء الشرق الأوسط، من «حزب الله» في لبنان، إلى الحوثيين في اليمن.
وقال 3 مصادر إنه يمكن أن يُنظر إلى التقاعس الإيراني على الأرض على أنه علامة ضعف من جانب تلك الجماعات الحليفة، التي تمثل سلاح نفوذ طهران الرئيسي في المنطقة منذ عقود. وتابعوا أن هذا قد يؤثر أيضاً على مكانة إيران التي طالما دافعت عن القضية الفلسطينية وترفض الاعتراف بإسرائيل وتعتبرها محتلاً خسيساً.
وقال آفي ميلاميد، المسؤول السابق في المخابرات الإسرائيلية والمفاوض خلال الانتفاضتين الأولى والثانية: «يواجه الإيرانيون معضلة ما إذا كانوا سيرسلون (حزب الله) إلى القتال من أجل محاولة إنقاذ ذراعهم في قطاع غزة، أو ربما سيتركون هذه الذراع ويتخلون عنها». وتابع: «الإيرانيون في هذه النقطة... حساب المخاطر».
«البقاء هو الأولوية القصوى»
وقال دبلوماسي إيراني كبير: «بالنسبة لكبار القادة في إيران، خاصة المرشد علي خامنئي، فإن الأولوية القصوى هي بقاء الجمهورية الإسلامية». وأضاف: «لهذا السبب تستخدم السلطات الإيرانية لهجة قوية ضد إسرائيل منذ بداية الهجوم، لكنها تمتنع عن التدخل العسكري المباشر، على الأقل حتى الآن».
من جانب آخر، قالت 3 مصادر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى، ومصدر أمني غربي، لـ«رويترز»، إن إسرائيل لا تريد مواجهة مباشرة مع طهران، وإنه على الرغم من قيام الإيرانيين بتدريب «حماس» وتسليحها، فإنه لا يوجد مؤشر على أن الجمهورية الإسلامية كانت على علم مسبق بهجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول).
وفي أول تعليق على حرب غزة، نفى خامنئي تورط إيران في الهجوم، لكنه أشاد بما تسبب فيه من أضرار لإسرائيل.
وقالت المصادر الأمنية الإسرائيلية والغربية إن إسرائيل لن تهاجم إيران إلا إذا تعرضت لهجوم مباشر من قبل قوات إيرانية من إيران، لكنها حذرت من أن الوضع قابل للاشتعال، وأن أي هجوم على إسرائيل يتسبب في خسائر فادحة من جانب «حزب الله» أو وكلاء لإيران في سوريا أو العراق، يمكن أن يقلب هذه المعادلة.
وأضاف أحد المصادر الإسرائيلية أن أي سوء تقدير من جانب إيران أو أي من الجماعات المتحالفة معها لنطاق أي هجوم بالوكالة سيكون كفيلاً بتغيير نهج إسرائيل.
«لا غزة ولا لبنان»
وقال مسؤولان إيرانيان إن حكام البلاد لا يستطيعون تحمل تبعات التدخل المباشر في الصراع، بينما يواجهون صعوبة في تهدئة وكبح معارضة متصاعدة في الداخل بسبب المشكلات الاقتصادية والقيود الاجتماعية.
وشهدت البلاد اضطرابات لعدة أشهر في أعقاب وفاة شابة إيرانية في أثناء احتجاز شرطة الأخلاق لها العام الماضي وبسبب حملة القمع المستمرة التي تشنها الدولة على المعارضة.
وقد دفعت المشكلات الاقتصادية الناجمة بشكل رئيسي عن العقوبات الأميركية وسوء الإدارة عدداً كبيراً من الإيرانيين إلى انتقاد السياسة المستمرة منذ عقود والمتمثلة في إرسال أموال إلى وكلاء طهران لتوسيع نفوذ الجمهورية الإسلامية في الشرق الأوسط.
ولسنوات، أصبح شعار «لا غزة ولا لبنان... أضحي بحياتي من أجل إيران» شعاراً رائجاً في الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، ما يسلط الضوء على شعور الناس بالإحباط من نهج المؤسسة الدينية الحاكمة في تخصيص موارد البلاد.
وقال المسؤول الإيراني الكبير السابق: «يؤكد موقف إيران المعقد على التوازن الدقيق الذي يجب أن تحافظ عليه بين المصالح في المنطقة والاستقرار الداخلي».
وقال جون ألترمان، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأميركية، الذي يرأس الآن برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن القادة الإيرانيين سيشعرون بالضغط لإظهار دعم ملموس لحركة «حماس»، وليس مجرد إطلاق خطابات رنانة، لكنه حذر من احتمال تطور الأحداث وخروجها عن السيطرة. وأضاف: «بمجرد دخولك هذه البيئة، تحدث أشياء وتكون هناك عواقب لم يكن أحد يريدها... الجميع في حالة تحفز».