أسباب متداخلة تدفع الغربيين لـ«التراخي» في الملف النووي الإيراني

الأوروبيون ملتزمون بعدم إعاقة خطة بايدن في تنفيذ الاتفاق المبرم مع طهران

اجتماع مجلس المحافظين لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
اجتماع مجلس المحافظين لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
TT

أسباب متداخلة تدفع الغربيين لـ«التراخي» في الملف النووي الإيراني

اجتماع مجلس المحافظين لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا الاثنين الماضي (أ.ف.ب)
اجتماع مجلس المحافظين لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» في فيينا الاثنين الماضي (أ.ف.ب)

لا أحد يتوقع حصول «اختراق» بمناسبة اجتماع مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» الذي انطلق الاثنين في فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، لا، بل إن سقف التوقعات «منخفض للغاية» وفق تقدير مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس.

وتتجه الأنظار مجددا نحو واشنطن التي سكبت الماء البارد على همة الراغبين بموقف «قوي» من إيران رغبة منها في إنجاح وتنفيذ اتفاقها الأخير مع طهران الخاص بالإفراج عن خمسة من رهائنها مقابل تمكين طهران من استعادة ستة مليارات دولار من أموالها المجمدة لدى كوريا الجنوبية.

وتلفت هذه المصادر الانتباه إلى عدة عناصر تدل مجتمعة على «الليونة» المستجدة التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع ملف بالغ التعقيد. وجاءت التصريحات التي أدلى بها مدير عام الوكالة الدولية رافاييل غروسي الاثنين بمثابة «مضبطة اتهام» ليس لإيران وحدها وهو أمر «طبيعي وتقليدي» بل وخصوصا للغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

وتلاحظ المصادر المشار إليها أنها «المرة الأولى» التي ينتقد فيها المسؤول الدولي الغربيين علنا وبكلام مباشر. وكانت بذلك تشير إلى قوله إن «هناك نوعا من الاستخفاف بما يحدث (بشأن برنامج طهران النووي)، وهذا الأمر يقلقني لأن المشكلات لا تزال قائمة اليوم كما كانت بالأمس».

والعنصر الثاني يتناول مباشرة واشنطن التي يتهمها غروسي بالتفاوض من «وراء ظهر» الوكالة حيث إن الأخيرة «تعلم بوجود نوع من العملية الثنائية» بخصوص ما تتفاوض عليه طهران وواشنطن. غير أن غروسي يضيف: «لكن فيما يتصل بالجانب النووي، لا نعلم بالضبط ماهية ما يحصل».

والعنصر الثالث يتمثل في امتناع الغربيين عن تقديم مشروع قرار بشأن انعدام التعاون من جانب إيران وتلكؤها عن العمل بما تم الاتفاق عليه في زيارته الأخيرة إلى طهران من نشر كاميرات مراقبة جديدة والحصول على معلومات وافية بشأن موقعين (هما «ورامين» بمدينة آبادة و«تورقوزآباد» بجنوب طهران) تم العثور فيهما على جزيئيات نووية مخصبة صناعيا.

 وأفادت وكالة «إيسنا» الحكومية بأن طهران مستعدة للسماح لمفتشي الوكالة بالوصول إلى الموقعين المذكورين لكن بشرط أن تلتزم الوكالة بإغلاق ملفهما. وعكس كلام غروسي «خيبته» من تراجع الدعم الدولي لمهمته وبالتالي عجزه عن التأكيد بشكل قاطع على أن برنامج طهران سلمي الطابع.  

تقول المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس إن الدول الأوروبية الثلاث «تعي» حرص الرئيس الأميركي جو بايدن على تنفيذ الاتفاق المبرم مؤخرا مع طهران قبل عام من الانتخابات الرئاسية لحاجته الماسة لتحقيق «نجاح ما» في الملف النووي الإيراني الذي سعى لإغلاقه منذ أن وصل إلى البيت الأبيض. لكن تبين له ولفريقه أنه لن ينجز قبل فترة بعيدة.

لكن هذه الدول وعلى رأسها فرنسا لا تتردد في التعبير عن «غيظها من الأحادية الأميركية» إذ إن لها 4 رهائن ما زالوا محتجزين في إيران وهم النقابيان سيسيل كوهلر ورفيق دربها جاك باريس ولويس أرنو الذي يعمل في المجال الاستشاري فيما تتكتم باريس على اسم الرابع مع نفيها انتماءه للمخابرات الخارجية الفرنسية.

وأكد مسعود ستايشي، المتحدث باسم السلطة القضائية، أول من أمس اعتقال كوهلر وباريس بتهمة التجسس وإحالتهما على المحاكم المختصة «التابعة للحرس الثوري» معتبرا أن ملفهما «مهم للغاية». وقد اعتقل الشخصان في شهر مايو (أيار) من العام الماضي. ولم يتردد الرئيس إيمانويل ماكرون عن انتقاد «النهج الإيراني» في دول الإقليم بمناسبة الخطاب الذي ألقاه أمام سفراء بلاده عبر العالم نهاية أغسطس (آب) الماضي. كذلك فعلت وزيرة الخارجية كاترين كولونا التي دأبت على اعتبار أن الفرنسيين المعتقلين لدى إيران هم في الواقع «رهائن دولة».

  ولأن «مفتاح» الحل لعقدة الملف النووي موجود في واشنطن التي أطاحت باتفاق صيف العام 2015 عندما قررت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب الخروج منه، فإن الجانب الأوروبي لا يجد مفرا من مراعاة المواقف والمصالح الأميركية التي تريد اليوم «تهدئة» الوضع مع إيران وتمرير المرحلة الانتخابية.

لا تحصر المصادر الدبلوماسية الأوروبية «التراخي» الغربي بموقف واشنطن وحده إذ إنها تعتبر أن طهران «سهلت» هذا التراخي عن طريق لعبها على حبل التخصيب. فقد أفاد تقريران للوكالة الدولية بأن تنامي تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 60 في المائة، وهي الأعلى التي تعترف بها قد «تباطأ» عما كان عليه سابقا. وهذا يعني عمليا أن إيران تواصل التخصيب بالنسبة العالية لكنها توفر لنفسها حجة تمنع الوكالة التابعة للأمم المتحدة والأطراف الفاعلة فيها من توجيه اللوم إليها من خلال بادرة محدودة البعد.

المدير العام لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» رافاييل غروسي في فيينا الاثنين (أ.ف.ب)

يضاف إلى ما سبق أن الغربيين ما زالوا حريصين على تجنب دفع إيران لمزيد من الانخراط إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا بمعنى مقايضة الليونة في الملف النووي مقابل التزام إيران بالامتناع عن الذهاب أبعد مما فعلته حتى اليوم لجهة دعم المجهود الحربي الروسي.

استعادت الكلمة التي ألقيت أول من أمس خلال اجتماعات مجلس المحافظين باسم الاتحاد الأوروبي وبدعم من عدة دول أوروبية لا تنتمي إلى الاتحاد التماهي التام بين انتقادات المدير العام ومآخذ الأوروبيين. وفي أكثر من موضع، عبر هؤلاء عن «القلق العميق» إزاء ما تقوم به طهران نوويا وابتعادها من جهة عن لائحة الضمانات المرتبطة باتفاقية عدم انتشار السلاح النووي وعن التزاماتها المنصوص عليها في اتفاقية العام 2015.

بيد أن هذه الكلمة، رغم أهميتها، لن يكون لها صدى على غرار ما كان يصدر عن الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاقية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) والولايات المتحدة التي لم تبد حماسة لتكرار تجارب سابقة بمناسبة اجتماعات مجلس المحافظين.

وتشدد المصادر الدبلوماسية المذكورة على أن مجلس المحافظين «لو كان جادا في اتباع سياسة حازمة إزاء إيران، لكان لوح بنقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي رغم ما يحيط بخطوة كهذه من مخاطر تصعيدية دبلوماسيا وميدانيا». والحال أن امتناعه «شجع طهران على اتباع سياسة التحدي وفرض الأمر الواقع».

كافة هذه المواضيع لا بد أنها سوف تطرح خلال الزيارة القادمة لغروسي إلى طهران. فقد نقلت وسائل إعلام إيرانية عن محمد إسلامي، رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، تأكيده أن رافاييل غروسي سيزور طهران عقب انتهاء اجتماعات محافظي الوكالة أي مع انتهاء الشهر الحالي. لكن زيارة إضافية للمسؤول الدولي لا تعني بالضرورة أن إيران سوف تلتزم بما رفضت الالتزام به سابقا وبعد زيارات متكررة للمدير العام. 


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي

مدير «الذرية الدولية» يحذر: «هامش المناورة» بشأن النووي الإيراني يتقلص

حذَّر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، من أن «هامش المناورة» بشأن البرنامج النووي الإيراني «بدأ بالتقلص»، وذلك عشية زيارته لطهران.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية إيرانية تمرّ أمام رسمة جدارية على حائط السفارة الأميركية السابقة في طهران الأسبوع الماضي (إ.ب.أ)

إيران تحذّر من «تلغيم» علاقاتها مع الولايات المتحدة

حذّرت إيران من أن توقيت نشر تفاصيل إحباط مؤامرة اغتيال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يهدف إلى «تلغيم» علاقاتها مع الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

محادثات «مهمة للغاية» بين «الذرية الدولية» وإيران مع اقتراب ولاية ترمب

أعلنت إيران زيارة مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، إلى طهران (الأربعاء)؛ لإجراء محادثات تتمحور حول القضايا العالقة بين الطرفين، منذ أمد طويل.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (رويترز)

طهران: تحديات ضخمة تواجه العودة للمفاوضات حول الاتفاق النووي

قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الجمعة، إن العودة إلى طاولة المفاوضات حول الاتفاق النووي تواجه تحديات ضخمة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

صور تكشف مدى إصابة السفير الإيراني في بيروت

السفير الإيراني في بيروت يتحدث إلى وزير الخارجية عباس عراقجي (إرنا)
السفير الإيراني في بيروت يتحدث إلى وزير الخارجية عباس عراقجي (إرنا)
TT

صور تكشف مدى إصابة السفير الإيراني في بيروت

السفير الإيراني في بيروت يتحدث إلى وزير الخارجية عباس عراقجي (إرنا)
السفير الإيراني في بيروت يتحدث إلى وزير الخارجية عباس عراقجي (إرنا)

نشرت وسائل إعلام إيرانية صوراً تظهر مدى إصابة السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني، الذي طالته تفجيرات «البيجر» التي استهدفت عناصر من «حزب الله» في سبتمبر (أيلول) الماضي.

وقبل عودته إلى لبنان، وزّعت صور للسفير أظهرت إصابته في العين اليمنى، واليد اليسرى، بعد إجلائه ضمن رحلة شملت عشرات المصابين في تفجيرات «البيجر». وقد قدمت السلطات الإيرانية روايات متباينة بشأن الحالة الصحية للسفير.

وتعود آخر صور منشورة لمجتبى في المستشفى إلى 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على هامش لقائه مع محسن قمي، ممثل المرشد الإيراني علي خامنئي الذي زاره هناك.

وظهر السفير وقتها بجزء من وجهه، كما أخفى اليدين وبقية أجزاء جسمه، بعد أن نفت طهران إصابة عينه، وأكدت تضرر يديه بتفجير جهاز «البيجر» الذي كان يستعمله.

وذكرت وكالة «إرنا» الرسمية أن السفير التقى وزير الخارجية عباس عراقجي، قبل توجهه مجدداً إلى بيروت لاستئناف مهامه.

السفير الإيراني لدى لبنان يتحدث إلى وزير الخارجية عباس عراقجي قبل التوجه إلى بيروت (إرنا)

ونقلت الوكالة عن عراقجي قوله إنه «يجب اتخاذ جميع التدابير اللازمة، واستخدام الإمكانات السياسية والدولية لوقف الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد لبنان بشكل فوري».

ووجه عراقجي «التعليمات اللازمة» للسفير الإيراني في بيروت بخصوص الفترة المقبلة، وفقاً للوكالة.

وفي بداية الأمر، عزا مسؤولون إيرانيون إصابة مجتبى إلى تفجير جهاز نداء بيد أحد أعضاء فريق حمايته، ووصفوا جروحه بـ«السطحية».

وبعد نقله إلى طهران، ذكرت تقارير إيرانية أنه خضع لعملية جراحية استمرت خمس ساعات، مشيرة إلى أن الأطباء أعربوا عن أملهم أن يُشفى خلال أشهر.

وكان الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، قد زار مجتبى في مستشفى «الفارابي» لطب العيون، ما عزّز التقارير التي تحدثت عن إصابته في العين.

وبعدها أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن مجتبى أجرى عملية جراحية بسيطة في عينه، وأنه سيعود إلى أداء عمله بعد انقضاء العلاج والنقاهة.

وفي مطلع أكتوبر الماضي، أرسل وزير الخارجية عباس عراقجي دبلوماسياً رفيعاً إلى بيروت لملء فراغ مجتبى، معلناً عن تعيين الدبلوماسي محمد رضا شيباني، في مهمة المبعوث الخاص في منطقة «غرب آسيا».

وكان شيباني سفيراً سابقاً لإيران لدى لبنان وسوريا وتونس، ومساعداً لوزير الخارجية في الشؤون العربية - الأفريقية.

ويطلق المسؤولون الإيرانيون تسمية «غرب آسيا»، على العراق ودول بلاد الشام.