مسيرة صمت ضد العنف لنقل «وجع العرب» إلى المجتمع اليهودي

أولمرت وجنرال سابق ونواب يتهمون حكومة نتنياهو بإهمال متعمد

توابيت رمزية يحملها عرب إسرائيل في تل أبيب احتجاجاً على جرائم العنف بالمجتمع العربي (أ.ف.ب)
توابيت رمزية يحملها عرب إسرائيل في تل أبيب احتجاجاً على جرائم العنف بالمجتمع العربي (أ.ف.ب)
TT

مسيرة صمت ضد العنف لنقل «وجع العرب» إلى المجتمع اليهودي

توابيت رمزية يحملها عرب إسرائيل في تل أبيب احتجاجاً على جرائم العنف بالمجتمع العربي (أ.ف.ب)
توابيت رمزية يحملها عرب إسرائيل في تل أبيب احتجاجاً على جرائم العنف بالمجتمع العربي (أ.ف.ب)

في حملة شعبية واسعة، بلغت أوجها في نصب خيمة أمام مكاتب الحكومة في القدس، و«مسيرة الموت» في تل أبيب، حاولت منظمات المجتمع المدني في المجتمع العربي بإسرائيل نقل الوجع الأليم الذي يعانيه من جراء استشراء الجريمة المنظمة، ليشعر به المجتمع اليهودي وينضم إلى الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو، بغية تحركها وتفعيل الشرطة للقيام بواجبها.

وقال سليمان العمور، المدير العام لمنظمة «أجيك» في النقب، إن ما يحدث في المجتمع العربي بإسرائيل ليس له مثيل في العالم. فهناك دولة قوية ذات أجهزة أمن خطيرة، تنفذ عمليات دقيقة وراء الحدود، «لكنها لا تفكك رموز جرائم قتل تحت أنفها»، وإنها تترك جمهوراً من مليوني نسمة عرضة لانفلات منظمات الجريمة، فلا يستطيع المرء أن يخرج من بيته بشكل آمن. وحتى في ساحة البيت يمكن أن يقتل من دون ذنب. «يجب أن يتوقف هذا الإهمال ويوضع حد لمظاهر جباية الإتاوات وتصفية الحسابات الدموية، وغيرها من مظاهر العنف والجريمة».

شابات فلسطينيات من إسرائيل يحملن لافتات تمثل هوية ضحايا العنف من النساء (مبادرة المسيرة)

وكانت «مسيرة الموت»، قد انطلقت لمدة ساعتين ليلة الأحد - الاثنين في تل أبيب، بمبادرة موقع ومؤسسة «بكرا» الإعلامية في الناصرة، والمنتدى الجماهيريّ الشعبي والقطري، وبمشاركة 15 جمعية عربية من مختلف أنحاء البلاد، في أعقاب مضاعفة عدد ضحايا جرائم العنف في السنة الحالية.

وحسب شرطة تل أبيب، شارك ما يقرب من 20 ألف شخص في المسيرة، بينهم نحو 8 آلاف يهودي. وبرز بين المشاركين رئيس الوزراء الأسبق، إيهود أولمرت، ووزير القضاء الأسبق، مئير شطريت، ورئيسا كتلة الجبهة والعربية والتغيير، أيمن عودة وأحمد الطيبي، وجميع نواب القائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية، بقيادة النائب منصور عباس، ونائب وزير الأمن الداخلي السابق، يوآف سيجالوفتش، وعدد من رؤساء البلديات العربية.

لافتة تتهم الوزير المتطرف بن غفير بإهمال الجريمة في المجتمع العربي (مبادرة المسيرة)

وأجمع المشاركون في الاحتجاج على أن الحكومة الإسرائيلية تهمل موضوع الجريمة بشكل متعمد. وقال سيجالوفتش، الذي كان يرأس لجنة حكومية لمكافحة العنف والجريمة المنظمة في الحكومة السابقة: «هناك خطة كنا بدأنا بالعمل على تنفيذها ونجحنا في تخفيض عدد الضحايا وزيادة عدد المعتقلين من المجرمين، ولكن حكومة نتنياهو سلمت هذا الملف إلى وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي يحمل آراء عنصرية ضد العرب تجعله يهمل الموضوع، ولديه رئيس حكومة لا يحرك المسألة حتى لا يصطدم بحلفائه المتطرفين».

وقال المدير العام السابق لوزارة الأمن الداخلي، تومر لوطن، إنه جاء ليشارك في المسيرة من باب تعاطفه وتضامنه مع مأساة المواطنين العرب وقناعته بأن إهمالها سيلحق ضرراً خطيراً بإسرائيل كلها.

توابيت متلاحقة

وكانت المسيرة قد تميزت بالصمت، وتقدمتها مجموعة من الشباب يرتدون الزي الأبيض ويحملون نعوشاً بعدد ضحايا الجريمة منذ مطلع السنة. وكانوا عندما بدأوا الإعداد للمسيرة، قبل أسبوعين، صنعوا 125 تابوتاً. لكن عدد القتلى زاد في أثنائها وبلغ 140، فصنعوا المزيد. وفي يوم المسيرة نفسها قتل مواطن آخر، فصنعوا على الفور التابوت 141.

وقد كتب على كل تابوت جملة من وحي حياة القتيل، مثل «كنت مخطط أعمل ترميم للبيت»، و«سيدة أعمال»، و«كان بدي أدخل الصف الأول»، و«اليوم أنا. والله أعلم على مين الدور في القتل القادم»، و«كان رايح يشتري الخبز لأولاده»، و«أم رضيع»، وغيرها.

أسر الضحايا العرب في مسيرة بتل أبيب يحملون صور من فقدوهم بجرائم العنف (أ.ف.ب)

ثم سارت مئات الصبايا بالأبيض. وسارت مجموعات من العائلات الثكلى بالزي الأسود برفقتها ألوف المتظاهرين الذين حملوا شعارات معبرة مثل «الحياة قصيرة وحياة العربي قصيرة أكثر»، و«أوقفوا سفك الدماء»، و«وظائف وسكن لا قمع وتمييز»، و«نظام التمييز والإهمال والفقر يجلب جريمة منظمة»، و«ع المكشوف ع المكشوف، الشرطة ما بدها تشوف»، و«حياة»، و«بديش أكون الضحية الجاي»، و«إذا لم تدفع، ستموت»، وغيرها.

وقال موقع «بكرا» إن هدف المسيرة محاولة تحويل هذه القضية إلى أهم القضايا في إسرائيل، «وبالتالي الضغط على متخذي القرارات وإسماع صوت رافض للعنف، يرتقي إلى حجم المأساة ويُسمع أصوات الأحياء الذين باتوا يخشون من العنف الذي يطال كل منزل وكل فرد في مجتمعنا».

خيمة احتجاج

من جهة ثانية، أقامت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، التي قاطعت هذه المسيرة، خيمة احتجاج منفصلة ضد العنف ومجمل السياسة العنصرية للحكومة. واختارت إقامتها في نفس يوم المسيرة أمام مكاتب الحكومة في القدس وستستمر حتى نهاية الأسبوع.

يذكر أن نتائج استطلاع رأي، نشر في إسرائيل، يدل على أن السكان العرب يعانون أكثر من اليهود من الاكتئاب والقلق، ويفكرون بطلب المساعدة النفسية على أثر موجة العنف والجريمة. وهناك إجماع بين العرب واليهود على عدم قدرة الدولة على مواجهة العنف. واتضح من النتائج أن 44 في المائة من العرب يخشون على سلامتهم بدرجة كبيرة حتى كبيرة جداً، مقابل 30 في المائة فقط من اليهود يشعرون بذلك، وأن العنف في المجتمع يثير خوفاً وقلقاً لدى 66 في المائة من العرب، مقابل 63 في المائة من اليهود. فيما يعاني 34 في المائة من العرب من الاكتئاب بسبب هذه الظاهرة، مقارنة بنسبة 28 في المائة فقط من اليهود.

كما اتضح من الاستطلاع أنّ أكثر من خمس المواطنين قد غيّروا من نمط الحياة الخاص بهم. 71 في المائة من العرب يَعمدون إلى تقليص أوقات وجودهم في الأماكن العامّة، يقابلهم 53 في المائة فقط من اليهود ممن يفعلون ذلك. 71 في المائة من المشاركين من السكان العرب يمتنعون عن زيارة البلدات التي حصلت فيها حوادث قتل العام الماضي، تقابلهم نسبة 63 في المائة من المشاركين اليهود. 21 في المائة من العرب يفكّرون بالتوجه لطلب مساعدة نفسيّة في أعقاب موجة العنف، مقارنة بـ13 في المائة فقط من اليهود.

وقال 47 في المائة من المستطلعة آراؤهم إن السلطة الإسرائيلية ليست قادرة على مكافحة العنف، أو إنّ لديها قدرة على ذلك بدرجة متدنيّة فحسب، و23 في المائة يؤمنون بأنها قادرة بدرجة متوسطة، و24 في المائة فقط يؤمنون بأنها قادرة إلى حدٍّ كبير حتى كبير جداً.

وقالت رئيسة جمعية «أطباء لحقوق الإنسان»، د. لينا قاسم حسان، إن «الوضع، اليوم، هو نتيجة لتجاهل الحكومة المتعمَّد لكلّ ما يحدث في المجتمع العربي، بما في ذلك الجريمة المنظَّمة، التي تنامت على مر السنين، وألقت بالرّعب على الجميع».


مقالات ذات صلة

يومياً... 3 من بين كل 5 أطفال يتعرضون للعنف الأسري

يوميات الشرق العنف يشمل الضرب من قبل أفراد الأسرة والتعرض للترهيب في المدرسة (أ.ف.ب)

يومياً... 3 من بين كل 5 أطفال يتعرضون للعنف الأسري

أعلنت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الخميس)، أن هناك مئات الملايين من الأطفال، وفي سنِّ المراهقة بأنحاء العالم يواجهون العنف يومياً في منازلهم ومدارسهم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شؤون إقليمية نساء يرفعن لافتات تطالب ابلعودة إلى اتفاقية إسطنبول لمنع العنف ضد المرأة في مظاهرة في إسطنبول (إعلام تركي)

تركيا تحجب منصة «ديسكورد» بعد الإشادة بجريمة قتل بشعة لشابتين

حجبت السلطات التركية الوصول إلى منصة الدردشة الأميركية «ديسكورد»، بعد انتقادات شديدة بسبب تعبير مستخدمين لها عن فرحتهم بجريمة قتل مزدوجة ارتكبها شاب في إسطنبول.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
صحتك غالباً ما يشعر الآباء بالمسؤولية عن سلوك أطفالهم ورفاهيتهم حتى في مرحلة البلوغ (ياهو نيوز)

لماذا يسمح بعض الآباء لأبنائهم بـ«عدم احترامهم»؟

قد يقبل الآباء والأمهات سلوكاً غاضباً وعنيفاً من أبنائهم... فما هو التفسير النفسي؟

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق إدراك أهمية دور الوالد في فهم معاناة أطفاله يمكن أن يساعد على اجتياز المحادثات الصعبة (رويترز)

5 اتهامات «جارحة» يقولها الأطفال لآبائهم... وكيفية الرد عليها

قد يكون الانتقال إلى مرحلة البلوغ أمراً صعباً، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون عدم الاستقرار المالي أو النكسات الشخصية أو مشكلات الصحة العقلية.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي العاصمة المصرية القاهرة (رويترز)

اتهام امرأة بحرق زوجها يُعيد الحديث عن «جرائم العنف الأُسري» في مصر

جددت حادثة اتهام سيدة مصرية بحرق زوجها بـ«الزيت المغلي» وهو نائم، عقاباً على «خيانته لها»، الحديث عن «جرائم العنف الأُسري» في مصر.

محمد عجم (القاهرة)

محكمة تايلاندية ترفض دعوى ضد شركة إسرائيلية تنتج برنامج «بيغاسوس» لاختراق الهواتف

كلمة «بيغاسوس» تظهر على هاتف ذكي موضوع على لوحة مفاتيح في هذه الصورة التوضيحية الملتقطة في 4 مايو 2022 (رويترز)
كلمة «بيغاسوس» تظهر على هاتف ذكي موضوع على لوحة مفاتيح في هذه الصورة التوضيحية الملتقطة في 4 مايو 2022 (رويترز)
TT

محكمة تايلاندية ترفض دعوى ضد شركة إسرائيلية تنتج برنامج «بيغاسوس» لاختراق الهواتف

كلمة «بيغاسوس» تظهر على هاتف ذكي موضوع على لوحة مفاتيح في هذه الصورة التوضيحية الملتقطة في 4 مايو 2022 (رويترز)
كلمة «بيغاسوس» تظهر على هاتف ذكي موضوع على لوحة مفاتيح في هذه الصورة التوضيحية الملتقطة في 4 مايو 2022 (رويترز)

ألغت محكمة تايلاندية، اليوم (الخميس)، دعوى قضائية رفعها ناشط مؤيد للديمقراطية قال فيها إن برنامج التجسُّس الذي أنتجته شركة تكنولوجيا إسرائيلية تم استخدامه لاختراق هاتفه.

وقالت المحكمة المدنية في بانكوك إن جاتوبات بونباتاراراكسا فشل في تقديم دليل كافٍ على أن هاتفه قد تم اختراقه ببرنامج «بيغاسوس» الذي تنتجه شركة «إن إس أو» للتقنيات.

وادعى جاتوبات، المعروف أيضاً باسم «باي داو دين»، أن شركة «إن إس أو» انتهكت حقوقه الدستورية وحقوق نشطاء آخرين بتسهيل استخدام برنامج «بيغاسوس» لاستهدافهم واستخراج بيانات من أجهزتهم، وفق «أسوشييتد برس».

وكان قد ادعى أن هاتفه قد تم اختراقه 3 مرات في عام 2021، وهي فترة شهدت احتجاجات واسعة النطاق ضد الحكومة، بما في ذلك مطالب غير مسبوقة لإصلاح النظام الملكي القوي في تايلاند.

ورحَّبت شركة «إن إس أو» بالحكم، قائلة إنه يؤكد «عدم وجود أدلة تدعم الادعاءات ضد شركتنا».

وقال المتحدث باسم الشركة، جيل لاينر، في رسالة إلكترونية إلى وكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «نحن ملتزمون بالاستخدام المسؤول لتقنياتنا التي يتم توفيرها حصرياً للوكالات الحكومية من أجل منع الجرائم الخطيرة والإرهاب».

وأضاف: «تعمل شركة (إن إس أو) تحت أطر تنظيمية صارمة ومعايير أخلاقية، وسنواصل التعاون مع السلطات لضمان استخدام منتجاتنا بشكل قانوني وفعال».