3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في يوم مناهضة العنف ضد المرأة: سيّدة تُقتل كل 10 دقائق على يد فرد من عائلتها

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
TT

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)
في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

كل 10 دقائق تُقتل امرأةٌ عمداً في هذا العالم، على يد شريكها أو أحد أفراد عائلتها. هذا ليس عنواناً جذّاباً لمسلسل جريمة على «نتفليكس»، بل هي أرقام عام 2023، التي نشرتها «هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة» عشيّة اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، الذي يحلّ في 25 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام.

ليس هذا تاريخاً للاحتفال، إنما للتذكير بأنّ ثلثَ نساء العالم يتعرّضن للعنف الجسدي، على الأقل مرة واحدة خلال حياتهنّ، وذلك دائماً وفق أرقام الهيئة الأمميّة. وفي 2023، قضت 51100 امرأة جرّاء التعنيف من قبل زوجٍ أو أبٍ أو شقيق.

كل 10 دقائق تُقتَل امرأة على يد شريكها أو فرد من عائلتها (الأمم المتحدة)

«نانسي» تخلّت عن كل شيء واختارت نفسها

من بين المعنَّفات مَن نجونَ ليشهدن الحياة وليروين الحكاية. من داخل الملجأ الخاص بمنظّمة «أبعاد» اللبنانية والحاملة لواء حماية النساء من العنف، تفتح كلٌ من «نانسي» و«سهى» و«هناء» قلوبهنّ المجروحة لـ«الشرق الأوسط». يُخفين وجوههنّ وأسماءهنّ الحقيقية، خوفاً من أن يسهل على أزواجهنّ المعنّفين العثور عليهنّ.

جسدُ «نانسي» الذي اعتادَ الضرب منذ الطفولة على يد الوالد، لم يُشفَ من الكدمات بعد الانتقال إلى البيت الزوجيّ في سن الـ17. «هذا التعنيف المزدوج من أبي ثم من زوجي سرق طفولتي وعُمري وصحّتي»، تقول الشابة التي أمضت 4 سنوات في علاقةٍ لم تَذُق منها أي عسل. «حصل الاعتداء الأول بعد أسبوع من الزواج، واستمرّ بشكلٍ شبه يوميّ ولأي سببٍ تافه»، تتابع «نانسي» التي أوت إلى «أبعاد» قبل سنتَين تقريباً.

تخبر أنّ ضرب زوجها لها تَركّزَ على رأسها ورجلَيها، وهي أُدخلت مرّتَين إلى المستشفى بسبب كثافة التعنيف. كما أنها أجهضت مراتٍ عدة جرّاء الضرب والتعب النفسي والحزن. إلا أن ذلك لم يردعه، بل واصل الاعتداء عليها جسدياً ولفظياً.

غالباً ما يبدأ التعنيف بعد فترة قصيرة من الزواج (أ.ف.ب)

«أريد أن أنجوَ بروحي... أريد أن أعيش»، تلك كانت العبارة التي همست بها «نانسي» لنفسها يوم قررت أن تخرج من البيت إلى غير رجعة. كانا قد تعاركا بشدّة وأعاد الكرّة بضربها وإيلامها، أما هي فكان فقد اختمر في ذهنها وجسدها رفضُ هذا العنف.

تروي كيف أنها في الليلة ذاتها، نظرت حولها إلى الأغراض التي ستتركها خلفها، وقررت أن تتخلّى عن كل شيء وتختار نفسها. «خرجتُ ليلاً هاربةً... ركضت بسرعة جنونيّة من دون أن آخذ معي حتى قطعة ملابس». لم تكن على لائحة مَعارفها في بيروت سوى سيدة مسنّة. اتّصلت بها وأخبرتها أنها هاربة في الشوارع، فوضعتها على اتصالٍ بالمؤسسة التي أوتها.

في ملجأ «أبعاد»، لم تعثر «نانسي» على الأمان فحسب، بل تعلّمت أن تتعامل مع الحياة وأن تضع خطة للمستقبل. هي تمضي أيامها في دراسة اللغة الإنجليزية والكومبيوتر وغير ذلك من مهارات، إلى جانب جلسات العلاج النفسي. أما الأهم، وفق ما تقول، فهو «أنني أحمي نفسي منه حتى وإن حاول العثور عليّ».

تقدّم «أبعاد» المأوى والعلاج النفسي ومجموعة من المهارات للنساء المعنّفات (منظمة أبعاد)

«سهى»... من عنف الأب إلى اعتداءات الزوج

تزوّجت «سهى» في سن الـ15. مثل «نانسي»، ظنّت أنها بذلك ستجد الخلاص من والدٍ معنّف، إلا أنها لاقت المصير ذاته في المنزل الزوجيّ. لم يكَدْ ينقضي بعض شهورٍ على ارتباطها به، حتى انهال زوجها عليها ضرباً. أما السبب فكان اكتشافها أنه يخونها واعتراضها على الأمر.

انضمّ إلى الزوج والدُه وشقيقه، فتناوبَ رجال العائلة على ضرب «سهى» وأولادها. نالت هي النصيب الأكبر من الاعتداءات وأُدخلت المستشفى مراتٍ عدة.

أصعبُ من الضرب والألم، كانت تلك اللحظة التي قررت فيها مغادرة البيت بعد 10 سنوات على زواجها. «كان من الصعب جداً أن أخرج وأترك أولادي خلفي وقد شعرت بالذنب تجاههم، لكنّي وصلت إلى مرحلةٍ لم أعد قادرة فيها على الاحتمال، لا جسدياً ولا نفسياً»، تبوح السيّدة العشرينيّة.

منذ شهرَين، وفي ليلةٍ كان قد خرج فيها الزوج من البيت، هربت «سهى» والدموع تنهمر من عينَيها على أطفالها الثلاثة، الذين تركتهم لمصيرٍ مجهول ولم تعرف عنهم شيئاً منذ ذلك الحين. اليوم، هي تحاول أن تجد طريقاً إليهم بمساعدة «أبعاد»، «الجمعيّة التي تمنحني الأمان والجهوزيّة النفسية كي أكون قوية عندما أخرج من هنا»، على ما تقول.

في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة تحث الأمم المتحدة على التضامن النسائي لفضح المعنّفين (الأمم المتحدة)

«هناء» هربت مع طفلَيها

بين «هناء» ورفيقتَيها في الملجأ، «نانسي» و«سهى»، فرقٌ كبير؛ أولاً هي لم تتعرّض للعنف في بيت أبيها، ثم إنها تزوّجت في الـ26 وليس في سنٍ مبكرة. لكنّ المشترك بينهنّ، الزوج المعنّف الذي خانها وضربها على مدى 15 سنة. كما شاركت في الضرب ابنتاه من زواجه الأول، واللتان كانتا تعتديان على هناء وطفلَيها حتى في الأماكن العامة.

«اشتدّ عنفه في الفترة الأخيرة وهو كان يتركنا من دون طعام ويغادر البيت»، تروي «هناء». في تلك الآونة، كانت تتلقّى استشاراتٍ نفسية في أحد المستوصفات، وقد أرشدتها المعالجة إلى مؤسسة «أبعاد».

«بعد ليلة عنيفة تعرّضنا فيها للضرب المبرّح، تركت البيت مع ولديّ. لم أكن أريد أن أنقذ نفسي بقدر ما كنت أريد أن أنقذهما». لجأت السيّدة الأربعينية إلى «أبعاد»، وهي رغم تهديدات زوجها ومحاولاته الحثيثة للوصول إليها والطفلَين، تتماسك لتوجّه نصيحة إلى كل امرأة معنّفة: «امشي ولا تنظري خلفك. كلّما سكتّي عن الضرب، كلّما زاد الضرب».

باستطاعة النساء المعنّفات اللاجئات إلى «أبعاد» أن يجلبن أطفالهنّ معهنّ (منظمة أبعاد)

«حتى السلاح لا يعيدها إلى المعنّف»

لا توفّر «أبعاد» طريقةً لتقديم الحماية للنساء اللاجئات إليها. تؤكّد غيدا عناني، مؤسِسة المنظّمة ومديرتها، أن لا شيء يُرغم المرأة على العودة إلى الرجل المعنّف، بعد أن تكون قد أوت إلى «أبعاد». وتضيف في حديث مع «الشرق الأوسط»: «مهما تكن الضغوط، وحتى تهديد السلاح، لا يجعلنا نعيد السيّدة المعنّفة إلى بيتها رغم إرادتها. أما النزاعات الزوجيّة فتُحلّ لدى الجهات القضائية».

توضح عناني أنّ مراكز «أبعاد»، المفتوحة منها والمغلقة (الملاجئ)، تشرّع أبوابها لخدمة النساء المعنّفات وتقدّم حزمة رعاية شاملة لهنّ؛ من الإرشاد الاجتماعي، إلى الدعم النفسي، وتطوير المهارات من أجل تعزيز فرص العمل، وصولاً إلى خدمات الطب الشرعي، وليس انتهاءً بالإيواء.

كما تصبّ المنظمة تركيزها على ابتكار حلول طويلة الأمد، كالعثور على وظيفة، واستئجار منزل، أو تأسيس عملٍ خاص، وذلك بعد الخروج إلى الحياة من جديد، وفق ما تشرح عناني.

النساء المعنّفات بحاجة إلى خطط طويلة الأمد تساعدهنّ في العودة للحياة الطبيعية (رويترز)

أما أبرز التحديات التي تواجهها المنظّمة حالياً، ومن خلالها النساء عموماً، فهي انعكاسات الحرب الدائرة في لبنان. يحلّ اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في وقتٍ «تتضاعف فيه احتمالات تعرّض النساء للعنف بسبب الاكتظاظ في مراكز إيواء النازحين، وانهيار منظومة المساءلة». وتضيف عناني أنّ «المعتدي يشعر بأنه من الأسهل عليه الاعتداء لأن ما من محاسبة، كما أنه يصعب على النساء الوصول إلى الموارد التي تحميهنّ كالشرطة والجمعيات الأهليّة».

وممّا يزيد من هشاشة أوضاع النساء كذلك، أن الأولويّة لديهنّ تصبح لتخطّي الحرب وليس لتخطّي العنف الذي تتعرّضن له، على غرار ما حصل مع إحدى النازحات من الجنوب اللبناني؛ التي لم تمُت جرّاء غارة إسرائيلية، بل قضت برصاصة في الرأس وجّهها إليها زوجها.


مقالات ذات صلة

رابطة العالم الإسلامي تطلق مبادرة دولية لتعليم الفتيات

الخليج المبادرة تمثّل تحوّلاً نوعيّاً في الانتصار لتعليم الفتيات (واس)

رابطة العالم الإسلامي تطلق مبادرة دولية لتعليم الفتيات

أطلقت رابطة العالم الإسلامي مبادرتها الدولية لـ«تعليم الفتيات في المجتمعات المسلمة»، التي ترعاها الحكومة الباكستانية، وذلك خلال مؤتمر في إسلام آباد.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
العالم الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

عيّن البابا فرنسيس أول امرأة لقيادة إحدى الدوائر الرئيسية في الفاتيكان، وهي راهبة إيطالية ستتولى مكتباً يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم.

«الشرق الأوسط» (الفاتيكان)
المشرق العربي محسنة المحيثاوي (متداولة)

محسنة المحيثاوي... أول امرأة ترأس محافظة السويداء السورية

عيّنت الإدارة الجديدة في سوريا محسنة المحيثاوي محافظاً لمحافظة السويداء جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مصرف سوريا المركزي (متداولة)

سوريا: تكليف امرأة بمنصب حاكم المصرف المركزي لأول مرة

أكدت مصادر سورية، اليوم الاثنين، تكليف ميساء صابرين لتكون أول امرأة بمنصب حاكم مصرف سوريا المركزي، في خطوة تُعد سابقة بتاريخ المصرف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي امرأة شابة تلتقط صورة بعلم «الثورة» السورية في دمشق (أ.ب)

تصريحات مسؤولة في الإدارة السورية الجديدة حول المرأة تثير جدلاً

أثارت تصريحات أدلت بها مديرة مكتب شؤون المرأة في الإدارة السورية الجديدة حول النساء جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وانتقادات من المجتمع المدني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مارك أبو ضاهر... لبناني يوثّق الفن الجميل في دفاتر الذكريات

مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)
مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)
TT

مارك أبو ضاهر... لبناني يوثّق الفن الجميل في دفاتر الذكريات

مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)
مارك أبو ضاهر يحمل مجموعات من ملصقات يطبعها على دفاتر (الشرق الأوسط)

تستوقفك هواية مارك أبو ضاهر وأنت تتجوّل في «سوق الطيب» في شارع مار مخايل. فهذه السوق المزدحمة بمنتجات محلية تُخصص أقساماً للفن والإبداع.

ومارك من اللبنانيين الذين يقفون يوم السبت من كل أسبوع في أحد أركان هذه السوق، مجبولاً بذكريات لبنان والفن الجميل يعرض أعماله المرتكزة على ملصقات أفلام قديمة، وكذلك على إعلانات تجارية لمنتجات لبنانية، ولعمارات تراثية تعود إلى الثلاثينات.

أما المهمّة التي أخذها على عاتقه، فهي إعادة رسم أو طبع تلك الملصقات على مجموعة دفاتر، بينها ما يصلح دفتر مذكرات أو لتدوين مناسبات الأفراح، في حين يشتريها بعضهم لكتابة الملحوظات اليومية.

يجمع أبو ضاهر ملصقات الأفلام منذ 10 سنوات (الشرق الأوسط)

هواية مارك الذي يعمل في مجال الهندسة الغرافيكية ترافقه منذ سنوات طويلة. فلا يوفّر زيارة متاحف ومكتبات ومراكز عروض سينمائية ليحصل عليها.

بعض مقتنياته يصفها بأنها كنوز قديمة كون الحصول عليها عملة نادرة. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أجمع الملصقات والإعلانات التجارية القديمة منذ نحو 10 سنوات. لدي حبّ كبير لفترة لبنان الثقافة والفن في حقبات ماضية، فأبحث عنها في مكتبات قديمة. ومؤخراً دعاني (متحف سرسق) لزيارة مكتبته لأطلّع على مقتنياتها القديمة».

في متحف سرسق وجد إعلانات تجارية تعود إلى الثلاثينات والأربعينات. أما أقدم صور الإعلانات التي يملكها، فتعود إلى شركة «غندور» لصناعة البسكويت في لبنان. «تخيلي أن هذا الإعلان القديم للشركة المذكورة لا يملكها أصحابها. فعندما حظيت به شعرت وكأني ملكت جوهرة ثمينة. فهو مرسوم بالأبيض والأسود، ويتصدره رمز الشركة. كان كناية عن شخص يرتدي الأسود. فهذه الشركة تأسّست في عام 1857. هو التاريخ الذي يحمله الملصق في قسمه الأعلى».

ملصق لأحد أفلام الممثل صلاح تيزاني (أبو سليم) (الشرق الأوسط)

من بين الدفاتر المطبوع عليها رسوم وصور لأفلام قديمة، تلفتك مجموعة «الفيديو كاسيت». فمارك صمّمها واستوحاها من شكل شرائط «في إتش إس» المشهورة في عالم الفيديو كاسيت. يُخيّل لناظرها للوهلة الأولى أنها حقيقية وتعود بك إلى حقبة شهرتها في أواخر السبعينات. ويعلّق مارك أبو ضاهر: «رغبت في ربط هذه الصور القديمة بأدوات كنا نستخدمها قبل التطور الإلكتروني الشاسع الذي نعيشه اليوم. لها معزّة خاصة في قلوبنا، وتذكّرنا بفترة الشباب. يومها كان من يملك جهاز فيديو تسجيلي (في إتش إس) يفتخر به. فهو اختراع سمح لنا بتسجيل ذكرياتنا بالصورة والصوت، كما أتاح لنا نقل الشرائط السينمائية إلى بيوتنا. كنا نجتمع مع الأصدقاء أو أفراد العائلة الواحدة نستمتع بمشاهدتها».

يملك مارك أبو ضاهر مجموعة كبيرة من الملصقات القديمة، بينها ما يعود إلى ملصقات (بوستر أفلام)، وبطلها الممثل اللبناني صلاح تيزاني المشهور بـ«أبو سليم». تقرأ أسماء الممثلين المشاركين في الفيلم «أبو سليم في المدينة»، تجد من بينهم كوستي وكواكب وقوت القلوب. وعلى ملصق آخر نرى صورة لفيلم «بيّاع الخواتم» لفيروز من إخراج يوسف شاهين. وفي ملصق آخر تطالعك صورة الراحلة سعاد حسني في فيلمها «خلّي بالك من زوزو».

ملصق فيلم «خلي بالك من زوزو» على واحد من مطبوعات أبو ضاهر (الشرق الأوسط)

تتألف مجموعة أبو ضاهر أيضاً من صور فنادق ومراكز تجارية قديمة، فتستوقفك صورة غلاف لدفتر تحمل رسماً لفندق «الحمراء»، وأخرى لفندق «ريجينت». المبنيان صارا من الماضي، بعد أن هُدِما، وكذلك صورة مبنى «برج المرّ» وعمره من عمر الحرب اللبنانية.

ويشرح أبو ضاهر: «إنه من العمارات القديمة القليلة التي لا تزال تنتصب وسط العاصمة، بُنِيَ في أوائل السبعينات، فشكّل بهندسته وارتفاعه معلماً مختلفاً في لبنان. وهو يتألف من 34 طابقاً بٌنيت على عقار يملكه الوزير الراحل ميشال المر، فرغبتُ في إضافته إلى مجموعتي لقيمته الرفيعة في الهندسة المعمارية بلبنان في تلك الآونة».

تطول لائحة الفنادق وصالات السينما التي أعاد رسمها مارك أبو ضاهر. ويُعدُّها ذكرى تكريمية لحقبة لبنان الذهبية في عالمَي الثقافة والفن. وكما مبنى «الكابيتول» كذلك مبنى فندق «بالم بيتش». أما الصورة التي يعرضها باعتزاز فتعود إلى عمارة «صوفيل - أمبير» في أسواق بيروت القديمة. «إنها من الصور الأحب إلى قلبي لأني أهوى مشاهدة العمارات القديمة في بيروت. ومن خلال أبحاثي عن ملصقات وصور قديمة حظيت بصورة لمبنى سينما (أمبير) المشهورة بـ(صوفيل) وسط العاصمة. وهي تُعدّ نادرة حتى أن ورثتها لا يملكون هذه الصورة. وقد رسمت المبنى من جديد ليبدو متألقاً كما عهدناه سابقاً».

10 سنوات من البحث أمضاها مارك أبو ضاهر يلحق بهذه الصّور فجمع نحو 300 منها. بعضها كما يقول اقتطعها من مجلات قديمة، من بينها «الشبكة»، وبعضها الآخر لفتته في معارض تشكيلية، أو في صحف معروضة في «سوق الأحد». أعاد رسم نحو 70 صورة وهو يُجدّد رسوماته بين وقت وآخر كي يضمّ إليها جرعة ذكريات أخرى. ويختم لـ«الشرق الأوسط»: «هناك لبنانيون يهتمون كثيراً بهذه الذكريات، فيشترون هذه الدفاتر ويقدمونها هدية لمن يحبّون. أفرح عندما يسألني أحد الزبائن عن صورة لعمارة أو ملصق فيلم معين ويجده عندي. وأرغب في أن أوسّع هذه الذاكرة لأوثّق أكبر قدر منها على دفاتري».