تعزيز القوات الأميركية في الخليج مؤشر على تفاقم الصراع مع طهران

يظل إبقاء مضيق هرمز مفتوحاً أمام الشحن أولوية لضمان عدم ارتفاع أسعار الطاقة العالمية

حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس باتان» تبحر في المحيط الأطلسي في طريقها إلى الخليج العربي في 20 يوليو 2023 (أ.ب)
حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس باتان» تبحر في المحيط الأطلسي في طريقها إلى الخليج العربي في 20 يوليو 2023 (أ.ب)
TT

 تعزيز القوات الأميركية في الخليج مؤشر على تفاقم الصراع مع طهران

حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس باتان» تبحر في المحيط الأطلسي في طريقها إلى الخليج العربي في 20 يوليو 2023 (أ.ب)
حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس باتان» تبحر في المحيط الأطلسي في طريقها إلى الخليج العربي في 20 يوليو 2023 (أ.ب)

يعمل آلاف من جنود مشاة البحرية الأميركية (المارينز) مدعومين بمقاتلات وسفن حربية أميركية متطورة على تعزيز وجودهم ببطء في الخليج العربي، في إشارة إلى أنه بينما قد تنتهي حروب أميركا في المنطقة، فإن صراعها مع إيران بشأن برنامجها النووي المتقدم لا يزال يتفاقم، مع عدم وجود حلول في الأفق، وفق تحليل نشرته وكالة «أسوشيتد برس».

يأتي إرسال حاملة الطائرات الأميركية «باتان» إلى الخليج، إلى جانب مقاتلات «إف - 35 الشبح»، وطائرات حربية أخرى، في الوقت الذي تريد فيه أميركا التركيز على الصين وروسيا.

لكن واشنطن ترى مرة أخرى أنه في حين من السهل الدخول عسكرياً إلى الشرق الأوسط، إلا أنه من الصعب الخروج منها تماماً، خصوصاً أن إيران تواصل تخصيب اليورانيوم، أقرب من أي وقت مضى إلى مستويات الأسلحة بعد انهيار اتفاقها النووي لعام 2015 مع القوى العالمية.

ووفق «أسوشيتد برس» فإنه ليس هناك ما يشير إلى أن الدبلوماسية سوف تُعيد إحياء الاتفاق قريباً، وقد استأنفت إيران في الأسابيع الأخيرة مضايقة والاستيلاء على السفن التي تحاول المرور عبر مضيق هرمز، حيث يمر نحو 20 بالمائة من نفط العالم عبر الممر المائي الضيق الذي يربط الخليج العربي بالعالم الأوسع.

وترى الوكالة أن الخطوة بالنسبة للمتشددين في نظام الحكم الثيوقراطي في طهران، تسلط الضوء على الدول المحيطة بها كجزء من موجة من الاعتداءات المنسوبة إلى إيران منذ عام 2019.

كما أنه كان بمثابة تحذير للولايات المتحدة وحلفائها بأن إيران لديها الوسائل للرد، لا سيما أن العقوبات الأميركية تؤدي إلى الاستيلاء على السفن التي تحمل النفط الخام الإيراني. ومن المرجح أن تكون المخاوف بشأن عملية مصادرة أخرى قد أدت إلى احتجاز سفينة يُزعم أنها تحمل النفط الإيراني قبالة ولاية تكساس، حيث لم تتولَّ أية شركة تفريغ حمولتها بعد.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، يظل إبقاء مضيق هرمز مفتوحاً أمام الشحن أولوية لضمان عدم ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، خصوصاً أن الحرب الروسية الأوكرانية تضغط على الأسواق. وتحتاج بلدان الخليج العربي إلى الممر المائي لنقل نفطها إلى السوق، والقلق بشأن نوايا إيران في المنطقة الأوسع.

طائرة الهليكوبتر من طراز «بايف هوك إتش إتش 60 – ج» تحلق فوق زوارق دورية تابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني في مضيق هرمز ديسمبر الماضي (أ.ب)

عززت هذه المخاوف الوجود الأميركي طويل الأمد في الخليج العربي. ففي العقدين اللذين تليا هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، كانت هناك في بعض الأحيان حاملتا طائرات أميركيتان مختلفتان تجريان دوريات في الخليج لتوفير الطائرات المقاتلة في حربي أفغانستان والعراق، ولاحقاً في المعركة ضد تنظيم «داعش».

لكن ببطء، بدأت وزارة الدفاع الأميركية في تقليص الوجود البحري، تاركة فجوة من عدة أشهر، وأعادت مخاوف بشأن أمن الملاحة وسلوك إيران.

أبحرت حاملة الطائرات «نيميتز» من مضيق هرمز في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 كآخر حاملة طائرات أميركية في الخليج العربي. وقد نُشرت آخر وحدة استطلاعية من مشاة البحرية - عبارة عن أسطول يُقل عناصر من «المارينز»، وطائرات، ومركبات معدة لهجوم برمائي - في نوفمبر 2021.

تغيرت مخاوف واشنطن منذ ذلك الحين؛ فقد حولت الحرب الروسية الأوكرانية بعض التركيز الأميركي إلى أوروبا. تواصل الصين ضغوطها للسيطرة على المزيد من بحر الصين الجنوبي، وقد استجابت البحرية الأميركية لذلك بزيادة الدوريات. وفي الأشهر الأخيرة، شرع الجيش الأميركي مرة أخرى في تعزيز وجوده بالشرق الأوسط. وقد باشر دورية في مضيق هرمز على متنها كبار قادة البحرية الأميركية والبريطانية والفرنسية في المنطقة.

وفي أواخر مارس (آذار)، وصلت طائرات «إيه - 10 ثاندربولت 2» إلى قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات. وأمرت وزارة الدفاع الأميركية بإرسال مقاتلات «إف - 16» والمدمرة الأميركية «توماس هودنر» إلى المنطقة. كما وصلت المقاتلات الشبح «إف - 35 إيه لايتنغ 2» الأسبوع الماضي.

الآن، سيكون للولايات المتحدة جزء من وحدة مشاة البحرية الاستطلاعية في المنطقة للمرة الأولى منذ ما يقرب من عامين. وينتشر آلاف من قوات «المارينز» والبحارة على متن الحاملة «باتان» وسفينة الإنزال «كارتر هول».

طائرات الدعم الاستطلاعية من طراز «إيه 10 ثاندر بولت الثانية» في أثناء التزود بالوقود من طائرة «بوينغ كيه سي - 135» فوق أجواء مضيق هرمز 21 يوليو الماضي (أ.ب)

غادرت تلك السفن نورفولك، بولاية فرجينيا، في 10 يوليو (تموز) في مهمة وصفها البنتاغون بأنها «رد على المحاولات الإيرانية الأخيرة لتهديد التدفق الحر للتجارة في مضيق هرمز والمياه المحيطة به». وكانت الحاملة «باتان» قد عبَرت مضيق جبل طارق إلى البحر المتوسط الأسبوع الماضي في طريقها إلى الشرق الأوسط.          

في حين أن الجيش الأميركي لم يناقش بدقة ما سيفعله مع الوجود المتزايد في المنطقة، إلا أن هذه التحركات قد جذبت انتباه إيران. وفي الأيام الأخيرة، اتصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بنظرائه في كل من الكويت والإمارات ليقول لهم: «يمكننا تحقيق السلام والاستقرار والتقدم في المنطقة من دون وجود الأجانب».

ومن جهته، قال قائد الجيش الإيراني، عبد الرحيم موسوي، إن نشر القوات الأميركية لن يجلب سوى «انعدام الأمن والأضرار» للمنطقة.

وقال موسوي، وفقاً للتلفزيون الإيراني الرسمي: «منذ سنوات، كان الأميركيون يدخلون المنطقة، ويخرجون منها وهم يحملون الأحلام المزيفة، لكن أمن المنطقة لن يستمر إلا بمشاركة دول المنطقة».

كما سعت إيران إلى استعراض صاروخ «أبو مهدي» من طراز «كروز»، الذي كُشف عنه للمرة الأولى عام 2020، والذي يمكن استخدامه لاستهداف السفن في البحر على مسافة 1000 كيلومتر (620 ميلاً).

أطلق على الصاروخ اسم أبو مهدي المهندس القيادي في الحشد الشعبي العراقي، الذي قضى في غارة شنتها طائرة مُسيرة أميركية في بغداد عام 2020 إلى جانب مسؤول العلميات العسكرية والاستخبارات الخارجية في «الحرس الثوري» قاسم سليماني.

كل ذلك يزيد من خطر نشوب صراع، رغم أن عمليات التعزيز الأخيرة للقوات الأميركية في المنطقة لم تسفر عن حرب مفتوحة، بيد أن الجانبين كانا في معركة في الماضي. وفي عام 1988، هاجمت أمريكا اثنتين من منصات النفط الإيرانية المستخدمة للمراقبة العسكرية، وأغرقت أو أتلفت السفن الإيرانية في أكبر معركة بحرية أميركية منذ الحرب العالمية الثانية.

مع توقف الدبلوماسية واستعداد إيران لأن تكون أكثر عدوانية في البحر، يبدو أن الولايات المتحدة تعتمد مرة أخرى على القوة العسكرية لإقناع طهران بالتراجع. ولكن هذا يترك بقية القضايا بينهما خارج البحار مستمرة في التفاقم.


مقالات ذات صلة

سوليفان: إيران قد تطور سلاحاً نووياً بعد انتكاسات إقليمية

شؤون إقليمية مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)

سوليفان: إيران قد تطور سلاحاً نووياً بعد انتكاسات إقليمية

تشعر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالقلق من سعي إيران، التي اعتراها الضعف بعد انتكاسات إقليمية، إلى امتلاك سلاح نووي.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)
شؤون إقليمية أفراد من خدمة الإسعاف الإسرائيلي يشاهدون مكان انفجار صاروخ أطلقه الحوثيون (رويترز)

إسرائيل تحض واشنطن على ضربة مزدوجة لإيران والحوثيين

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب عن جهود حثيثة لإقناع الإدارة الأميركية بوضع خطة لتنفيذ ضربة عسكرية واسعة ومزدوجة تستهدف الحوثيين في اليمن وإيران في الوقت ذاته.

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة نشرها موقع المرشد الإيراني علي خامنئي من لقاء مع أنصاره اليوم

خامنئي: ليس لدينا «وكلاء» في المنطقة

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، إن بلاده ليس لديها «وكلاء» في المنطقة، مشدداً على أنها «ستتخذ أي إجراء بنفسها دون الحاجة إلى قوات تعمل بالنيابة».

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
المشرق العربي اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

تحاول الحكومة الإيرانية استعادة بعض نفوذها مع القادة الجدد في سوريا، حيث تواجه طهران صدمة فقدان سلطتها المفاجئ في دمشق عقب انهيار نظام بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شمال افريقيا وزير الخارجية الإيراني يزور مساجد «آل البيت» في القاهرة (حساب وزير الخارجية الإيراني على «إكس»)

إيران ترسل إشارات جديدة لتعزيز مسار «استكشاف» العلاقات مع مصر

أرسلت إيران إشارات جديدة تستهدف تعزيز مسار «العلاقات الاستكشافية» مع مصر، بعدما أجرى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، جولة داخل مساجد «آل البيت» في القاهرة.

أحمد إمبابي (القاهرة)

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي يُسلّم «اليونيفيل» 7 لبنانيين كان يحتجزهم

جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)
جنود من قوات «اليونيفيل» في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

سلّم الجيش الإسرائيلي، اليوم (الأحد)، قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) 7 لبنانيين كان يحتجزهم، حسبما أفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية، وذلك في ظلّ وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

وقالت الوكالة: «سلّم العدو الإسرائيلي المواطنين المحررين السبعة، الذين كانوا اعتقلوا من قبل العدو بعد وقف إطلاق النار، إلى قوات اليونيفيل عند معبر رأس الناقورة».

وبعد عام من القصف المتبادل، كثّفت الدولة العبرية اعتباراً من 23 سبتمبر (أيلول) غاراتها على معاقل الحزب في جنوب لبنان وشرقه وضاحية بيروت الجنوبية. وفي 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، تمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين، غير أنّهما تبادلا بعد ذلك الاتهامات بانتهاكه.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بوصول «المواطنين السبعة المحرّرين الذين كانوا اعتقلوا من قبل العدو الإسرائيلي إلى مستشفى اللبناني الإيطالي، حيث نقلهم (الصليب الأحمر) اللبناني بسيارته، بمرافقة (الصليب الأحمر) الدولي وقوات اليونيفيل». وأضافت أنّه «بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة، اصطحبت مخابرات الجيش المفرج عنهم إلى مقر المخابرات في صيدا لإجراء التحقيقات».

وأكد متحدث باسم «اليونيفيل» الإفراج عن 7 مدنيين عند موقع القوة التابعة للأمم المتحدة في رأس الناقورة، بالتنسيق مع «الصليب الأحمر» اللبناني واللجنة الدولية للصليب الأحمر. ولم يدلِ الجيش الإسرائيلي بأي تعليق على هذا الأمر.

وأنهى اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تمّ التوصل إليه في 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، أعمالاً عدائية استمرّت أكثر من عام، بما في ذلك حرب شاملة استمرّت شهرين بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» اللبناني المدعوم من إيران.

وينصّ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي حصل برعاية فرنسية أميركية، على انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجياً من لبنان في غضون 60 يوماً، وعلى انسحاب «حزب الله» من جنوب لبنان إلى المناطق الواقعة شمال نهر الليطاني. كما يتمّ إخلاء المناطق اللبنانية الواقعة جنوب نهر الليطاني من أسلحة «حزب الله» الثقيلة، ويتسلّم الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية مواقع الجيش الإسرائيلي و«حزب الله».

وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام، اليوم، بأنّ الجيش الإسرائيلي «قام بعمليات نسف كبيرة في بلدة كفركلا». وأشارت إلى أنّه «فجّر عدداً من المنازل في منطقة حانين في قضاء بنت جبيل»، مستنكرة «اعتداءاته المتكرّرة على القرى الجنوبية المحتلة».

من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي، في بيان، إنّ جنوده «حددوا موقع مجمع قتالي يحتوي على 8 مرافق تخزين أسلحة، ودمّروه وفقاً لوقف إطلاق النار والتفاهمات بين إسرائيل ولبنان».