قراءات المثقفين في الخليج 2023... الرواية والتاريخ أولاً

حمد الرشيدي (السعودية)
حمد الرشيدي (السعودية)
TT

قراءات المثقفين في الخليج 2023... الرواية والتاريخ أولاً

حمد الرشيدي (السعودية)
حمد الرشيدي (السعودية)

كانت السمة عام 2023 بالنسبة لقراءات مجموعة من الأكاديميين والنقاد والروائيين في الخليج اهتمامهم بالقراءات التي تبحث في التاريخ السياسي والأدبي للمنطقة، مع اهتمام بارز في الاطلاع على كتب عالمية، وقراءة الأعمال الأدبية شعراً ورواية. الملاحظ أيضاً العودة للكتب القديمة، سواء فيما يتعلق بتاريخ الفنون قبل الإسلام، أو القراءات الفكرية والأدبية القديمة، ومعها القراءات التي يقصد منها إثراء البحوث، وكتابة الأعمال السردية.

قطر

د. أحمد عبد الملك: تاريخ وروايات

دأبتُ على قراءة الكتب المتنوعة، وإن كانت معظم قراءاتي من الروايات. ومن الأعمال التي قرأتها عام 2023، كتاب: «تاريخ أئمة البوسعيد في عُمان»، تأليف الدكتور الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، وهو بحث علمي رصين، منذ ولاية الشيخ أحمد بن سعيد البوسعيدي والي صحار عام 1734 وحتى وفاة الإمام سعيد بن سلطان عام 1856، بعد أن تمت تسوية النزاعات مع الحكومة البريطانية. وهذا متنٌ مهم كجزء من تاريخ عُمان.

تاريخ أئمة البوسعيد في عُمان

الكتاب الثاني: «قوة النونتشي» للباحثة إيوني هونج، وهو أحدث ما قرأته عن قوة تقييم الإنسان لغيره عبر العين! ويقتربُ النصُ من علم النفس. وتأتي الباحثة مؤلفة الكتاب؛ بنماذج من الحياة العادية لأثر وتأثير قراءة العين للطرف الآخر، وكيف يفشل البعضُ في تقييم الآخرين، كما تأتي الباحثة بمثال عن تدنّي قوة «النونتشي» لدى النرجسيين وافتقارهم إلى هذه القوة، مما يكشفهم لدى الآخرين.

الكتاب الثالث: «يوميات ساخرة لخائف كورونا» لكامل النصيرات. والكتابة الساخرة، كما هو معروف، نوع صعبُ من الكتابة، وتحتاجُ إلى دقة في الملاحظة، ومراعاة تأثير وتفسير هذا النوع من الكتابة. كما أن هذا النوع من الكتابة يداعب جانب المرح لدى القارئ.

الكتاب الرابع: رواية «الحرب» لمحمد اليحيائي، الرواية الفائزة بجائزة «كتارا» للرواية العربية عام 2023، وهي ترصد أحداثاً في عُمان، وتجربة حرب ما قبل الاستقلال، وحفلت الرواية بعدد غير قليل من المُساعدات السردية الجميلة، وتاريخ المنطقة، وملامح الصراع مع الإنجليز ومن والاهُم.

والكتاب الخامس، رواية «نادي السيارات» لعلاء الأسواني، وهي رواية تبدأ باستهلال عن لقاء (كارل بنز) بـ(بيرتا) عام 1872 في مدينة (مانهايم) الألمانية، وفي الكنيسية يقسم لها بأنه يريد الزواج منها. وما (كارل) إلا صاحب سيارات «مرسيدس بنز» الألمانية. في الفصل الثاني يدخل المؤلف حياةَ (رقية) وزوجها (عبد العزيز)، وحواراتها مع صديقتها (نوال) زوجة (عبد العال) كبير ناس البلم. كان نادي السيارات يشكل معقل الطبقة الراقية، ويعالج فيه الكاتب قضية الفروقات الاجتماعية، والتباين الطبقي. رسائل مهمة في الرواية، تنطبق على حياتنا هذه الأيام.

الكتاب السادس، رواية «الوعد»، للكاتب القطري الشاب ناصر يوسف، وتُعالج الروايةُ مفاهيمَ اجتماعية تتمثل في قضية (وعد) الأخ لأخيه بخطبة ابنته لابنه، حيث تدور حوادثُ مؤلمة حول عدم انسجام البنت مع ابن عمها، وكانت تحبُّ أخاه وليس هو. وتنتهي الرواية بمقتل العريس على يد أخيه، ويدخل السجن. الكاتب ناصر روائي واعد، ويحتاج إلى تشجيع دائم.

أما الكتابان السابع والثامن، فكان: «كيف تكتب رواية أو قصة قصيرة»، للكاتب: أحمد المنزلاوي، وكذلك كتاب: «مهارات الكتابة والتأليف» للكاتب نفسه، وهي من الكتب الثرية، التي تُعلّم القارئ كيفية الكتابة، خصوصاً في مجال الرواية والقصة القصيرة، ولقد استفدتُ كثيراً من هذين الكتابين، وأعتقد أنه لا بد لأي كاتب للقصة أو الرواية من الاطلاع عليهما، فهما يُعدّان خريطة طريق للكتابة الإبداعية.

«الصمت، لغة المعنى والوجود»

د. حسن الرشيد: روايات ودراسات... وموسيقى

خلال هذا العام تنوعت قراءاتي بين الدراسات الأدبية، والبحوث العلمية، والسيرة الذاتية وغيرها. كما قرأتُ أعمالاً قطرية، لعدد من الكتاب مثل الشاعرين علي عبد الله الأنصاري، والشاعر محمد على المرزوقي، والروائي خلف الخلف، والروائي محمد الجفيري، هذا عدا رواية الدكتورة كلثم جبر الكواري «فريج بن درهم»، بالإضافة إلى كتاب «الجواري والشعر في العصر العباسي»، تأليف الدكتور سهام عبد الوهاب الفريح، وكتاب «الزندقة في دار الإسلام في القرن الثاني للهجرة»، لمؤلف ملحم شكر، وكتاب «حركة بابك الخرمي الدينية والسياسية»، لعبد العزيز آل سعيد، وغيرها من الكتب والدراسات.

حسن الرشيد - (قطر)

كما أتوقف عند كتاب «تاريخ الموسيقى العربية قبل الإسلام» للدكتور عبد الحميد حمام وهو يطرح تساؤلاً مهماً: هل كان للعرب دور في فنّ الموسيقى؟، وما مدى معرفتهم بالموسيقي؟ وهو يجيب بأننا كانت لنا ثقافتنا الموسيقية المرتبطة بالحياة في الشدة والرخاء، في الحضر والبدو، في الحرب والسلم، كما قام بالمسح الجغرافي عبر الجزيرة العربية.

وكذلك كتاب: «الأعمال الصوفية»، لمحمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري، وهو واحد من المتصوفة جمع بين العلم والمعرفة و«الوقفة»، وهي المقولات الأساسية التي ينطوي عليها مذهب النفري، وتخضع لتراتب دقيق، حيث يأتي العلم أولاً، وهو المدخل للمعرفة، والمعرفة مدخلاً للوقفة. والوقفة، في النهاية، هي نور الله الذي لا تجاوره الظلم.

الحارس في حقل الشوفان

ولا بدّ من التوقف عن رواية «إهانة غير ضرورية» تأليف إياد عبد الرحمن، وهى رواية عن المسكوت عنه في الثقافة العربية، وهو موضوع العنصرية. فالكثير تناولوا واقع العبيد منذ عنترة بن شداد وسحيم عبد بني الحسحاس، وثورة الزنج، وتاريخ الرق والعبودية، ورائعة ألكسي هيلي «الجذور»، ورائعة الروائي القطري محمد علي عبد الله؛ «فرج»، وهذه الرواية تأخذ ثيمة العبودية نحو منحى آخر، وهي تصلح للترشح لعمل درامي.

وأختم بكتاب شيّق بعنوان: «الأغنية الشعبية.. مدخل إلى دراستها»، للدكتور أحمد علي مرسي، حيث ‏يمثل هذا الكتاب جولة متنوعة حول الإرث المصري عبر تراث غرف منه أبرز الملحنين على رأسهم العبقري بليغ حمدي.

سلطنة عُمان

د. هلال الحجري: تاريخ عمان وكتب تخصصية

قرأتُ هذا العام طائفة متنوعة من الكتب، أغلبها تخصصية تتعلق باهتماماتي البحثية المتمركزة حول علاقات الغرب بالشرق، وعمان خاصة. من بين هذه الكتب، كتاب صدر في 2013 باللغة الإنجليزية، وعنوانه: «أقلمةُ عُمان» استطاع فيه ستِفن ويبل، وهو أستاذ ألماني متخصص في الاقتصاد ومعنيٌّ بدراسات الأقلمة، خاصة في عُمان والمغرب، أن يجمع باحثين من تخصصات مختلفة من الإعلام، والأنثروبولوجيا الاجتماعية، والدراسات الإسلامية، والدراسات الحضرية، واللسانيات، والسياسة الدولية، والتاريخ، والجغرافيا الاقتصادية، والاقتصاد السياسي، لدراسة عُمان بمنهج جديد يأخذ بالدراسات البينية ويستكشف هذا البلد؛ لا بكونه طَرَفاً معزولاً في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية، وإنما بكونه مركزاً لدينامياتٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ امتدت من شرق أفريقيا مروراً بالمحيط الهندي، وبحر العرب إلى آسيا وأوروبا.

د. هلال الحجري «عُمان»

إنه رؤية بانورامية واسعة تمتح من التاريخ والسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع في دراسة الحركة الفاعلة والديناميات المعقدة للمجتمع والدولة في عُمان، عبر زمان يمتد من القرن السادس عشر إلى الآن، وعبر مكان يمتد من زنجبار إلى الخليج العربي والهند والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من أصقاع العالم.

هكذا استطاع الكتاب أن يخرج من فخ الدراسات التي تنحو إلى تبسيط العالَم وفقَ أطرٍ مسلَّمٍ بها، أو ما يسميه ويبل بـ«الميتاجغرافيَّات الراسخة».

تكمن أهمية الكتاب في تجاوزه للمفاهيم الجغرافية الضيقة وفتحِ المجال لتعددية التخصصات (Multidisciplinarity) من أجل الوصول إلى فهم أوسع للديناميات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي ارتبطت بعُمان لا بصفتها إقليماً محدودَ المعالم «سلطنة عُمان»، وإنما بكونها «إمبراطورية» متعددةَ الأقاليم وعابرةً للقارات والثقافات. تشتغل على ترجمة الكتاب حالياً المترجمة العمانية المتميزة عهود بن خميس المخيني، ولعله يصدر مطلع العام المقبل 2024.

الكويت

بسام المسلم: تاريخ البلد... وروايات

الروائي الكويتي بسام المسلم، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «قراءتي الأخيرة كانت محكومة بالحقبة التي سيتناولها مشروع كتابي القادم، وهي أواخر القرن التاسع عشر إلى العقد الرابع من القرن العشرين، في الخليج وشبه الجزيرة.

بسام المسلم (الكويت)

لذا ضمت قائمة الإعداد للمشروع كتباً عن تاريخ المنطقة، أهمها «تاريخ الكويت» لمؤلفه عبد العزيز الرشيد، وسيرة حياته التي كتبها الدكتور يوسف الحجي، وكتاب «معركة الصريف»، الذي يدرس فيه مؤلفه فيصل السمحان المعركة على ضوء المصادر التاريخية والشفهية، وهو كتاب ممتاز فاز عنه السمحان بجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لأفضل مؤلف عن الكويت 2008. كما اطلعت على «الثقافة في الكويت» للدكتور خليفة الوقيان، وعلى كتاب «الكويت وتاريخها البحري» لأحمد المزيني، وعلى مجموعة من كتب الفنان أيوب حسين، وأخرى متعلقة بالعمل قيد الكتابة.

يضيف المسلم: أما عن قراءتي خارج الإعداد للمشروع، وكانت قليلة، فأذكر منها رواية الأميركي «سالنجر» بعنوان «الحارس في حقل الشوفان» التي ربما تعدّ من كلاسيكيات الأدب الأميركي رغم أني وجدتها قصة سطحية في «أدب البلوغ»، كانت من المبالغة في التقدير أن وصفت بـ «واحدة من أفضل روايات القرن!» حيث اتفق مع رأي الناقد الأميركي المخضرم في صحيفة واشنطن بوست جوناثان ياردلي، المولود في ثلاثينيات القرن، الذي تساءل بالإشارة إلى رواية سالنجر: لماذا يطلب معلمو اللغة الإنجليزية، الذين يتوجب عليهم تعليم الكتابة الجيدة، من الطلاب مراراً وتكراراً قراءة كتاب مكتوب بشكل سيء مثل هذا؟ وقد وجدته تساؤلاً مستحقّاً.

الإمارات

صالحة عبيد: فلسفة وعلم اجتماع

أحاول قدر الإمكان أن تكون قراءاتي منوعة وهي تتراوح بين «السرد»، وهو مجال اختصاصي وتركيزي، يليه «الشعر» لدوره الهام والحيوي في منح اللغة اتساعها، ثم «الفلسفة» و«علم الاجتماع» وأخيراً «السيرة» لما تضيفه من بُعد معرفي هام لكل مشتغل في مجال الكتابة الإبداعية.

صالحة عبيد (الامارات)

هنا أرشح كتاباً عن كل فئة، من خلال قراءاتي لهذا العام.. بداية بالسرد الذي سأختار منه التجربة السردية الفريدة للكاتب السيريلانكي شيهان كارتونتاكا «أقمار ملاي ألميدا السبعة» التي حازت على جائزة البوكر بنسختها البريطانية في عام 2022، وتحملنا هذه التجربة السردية إلى عالم سوريالي وتاريخي ساخر يحاول من خلاله ملاي ألميدا، وهو بطل العمل أن يفتش عن قاتله، وهو شبح في دوائر ما بعد الموت السبعة، وبُعداً بعد آخر تتورط أكثر في ذلك العالم الساخر والساحر والمربك متعرفاً على مرحلة مهمة من تاريخ وحياة الإنسان السيريلانكي.

أما فيما يرتبط بالشعر فأود أن أشير للسلسلة الشعرية الجميلة التي أطلقتها مؤخراً «دار التكوين» السورية تحت عنوان «هي أنت» والمخصصة للتجارب الشعرية النسوية الجديدة في العالم العربي، وشدني من هذه المجموعة «رأس الوعل» لراما وهبة، حيث لا نستطيع اختزال الشعر بملخص ما أو تعريف بقدر ما نصف تجربة هذه المجموعة بالفريدة من نوعها والتي تستحق الاهتمام.

وفي مجال الفلسفة سأذهب إلى فلسفة «آلان واتس» في كتابه «حكمة انعدام الأمن رسالة إلى عصر القلق»، وهو كتاب لافت عن ضرورة أن يحركنا القلق اليوم بدلاً من أن نتفاداه، وهو صادر عن «دار سدرة» الإماراتية للنشر.

وفي مجال الفلسفة هناك كتاب «فلسفة العنف» لإلزا دورلين، وهو تتناول الفلسفة التاريخية للعنف وتراكمها الذي أفضي لعنف العالم المتفجر اليوم، وهو صادر عن «دار الساقي» للنشر بنسخته العربية.

وفي علم الاجتماع والتأريخ الاجتماعي هناك كتاب مهم لديفيد لوبروتون يحمل عنوان: «الصمت، لغة المعنى والوجود»، عن «المركز الثقافي العربي»، وهو يحلل البعد الاجتماعي للصمت ودوره الحيوي في تطور البعد الفكري لإنسان اليوم.

أخيراً في مجال «السيرة الذاتية» سأختار كتاب «نوارة نجم»، وهي تمزج سيرتها بسيرة والدها الشاعر أحمد فؤاد نجم، وذلك في كتابها: «وأنت السبب يابا» لتتناول بشكل مؤثر تلك العلاقة الشائكة والمرتبكة والعاصفة والدافئة أيضاً مع والدها الشاعر الشهير، وهو كتاب صادق جداً ومؤثر لن تتمالك نفسك أمام الدموع فيه في مواضع كثيرة.

السعودية

حمد الرشيدي: روايات وشعر... وتاريخ

قرأتُ هذا العام عشرات الكتب واطلعت على كثير منها، لكن بعض الأعمال الأدبية من شعر ونثر التي اطلعت عليها هذا العام، أو تلك الكتب التي تهتم بالشأن الثقافي العام هي التي استأثرت بنصيب أوفر من اهتمامي وأعجبتني، ولا زالت عالقة في ذهني، وقد كتبتُ عن كثير منها ونشرت بعض ما كتبته عنها، وأذكر منها: رواية «قبل أن يوصد الباب»، لسعد الغريبي، وهي رواية اجتماعية انفردت بجمال لغتها وحبكتها المثيرة. و⁠«الأعمال الشعرية للشاعر جاسم الصحيّح» في ثلاثة مجلدات، والصحيّح يعدُّ واحداً من أبرز الشعراء العرب في الوقت الراهن كما هو معروف.

تاريخ الكويت

وكذلك ⁠كتاب «تاريخ الشعر في الكويت»، للدكتور سليمان الشطي، ويتناول هذا الكتاب الحراك الشعري بدولة الكويت، منذ ظهور بواكيره الأولى بدولة الكويت في القرن الثامن عشر حتى العصر الراهن.

و⁠كتاب «إبحار مع القلم» للدكتور خليفة الوقيان، وهي مجموعة كبيرة مختارة من مقالات سبق نشرها للكاتب في الصحف الكويتية حول الشأن الثقافي العام.

وكتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها»، للدكتور أمين زين العابدين، وهو كاتب ومفكر سوداني، والكتاب يبحث في الحضارة العربية والإسلامية منذ ظهورها، وما مرت به من مراحل مختلفة، وأثر هذه الحضارة في الحضارات الأخرى.

ورواية «خان جليلة» للكاتب السعودي ماجد سليمان، وهي رواية تاريخية رائعة تدور أحداثها في «إقليم اليمامة» قديماً، وكذلك ⁠كتاب «غزوة خيبر»، وهو كتاب قيم، اشترك في تأليفه كاتبان سعوديان، هما: الدكتور تنيضب الفايدي، وصيفي الشلالي، وهو بحث تاريخي «ميداني» اعتمد مؤلفاه على التحقيق الحقلي الميداني لغزوة خيبر، حين فتحها رسول الله صلى الله عليه وسلم عام 7 للهجرة، حيث يتناول هذا الكتاب خط سير جيش المسلمين من المدينة المنورة إلى خيبر، وتلك المواضع التي مر بها خط سير الجيش، من جبال وأودية ومعالم طبيعية للأرض. وقد دُعِّمَ هذا الكتاب بكثير من الصور والخرائط التي توضح هذه المواقع.

رجاء البوعلي: «القصة» سعودياً وعربياً

الكاتبة والروائية السعودية رجاء البوعلي، قالت: تتزامن عندي برامج القراءة مع برامج الكتابة، فقد اعتدت على إعداد خطة سنوية ثقافية، تتناسب مع أهدافي المعرفية والإبداعية الإنتاجية، فكما شهدنا في ديسمبر الحالي صدرت لي مجموعة قصصية بعنوان «عشرة أيام في عين قسيس الإنجيلي» وهي ثمرة قراءة 2023 لفن السرد القصصي، على مسارين متوازيين: قراءة السرد في أعمال أمير القصة العربية يوسف إدريس، وتجارب متفرقة من الأدب العربي والسعودي تحديداً.

رجاء البوعلي ( السعودي)

فاعتباراً ببحثي عن نموذج عربي يمثل القصة بمدلولاتها الثقافية كاملة، ولأني لم أكن بداية هذا العام راغبة في قراءة الأدب المترجم، جاءت البداية مع يوسف إدريس وأعماله الكاملة، الذي يظل يبهرك بسلاسة أسلوبه وملامسته معظم ملامح الحياة المصرية بقصص قصيرة لا تنتهي، تتغلغل في تفاصيل الإنسان بكل وجوهه، وتعكس أوجاعه الداخلية وصراعاته الخارجية.

ومن إدريس انتقلت إلى المكتبة العراقية لأقرأ إنعام كجه جي وعدنان الصائغ، وتعززت رغبتي لمواصلة قراءة التجارب الوطنية المعاصرة قراءة كاملة، لاستيعابها جملة واحدة، فوقفت على آخر إنتاج الروائية السعودية بدرية البشر، ومنه دخلت لتجارب روائية وطنية أخرى.

«أقمار ملاي ألميدا السبعة» للكاتب السيريلانكي شيهان كارتونتاكا

أما في القص؛ فقرأت متفرقات من القصة المصرية، ووقفت بتمعن على تجارب عبد الله السفر، فوزية العيوني، وعبد الله الوصالي ولا جدل أنني استرحت على شواطئ الشعر الرهيف لمحمد الثبيتي وفوزية أبو خالد وعبد الله السفر ومحمد الحرز وإبراهيم زولي وقاسم حداد من البحرين.

لا يخلو الطريق من القراءات الفكرية، التي تشعل الضوء كلما خفت وهج الحياة.


مقالات ذات صلة

ماذا يقول أركون عن ابن رشد؟

ثقافة وفنون ابن رشد

ماذا يقول أركون عن ابن رشد؟

أعتقد أن محمد أركون كان يتماهى إلى حد ما مع ابن رشد، كان يجد نفسه فيه، بأي معنى؟

هاشم صالح
ثقافة وفنون «سيدة البحار السبعة»... الحُب في زمن اللعنة

«سيدة البحار السبعة»... الحُب في زمن اللعنة

لطالما اقترن الرقم «سبعة» بخصوصية سِحرية في مُخيلة سرديات البِحار، فحكايات السندباد البحري وأسفاره السبعة تُحيلنا إلى متاهات البحور التي لا تنقطع حبائل غرابتها

منى أبو النصر (القاهرة)
ثقافة وفنون محمود الرحبي

محمود الرحبي: لا أكتب لنيل جائزة واللحظات الجميلة تأتي بدون تخطيط

يعد الكاتب محمود الرحبي أحد أبرز الأصوات في خريطة السرد بسلطنة عمان.

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون «معتقلون ومغيّبون» سوريون... التوثيق بالفنّ

«معتقلون ومغيّبون» سوريون... التوثيق بالفنّ

ردَّ جان بول سارتر على سؤال «لماذا نكتب؟»، بالقول: «لأننا حين نفعل، نَكشِف، بحيث لا يمكن لأحد، بعد ذلك، أن يدّعي البراءة أو يتجاهل ما حدث».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون زهرة دوغان - مدينة نصيبين

أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

تأتي علاقة الفن بالقانون من عدة جوانب، فيمكن أن يكون موضوعاً يجري التعبير عنه، أو عن المفاهيم والحالات الإنسانية المرتبطة به، كالعدالة والمساواة والبراءة.

د. جواهر بن الأمير

«الطريق» لنجيب محفوظ في عيد ميلادها الستين

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
TT

«الطريق» لنجيب محفوظ في عيد ميلادها الستين

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

كان عقد الستينات من القرن الماضي فاتحة عهد جديد في التطور الفني لدى نجيب محفوظ. كان قد كلل جهوده في الرواية الواقعية بنشر «الثلاثية» (1956 - 57) التي كان أتم كتابتها في 1952، ثم انقطع عن الكتابة لسنوات عدة قضاها في محاولة لاستيعاب التغييرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي جاءت بها حركة الضباط الأحرار في 1952 بين ليلة وضحاها، قبل أن يعود للكتابة مسلسِلاً في جريدة «الأهرام» سنة 1959 رواية «أولاد حارتنا»، تلك الرواية الكنائية التي أقامت الدنيا وأقعدتها بناءً على تهمة زائفة أنها تتعدى على الأديان، وهو ما حاد بالأنظار عن حقيقة كونها أول عمل روائي في مصر ينتقد النظام الناصري نقداً مبكراً بينما كان النظام ما زال في مرحلة النشوة بالانتصارات والإنجازات تفصله سنوات عن عصر الهزائم والانكسارات. كانت الرواية من وراء قناع الأمثولة الشفاف تندد بالحكم الظالم القائم على البطش والاستعانة بالفتوات لقمع المطالبين بالحقوق والباحثين عن الحرية والعدل. كانت صرخة في وجه الدولة البوليسية التي كانت معالمها قد تشكّلت بوضوح في ذلك الوقت.

وهكذا، ما إن أهَّل عقد الستينات حتى كانت عقدة لسان محفوظ، أو على الأصح قلمه، كانت قد انحلّت، وتوالت روايات تلك المرحلة الواحدة تلو الأخرى بدءاً «باللص والكلاب» 1961، «فالسمان والخريف» ثم «الطريق» وبعدها «الشحّاذ» و«ثرثرة فوق النيل» وانتهاءً «بميرامار» في 1967. جاءت هذه الأعمال لتمثل نقلة فنية كبرى لدى محفوظ. فنراه قد تخلى عن السرد الواقعي التفصيلي والإسهاب الوصفي، وتخلى عن السرد من وجهة نظر الروائي العليم، مستعيضاً عن ذلك بوجهة النظر المُقيَّدة التي نرى فيها كل شيء من خلال واعية الشخصية الرئيسية، حيث لا يسمح الروائي لنفسه بالتنقل بين وجدانات سائر الشخصيات، ونرى فيها استخدام تيار الوعي أو تداعي الأفكار لإطلاعنا على ذهنية الشخصية وعالمها الداخلي في الوقت نفسه الذي نراقب فيه أفعالها وأقوالها وتفاعلاتها مع غيرها من الشخصيات. ونرى اللغة قد تكثفت ومالت إلى الغنائية في بعض الأحيان كما كثرت فيها الصور والأخيلة وزاد استخدام الرمزية والإحالات.

إذا كان محفوظ قد لجأ إلى الحكاية الأمثولية في «أولاد حارتنا» لنقد النظام الناصري من خلف حجاب، فهو في روايات الستينات قد أسقط كل ساتر وكل قناع في نقده. فرأينا «اللص والكلاب» تدور حول خيانة المبادئ الثورية والتحول من المثالية الثورية إلى التنعُّم البورجوازي. ونرى في «السمّان والخريف» كيف أن النظام الجديد يرث مع السلطة التي استولى عليها مزايا الطبقة الحاكمة البائدة. أما «الشحّاّذ» فتدور أيضاً حول التحول البورجوازي في منتصف العمر والركون إلى الدعة والرخاء بعد فورة المثل العليا والأفكار الثورية في مقتبل العمر. فإذا ما انتقلنا إلى «ثرثرة فوق النيل»، رأينا الانحدار البورجوازي في أسوأ صوره من انغماس في المخدرات والجنس والانفصال عن المجتمع وقضاياه في ظل تهميش المواطن والحرمان من المشاركة في الحياة السياسية تحت النظام المنفرد بالرأي، وصولاً إلى آخر روايات المرحلة «ميرامار» (1967) التي تبدو فيها مصر (في شخص خادمة البنسيون «زهرة») حائرة بين الأنظمة والعهود، بائدها ومعاصرها، حيث الجميع يسعى لاستغلالها ولا أحد تهمه مصلحتها وإن كانت هي ترتفع فوق الجميع.

تميزت روايات هذه المرحلة إلى جانب نقدها السياسي والاجتماعي، بمعالجتها أموراً فلسفية وبالمزج بين الفردي والاجتماعي والفلسفي في بوتقة واحدة. فنرى محفوظ مشغولاً بقضايا وجودية وميتافيزيقية، متأملاً في الدين والإيمان والموت والصوفية والعلاقة بين الفرد والمجتمع ومعنى الالتزام وقيمة العمل وسبل الخلاص وتحقيق الذات في ظل مجتمع قاسٍّ وحكم قاهر وكونٍ هائل الأبعاد لا تعنيه كثيراً مصائر الأفراد.

إلى هذا الزخم الروائي والفكري تنتمي رواية «الطريق» التي أتمت هذا العام ستين عاماً منذ صدورها الأول في 1964. وإن كان العام الستون لدى البشر يرتبط في الأذهان بسن التقاعد من الخدمة العامة أو الإحالة إلى المعاش، فليس كذلك الأمر مع «الطريق» التي تبقى اليوم رواية معاصرة مُشغِفَة في سردها وقضاياها، وذلك خلافَ أغلب زميلاتها من الستينات التي كادت أن تصبح اليوم روايات تاريخية شديدة الارتباط بعصرها ومناخه السياسي. الذي يعطي «الطريق» هذه المكانة الخاصة هو تحررها من وطأة البيئة السياسية المعاصرة لزمنها وانصرافها إلى قضية فلسفية كبرى مما يشغل الإنسان في كل عصر وكل بيئة. قضية البحث عن المُطْلَق. عن الماورائي. عن الميتافيزيقي. هل خلاص الفرد يكمن في هذا العالم أم في قوة خارجة عليه؟ هل نقضي وقتنا على الأرض في البحث عن هذا الشيء الماورائي الغامض أم نقضيه في العمل الدائب من أجل الذات والآخرين والتقدّم البشري العام؟ أين تكون «طريق» الخلاص؟

للإجابة عن هذه الأسئلة الكبرى كتب محفوظ رواية تشويقية مثيرة. رواية حب وجنس وعنف وجريمة وقصاص. لكن محفوظ يعرف كيف يكتب على مستويين. أحدهما سطحي خارجي مثير فلا تريد أن تضع الرواية من يدك من شدة التشويق، والآخر عميق باطني يرمز إلى معانٍ أبعد منالاً مما نرى على السطح. صابر سيد سيد الرحيمي بطل الرواية هو شاب يسعى إلى «الحرية والكرامة والسلام»، وهو في مسعاه هذا الذي يفشل فيه فشلاً ذريعاً، لا يختلف عن معاصريه من شباب مصر، ومن هنا فإن فشله هو رؤية متشائمة للوضع المجتمعي والأحلام الوطنية المجهضة. لكن القراءة السياسية ينبغي أن تتوقف عند هذا الحد، فهذه رواية اختار محفوظ فيها أن يرتاح مع عناء القضايا السياسية والاجتماعية الملحة ليتأمل فيما هو أبعد. ومن هنا، فإن بحث صابر عن أبيه الثري المجهول بعد وفاة أمه لأجل أن يخلّصه من العوز يتحول في المستوى الرمزي للقراءة إلى بحث الإنسان عن الإله، عن الحقيقة الماورائية المطلقة. وعلى النسق نفسه، فإن انقسام صابر بين انجذابه الشهواني إلى «كريمة» الزوجة الشابة للعجوز صاحب الفندق وبين حبه العذري لإلهام الفتاة العاملة المجاهدة للعلو على مشاكل حياتها يصبح تجسيداً للفصام البشري الأبدي بين دواعي الروح ودواعي الجسد، بين نداء الأرض ونداء السماء. وعلى امتداد الرواية يتعايش مستويا المعنى في وئام كامل؛ ما يشهد لمحفوظ ببراعة في السرد لم تكن جديدة على قارئيه حتى في ذلك الوقت المبكر نسبياً. فأنت تستطيع أن تقرأ قصة الإثارة والتشويق من الأول إلى الآخر وتخرج قانعاً راضياً. إلا أنك تخسر الكثير إن اكتفيت بذلك وغابت عنك الرموز والإشارات والأحلام والأخيلة والخواطر المُعاودة leitmotifs والمواقف المنثورة بسخاء في ثنايا النص، والتي تقودك إلى المستوى الأعلى للمعنى.

على أن محفوظ يعيد علينا في «الطريق» درساً فهمناه منه مراراً فيما قبلها وكذلك فيما بعدها. ليس ثمة حلول ميتافيزيقية لمشاكل الإنسان على الأرض. «الحرية والكرامة والسلام» لا تتنزل هدية من السماء، وإنما تُكتسب على الأرض. وهي لا تُكتسب إلا بالعمل، بالجهد البشري. القلق الوجودي لا علاج له إلا بالانغماس في الجهد البشري وليس بالهروب إلى التصورات الصوفية كما اكتشف عمر الحمزاوي في «الشحّاذ» ولا بالسعي وراء أبٍ وهمي كما يفعل صابر في «الطريق». قيمة الإنسان لا تنبع من التعلق بما وراء الطبيعة ولكن من «العمل». العمل في مفهومه الواسع، مفهوم «الالتزام» أو الاشتباك الإيجابي مع محيطنا المعاش، كما عند سارتر. بهذا وحده يتحقق الثالوث المقدس الذي يسعى إليه صابر وكل البشر: «الحرية والكرامة والسلام».

على المستوى الواقعي للرواية يقدم لنا محفوظ شخصية «إلهام» نموذجاً نقيضاً لصابر. هي أيضاً أنكرها أبوها طفلةً، لكنها لم تُضع حياتها في طلب الاعتراف منه، بل أدركت أن خلاصها لا يكون إلا بالعمل والاعتماد على الذات. لكن ليس هذا النموذج الذي اختاره صابر، فلا يقوده سعيه إلى مبتغاه، وإنما في بحثه العقيم وفي خواء حياته من العمل والقيمة يضل «الطريق» إلى الجريمة والسجن، وبينما ينتظر تنفيذ حكم الإعدام، يبقى متعلقاً بالوهم، منتظراً أن يأتي أبوه في اللحظة الحرجة لينقذه بنفوذه من حبل المشنقة.