برامج رمضان على الشاشة اللبنانية الصغيرة تعود إلى عقد الستينات

«تلفزيون لبنان» افتتحها... و«المستقبل» استحدث الموجة

زافين قيوميجيان (الشرق الأوسط)
زافين قيوميجيان (الشرق الأوسط)
TT

برامج رمضان على الشاشة اللبنانية الصغيرة تعود إلى عقد الستينات

زافين قيوميجيان (الشرق الأوسط)
زافين قيوميجيان (الشرق الأوسط)

تحافظ الشاشة الصغيرة على مكانتها عند المشاهد العربي عامة، واللبناني خاصة، في موسم رمضان، فتستعيد بريقها، ويتحلق أفراد الأسرة حولها.

اللحظات التي يمضيها الأب والأم مع أولادهما يتابعون خلالها مسلسلاً أو برنامجاً رمضانياً، لها قيمة إضافية، محببة إلى قلوبهم، وتولّد بينهم متعة الحوار.

الجلسة أمام الشاشة تجمعهم من جديد، وتشكل نوعاً من لقاء ينتظرونه من عام إلى آخر، فيتسامرون ويتبادلون التعليقات حول المحتوى البصري الذي يتابعونه.

هذه السنة شهدت الشاشات المحلية اللبنانية تنافساً في برمجتها الرمضانية، وحاولت كل محطة أن تقدم الأفضل لمتابعيها، واختارت للشهر الفضيل برامج ترفيهية وأعمالاً درامية من الصف الأول كي يتعلق المشاهد بشاشتها. ولكن متى انخرطت الشاشة الصغيرة في أجواء رمضان؟ ومن هي المحطة التلفزيونية التي استحدثت برمجة خاصة به؟

شعار تلفزيون لبنان (الشرق الأوسط)

«تلفزيون لبنان» أول محطة واكبته

يُعد «تلفزيون لبنان» أول محطة بثت المحتوى البصري في لبنان، ومن الأوائل في العالم العربي.

أسّست المحطة على يد وسام عز الدين بالشراكة مع شركة «طومسون» الفرنسية المنتجة للتلفزيونات. وبمساعدة دوري شمعون، نجل الرئيس كميل شمعون، استحصلوا على رخصة للبث عام 1957، إلا أنه بسبب أحداث عام 1958 في لبنان، تأخر التنفيذ إلى العام التالي 1959. وشيّد المبنى الخاص بالمحطة الوليدة في محلة تلة الخياط بالعاصمة بيروت.

في أوائل الستينات أخذت هذه المحطة على عاتقها مواكبة الشهر الفضيل. وسبق للإعلامي زافين قيوميجيان أن أصدر سلسلة كتب عن تاريخ «تلفزيون لبنان» وأهم حقباته، خاصة أن هذه المحطة كانت أول محطة تلفزيونية عمل فيها مع بداية مشواره الإعلامي.

في حديث لـ«الشرق الأوسط» يتذكّر زافين تلك الحقبة من خلال أبحاث ودراسات قام بها، ويقول: «البرمجة الرمضانية استهلت، مع ما كان معروفاً يومها بـ(تلفزيون لبنان والمشرق) في الحازمية و(تلفزيون لبنان) في تلة الخياط قبل أن يتوحّدا. وكان نجم تلك الحقبة الرمضانية الفنان يوسف شامل، مؤلف وبطل برنامج (الدني هيك). وتخلّل تلك الفترة برامج أخرى رمضانية، بينها برنامج الحكواتي مع (أبو العبد البيروتي)، إلا أنها لم تلق النجاح المنتظر؛ إذ ظهرت كعادات وتقاليد جديدة على اللبنانيين، سيما وأن انتشار جهاز التلفزيون كان لا يزال خجولاً».

ويتابع زافين قيومبجيان: «في الثمانينات استحدثت مصر برامج رمضانية مشهورة بينها (فوازير رمضان) لنيللي وشريهان. ومن باب الاتفاق التعاوني بين (تلفزيون لبنان) و(الاتحاد العربي للتلفزيون) دخلت هذه الموجة الشاشة اللبنانية، وحققت يومها نجاحاً ملحوظاً... وخصوصاً أن (تلفزيون لبنان) راح يواكبها بمسابقات رمضانية تخول المشاهد ربح الجوائز».

وبحسب زافين، لحقت بهذه المرحلة الدراما الرمضانية. وشهدت الشاشة اللبنانية عروضاً لمسلسلات مشهورة في تلك الحقبة كـ«رأفت الهجّان» و«ليالي الحلمية». واختتم بالقول: «بقي الأمر على ما هو عليه حتى التسعينات عند بزوغ فجر تلفزيون «المستقبل».

جابر: «المستقبل» أول من نظم برمجة رمضانية

شكلت ولادة تلفزيون «المستقبل» علامة فارقة في عالم الإعلام المرئي اللبناني منذ انطلاقتها في عام 1993؛ إذ كان أول قناة فضائية لبنانية تبث بالعربية. ووقف وراء تأسيس هذا الصرح الإعلامي رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. وحقاً، استطاع من خلاله نقل الإعلام المرئي اللبناني إلى مستوى رفيع، ووفّر له انتشاراً واسعاً طال أوروبا وأميركا الشمالية وأستراليا والبلدان العربية.

الإعلامي علي جابر، عميد معهد الاتصالات في الجامعة الأميركية بدبي ومدير مجموعة «إم بي سي»، كلفه الرئيس الراحل الحريري يومها، بإدارة قناة «المستقبل»، فتولى هذه المهمة منذ عام 1992 لغاية 2003. وعلى يد جابر ولدت البرمجة الرمضانية المنظمة على شاشة لبنانية.

علي جابر (الشرق الأوسط)

في لقاء مع «الشرق الأوسط» شرح جابر: «(المستقبل) كان سباقاً في أمور كثيرة استحدثها على الشاشة الصغيرة، ثم لحقت به باقي محطات التلفزة. وهنا يعود الفضل للرئيس الراحل الحريري الذي أراد (المستقبل) منبراً إعلامياً متوهجاً. ورغب بالفعل من خلاله أن يغيّر صورة لبنان الحرب، ويعيده بلد الازدهار. كان الحريري مدركاً أهمية الشهر الفضيل عند اللبنانيين بجميع أطيافهم، فأوكلني يومها بإدارة المحطة، وطلب مني تنظيم برمجة خاصة برمضان».

من هذا المنطلق، حشد جابر حوله فريقاً علمياً مبدعاً من طلابه في الجامعة، فحقق أول خطوة إلى الأمام مع نبض شبابي جديد، «ما كان قد انخرط بعد ببرمجة التلفزيون التقليدي» كما يقول. ومع هؤلاء الطلاب، وضع جابر خطة لرمضان بعدما درس طبيعة المتلقي، وأخذ بعين الاعتبار أقسام يوم كامل من أيام الشهر الكريم. وأوضح: «لقد فكرنا بأن ما يجب عرضه على الشاشة من برامج رمضانية قبل الإفطار لا تشبه ما بعده».

وسار جابر بخطته العلمية هذه معرّجاً أيضاً على فترة الأمسيات عند اللبناني التي تختتم بالسحور، فوقف على أهواء وأذواق ومتطلبات الشارع كي يقدم المحتوى الذي يليق بهذا الشهر.

خيم رمضان من بيروت إلى العالم

لقد كان أول من فكّر بـ«الخيمة الرمضانية»، وبإيعاز من الراحل رفيق الحريري، النائب السابق سليم دياب. وحقاً استقدم الأقمشة المصرية الحمراء السميكة والمزخرفة لتغطي جدرانها، وراح تلفزيون «المستقبل» ينقل أجواء الساهرين فيها عبر شاشته مباشرة. وكان اللبنانيون من مختلف المناطق يقصدونها عند الإفطار أو السحور.

وبعدها توسّعت الظاهرة على يد رجل الأعمال بشارة نمّور، الذي وضع حجر الأساس لمجموعة خيم من هذا النوع في منطقة الأونيسكو ببيروت عُرفت بـ«خيام الهنا». وصارت عنواناً مشهوراً للبنانيين المقيمين والمغتربين وحتى للسياح العرب، يرتادونها من كل حدب وصوب، وتحولت إلى ملتقى اللبنانيين مع أهاليهم في السعودية، وأي بلد اغترابي آخر، فيتصلون مباشرة بأولادهم ويوجهون إليهم التحية وتنقلها شاشة «المستقبل» مباشرة على الهواء.

هذا، وكان عدد من الفنانين يسهمون في إحياء الحفلات الغنائية والموسيقية فيها، بينهم نانسي عجرم التي نالت أول قسطها من الشهرة عبر الشاشة المذكورة من خلال برنامج المواهب «نجوم المستقبل». وبعد «خيام الهنا» توسّعت هذه الظاهرة أكثر لتشمل مطاعم ومقاهي فنادق وغيرها، كما ذاع صيتها في العالم العربي فراحت بلدان عدة بدورها تقيم خيامها.

تطور برامج رمضان على الشاشة اللبنانية

وفق أرشيف «تلفزيون لبنان»، فإن باقة برامج رمضانية كانت تلون شاشته منذ الستينات وصولاً إلى أوائل التسعينات. ولعل أشهرها «جحا» و«مسحّر رمضان» و«مع إسماعيل ياسين». وكانت كلها برامج تلفزيونية من إنتاجه، ويشارك فيها فنانون معروفون كدريد لحام وشوشو وإسماعيل ياسين وغيرهم. وكان رئيس إدارة التلفزيون، يومذاك، الجنرال سليمان نوفل، قد أخذ على عاتقه تلوين شاشته بها. أما المسلسلات فكانت تتألف من «هو وهي» و«عريس الهنا» و«أبواب المدينة» و«باكيزة وزغلول».

وأما تلفزيون «المستقبل» فكان من أوائل مسلسلاته المعروضة «الحفار» و«إخوة في التراب». وكانت هذه تعرض بعد الإفطار، ويسبقها برامج روحانية تتألف من الصلاة والدعاء. وبعد المسلسلات يُصار إلى نقل أجواء الخيم الرمضانية. وهي برمجة عمل عليها علي جابر كي تواكب يوماً رمضانياً كاملاً.

ومن ناحيته، فإن تلفزيون «إل بي سي» انخرط في هذه الموجة منذ عام 1987. وكانت الباكورة باقة من برامج دينية كـ«صدق الله ورسوله»، و«على هامش السياق»، لتتطوّر بعدها لعروض فوازير رمضان لشيريهان وبرنامج «ألف ليلة وليلة». وفي عام 1996 أنتجت المحطة مسلسلاً درامياً خاصاً برمضان هو «تجارة عن تراض». وفي عام 1997 أطلقت برامج الألعاب مع طوني خليفة «بتخسر إذا ما بتلعب».

وقبله كان ميشال قزّي، المذيع التلفزيوني على قناة «المستقبل»، قد حقق شهرة واسعة في مواسم رمضان في لبنان والعالم العربي. وجاء ذلك على خلفية تقديمه برامج الألعاب والجوائز «ميشو شو». وتأثر المشاهد في تلك الفترة بعبارات كان يرددها مثل: «إلك» و«وينك»، فغدت متداولة بشكل ملحوظ.

يُعد «تلفزيون لبنان» أول محطة بثت المحتوى البصري في لبنان ومن الأوائل في العالم العربي

شري: «المستقبل» كان السبّاق رمضانياً

اشتهرت المذيعة التلفزيونية يمنى شري وجهاً محبوباً في قناة «المستقبل». وخلال مواسم رمضان استطاعت يمنى أن تكسب شعبية كبرى من خلال إجرائها حوارات في الخيم الرمضانية. كذاك كانت لها تجارب عدة في عالم التقديم في تلك المواسم. وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط» قالت يمنى شري: «كل ما نراه اليوم على محطات التلفزة سبق أن قدمه تلفزيون (المستقبل) على شاشته. فالفريق العامل فيه كان مبدعاً وصاحب أفكار. وأنا أحتفظ بذكريات كثيرة عن فترة شهر رمضان... إذ قدمت برامج مختلفة على مدى سنوات طويلة بينها «طل القمر»، و«ليل وقمر ونجوم وسهر»، و«جولة يمنى في العالم العربي».

يمنى شري (الشرق الأوسط)

وتتابع يمنى كلامها فتذكر أن «فترة النقل المباشر من (خيام الهنا) كانت تحمل الفرح والطاقة الإيجابية للبنانيين الخارجين لتوهم من مرحلة حرب طويلة، فيزحفون بالآلاف إلى تلك الخيم ليسهروا فيها ويوجهون التحيات إلى أهاليهم وأقاربهم في المهجر. وكنت أخصص هذا الموسم بأزياء ومحتوى يلائمان المناسبة. وهكذا، كانت المشهدية برمّتها جميلة فيها الكثير من راحة البال والأمان. ولا أنسى هنا أبداً استضافتي للفنان الكبير سيد مكاوي في واحدة من الحلقات الرمضانية التي كنت أقدمها... كان النجوم من لبنان والعالم العربي توّاقين للظهور على هذه الشاشة لشهرتها الواسعة».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

لماذا تراجع اهتمام منصات التواصل بالمحتوى السياسي؟

لماذا تراجع اهتمام منصات التواصل بالمحتوى السياسي؟
TT

لماذا تراجع اهتمام منصات التواصل بالمحتوى السياسي؟

لماذا تراجع اهتمام منصات التواصل بالمحتوى السياسي؟

أثار تراجع الزيارات الآتية إلى المواقع الإخبارية عبر روابط «السوشيال ميديا» تساؤلات بشأن تأثير ذلك على الناشرين، لا سيما مع زيادة الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لترويج ونشر المحتوى الإعلامي. وفي حين ربط بعض الخبراء هذا الانخفاض بتراجع اهتمام منصات التواصل بالمحتوى الإخباري والسياسي، وبالمنافسة المحتدمة بين «السوشيال ميديا» والناشرين على عائدات الإعلانات، فإنهم أكدوا ضرورة وجود بدائل لترويج المحتوى الإعلامي.

منصة تحليلات مواقع التواصل الاجتماعي «تشارت بيت» رصدت انخفاضاً في معدل الزيارات المقبلة من روابط «السوشيال ميديا» إلى نحو 700 موقع إخباري أميركي بمقدار الثلث منذ يناير (كانون الثاني) 2023، لتصل حصة منصات التواصل من جذب الزيارات إلى 4 في المائة، بدلاً من 6 في المائة، بحسب تقرير نشره في الأسبوع الماضي معهد «نيمان لاب» الأميركي المتخصص في دراسات الصحافة. ووفق «تشارت بيت»، فإن الزيارات الآتية إلى المواقع الإخبارية عبر «فيسبوك» انخفضت بنسبة 40 في المائة منذ يناير من العام الماضي.

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك انخفاضاً كبيراً وملحوظاً في الزيارات الآتية من منصات التواصل الاجتماعية إلى المواقع الإخبارية». وحدّد كيالي سببين لهذا الانخفاض: «الأول؛ تجاري بحت، ارتباطاً بأن منصات التواصل الاجتماعي باتت تعدّ المواقع الإخبارية والناشرين، منافساً لها من حيث المستخدمين»، موضحاً أن «المنصات ترى أن المستخدم الموجود عندها، هو حق لها، من ثم فهي لا تريد أن يخرج إلى مواقع خارجية، بل على العكس تريد الاحتفاظ بوجوده على تطبيقاتها أطول فترة ممكنة، لأن ذهاب المستخدمين إلى مواقع خارجية قد يؤدي إلى انخفاض إيراداتها الإعلانية».

وفي المقابل - حسب كيالي - «تعتقد المواقع الإخبارية، وكذلك الناشرون، أن منصات التواصل الاجتماعي تحقق مكاسب جراء إعادة نشر المحتوى الإعلامي مجاناً، مع أن عملية إنتاج الأخبار تتطلب فرقاً صحافية وإجراءات عدة في المراجعة والتدقيق ذات كلفة باهظة على المؤسسات الإعلامية المنتجة لها».

وتابع الخبير كيالي أن «السبب الثاني يتعلق بأمور سياسية، ذلك أن منصات التواصل الاجتماعي تتبع سياسة دول معينة وتخدم أجندتها، وهي الأجندة التي قد لا تتوافق مع السياسات التحريرية لمواقع الأخبار، ما دفع إلى تخوف منصات التواصل الاجتماعي من الناشرين، وأدى إلى تقليل زيارات روابط الأخبار».

ثم أضاف: «هناك حالة جفاء، تصل أحياناً إلى حد العداء بين المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي، وهي علاقة تسير بمفهوم شر لا بد منه... وحتى الآن لم تستطع المواقع الإخبارية إيجاد مصدر ثانٍ قوي مثل منصات التواصل الاجتماعي، لتسويق محتواها، رغم محاولات (غوغل) دعم الناشرين ومواقع الأخبار بخدمات جديدة». واستطرد كيالي شارحاً: «... ومنصات التواصل الاجتماعي، من جانبها، لا تستطيع التخلّي عن الناشرين، لا سيما أن كثيراً من المستخدمين يتابعون الأخبار عبر منصات التواصل، ما يعني احتمال خسارتها عدداً من المستخدمين إذا قررت التخلي نهائياً عن الناشرين. وهكذا نرى أن كلا الطرفين خاسر... فمنصات التواصل الاجتماعي تخسر المتابعين الموجودين عندها لقراءة الأخبار والتفاعل معها، ما يؤدي لانخفاض عائدات الإعلانات، في حين تعاني المواقع الإخبارية نقصاً في معدل الزيارات، تزامناً مع عدم وجود حلول بديلة لكسب قراء جدد».

جدير بالذكر أن موقع «معهد نيمان لاب» نقل عن براد سترايشر، مدير المبيعات في «تشارت بيت»، قوله إن «محركات البحث التي تهيمن عليها خدمة بحث (غوغل) لا تزال تحظى بالنصيب الأكبر في توجيه الزيارات للمواقع الإخبارية... وخدمة (غوغل ديسكفر) المفعّلة على تطبيقات الهواتف الجوالة باتت أحد مصادر توجيه الزيارات للمواقع الإخبارية».

وفي هذا الشأن قال أحمد عصمت، الخبير في الإعلام الرقمي والمحاضر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، لـ«الشرق الأوسط»، إن «(غوغل ديسكفر) عبارة عن خدمة جديدة مختلفة عن خدمات بحث (غوغل) المعروفة، وهي خدمة موجهة لمستخدمي الهواتف الجوّالة لا تزال في طور التجربة، لذلك لا يمكن حالياً تقييم دورها في جذب الزيارات للمواقع الإخبارية بدقة». وهنا ربط عصمت بين انخفاض الزيارات الآتية إلى المواقع الإخبارية عبر الروابط المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي إلى «تراجع اهتمام تلك المنصات بالأخبار، وعلى رأسها (ميتا) مالكة كلٍ من (فيسبوك) و(إنستغرام)». ولمواجهة سلطة منصات التواصل على الناشرين، شدد عصمت على «ضرورة عمل المواقع الإخبارية على إيجاد سبل بديلة لتسويق وترويج محتواها، والاعتماد على نفسها في هذا الصدد بعيداً عن منصات التواصل».

للعلم، تتجه منصات التواصل إلى تقليل الاهتمام بالأخبار لصالح المحتوى الترفيهي، وفق ما أعلنه مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا»، عام 2021، عندما قال إن «التعليقات الأكثر شيوعاً التي تتلقاها الشركة هي أن الأشخاص يريدون عدداً أقل من المنشورات السياسية المثيرة للانقسام».