كيف تحوّل السعودية الأمن السيبراني من درع دفاعية إلى محرك للنمو الاقتصادي؟

رأس المال البشري أصبح ركيزة النضج السيبراني مع تركيز متزايد على التدريب ومراكز التميز (شاترستوك)
رأس المال البشري أصبح ركيزة النضج السيبراني مع تركيز متزايد على التدريب ومراكز التميز (شاترستوك)
TT

كيف تحوّل السعودية الأمن السيبراني من درع دفاعية إلى محرك للنمو الاقتصادي؟

رأس المال البشري أصبح ركيزة النضج السيبراني مع تركيز متزايد على التدريب ومراكز التميز (شاترستوك)
رأس المال البشري أصبح ركيزة النضج السيبراني مع تركيز متزايد على التدريب ومراكز التميز (شاترستوك)

لم يعد الأمن السيبراني مجرد وسيلة للحماية، بل أصبح محركاً استراتيجياً للنمو، يعزز الابتكار، وينمّي الكفاءات، ويعزز التنافسية على المستوى العالمي.

ووفقاً لبيانات شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» (PwC) الشرق الأوسط، تتصدر السعودية المنطقة في نضج واستعداد الأمن السيبراني، إذ تخطط 87 في المائة من الشركات لاعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي (GenAI) في الدفاع السيبراني خلال السنوات المقبلة. يضع هذا التحول المملكة في موقع ريادي نحو اقتصاد رقمي آمن، ومتقدم.

يقول سامر عمر، مدير قسم الأمن السيبراني والثقة الرقمية في «بي دبليو سي» الشرق الأوسط: «إن السعودية أصبحت واحدة من أبرز الأسواق عالمياً من حيث الجاهزية والنضج السيبراني». ويشيد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» باستثمار المملكة المتواصل في الحلول المبتكرة، والتقنيات الناشئة، ومن بينها استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في الدفاع السيبراني.

سامر عمر مدير قسم الأمن السيبراني والثقة الرقمية في «بي دبليو سي» الشرق الأوسط (بي دبليو سي)

الأمن الذكي ونمو الشركات الوطنية

يشير عمر إلى أن شركة الذكاء الاصطناعي «هيوماين» (HUMAIN) وغيرها تسهم في بناء قدرات وطنية متقدمة من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في حلول الأمن السيبراني. ويضيف أن الجيل الجديد من الاستخدامات يشمل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لاستبدال محللي الأمن في المستويين الأول والثاني في مراكز الدفاع، أو لأتمتة عمليات تقييم الالتزام بمعايير الهيئة الوطنية للأمن السيبراني (NCA) دون تدخل بشري كبير. ويقول: «لقد بدأت الشركات الوطنية فعلاً في تطوير حلول أمنية جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي ضمن بنيتها. هذه الابتكارات ستساعد المملكة على ترسيخ مكانتها باعتبار أنها مركز عالمي للأمن السيبراني المدعوم بالذكاء الاصطناعي.»

ومع ذلك، ينوه عمر إلى أن انتشار الذكاء الاصطناعي يرافقه تحدٍ متزايد. إذ يرى ثلث قادة الشركات في الشرق الأوسط أن الذكاء الاصطناعي التوليدي وسّع من نطاق الهجمات المحتملة، ما يستدعي بناء حوكمة واضحة، وتنمية وعي مؤسسي حول الاستخدام الأخلاقي والمسؤول للتقنيات. ويؤكد أنه «يجب على المؤسسات تعزيز الوعي بالذكاء الاصطناعي، ووضع أطر حوكمة تضمن الاستخدام المسؤول له، بالتوازي مع تطوير التشريعات التي تُحمّل الأفراد والمنظمات المسؤولية عن ممارساتهم».

من الرقابة إلى بناء الثقة الرقمية

أظهرت دراسة شركة «برايس ووترهاوس كوبرز» (PwC) الشرق الأوسط أن 63 في المائة من مجالس إدارات الشركات في الشرق الأوسط تُعد فعالة في الإشراف على قضايا الأمن السيبراني، لكن نسبة السرعة في الاستجابة للحوادث لا تتجاوز 27 في المائة. ويرى عمر أن سد هذه الفجوة يبدأ من وعي القيادة التنفيذية. ويوضح أنه «على مديري الأمن المعلوماتي (CISOs) أن يرتقوا بدورهم ليصبحوا مستشارين موثوقين لدى مجالس الإدارة، وأن يتحدثوا بلغة الأعمال لا بلغة التقنية. كما يُتوقع منهم أن يصبحوا سفراء للثقة الرقمية داخل مؤسساتهم.»

ويتابع أن تطور أدوات قياس المخاطر السيبرانية آلياً التي تستخدمها أكثر من نصف الشركات في المنطقة سيمكن مجالس الإدارة السعودية من تحويل الأرقام إلى قرارات استثمارية أكثر دقة، عبر بناء نماذج واضحة للعائد على الاستثمار في الأمن السيبراني. ويصرح بأن «ذلك قد يؤدي مستقبلاً إلى ظهور نماذج تجارية جديدة تُربط فيها رسوم مقدمي خدمات الأمن بأدائهم في منع الاختراقات، أو الحد من الخسائر الناتجة عنها».

نمو الحوسبة السحابية

تسعى 68 في المائة من الشركات السعودية إلى نقل معظم عملياتها إلى السحابة خلال عام 2025، وهو تحول يتطلب موازنة دقيقة بين تسارع التحول الرقمي، ومتطلبات توطين البيانات والسيادة الرقمية.

يلفت عمر إلى أن «السعودية أصبحت مقراً لأكبر مزودي خدمات الحوسبة السحابية في العالم، ما يعزز مكانتها باعتبار أنها اقتصاد رقمي رائد، مع ضمان سيادة البيانات، وخصوصيتها». وقد تحقق ذلك بفضل التنظيم الصارم من الجهات المختصة، مثل الهيئة الوطنية للأمن السيبراني (NCA)، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (SDAIA)، وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية (CST). ويعد أن الشراكات الاستراتيجية مع شركات كبرى مثل «أرامكو» و«إس تي سي» (STC) ساعدت على تطوير الكفاءات المحلية، وتسريع التحول السحابي في مختلف القطاعات.

بحلول 2030 تسعى السعودية لتصدير خبراتها ومنتجاتها السيبرانية لتصبح قوة عالمية في الاقتصاد الرقمي (شاترستوك)

دروس من المشاريع العملاقة

يعتبر عمر أن مشاريع «نيوم» و«البحر الأحمر» و«القدية» تمثل مختبرات حقيقية لتطبيق مفاهيم الأمن السيبراني الحديثة، نظراً لتداخل أنظمة تكنولوجيا المعلومات (IT)، والتشغيل الصناعي (OT)، وإنترنت الأشياء (IoT) فيها. ويوضح أن «هذه المشاريع تتبنّى فلسفة (الأمن بالتصميم)، حيث يتم إشراك خبراء الأمن والخصوصية والمرونة في المراحل الأولى من التصميم، لضمان دمج الضوابط الأمنية ضمن البنية الأساسية، والثقافة المؤسسية. وهذا النهج قلل من المخاطر، وغرس ثقافة مرونة سيبرانية في مستويات القيادة العليا».

حوكمة رشيقة ومعايير عالمية

رغم أن 25 في المائة فقط من الشركات في المنطقة تشعر بثقة عالية في قدرتها على الامتثال للوائح المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والمرونة الرقمية، يرى عمر أن السعودية تمثل نموذجاً عالمياً في هذا المجال. ويضيف أن «الجهات التنظيمية في المملكة تتحرك بسرعة ومرونة، فهي تراقب النماذج الناجحة عالمياً، وتبني عليها بما يتلاءم مع احتياجاتها المحلية، كما تقدم دعماً عملياً عبر الأدلة الإرشادية، والتعاون مع الجامعات لإدماج هذه المعايير في المناهج الأكاديمية».

رأس المال البشري والثقة الرقمية

يركز عمر خلال حديثه مع «الشرق الأوسط» على أن رأس المال البشري هو العنصر الأهم في تعزيز النضج السيبراني الوطني. ومع تسارع تبنّي الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، تصبح الشراكات بين القطاعين العام والخاص أكثر إلحاحاً لتأهيل الكفاءات المحلية. ويؤكد أن «العنصر البشري هو الأساس، ولا بد من إنشاء مراكز تميز، ومختبرات محاكاة (Cyber Ranges) تتيح للكوادر السعودية التدريب في بيئات واقعية، واختبار الحلول الأمنية قبل تطبيقها فعلياً». ويؤكد أن 73 في المائة من الشركات في المنطقة تعتبر الأمن السيبراني عنصراً أساسياً لبناء الثقة مع العملاء، ما يحوله من مجرد أداة حماية إلى ميزة تنافسية تعزز السمعة، والإيرادات.

ويقول عمر: «في الاقتصاد الرقمي الثقة هي العملة الأهم. عندما تستثمر المؤسسات في السرية والسلامة والمرونة، فهي لا تحمي بياناتها فحسب، بل تبني سمعتها، وتفتح فرصاً للنمو المستدام».

من المرونة إلى الريادة

ينهي عمر حديثه برؤية مستقبلية طموحة تفيد بأن «السعودية تتصدر حالياً مجالات التنظيم، والابتكار، والاستثمار في رأس المال البشري، والخطوة التالية ستكون تصدير منتجاتها وخبراتها في مجال الأمن السيبراني لدعم أسواق أخرى، مما سيجعلها قوة سيبرانية عالمية بحلول 2030». وبينما تمضي المملكة قدماً في دمج الثقة الرقمية ضمن استراتيجيتها الاقتصادية، فإنها لا تعيد تعريف كيفية الدفاع عن العالم الرقمي فحسب، بل أيضاً كيف يمكن تحويل الحماية إلى نمو مستدام، وميزة تنافسية طويلة الأمد.


مقالات ذات صلة

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

تكنولوجيا خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 01:29

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

يشهد «بلاك هات - الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» تطوراً في كل نسخة، حيث استقطب عام 2025 أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم.

غازي الحارثي (الرياض)
تكنولوجيا جانب من حضور واسع لمعرض «بلاك هات 25» (الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز) play-circle 01:32

كيف تكتشف الجهات الوطنية السعودية الهجمات السيبرانية بأساليب الذكاء الاصطناعي؟

تزايدت تحذيرات خبراء الأمن السيبراني من ارتفاع وتيرة استخدام البرمجيات الخبيثة التي تستهدف الهواتف الجوالة، ومن خطورة التقاء الذكاء الاصطناعي مع الجرائم…

غازي الحارثي (الرياض)
تكنولوجيا إحدى جلسات اليوم الثاني من «بلاك هات 25» (بلاك هات)

«بلاك هات» يتواصل بورش تقنية متخصصة ومنافسات سيبرانية

تواصلت أعمال النسخة الرابعة من فعالية «بلاك هات 2025» بنشاط متقدم في الجلسات وورش العمل التقنية التي شهدها اليوم الثاني وسط حضور دولي واسع.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص المساهمة في الأمن الوطني السيبراني السعودي من أهداف «أرامكو» الاستراتيجية (الشرق الأوسط)) play-circle 01:12

خاص إطلاق منظومة سيبرانية متقدمة لحماية القطاعات الحيوية في السعودية

أطلقت «سيبراني»، التابعة لـ«أرامكو الرقمية»، منصتها الجديدة «سيبراني وان إنتل سيرفس»، خلال مشاركتها في معرض «بلاك هات 2025».

غازي الحارثي (الرياض)
شؤون إقليمية فاطمة صديقيان وشريكها محمد شيرينكار (صفحة البرنامج على «إكس»)

10 ملايين دولار مكافأة أميركية لمعلومات عن «ثنائي» قرصنة إيراني

عرض برنامج تابع للخارجية الأميركية مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن شخصين قال إنهما يعملان بالقرصنة الإلكترونية لصالح «الحرس الثوري».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

TT

كيف تطوّر «بلاك هات» في نسخته الرابعة عن النسخ السابقة؟

خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)
خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

منذ إطلاق نسخته الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، في العاصمة السعودية الرياض، عقب النجاح الذي تحقق في فعالية «آت هاك» العام الذي قبله، شهد أكبر تجمع للأمن السيبراني في المنطقة، لحظات تحوّل لافتة، رصدها الزوّار والمهتمّون، ولاحظتها التغطيات المستمرة لـ«الشرق الأوسط»، وصولاً إلى النسخة الحالية.

يعدّ «بلاك هات» فعالية عالمية متخصصة في الأمن السيبراني، انطلقت في عام 1997، ويعد إحدى أهم المحافل العالمية لقطاع أمن المعلومات وقِبلة للمهتمين فيه، وبدأ كفعالية سنوية تقام في لاس فيغاس في الولايات المتحدة، قبل أن يجد في الرياض مستقرّاً سنويّاً لـ4 نسخ متتالية.

في النسخة الأولى من الفعالية التي ينظّمها «الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز»، الذي أنشأته السعودية لتحقيق أهدافها في تمكين مواطنيها من اكتساب الخبرات في مجال الأمن السيبراني والبرمجة لتحقيق رؤيتها الهادفة إلى تطوير كوادرها المحلية في مجالات التقنية الحديثة، إلى جانب شركة تحالف.

شهدت الفعالية مشاركة أكثر من 200 متحدث عالمي، وحضور أكثر من 250 شركة أمن سيبراني رائدة، منهم عمالقة التقنية العالميون، مثل Cisco وIBM وSpire وInfoblox، بالإضافة إلى أكثر من 40 شركة ناشئة في المجال نفسه، قبل أن تتصاعد هذه الأرقام وغيرها خلال النسخ اللاحقة.

خالد السليم نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (تصوير: تركي العقيلي)

«الشرق الأوسط» التقت خالد السليم، نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال في الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز، الذي شرح بشكل مفصل، أنه «بدايةً من (آت هاك) في عام 2021 عندما بدأنا، وكان أول مؤتمر سيبراني يُقام في السعودية، وبعد النجاح الذي حققناه، استطعنا أن نستقطب (بلاك هات) نفسه من لاس فيغاس، الذي كان يقام منذ أكثر من 35 عاماً، وهذا هو العام الرابع لـ(بلاك هات) هنا، وكل عام يشهد زيادة في الحضور وعدد الشركات، وزيادة في ساعات المحاضرات».

ارتفاع عدد الشركات العالمية المشاركة بنسبة 27 في المائة

نائب الرئيس التنفيذي لقطاع الأعمال بيّن تطور «بلاك هات» في كل نسخة عن النسخ السابقة، من ناحية عدد الحضور وعدد الشركات. وأضاف السليم: «اليوم لدينا أكثر من 350 شركة محلية وعالمية من 162 دولة حول العالم، وعدد الشركات العالمية هذا العام زاد قرابة 27 في المائة عن العام الماضي».

ابتكارات جديدة في كل نسخة

السليم وضّح أن «بلاك هات» يبتكر في كل نسخة أشياء جديدة، مثل منطقة الفعاليات التي تضمّ تقريباً 10 فعاليات جديدة، بالإضافة إلى أكثر من 12 مسرحاً مع أكثر من 300 خبير في مجال الأمن السيبراني. وحول نوعية الشركات والجهات المشاركة، دلّل عليها بأن أغلب الشركات العالمية مثل «إف بي آي»، ووزارتي الداخلية والخارجية البريطانيتين، وتابع أن كل هذه الإضافات في كل نسخة «تعتبر متجددة، وكل نسخة تزيد الأرقام أكثر من النسخة التي سبقتها».

الجهات الوطنية «تؤدي عملاً تشاركياً»

وحول مساهمة «بلاك هات» في تحقيق المستهدفات الوطنية، ومنها تحقيق السعودية المرتبة الأولى في مؤشر الأمن السيبراني للتنافسية، نوّه السليم بأن الاتحاد (الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز)، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والشركات السعودية في مجال الأمن السيبراني، تؤدي عملاً تشاركيّاً.

وأردف: «عندما يكون في (بلاك هات) أكثر من 300 ورشة عمل ومنطقة الفعاليات والتدريبات العملية التي تجري فيها والتدريبات المصاحبة لـ(بلاك هات) والشركات والمنتجات السعودية التي تُطرح اليوم، كلها تُساعد في رفع مستوى الأمان في المملكة، وهذا يُساعد في المؤشرات في مجال الأمن السيبراني».

واختتمت فعاليات «بلاك هات 2025»، الخميس، بجلسات استعرضت الهجمات المتطورة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاستجابة للحوادث السيبرانية، كما ناقشت أحدث الاتجاهات والتقنيات التي تشكّل مستقبل الأمن السيبراني عالمياً.


بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
TT

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)
شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

في عامٍ استثنائي اتّسم بتسارع التحوّل الرقمي واتّساع أثر الذكاء الاصطناعي وتحوّل المحتوى الرقمي إلى لغة يومية للمجتمعات، تداخلت ملامح المشهد العربي بين ما رصده بحث «غوغل» من اهتماماتٍ متصدّرة، وما كشفه «يوتيوب» عن لحظاته البارزة ومنتجاته الجديدة في الذكرى العشرين لانطلاقه. جاءت الصورة النهائية لعام 2025 لتُظهر كيف أصبح الإبداع الرقمي، بجميع أشكاله، مرآةً لنبض الشارع وعمق الثقافة وتطلعات الأجيال الجديدة.

منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بدت هذا العام أكثر ارتباطاً بالتكنولوجيا من أي وقت مضى. فقد تصدّرت أدوات الذكاء الاصطناعي قوائم البحث في «غوغل» في عدة دول عربية.

كانت «جيميناي» إلى جانب «تشات جي بي تي » و «ديب سيك» في طليعة الأدوات الأكثر بحثاً، مدفوعةً بفضول جماعي لفهم إمكانات النماذج التوليدية وتطبيقاتها الإبداعية. ولم يقتصر الأمر على التقنيات العامة، بل امتد إلى أدوات متخصصة مثل «نانو بانانا» لتحرير الصور و«فيو» لإنشاء مقاطع فيديو انطلاقاً من النصوص، ما يعكس تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى جزء من الحياة اليومية.

يكشف «يوتيوب» عن ابتكارات جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز صناعة المحتوى وتحسين تجربة المشاهدة والتفاعل (شاترستوك)

الأكثر رواجاً في السعودية

وفي قلب هذا المشهد المتغير، برزت المملكة العربية السعودية بصورة لافتة، إذ كان التحول الرقمي العنوان الأبرز لاهتمامات السعوديين خلال عام 2025. فقد لجأ الأفراد إلى بحث «غوغل» لتسيير شؤونهم اليومية ضمن نمط حياة رقمي آخذ في التوسع، مع ارتفاع عمليات البحث المتعلقة بمنصات مثل قبول، وتسجيل الحرس الوطني، والمركز الوطني للقياس. وإلى جانب الإقبال على الخدمات الرقمية، حافظ الترفيه على مكانته في الأمسيات السعودية، حيث استمر مسلسل «شباب البومب 13» في جذب الأنظار، إلى جانب العمل الجديد «فهد البطل» الذي حقق انتشاراً واسعاً.

وفي السياق ذاته، أظهرت المملكة شغفاً متزايداً بتكنولوجيا المستقبل، مع اهتمام واضح بأدوات الذكاء الاصطناعي مثل «Gemini» و«Hailuo AI»، ما يعكس انفتاح المجتمع السعودي على التقنيات الحديثة وتبنّيها مبكراً.

هذا التفاعل مع التكنولوجيا لم يقتصر على السعودية، بل امتد إلى دول عربية أخرى بطرق متعددة. ففي العراق، تصدرت مباريات المنتخب الوطني واجهة البحث إلى جانب بروز أسماء إعلامية ومحتوى رقمي مؤثر. وفي الأردن وسوريا وفلسطين، ظل التعليم والخدمات العامة والدراما المحلية والرياضة في مقدمة الاهتمامات، لتبقى هذه المجتمعات متفاعلة مع مستجدات الحياة رغم اختلاف السياقات والتحديات. أما المغرب والجزائر، فحافظا على حضور كرة القدم في صدارة المشهد، إلى جانب انتشار الأدوات الذكية والأعمال الدرامية ونجاحات الإنتاجات العالمية.

أدوات الذكاء الاصطناعي مثل «جيميناي» و«شات جي بي تي» تصدّرت عمليات البحث في عدة دول عربية (شاترستوك)

من «غوغل» إلى «يوتيوب»

هذه الديناميكية الرقمية امتدت بقوة إلى «يوتيوب»، الذي اختار عامه العشرين ليقدّم أول «ملخص مشاهدة شخصي» عالمي، يسمح للمستخدمين باستعادة أبرز لحظاتهم عبر المنصة. وقد عكس هذا الإصدار فهماً عميقاً لطبيعة الجمهور العربي، الذي أظهر تفاعلاً كبيراً مع المواسم الثقافية كرمضان وعيد الأضحى، وناقش قضايا الذكاء الاصطناعي، وتابع بشغف نجوم كرة القدم العالميين مثل لامين يامال ورافينيا. كما حققت الأعمال الدرامية والأنمي والألعاب من «لعبة الحبّار» (Squid Game) إلى«Blue Lock» و«Grow a Garden» انتشاراً واسعاً، ما يعكس تنوع أذواق الجمهور واتساع رقعة التأثير الثقافي الرقمي.

وبرز عربياً هذا العام صعود لافت لصنّاع المحتوى، وفي مقدمتهم الفلسطيني أبو راني الذي تصدّر القوائم إقليمياً واحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد «Mr. Beast» بمحتوى بسيط وواقعي يوثق تفاصيل الحياة اليومية في غزة.

وعلى مستوى الموسيقى، احتلت أغنية «خطية» لبيسان إسماعيل وفؤاد جنيد المرتبة الأولى، مؤكدة الدور المتصاعد لمنشئي المحتوى في تشكيل الذوق الفني الرقمي.

وإلى جانب رصد الظواهر، كشف «يوتيوب» خلال فعالية «Made on YouTube» عن سلسلة ابتكارات جديدة تستشرف مستقبل صناعة المحتوى. فقد بدأ دمج نموذج «Veo 3 Fast» لتمكين منشئي «شورتس» من تصميم خلفيات ومقاطع عالية الجودة مجاناً، وإضافة الحركة إلى المشاهد بمرونة غير مسبوقة. كما ستتيح ميزة «التعديل باستخدام الذكاء الاصطناعي» تحويل المقاطع الأولية إلى مسودة جاهزة، فيما تضيف ميزة «تحويل الكلام إلى أغنية» بعداً إبداعياً جديداً لمنشئي المحتوى الشباب.

وفي خطوة لتقوية البنية الإبداعية، أعلن «يوتيوب» عن تحسينات واسعة في «استوديو YouTube» تشمل أدوات تعاون بين صناع المحتوى واختبارات «A/B » للعناوين وترقيات تجعل الاستوديو منصة استراتيجية لتطوير المحتوى. كما يجري العمل على توسيع أداة «رصد التشابه» التي تساعد على متابعة الفيديوهات التي ينشئها الذكاء الاصطناعي باستخدام وجوه مشابهة لصناع المحتوى، وهي خطوة مهمة في زمن تتداخل فيه حدود الهوية الرقمية مع الإبداع الاصطناعي.

اهتمامات البحث تنوعت عربياً بين التعليم والرياضة والدراما والأدوات التقنية بحسب سياق كل دولة (أدوبي)

ماذا عن المشاهدات؟

على صعيد المشاهدة، فقد شهد المحتوى المباشر نمواً استثنائياً، إذ إن أكثر من 30 في المائة من مستخدمي «يوتيوب» شاهدوا بثاً مباشراً يومياً في الربع الثاني من عام 2025. لذلك تطلق المنصة أكبر تحديث لأدوات البث الحي لتعزيز تفاعل الجمهور وتوسيع قاعدة المشاهدين وزيادة مصادر الدخل. وفي المجال الموسيقي، تحمل «YouTube Music» ميزات جديدة مثل العد التنازلي للإصدارات وخيارات حفظ المفضلات مسبقاً، فيما تعمل المنصة على أدوات تربط الفنانين بمعجبيهم عبر محتوى حصري وتجارب مخصصة.

كما تتوسع فرص التعاون بين العلامات التجارية وصناع المحتوى، مع ميزات جديدة في «التسوق على يوتيوب» تشمل الروابط المباشرة داخل «شورتس» وإدراج مقاطع العلامات التجارية بسهولة أكبر، مدعومةً بإمكانات الذكاء الاصطناعي لتسهيل الإشارة إلى المنتجات وتوسيع الأسواق المتاحة.

في هذا المشهد المتفاعل بين «غوغل» و«يوتيوب» والجمهور العربي، يتضح أن المنطقة تعيش مرحلة جديدة يتقاطع فيها الذكاء الاصطناعي مع الإبداع الإنساني، ويتحوّل فيها المحتوى الرقمي إلى منصة للتعبير الجماعي وبناء المجتمعات وصياغة الاتجاهات الثقافية. وبين البحث والاستهلاك والإنتاج، يستمر عام 2025 في رسم ملامح عقدٍ مقبل يعد بأن يكون الأكثر ثراءً وتحولاً في تاريخ المحتوى العربي الرقمي.


شريحة دماغية تُمكّن المرضى من تحريك أطراف روبوتية بمجرد التفكير

منصة «إكس»
منصة «إكس»
TT

شريحة دماغية تُمكّن المرضى من تحريك أطراف روبوتية بمجرد التفكير

منصة «إكس»
منصة «إكس»

أعلنت شركة «نيورالينك»، التابعة لإيلون ماسك، أنّ شريحتها المزروعة في الدماغ باتت قادرة على مساعدة المرضى في تحريك أطراف روبوتية باستخدام الإشارات العصبية، في خطوة تُعد من أبرز التطورات في مجال الواجهات العصبية الحاسوبية، وفقاً لموقع «يورونيوز».

ويأتي هذا التقدّم في حين لا يزال الجهاز في مرحلة التجارب السريرية؛ إذ تتركّز الاختبارات على مستويات الأمان ووظائف الشريحة لدى الأشخاص الذين يعانون من أمراض وإصابات تحدّ من قدرتهم على الحركة.

وفي مقطع فيديو نشرته الشركة على منصة «إكس»، ظهر المريض الأميركي روكي ستاوتنبرغ، المصاب بالشلل منذ عام 2006، وهو يحرك ذراعاً روبوتية مستخدماً أفكاره فقط، قبل أن يرفع الذراع إلى وجهه ويقبّلها في مشهد لافت.

وقالت «نيورالينك» في بيان عبر المنصة إن «المشاركين في تجاربنا السريرية تمكنوا من توسيع نطاق التحكم الرقمي ليشمل أجهزة فيزيائية مثل الأذرع الروبوتية المساعدة»، مشيرة إلى أن الشركة تخطط لـ«توسيع قائمة الأجهزة التي يمكن التحكم بها عبر الشريحة مستقبلاً».

وتهدف هذه التقنية إلى مساعدة المرضى المصابين بالشلل على استخدام أجهزتهم الشخصية واستعادة جزء من قدرتهم على الحركة، من خلال واجهة تُعرَف بـ«واجهة الدماغ والحاسوب» (BCI)، وهي تقنية قادرة على تفسير الإشارات الصادرة عن الدماغ وتحويلها إلى أوامر رقمية.

وبحسب الشركة، فقد جرى منذ يناير (كانون الثاني) الماضي زرع الشريحة في 12 مريضاً حتى سبتمبر (أيلول) 2024. وكان أول المشاركين يعاني من شلل ناتج عن إصابة في الحبل الشوكي، واستطاع بفضل الشريحة تشغيل ألعاب الفيديو ولعبة الشطرنج بواسطة التفكير.

ويعاني باقي المتطوعين إما من إصابات في الحبل الشوكي أو من التصلب الجانبي الضموري (ALS)، وهو مرض يؤدي تدريجياً إلى فقدان القدرة على التحكم في عضلات الجسم.

وكشف ماسك أن أكثر من 10 آلاف شخص سجّلوا أسماءهم في سجل المرضى لدى «نيورالينك» على أمل المشاركة في التجارب المستقبلية.

وتعد «نيورالينك» واحدة من عدة شركات تعمل في مضمار تطوير واجهات الدماغ الحاسوبي، في حين تشير بيانات التجارب السريرية الأميركية إلى أن تقنيات مماثلة يجري اختبارها لمساعدة المصابين بالشلل الدماغي، والخرف، والجلطات الدماغية، وغيرها من الحالات الصحية المعقدة.