لماذا أصبحت الرقائق الذكية في قلب صراع الذكاء الاصطناعي العالمي؟

واشنطن تفتح أبواب التقنية لحلفائها في الخليج

تُعد رقائق الذكاء الاصطناعي أساسية لتشغيل النماذج المتقدمة ويُتوقع أن تتجاوز سوقها العالمية 150 مليار دولار بحلول 2027 (أدوبي)
تُعد رقائق الذكاء الاصطناعي أساسية لتشغيل النماذج المتقدمة ويُتوقع أن تتجاوز سوقها العالمية 150 مليار دولار بحلول 2027 (أدوبي)
TT

لماذا أصبحت الرقائق الذكية في قلب صراع الذكاء الاصطناعي العالمي؟

تُعد رقائق الذكاء الاصطناعي أساسية لتشغيل النماذج المتقدمة ويُتوقع أن تتجاوز سوقها العالمية 150 مليار دولار بحلول 2027 (أدوبي)
تُعد رقائق الذكاء الاصطناعي أساسية لتشغيل النماذج المتقدمة ويُتوقع أن تتجاوز سوقها العالمية 150 مليار دولار بحلول 2027 (أدوبي)

قد يُعيد سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للموافقة على بيع مئات الآلاف من رقائق الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى شركة «هيوماين» السعودية وشركة «جي 42» الإماراتية، رسم ملامح مشهد الذكاء الاصطناعي عالمياً، خصوصاً أن الخطوة تأتي بعد قيود فرضتها واشنطن على تصدير الرقائق إلى دول العالم.

ومن المرجّح أن تُوقّع هذه الاتفاقيات خلال الزيارة التي بدأها الرئيس الأميركي من الرياض، اليوم، في إطار مسعى يهدف إلى تمكين الحلفاء الخليجيين من بناء قدرات وطنية مستقلة في مجال الذكاء الاصطناعي وتسريع مسارات الابتكار.

أهمية رقائق الذكاء الاصطناعي الاستراتيجية

تكمن القيمة الجوهرية لهذه الاتفاقات في قوة الرقائق المتقدمة، خصوصاً وحدات المعالجة الرسومية (GPUs) مثل «H100» و«A100» من شركة «إنفيديا» (NVIDIA)، التي تُعد أساسية لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي واسعة النطاق، بدءاً من النماذج التوليدية والأنظمة الذاتية، وصولاً إلى التطبيقات في الرعاية الصحية والأمن والطاقة.

ففي عام 2023، بلغت قيمة الطلب العالمي على رقائق الذكاء الاصطناعي أكثر من 65 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتجاوز السوق 150 مليار دولار بحلول عام 2027، وفقاً لتقديرات مؤسسة «غارتنر». وتُعتبر هذه الرقائق الركيزة الأساسية ليس فقط لتطبيقات الأعمال بل أيضاً للبحوث المناخية والتصنيع المتقدم والأمن السيبراني.

أظهرت السعودية التزامها برؤية وطنية أخلاقية لتطوير الذكاء الاصطناعي (أدوبي)

التكيّف مع الواقع الجديد

خلفية هذه التحركات تعود إلى تحولات جذرية في سياسات التصدير الأميركية. ففي عامي 2022 و2023، فرضت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جو بايدن قيوداً صارمة على تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين ودول أخرى، مستندة إلى مخاوف أمنية بشأن الاستخدامات العسكرية المحتملة للذكاء الاصطناعي.

لكن إدارة ترمب تعيد تقييم هذه السياسات، في محاولة لإيجاد توازن بين حماية الأمن القومي وتعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي. وبحسب تقرير لوكالة «رويترز»، صرّح ديفيد ساكس، المسؤول عن ملف الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية في البيت الأبيض، خلال منتدى الاستثمار السعودي - الأميركي في الرياض، في وقت سابق هذا الشهر، بأن إدارة ترمب تعتزم إلغاء ما يُعرف بـ«قاعدة الانتشار» التي وُضعت في عهد بايدن، والتي كانت تقيّد تصدير تقنيات الذكاء الاصطناعي الأميركية.

وأوضح ساكس أن هذه القاعدة لم تكن تهدف إلى تقييد الشركاء الاستراتيجيين مثل السعودية، وأنه يمكن إدارة المخاطر من دون الحاجة إلى وقف صادرات الرقائق. ​

شراكات مسؤولة لبناء قدرات المستقبل

تندرج صادرات الرقائق المتقدمة للحلفاء الخليجيين ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز الشراكات العالمية المسؤولة في مجال التكنولوجيا المتقدمة. وقد أثبتت السعودية التزامها برؤية واضحة وأخلاقية في تطوير الذكاء الاصطناعي، من خلال استراتيجيات وطنية ترتكز على الشفافية والتقدم العلمي.

في السعودية، يشكّل الذكاء الاصطناعي ركيزة محورية في «رؤية المملكة 2030»، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز التحول الرقمي. ومن المتوقع أن تتضمن هذه الاتفاقيات بنوداً واضحة لاستخدام التقنية وآليات رقابة تضمن استخدامها في التطبيقات المدنية والتنموية مثل تشخيص الأمراض، والمدن الذكية، وحلول الطاقة المتجددة، ونماذج اللغة العربية.

سباق عالمي على الذكاء الاصطناعي

في ظل اشتداد سباق الذكاء الاصطناعي عالمياً، تسعى الولايات المتحدة إلى بناء تحالفات تكنولوجية جديدة، بما يتجاوز شركاءها التقليديين. وقد برزت منطقة الشرق الأوسط كحليف واعد، بفضل استثماراتها الكبيرة في البنية التحتية الرقمية والبحث العلمي.

من جهة أخرى، تواصل الصين ضخ استثمارات ضخمة لتحقيق هدفها بأن تصبح الدولة الرائدة عالمياً في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030. وفي هذا السياق، ترى واشنطن أن دعم حلفائها في الخليج العربي سيسهم في خلق نماذج تطوير متقدمة ومفتوحة، تتوافق مع المعايير الغربية في الشفافية والحوكمة.

تتصدر السعودية ريادة الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات في المنطقة

سلاسل التوريد والتعاون الدولي

من المهم التذكير بأن رقائق الذكاء الاصطناعي جزء من سلسلة توريد عالمية معقدة. فعلى الرغم من أن الشركات الأميركية مثل «إنفيديا» و «إيه إم دي» (AMD) هي التي تصمم هذه الرقائق، فإن تصنيعها يتم غالباً في مصانع خارجية في تايوان وكوريا الجنوبية، باستخدام معدات متقدمة من شركات هولندية ويابانية.

لهذا، فإن أي صفقة لتصدير هذه الرقائق تتطلب تنسيقاً دولياً دقيقاً، ليس فقط على مستوى التراخيص، بل أيضاً على مستوى الامتثال والضوابط التجارية، بما يضمن حماية الابتكار وتعزيز الأمن الاقتصادي.

بين الابتكار والقيود

من منظور قطاع التكنولوجيا، تُمثل هذه الشراكات فرصة نمو مهمة. فقد أعربت شركات مثل «إنفيديا» عن قلقها من أن القيود المفرطة قد تضر بقدرتها التنافسية عالمياً. وصرّح الرئيس التنفيذي للشركة جينسن هوانغ مؤخراً بأن فقدان أسواق كبرى مثل الصين والشرق الأوسط سيكون «خسارة فادحة» للريادة الأميركية في هذا المجال.

وبينما خسر مصنعو الرقائق الأميركيون حصة كبيرة من السوق الصينية نتيجة القيود السابقة، فإن التعاون مع دول الخليج يمكن أن يعوّض هذه الخسائر، خاصة في ظل توجه هذه الدول نحو بناء مراكز بيانات متقدمة، وحاضنات ذكاء اصطناعي، ومشاريع تعليمية وبحثية ضخمة.

أبعد من التقنية

تعكس هذه الصفقات رؤية مستقبلية تتجاوز الجوانب التقنية؛ فهي ترمز إلى شراكات تقوم على الثقة، وتهدف إلى بناء منظومة ذكاء اصطناعي عالمية شفافة وفعالة وعادلة. إذا ما أُبرمت، فإن اتفاقيات تصدير رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الشركتين السعودية والإماراتية، ستشكّل لحظة فارقة في انتقال الشرق الأوسط من مستورد للتقنيات إلى منتج وشريك عالمي في تطويرها.

وكما صرّح أحد المسؤولين الأميركيين لصحيفة «واشنطن بوست» بأنه «يمكن إدارة المخاطر دون إيقاف التقدم... التعاون مع حلفائنا في الخليج جزء من مستقبل يكون فيه تطوير الذكاء الاصطناعي قوياً ومبدئياً في آن معاً».


مقالات ذات صلة

بعد الذكاء الاصطناعي: سباق الروبوتات يحتدم بين أميركا والصين

تكنولوجيا بعد الذكاء الاصطناعي: سباق الروبوتات يحتدم بين أميركا والصين

بعد الذكاء الاصطناعي: سباق الروبوتات يحتدم بين أميركا والصين

تُشير التقارير إلى أن الحكومة الأميركية تُكثّف استثماراتها في مجال سريع النمو لتعزيز قدرتها التنافسية مع الصين.

كريس موريس (واشنطن)
خاص تحوّلت «رحلة من نور» في «أوترنت» لندن إلى نموذج جديد للسرد الثقافي باستخدام التكنولوجيا الغامرة (Outernet)

خاص «رحلة من نور» تنقل الدرعية إلى لندن عبر تجربة رقمية غامرة

تجربة «رحلة من نور» استخدمت تقنيات رقمية غامرة في «أوترنت لندن» لإعادة تقديم الدرعية بلغة معاصرة محوّلة التراث إلى تجربة حية لجمهور عالمي.

نسيم رمضان (لندن)
خاص يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط مدفوعاً بالتحول الحكومي والذكاء الاصطناعي والقطاعات الرقمية كثيفة البيانات (غيتي)

خاص هل تصبح البيانات أساس المرحلة المقبلة من التحول الرقمي في الشرق الأوسط؟

يتسارع نمو البيانات في الشرق الأوسط، ما يجعل البنية التحتية للتخزين وإدارة البيانات عاملاً حاسماً في نجاح التحول الرقمي ودعم الذكاء الاصطناعي بكفاءة واستدامة.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا تقنيات متقدمة للعمل والدراسة واللعب

كمبيوترات محمولة ومكتبية بمواصفات متقدمة للعمل والدراسة واللعب الذكي مع حلول موسم نهاية العام

تستخدم في التخصصات التي تتطلب رسومات مجسمة مثل الهندسة والعلوم والطب

خلدون غسان سعيد (جدة)
خاص يتحوّل الرصد من أداة تقنية إلى ركيزة استراتيجية تعزز الإنتاجية والإيرادات وتجربة العملاء داخل المؤسسات (شاترستوك)

خاص تقرير «سبلانك»: هل أصبح «الرّصد» مفتاح مستقبل المؤسسات في السعودية والمنطقة؟

يكشف تقرير «سبلانك 2025» تحوّل «الرصد» إلى ركيزة استراتيجية تدعم الإنتاجية والابتكار والموثوقية مع تسارع تبنّيه في السعودية لمواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

وكيل الذكاء الاصطناعي «Vy»... خطوة متقدّمة نحو حواسيب تنفذ مهامها ذاتياً

«Vy» مساعد ذكي ينفّذ مهام الحاسوب عبر فهم الشاشة والتفاعل المباشر مع التطبيقات (vy)
«Vy» مساعد ذكي ينفّذ مهام الحاسوب عبر فهم الشاشة والتفاعل المباشر مع التطبيقات (vy)
TT

وكيل الذكاء الاصطناعي «Vy»... خطوة متقدّمة نحو حواسيب تنفذ مهامها ذاتياً

«Vy» مساعد ذكي ينفّذ مهام الحاسوب عبر فهم الشاشة والتفاعل المباشر مع التطبيقات (vy)
«Vy» مساعد ذكي ينفّذ مهام الحاسوب عبر فهم الشاشة والتفاعل المباشر مع التطبيقات (vy)

تشهد تقنيات الأتمتة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تطوراً متسارعاً، من بينها نظام «Vy» الذي طوّرته شركة «فيرسبت» (Vercept) خلال العامين الماضيين، وبرز باعتباره أحد أبرز الحلول القادرة على تنفيذ المهام داخل الحاسوب عبر التفاعل المباشر مع واجهة المستخدم. ورغم أنّ الخدمة ليست جديدة من حيث الإطلاق، فإنها باتت تحظى باهتمام متزايد في الفترة الأخيرة مع توسّع قدراتها واعتماد شريحة أوسع من المستخدمين عليها داخل المؤسسات والقطاعات المهنية.

ويعتمد النظام على نموذج رؤية حاسوبية متقدم يسمح بفهم محتوى الشاشة والتعرّف على عناصرها، بما في ذلك الأزرار والحقول والنوافذ والقوائم. ويمكّنه ذلك من تنفيذ سلسلة من المهام التي تُعد عادةً من الأعمال الروتينية، مثل فتح التطبيقات، تعديل المستندات، معالجة الملفات، تعبئة النماذج الإلكترونية، إجراء عمليات بحث أو نسخ ولصق عبر برامج مختلفة، من دون الحاجة إلى أوامر برمجية أو تكاملات خارجية.

طريقة عمل النظام

تتيح البنية التقنية لـ«Vy» للمستخدم إصدار أوامر بصياغة طبيعية، ثم يقوم النظام بتحويلها إلى خطوات عملية داخل الجهاز، بدءاً من تحريك المؤشر والتنقل بين النوافذ، وصولاً إلى كتابة النصوص وتنفيذ الإجراءات المطلوبة. ويعمل النظام بشكل محلي على الحاسوب، ما يمنحه خصوصية أعلى وسرعة في المعالجة مقارنة بالأدوات التي تعتمد على الاتصال الدائم بالسحابة.

كما يوفر النظام خاصية تسجيل خطوات المهام اليومية ليُعاد تشغيلها لاحقاً بشكل تلقائي، وهي ميزة تستهدف الموظفين الذين يتعاملون مع عمليات متكررة أو دورية، سواء في الأقسام الإدارية أو المالية أو التشغيلية. ويساعد هذا التوجه على تقليل الوقت المهدَر في الأعمال التفصيلية، ويوجه الجهد نحو مهام أعلى قيمة.

ويقدّم «Vy» نموذجاً مختلفاً للأتمتة الرقمية، يقوم على تنفيذ المهام داخل الحاسوب عبر التفاعل المباشر مع الواجهة الرسومية، الأمر الذي يمنحه قدرة على أداء الأعمال المكتبية اليومية دون الحاجة إلى تكاملات تقنية معقدة. ويتيح هذا الأسلوب تنفيذ إجراءات متعددة داخل التطبيقات المختلفة، ما يدعم كفاءة العمل ويقلّل الزمن المستهلك في المهام الروتينية.

يسمح النظام بتطبيق الأتمتة في بيئات تشغيل متنوعة، من خلال التعامل مع الجهاز نفسه بدلاً من الآليات البرمجية التقليدية، وهو ما يمنح المؤسسات مرونة أكبر في استخدام التقنية دون تعديلات إضافية. ويأتي ذلك ضمن توجه تقني يستهدف تطوير أدوات قادرة على إدارة العمليات اليومية بصورة ذاتية، مع توقعات بتوسّع هذا النوع من الأنظمة خلال المرحلة المقبلة مع تحسن قدرات الرؤية الحاسوبية وفهم السياق داخل التطبيقات.


مجلة «تايم» تختار «مهندسي الذكاء الاصطناعي» شخصية عام 2025

غلاف مجلة «تايم» يظهر «مهندسي الذكاء الاصطناعي» الأشهر بعد اختيارهم شخصية عام 2025 (حساب المجلة عبر منصة «إكس»)
غلاف مجلة «تايم» يظهر «مهندسي الذكاء الاصطناعي» الأشهر بعد اختيارهم شخصية عام 2025 (حساب المجلة عبر منصة «إكس»)
TT

مجلة «تايم» تختار «مهندسي الذكاء الاصطناعي» شخصية عام 2025

غلاف مجلة «تايم» يظهر «مهندسي الذكاء الاصطناعي» الأشهر بعد اختيارهم شخصية عام 2025 (حساب المجلة عبر منصة «إكس»)
غلاف مجلة «تايم» يظهر «مهندسي الذكاء الاصطناعي» الأشهر بعد اختيارهم شخصية عام 2025 (حساب المجلة عبر منصة «إكس»)

اختارت مجلة «تايم»، اليوم الخميس، «مهندسي الذكاء الاصطناعي» شخصية عام 2025. وقالت المجلة إن 2025 هو العام الذي «ظهرت فيه بقوة» إمكانات الذكاء الاصطناعي من دون تراجع، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس».

وأضافت المجلة، في منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي: «لتقديمهم عصر الآلات المفكرة، ولإبهارهم البشرية وإثارة قلقها، ولتحويلهم الحاضر وتجاوز الممكن، مهندسو الذكاء الاصطناعي هم اختيار (تايم) لشخصية عام 2025».

وظهر على غلاف المجلة صورة لمجموعة من أبرز الأسماء في عالم «الذكاء الاصطناعي» منهم؛ جنسن هوانغ ومارك زوكربيرغ وسام ألتمان وإيلون ماسك.


بعد الذكاء الاصطناعي: سباق الروبوتات يحتدم بين أميركا والصين

بعد الذكاء الاصطناعي: سباق الروبوتات يحتدم بين أميركا والصين
TT

بعد الذكاء الاصطناعي: سباق الروبوتات يحتدم بين أميركا والصين

بعد الذكاء الاصطناعي: سباق الروبوتات يحتدم بين أميركا والصين

تُشير التقارير إلى أن الحكومة الأميركية تُكثّف استثماراتها في مجال سريع النمو لتعزيز قدرتها التنافسية مع الصين.

من الذكاء الاصطناعي إلى الروبوتات

على مدى أشهر، ركّزت إدارة ترمب بشكل كبير على صناعة الذكاء الاصطناعي، حيث دفعت باتجاه سنّ تشريعات وأصدرت أوامر تنفيذية تهدف إلى تخفيف القيود التنظيمية المفروضة على الذكاء الاصطناعي وتسريع تبنّي هذه التقنية. وقد صرّح البيت الأبيض بأن الهدف هو أن تُهيمن أميركا على هذه الصناعة.

وقد شهدت هذه الجهود بعض العقبات، مثل فشل محاولة منع الولايات من إصدار لوائحها الخاصة بتنظيم هذه الصناعة، ولكنها شهدت أيضاً الكثير من الإنجازات البارزة، مثل إنشاء «ستارغيت»، وهو مشروع مشترك ضخم سيشهد قيام «أوبن إيه آي» و«سوفت بنك» و«أوراكل» ببناء مراكز بيانات ضخمة للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.

والآن، مع تقدّم الذكاء الاصطناعي بوتيرة تبدو مُستقرة، تُشير التقارير إلى أن الإدارة تُضيف مجالاً جديداً إلى قائمة أولوياتها، مع احتمال إصدار أمر تنفيذي بهذا الشأن في وقت مبكر من العام المقبل: الروبوتات. وقد أفادت صحيفة «بوليتيكو» بأن وزير التجارة الأميركي، هوارد لوتنيك، يعقد اجتماعات مع الرؤساء التنفيذيين في قطاع الروبوتات؛ بهدف استكشاف سبل تسريع وتيرة التطوير في الولايات المتحدة.

صدارة الصين

تتصدر الصين حالياً المشهد العالمي في مجال الروبوتات، حيث يوجد لديها 1.8 مليون روبوت صناعي قيد التشغيل في المصانع، وفقاً للاتحاد الدولي للروبوتات. وهذا الرقم يعادل أربعة أضعاف العدد الموجود في الولايات المتحدة.

وتحظى الروبوتات بأهمية بالغة في الصين، لدرجة أنها استضافت دورة الألعاب العالمية للروبوتات البشرية، المعروفة أيضاً باسم أولمبياد الروبوتات، في أغسطس (آب) الماضي.

تحقيق تكافؤ الفرص مع الصين

وكان روبرت بلاير، الرئيس التنفيذي لشركة «بوسطن داينامكس»، أكد في تصريح إعلامي، الجمعة الماضي، أن شركته تعمل بنشاط مع «لوتنيك» على وضع استراتيجية وطنية للروبوتات. وأوضح أن الهدف من ذلك هو تحقيق تكافؤ الفرص مع الصين، وتشجيع الصناعات الأميركية على تبني الروبوتات، ووضع استراتيجيات لتسريع وتيرة العمل في عصر الذكاء الاصطناعي.

وأضاف: «من الحكمة البدء في قطاعي التصنيع والخدمات اللوجيستية؛ نظراً للطلب الهائل، ولأن هذه البيئات الخاضعة للرقابة تُعدّ مكاناً آمناً لإطلاق هذه التقنية الجديدة. ستدخل الروبوتات المنازل في نهاية المطاف، لكننا لا نعتقد أن هذا هو المكان المناسب للبدء اليوم؛ نظراً للتكلفة والسلامة والوظائف، ولكن خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة، سنشهد بالتأكيد إصدارات جديدة من هذه الروبوتات في المنازل».

استراتيجية وطنية

وقد دأبت شركات تصنيع الروبوتات، بما في ذلك «تسلا» و«بوسطن داينامكس»، على الضغط على واشنطن منذ فترة لزيادة التركيز على صناعة الروبوتات، وكذلك فعلت جمعية تطوير الأتمتة Association for Advancing Automation (A3)؛ إذ كتبت في تعليق علني لوزارة التجارة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي: «يجب أن تكون أي محاولة أميركية لزيادة القدرة المحلية في مجال الروبوتات نتاجاً لاستراتيجية وطنية شاملة للروبوتات».

وترى الجمعية أن من الممكن على المدى البعيد زيادة القدرة الإنتاجية المحلية للروبوتات في الولايات المتحدة بشكل كبير، وتقليل الاعتماد على الروبوتات والمكونات المستوردة. وستُمكّن استراتيجية وطنية للروبوتات الولايات المتحدة من العمل على تحقيق جميع هذه الأهداف.

وكان من بين اقتراحات المجموعة إنشاء مكتب حكومي اتحادي للروبوتات، وهو مرفق مركزي لوضع استراتيجية وطنية والإشراف عليها وتوجيهها. وذكرت «بوليتيكو» أن وزارة النقل تستعد أيضاً للإعلان عن فريق عمل معني بالروبوتات.

كما أشار دان ليفي، المحلل في «باركليز»، إلى إمكانية زيادة اهتمام البيت الأبيض بالروبوتات الشبيهة بالبشر؛ لتسهيل تصنيعها وبيعها. وقال: «يُنظر إلى الروبوتات بشكل متزايد على أنها نقطة تنافس رئيسية مع الصين».

روبوتات صناعية

ويُعدّ إيلون ماسك، من أبرز الداعمين للروبوتات، وتحديداً الروبوتات الشبيهة بالبشر. وقد تعهد في أبريل (نيسان) الماضي بأن تُصنّع «تسلا» ما لا يقل عن 5000 روبوت من طراز «أوبتيموس» هذا العام (وربما ضعف هذا العدد)، مع أهداف طموحة لعام 2026 والسنوات اللاحقة.

ومع ذلك، من المرجّح أن يكون التركيز الأولي لأيّ مبادرةٍ من البيت الأبيض في مجال الروبوتات أقلّ على الروبوتات الشبيهة بالبشر، وأكثر على الروبوتات المستخدمة في المصانع. ورغم أنها أقلّ إثارةً، فإنها تُعدّ ذات مزايا في مجال التصنيع؛ ما يُعزّز أهداف ترمب في زيادة عدد المنتجات المصنّعة في الولايات المتحدة.

* خدمات «تريبيون ميديا»

حقائق

1.8

مليون روبوت صناعي قيد التشغيل في المصانع الصينية