«الداتا»... عنصر حاسم في الحروب والسياسة

جندي أوكراني يطلق مسيّرة للتجسس باتجاه المواقع الروسية على الجبهة (أرشيفية - رويترز)
جندي أوكراني يطلق مسيّرة للتجسس باتجاه المواقع الروسية على الجبهة (أرشيفية - رويترز)
TT

«الداتا»... عنصر حاسم في الحروب والسياسة

جندي أوكراني يطلق مسيّرة للتجسس باتجاه المواقع الروسية على الجبهة (أرشيفية - رويترز)
جندي أوكراني يطلق مسيّرة للتجسس باتجاه المواقع الروسية على الجبهة (أرشيفية - رويترز)

كلمة «داتا» جمع للكلمة اللاتينية «Datum»، ومعناها «مادة» أو «وحدة» أو «مفردة معلومات». ترافق الـ«داتا» الإنسان في كل مجرى من حياته، فهو بحاجة إليها للتعامل مع محيطه الإنساني، والجغرافي، وحتى في علاقته مع رب العالمين. أُنزلت الكتب المقدّسة لإعادة ترميم الرابط بين الخالق والإنسان. هي المعلومة اللازمة وخريطة الطريق للعودة إلى الصراط المستقيم.

تعدّ ذاكرة الإنسان مخزناً لـ«الداتا»... فيها تتلاقى تجارب الماضي، مع سلوك الحاضر؛ وذلك بهدف التخطيط للمستقبل... إذن: «لا داتا... لا مستقبل».

تربط الدول علاقتها بمواطنيها عبر الـ«داتا» المخزونة عنهم، من هنا تشكُّل البيروقراطيّة.

تحاول الدول حماية ما تملك من معلومات ومن أسرار حول الاختراعات والابتكارات، خصوصاً في المجال العسكري. في العصر الرقمي ظهر مفهوم «الخرق (Hacking)» أو «القرصنة الرقميّة» لسرقة الـ«داتا» المتقدّمة. في مرحلة ما قبل الـ«داتا»، كانت سرقة الـ«داتا» تجري بواسطة التجسس البشري المباشر. يُقال في هذا المجال، إن أميركا، في بداية صعودها في أوائل القرن التاسع عشر، كانت تسرق الـ«داتا» من بريطانيا حول أسرار التصنيع، خصوصاً أن بريطانيا كانت تعدّ مهد الثورة الصناعيّة. تحاول الصين اليوم، وغيرها من الدول المنافسة لـ«العم سام»، سرقة الـ«داتا» الرقميّة عبر «القرصنة الرقميّة». فهل تغيّر شيء في التاريخ سوى طريقة ووسيلة سرقة الـ«داتا»؟

فاجأت «حماس» إسرائيل في «7 أكتوبر» لأنها استطاعت حجب الـ«داتا» الكاملة عن نياتها العسكريّة (أ.ب)

ضبابية الحرب والـ«داتا»

يتحدّث المفكّر البروسيّ الكبير، كارل فون كلوزفيتز، في كتابه «في الحرب»، عما تُسمّى «ضبابية الحرب (Fog of war)»، فيقول: «هي حالة عدم اليقين والارتباك وانعدام الوضوح، التي يمكن أن تنشأ خلال العمليات العسكريّة». تنشأ هذه الحالات من الارتباك وعدم اليقين بسبب النقص في الـ«داتا» عن العدو، وعن حقل المعركة، خصوصاً عن نيات العدو. لكن بعد الطلقة الأولى، تتضّح نيات العدو، وتزيد كميّة الـ«داتا» عنه. كما يتضّح للعدو في العملية نفسها كثير من الـ«داتا» عن عدّوه المفترض. لكن تعقيدات المعركة، وديناميكيّتها، وعدم القدرة البشريّة، مهما كانت متطوّرة، على السيطرة عليها، تعود لتخلق «داتا جديدة»، تُغرق صُنّاع القرار وتربكهم، الأمر الذي يُعيد «ضبابيّة الحرب» إلى المُربّع الأول. لكن كيف؟

في الحرب هناك مفهوم «السيف والدرع (Sword & Shield)». والمقصود بـ«السيف» هو عندما يكون فريق معيّن متقدّماً على عدوّه بسلاح ما (Breakthrough)، الأمر الذي يعطيه أفضلية ميدانيّة، فيخلق «ضبابية» لدى الفريق الآخر؛ لأنه لا يملك «الدرع الواقي (Shield)» لهذا السلاح. لكن بمجرّد أن يملك الـ«داتا» الكافية عن السلاح الجديد، يبدأ في خلق آليات ووسائل وطُرق وابتكارات تكتيكيّة جديدة، بهدف إبطال مفاعيل السلاح الجديد أو التقليل منها. تُنتج عملية «خلق الدرع» أمام «السيف» كثيراً من الـ«داتا»... وهكذا دواليك.

وإذا كان كلوزفيتز قد قال إن «الحرب هي السياسة؛ لكن بوسائل أخرى»، فهل يمكن القول حالياً إن «السياسة والحروب تدوران حول الـ(داتا)»؟ وهل يمكن القول إن الحرب تترجم الـ«داتا» في ساحة المعركة بطريقة دمويّة بامتياز؟

المنطاد الصيني المشتبه فيه بالتجسس خلال إسقاطه من فوق مياه ولاية ساوث كارولاينا الأميركية في 4 فبراير 2023 (رويترز)

الـ«داتا» وبعض المفاجآت الاستراتيجية

في عام 1941، فاجأت اليابان «العم سام» في «بيرل هاربر». أعلنت أميركا الحرب على اليابان؛ هزمتها بعد أن استعملت السلاح النوويّ. لم تستطع أميركا تنفيذ «ضربة استباقيّة (Preemptive)» ضد البحرية اليابانيّة؛ لأنها كانت تفتقر إلى الـ«داتا» الكاملة عن نيات «بلاد الشمس المشرقة». وإذا كانت الحرب تقوم في جوهرها على «الخداع» كما قال سان تسو، فإن نجاح عملية «بيرل هاربر»، قد ارتكز على حجب الـ«داتا» عن أميركا.

فاجأت «حماس» إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ لأنها استطاعت حجب الـ«داتا» الكاملة عن نياتها العسكريّة، حتى ولو توفّر بعض المؤشرات على العملية. دخلت إسرائيل براً إلى القطاع، ففوجئت بحجم الاستعداد العسكري لحركة «حماس»، خصوصاً شبكة الأنفاق. ومع مرور الوقت للعملية العسكريّة، استطاعت إسرائيل جمع كثير من الـ«داتا» عن كلّ البنية العسكريّة، وعقيدة القتال لدى «حماس». لكن الثمن البشري لجمع الـ«داتا» في قطاع غزّة كان كبيراً.

تأثير الثورة التكنولوجيّة على الجيوش

مع الثورة التكنولوجيّة، سعت الجيوش إلى تقليص عديدها؛ الربط بين الأسلحة المتعدّدة للقتال المشترك، كما إلى القيادة والسيطرة عبر «الشبكة العنكبوتيّة (Network)». كان الهدف من هذه الثورة في الشؤون العسكريّة هو تقليص التكلفة الماديّة، كما الاعتماد على الأسلحة الذكيّة لتقليل الأضرار البشرية الجانبيّة قدر الإمكان، وأخيراً، وليس آخراً، حسم الحرب بسرعة. تبيّن بعد التجربة أن الأسلحة الذكيّة تصبح غبيّة في ظلّ غياب الـ«داتا» الصحيحة عن الهدف المَنْوي تدميره. وإذا توفّرت الـ«داتا» عن الهدف، فلا بد من وضعها في منظومة تعمل على تحليلها، وتحويلها إلى معرفة كي توزَّع على المُستعمل وبسرعة فائقة.

هذا عن الجيوش الحديثة القادرة على القيام بثورة عسكريّة في تنظيمها وطريقة قتالها... فماذا عمّن هو غير قادر على ذلك؟ كيف يقاتل؟ وكيف يُدافع عن مصالحه؟ في هذه الحالة نعود إلى السباق المُستعر بين «السيف» و«الدرع».


مقالات ذات صلة

غارة إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذار بالإخلاء

المشرق العربي دخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت بعد قصف إسرائيلي اليوم (ا,ف,ب)

غارة إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذار بالإخلاء

استهدفت غارة إسرائيلية، ليل الثلاثاء-الأربعاء، الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذار اسرائيلي بالإخلاء في أحد أحياء المنطقة، كما أظهرت لقطات بثّ مباشر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون على أنقاض مبنى دمرته غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تندد بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية» في قطاع غزة

ندّدت مسؤولة أممية رفيعة، الثلاثاء، بـ«وحشية يومية» تواجه سكان قطاع غزة المحاصر، الذي تقصفه إسرائيل، واصفة ما يجري هناك بـ«أعمال تذكّر بأخطر الجرائم الدولية».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أرشيفية - رويترز)

واشنطن: بلينكن أكد لإسرائيل أهمية تحسين الوضع الإنساني بغزة

قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الوزير أنتوني بلينكن شدد على أهمية تحسين الوضع الإنساني في غزة خلال اجتماع مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي سائق يقوم بفحص البضائع عند الحدود أثناء مرور شاحنات مساعدات عبر معبر إيريز على الحدود مع شمال قطاع غزة (إ.ب.أ)

غزة: فتح معبر جديد لدخول المساعدات الإنسانية

أعلن الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، فتح معبر جديد لدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بعد ضغط أميركي.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شمال افريقيا مائدة تجمع مصريين وغزيين داخل شقة في القناطر الخيرية (الشرق الأوسط)

«غزيو مصر» لم يحملوا الغربة في حقائبهم

بينما يجمع الغزيون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في مصر، على رغبتهم في العودة إلى القطاع، فإن أحداً منهم لم يشر إلى «الغربة»، أو يشكو «الوحشة والقلق».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الخارجية الأميركية: جنود من كوريا الشمالية ينضمون لروسيا في الحرب

قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)
قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)
TT

الخارجية الأميركية: جنود من كوريا الشمالية ينضمون لروسيا في الحرب

قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)
قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

قالت وزارة الخارجية الأميركية، اليوم (الثلاثاء)، إن قوات من كوريا الشمالية بدأت الاشتراك في عمليات قتالية في صفوف القوات الروسية، معبرة عن قلقها من استعانة روسيا بكوريا الشمالية لإرسال جنود للمشاركة في حربها على أوكرانيا.

وحسب «رويترز»، قال فيدانت باتيل، نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية للصحافيين في إفادة: «أرسلت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية أكثر من 10 آلاف جندي إلى شرق روسيا، وانتقل أغلبهم إلى منطقة كورسك في أقصى الغرب؛ حيث بدأوا الاشتراك في عمليات قتالية في صف القوات الروسية».